دَوْر المواطِنِ فِي تَحْقيقِ الأَمْنِ

عايد القزلان التميمي
1442/02/21 - 2020/10/08 22:03PM
خُطْبَةٌ عَنْ دَوْرِ المواطِنِ فِي تَحْقيقِ الأَمْنِ
22 صفر 1442هـ

الخطبة الأولى : الحمدُ لله القائل: {وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْنًا} أحمدُه سبحانه وأشكره على نعمِه وآلائه العظمى، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: {فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ} وأشهَد أنَّ نبيَّنا محمَّدًا عبدالله ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ فيا عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ))

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّ نِعَمَ اللَّهِ عَلَى الخَلْقِ كَثيرَة لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى ، وَأَعْظَمُ النِّعَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نِعْمَة الأَمْنِ ، فالْأَمْنُ طُمَأْنِينة وسكينة وراحة في القَلْبِ ، والْحَياةُ لَا يَكونُ فِيهَا تُقَدِّمٌ وَتَطَوُّرٌ مِنْ دُونِ الأَمْنِ ، فَكَيْفَ يَطيبُ العَيْشُ إِذَا انْعَدَمَ الأَمْنُ ، فَمَعَ الأَمْنِ تَزْدادُ الْآمَالُ وَتَطْمَئِنُ النُّفوس ، فَإِذَا شَاعَ الأَمْنُ تَعَدَّدَتْ وازدهرت أَنْشِطَةُ الأَفْرادِ الِاقْتِصاديَّةِ والتِّجاريَّةِ وَتَنَوَّعَتْ الأَرْزاقُ , وَلِذَلِكَ ذِكْرَ اللَّهُ فِي كِتابِهِ عَنْ إِبْراهيمَ عَلَيْه السَّلام أَنَّهُ قَدَّمَ طَلَبَ الأَمْنِ عَلَى الرِّزْقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى  (( وَإِذْ قَالَ إِبْراهيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمَنًا وَارْزُقَ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ مِنْ آمَنٍ مِنْهُمْ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرِ فَأَمْتَعَهُ قَلِيلًا ثُمَّ أُضْطَرَهُ إِلَى عَذابِ النّارِ وَبِئْسَ المَصيرُ ))

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ : ( مِنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافىً فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا » ) ؛ فَهَذِهِ الأُمورُ وَعَلَى رَأْسِها الأَمْنُ فِي الأوْطان , والْأَمْنُ فِي البَيْتِ هِيَ مِفْتاحُ السَّعادَةِ وَكَأَنَّكَ عِنْدَمَا تَمْلِكُها تَمْلِكُ الدُّنْيَا كُلَّها .

عِباد اللَّهِ : وَمَن دَوْرِ المواطِنِ فِي تَحْقيقِ الأَمْنِ , الِافْتِخارُ بِالِانْتِمَاءِ لِلْوَطَنِ وَمَحَبَّتِهِ وَصيانَتِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ والْحِرْصِ عَلَى سَلامَتِهِ واحْتِرامِ أَفْرادِهِ وَتَقْديرِ عُلَمائِهِ وَطاعَةِ وُلاةِ أَمْرِهِ واحْتِرامِ أَنْظِمَتِهِ وَثَقافَتِهِ والْمُحافَظَةِ عَلَى مَرافِقِهِ وَمَوارِدِ الِاقْتِصادِ فِيه , وَنَحُثُّ بَعْضَنا عَلَى ذَلِكَ وَنَتَعاوَنَ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا اسْتِجابَةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ والْعُدْوانِ)).

  أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّنَا نَعيشُ فِي زَمَنٍ مُتَقَدِّمٍ وَمُتَطَوِّرٍ فِي الِاتِّصَالَاتِ والتِّقْنيَّةِ وَبَرامِجِ التَّواصُلِ اَلَّتِي قَرَّبَتْ العالَمَ , وَنَجِدُ أَنْفُسَنا مَسْئُولِينَ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ فِي حِمايَةِ الدَّوْلَةِ تَحْقِيقًا لِأَمْنِنا .

وَإِنَّ المواطِنَ هوَ الرَّجُلُ الأَوَّلُ فِي خَطِّ الدِّفَاعِ عَن الوطن وَلِتَحْقِيقِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مواطِنٍ وَمُقيمٍ فِي هَذِهِ البِلادِ أَنْ يُساهِمَ فِي عَدَمِ نَشْرِ الإِشاعاتِ أَوْ المَعْلُومَاتُ الغَيْرِ موَثَّقَة والتَّثَبُّتِ مِنْهَا قَبْلَ إِعادَةِ إِرْسالِها وَمُحارَبَةِ الإِشاعاتِ وَذَلِكَ بِتَوْضيحِها والرَّدِّ عَلَيْهَا , وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ نَشْرِ الشّائِعاتِ ، وَأَمَرَ بِرَدِّ الأُمورِ إِلَى الشَّريعَةِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ ، قال سبحانه ((وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ))

عِبادَ اللَّهِ إِنَّ بِلادَنا المَمْلَكَةَ العَرَبيَّةَ السُّعوديَّةَ تَسْتَحِقُّ مِنَّا أَنْ نَكونَ خَطَّ الدِّفَاعِ الأَوَّلِ لِحِمَايَتِهَا مِنْ كُلِّ شَرِّ وحاسد وحاقد .

