دين كامل وشريعة شاملة
د مراد باخريصة
1437/07/14 - 2016/04/21 14:00PM
دين كامل وشريعة شاملة
عباد الله: لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بدين شامل كامل بيّن لنا فيه كل شيء ووضح لنا فيه كل أمر وجاءت شريعة الله سبحانه وتعالى تبيانا لكل شيء وتفصيلا لكل الأحكام والقضايا ولم يترك الله سبحانه وتعالى لنا شيئا إلا وضحه خير توضيح وبينه كل بيان يقول الله تبارك وتعالى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89]ويقول { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء : 12] ويقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38].
إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أنزل الله سبحانه وتعالى عليه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3]
فالدين تام كامل وعام شامل ليس فيه نقص ولاخلل وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك شيئاً من الدين فيسكت عنه أو يذهل فإنه لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم" إنه ما من نبي قبلي إلا وأعلم أمته خير ما يعلمه لهم وأنذرهم شر ما يعلمه لهم " ويقول عليه الصلاة والسلام " تركتكم على المحجة البيضاء ليها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
إن الدين ليس مقصوراً على العبادات فقط وإنما هو دين كامل فيه العبادات والمعاملات والعقائد والأحكام والسياسة والاقتصاد والسيرة والأخلاق وكل شيء موجود في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيجب على المسلم الموحد لله المستسلم له حقاً أن يذعن لله في كل شيء ويطيعه في كل أمر ويكون عبداً حقيقياً لله في جميع الأوامر والنواهي وفي كل الأمور والقضايا {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
لقد ابتلي كثير من المسلمين اليوم بنظرة قاصرة في فهمه للدين فظن بعض الناس أن الدين مجرد صوم وصلاة وحج وزكاة وينسى أن السياسة أيضا من الدين ويجب عليه أن تكون مفاهيمه السياسية منطقلة من نظرة شرعية ربانية منتمية إلى منهج الله وحزبه الذين قال الله عنهم {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 56]وقال: { أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة : 22].
واقتصاده أيضا يجب أن يكون إسلاميا منبثقاً من شرع رب العالمين وحياته المدنية كذلك يجب أن تخضع لمنهج الله ودينه وكل شيء من أمور حياته لابد أن يكون صادراً عن رأي الدين وحكمه وأمر الله ونهيه حتى تكون عبداً لله حقا ومسلما له مستسلما في كل شيء.
وإلا فأين حقيقة العبودية لله ولدينه إذا كان الإنسان عبداً لله في الصلاة والصيام والطهارة والحج ثم يكون عبداً لغير الله في الانتماء والفكر السياسي ومخالفا له في النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي أمر الله به ورسمه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ووضحه.
وهل من المعقول أن يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الخلاء والسواك والأمور البسيطة ثم يتركنا هملاً في الأمور الكبيرة كالسياسة والقضاء والحكم والاقتصاد وتسيير شئون الحياة الاجتماعية والأخلاقية كلا والله
يقول الله { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 54] ويقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30].
وبعض الناس يظن أن الدين مجرد مظاهر فقط فيركز على العبادات الظاهرة دون العبادات القلبية الباطنة ويهتم بالمظهر الخارجي دون الجانب الروحي والإخلاص لله والصدق مع الله والاستسلام له في كل العبادات الظاهرة والباطنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح ا لجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
وقد حذرنا الله من المنافقين الذين يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن فقال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 142]وقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون : 4].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريف العبادة ( هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ).
لقد أثرت على بعض المسلمين أفكار العلمانية التي تدعوا إلى فصل الدين عن الحياة وظنوا أن الدين هو فقط صوم وصلاة وأقصروا التدين على المسجد ودور العبادة وظنوا أنه لا علاقة للدين في أحكام السوق والتجارة والاقتصاد وحسبوا أنه لا دخل للدين في الحكم والسياسة والجوانب العسكرية والقضائية والاجتماعية
ونسوا أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لنا في القرآن الكريم أحكام السياسة والولاء والعلاقات الداخلية والخارجية بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى وبينهم وبين المشركين والمنافقين.
وبيّن أحكام البيع والشراء والتجارة والرهن والتسليف والديون وغيرها من أحكام المعاملات المالية والاقتصادية والمصرفية
وذكر في شريعته أحكام الحرب والسلم والجهاد والمعارك وسير الغزوات والحروب والحدود وغيرها
فكله يجب أن يكون لله وصادراً عن شريعة الله فكيف يأتي مسلم بعد ذلك فيدعي أنه لادخل للدين بالسياسة الشرعية ولاعلاقة بين الدين والدنيا ولا ترابط بين الإسلام والأحكام العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
فكله يجب أن يكون لله فصلاتك وسجودك لله وانتماؤك وتحزبك يكون لمنهج الله وحزبه وسياستك وأفكارك ونظام حكمك يجب أن تكون تبعاً لأحكام الله وأوامره وحربك وقتالك يجب أن يكون في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله ونصرة شرعه وكل أمور حياتك كلها لله رب العالمين لاشريك له {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}
ويقول سبحانه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ – أي حتى لا يكون شرك بعضه لله وبعضه لغيره - فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال : 39].