وَاعْلَمُوا أيها المؤمنون إِنَّ أَمنَ هَذَا البَلَد هوَ مَسْؤوليَّتِنا جَمِيعًا فَنَحْنُ مُسْتَهْدَفِينَ مِنْ الأَعْداءِ اَلْحاقِدينَ عَلَى بَلَدِنا بِمَا مَيَّزْنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ خَيْراتٍ وَقيادَةٍ تَحْكمُ بِشَريعَةِ الإِسْلامِ وَخِدْمَةِ الحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَلحْمَةٌ وَطَنيَّةٌ وترابط اجتماعي بَيْنَ القيادَةِ والْمواطِنِ  .

 ((يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)) .

 بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، فاستغفِروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية : الحمد لله ربِّ العالمين، أحمده سبحانه وأشكرُه على نِعمةِ الأمن والدّين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له وليُّ الصالحين، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين

أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : إِنَّنَا نَمُرُّ بِظُروفٍ عَصيبَةٍ ، وَفُتِنٍ عَظيمَةٍ يَتَرَبَّصُ بِنَا الأَعْداء مِنْ كُلِّ جانِبٍ ، أَعْداءٌ مِنْ الدَّاخِلِ ، وَأَعْداءٌ مِنْ الخَارِجِ ، وَكُلُّ هَذَا يَتَطَلَّبُ مِنَّا الوُقوفَ مَعَ وُلاةِ أَمَرِنا صَفًّا واحِداً ، نَسْمَعُ وَنُطيع فِي غَيْرِ مَعْصيَةِ اللَّهِ ، وَنَدْعُو لَهُمْ بِالصَّلَاحِ ، وَاَلْمُعافاةَ ، وَأَنْ يُعينَهُمْ اللَّهُ عَلَى مَا حَمَلوا مِنْ الأَمانَةِ ، قال النبي ﷺ (( عَلَى الْـمَرْءِ الْـمُسْلِمِ الـسَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَـا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِـمَعْصِيَةٍ،فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طَاعَةَ)). رواه البخاري ومسلم
وَنَحْنُ بِحَمْدِ اللَّهِ فِي هَذَا البَلَدِ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِالِاجْتِمَاعِ عَلَى ولاة أمرنا الذين جَمَعَ اللَّهِ بِهِ الكَلِمَةُ ، وَأَعَزَّ اللَّهُ بِهِم الإِسْلام والسُّنَّةَ ، فَمَن خَرَجَ عَلَى هَذِهِ الجَماعَةِ وَإِمامِهِمْ فَهُوَ مِنْ أَسْبابِ هَلاكِهِ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ , وَلِهَذَا لِما أَخْبَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ مِنْ الفِتَنِ والشَّرِّ اَلَّذِي سَيَقَعُ بَعْدَهُ قَالَ لَهُ حُذَيْفَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَما تَأْمُرُنِي إنْ أَدْرَكَنِي ذلكَ؟ قالَ صلى الله عليه وسلم:(( تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وإمَامَهُمْ )) .[ رواه البخاري ومسلم ]

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لُزومَ جَماعَةِ المُسْلِمِينَ ، وإمَامَهُمْ سَبَبٌ عَظيمٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ الفِتَنِ وَاَلْشُرورِ ، وَأَنَّ مِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الفِتْنَةِ شَاءَ أَمْ أَبَى .

 أَسْأَل اللَّه أَنْ يَحْفَظَ عَلَيْنَا دِينَنَا وَأَمْنَنا واجْتِماعَ كَلِمَتِنا ، وَوَحْدَةَ صَفِّنا ، وَعُلَمائِنا ، وَوُلاةَ أَمَرِنا ، وَأَنْ يَحْفَظَ شَبابَنا وَفَتَياتِنا ، وَأَنْ يَهْديَهُمْ إِلَى صِراطِهِ المُسْتَقيمِ , هَذَا وَصَلوا وَسَلَّموا عَلَى الحَبيبِ المُصْطَفَى فَقَدْ أَمْرَكُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ فَقَالَ جَلُّ مِنْ قائِلٍ عَلِيمًا :  ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))

 

المرفقات

خطبة-عن-دور-المواطن-في-تحقيق-الأمن-22-صفر-144

خطبة-عن-دور-المواطن-في-تحقيق-الأمن-22-صفر-144

المشاهدات 1338 | التعليقات 0