ماذا سنقول لربنا يوم الجزاء والحساب إذا كنا عبيداً لله في أشياء وعبيداً لغيره في أشياء أخرى؟ وكيف سنلقى الله ونقابله إذا كانت صلاتنا لله وولائنا لغيره وانتماؤنا لمناهج دون منهجه؟
وكيف سيتقبل الله عباداتنا إذا كان فيها شيئا له وشيئا لغيره {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة : 5].
يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم.
فالله الله في الاستسلام الكامل لله والإذعان له في كل شيء وإخلاص جميع العبادات لوجهه الكريم وحده لاشريك له والحذر كل الحذر من أن يكون شيء من أمورنا لله وشيء لغيره فإن الله توعد على ذلك بأشد العذاب والوعيد فقال: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 85],
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
إن هذا الدين مسئوليتنا جميعاً وهو ديننا وفخرنا وعزنا ويجب علينا أن نعتز به ونبلغه حق تبليغه ونهتم به وننشره كله بشموليته وبجميع أحكامه لأنه دين شامل كامل حوى كل شيء وشمل كل المناحي.
إن ديننا دين كامل شامل وما علينا إلا أن نأخذه كله وننطوي في كل شيء تحت شريعته وأحكامه ونفهمه بشموليته وكماله ونعلم أنه دين الحق والخير والكمال
هذا نبينا صلى الله عليه وسلم قائدنا وقدوتنا أقام الدين كله لله فصلى وصام لله وساس الناس بسياسة الإسلام وشريعة الله وعسكرهم تحت راية التوحيد لا إله إلا الله وربط اقتصادهم وتجارتهم بشرع وأحكام الله وجعلهم عبيداً لله موحدين له في جميع أمور الدنيا والدين.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : 21]
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة : 6].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام ..
عباد الله: لقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بدين شامل كامل بيّن لنا فيه كل شيء ووضح لنا فيه كل أمر وجاءت شريعة الله سبحانه وتعالى تبيانا لكل شيء وتفصيلا لكل الأحكام والقضايا ولم يترك الله سبحانه وتعالى لنا شيئا إلا وضحه خير توضيح وبينه كل بيان يقول الله تبارك وتعالى { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل : 89]ويقول { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء : 12] ويقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام : 38].
إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أنزل الله سبحانه وتعالى عليه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3]
فالدين تام كامل وعام شامل ليس فيه نقص ولاخلل وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يترك شيئاً من الدين فيسكت عنه أو يذهل فإنه لاينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم" إنه ما من نبي قبلي إلا وأعلم أمته خير ما يعلمه لهم وأنذرهم شر ما يعلمه لهم " ويقول عليه الصلاة والسلام " تركتكم على المحجة البيضاء ليها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
إن الدين ليس مقصوراً على العبادات فقط وإنما هو دين كامل فيه العبادات والمعاملات والعقائد والأحكام والسياسة والاقتصاد والسيرة والأخلاق وكل شيء موجود في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيجب على المسلم الموحد لله المستسلم له حقاً أن يذعن لله في كل شيء ويطيعه في كل أمر ويكون عبداً حقيقياً لله في جميع الأوامر والنواهي وفي كل الأمور والقضايا {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} وقال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
لقد ابتلي كثير من المسلمين اليوم بنظرة قاصرة في فهمه للدين فظن بعض الناس أن الدين مجرد صوم وصلاة وحج وزكاة وينسى أن السياسة أيضا من الدين ويجب عليه أن تكون مفاهيمه السياسية منطقلة من نظرة شرعية ربانية منتمية إلى منهج الله وحزبه الذين قال الله عنهم {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة : 56]وقال: { أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة : 22].
واقتصاده أيضا يجب أن يكون إسلاميا منبثقاً من شرع رب العالمين وحياته المدنية كذلك يجب أن تخضع لمنهج الله ودينه وكل شيء من أمور حياته لابد أن يكون صادراً عن رأي الدين وحكمه وأمر الله ونهيه حتى تكون عبداً لله حقا ومسلما له مستسلما في كل شيء.
وإلا فأين حقيقة العبودية لله ولدينه إذا كان الإنسان عبداً لله في الصلاة والصيام والطهارة والحج ثم يكون عبداً لغير الله في الانتماء والفكر السياسي ومخالفا له في النظام الاقتصادي والاجتماعي الذي أمر الله به ورسمه لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ووضحه.
وهل من المعقول أن يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكام الخلاء والسواك والأمور البسيطة ثم يتركنا هملاً في الأمور الكبيرة كالسياسة والقضاء والحكم والاقتصاد وتسيير شئون الحياة الاجتماعية والأخلاقية كلا والله
يقول الله { أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف : 54] ويقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم : 30].
وبعض الناس يظن أن الدين مجرد مظاهر فقط فيركز على العبادات الظاهرة دون العبادات القلبية الباطنة ويهتم بالمظهر الخارجي دون الجانب الروحي والإخلاص لله والصدق مع الله والاستسلام له في كل العبادات الظاهرة والباطنة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح ا لجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
وقد حذرنا الله من المنافقين الذين يهتمون بالظاهر ويهملون الباطن فقال {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 142]وقال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون : 4].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تعريف العبادة ( هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ).
لقد أثرت على بعض المسلمين أفكار العلمانية التي تدعوا إلى فصل الدين عن الحياة وظنوا أن الدين هو فقط صوم وصلاة وأقصروا التدين على المسجد ودور العبادة وظنوا أنه لا علاقة للدين في أحكام السوق والتجارة والاقتصاد وحسبوا أنه لا دخل للدين في الحكم والسياسة والجوانب العسكرية والقضائية والاجتماعية
ونسوا أن الله سبحانه وتعالى قد بيّن لنا في القرآن الكريم أحكام السياسة والولاء والعلاقات الداخلية والخارجية بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى وبينهم وبين المشركين والمنافقين.
وبيّن أحكام البيع والشراء والتجارة والرهن والتسليف والديون وغيرها من أحكام المعاملات المالية والاقتصادية والمصرفية
وذكر في شريعته أحكام الحرب والسلم والجهاد والمعارك وسير الغزوات والحروب والحدود وغيرها
فكله يجب أن يكون لله وصادراً عن شريعة الله فكيف يأتي مسلم بعد ذلك فيدعي أنه لادخل للدين بالسياسة الشرعية ولاعلاقة بين الدين والدنيا ولا ترابط بين الإسلام والأحكام العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية
فكله يجب أن يكون لله فصلاتك وسجودك لله وانتماؤك وتحزبك يكون لمنهج الله وحزبه وسياستك وأفكارك ونظام حكمك يجب أن تكون تبعاً لأحكام الله وأوامره وحربك وقتالك يجب أن يكون في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله ونصرة شرعه وكل أمور حياتك كلها لله رب العالمين لاشريك له {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}
ويقول سبحانه {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ – أي حتى لا يكون شرك بعضه لله وبعضه لغيره - فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال : 39].
ماذا سنقول لربنا يوم الجزاء والحساب إذا كنا عبيداً لله في أشياء وعبيداً لغيره في أشياء أخرى؟ وكيف سنلقى الله ونقابله إذا كانت صلاتنا لله وولائنا لغيره وانتماؤنا لمناهج دون منهجه؟
وكيف سيتقبل الله عباداتنا إذا كان فيها شيئا له وشيئا لغيره {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة : 5].
يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) رواه مسلم.
فالله الله في الاستسلام الكامل لله والإذعان له في كل شيء وإخلاص جميع العبادات لوجهه الكريم وحده لاشريك له والحذر كل الحذر من أن يكون شيء من أمورنا لله وشيء لغيره فإن الله توعد على ذلك بأشد العذاب والوعيد فقال: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 85],
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية:
إن هذا الدين مسئوليتنا جميعاً وهو ديننا وفخرنا وعزنا ويجب علينا أن نعتز به ونبلغه حق تبليغه ونهتم به وننشره كله بشموليته وبجميع أحكامه لأنه دين شامل كامل حوى كل شيء وشمل كل المناحي.
إن ديننا دين كامل شامل وما علينا إلا أن نأخذه كله وننطوي في كل شيء تحت شريعته وأحكامه ونفهمه بشموليته وكماله ونعلم أنه دين الحق والخير والكمال
هذا نبينا صلى الله عليه وسلم قائدنا وقدوتنا أقام الدين كله لله فصلى وصام لله وساس الناس بسياسة الإسلام وشريعة الله وعسكرهم تحت راية التوحيد لا إله إلا الله وربط اقتصادهم وتجارتهم بشرع وأحكام الله وجعلهم عبيداً لله موحدين له في جميع أمور الدنيا والدين.
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب : 21]
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الممتحنة : 6].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام ..