دور الأسرة في تربية الأولاد
خالد الكناني
دور الأسرة في تربية الأولاد
الحمد لله ربِّ العالمين ، أنعم علينا بنعمة الأولاد وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جعل المال والبنين زينة الحياة الدنيا ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا )) ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه ، أكرم الخلق وخير أب فاضت بالمشاعر حناياه ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : عباد الله اتقوا الله تعالى في أولادكم فهم أمانة في أعناقكم وتربيتهم ورعاية شؤونهم من مسؤولياتكم ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ، وهذه الأمانة أمر الله تعالى بوجوب وقايتها من النار والحرص على تقوى الله في ذلك ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } ، قال السعدي رحمه الله في تفسيره : ((ووقاية الأهل [والأولاد] ، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه ))
وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المرء يسأل عن رعيته وأن الوالدين عليهما حق الرعاية ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» .... فتربية الأولاد ورعايتهم مسؤولية ... قد يتسبب إهمالها وعدم القيام بها إلى مصير مؤلم ينتظر الوالدين ، فعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ الْمُزنِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»
أيها المسلمون : الأسرة هي المحضن الأول والأساس في التربية والتنشئة الصالحة إذا حرصت واعتنت وقامت بدورها المناط بها ، وقد تكون هي السبب للانحراف والضياع إذا أهمل الوالدان الدور التربوي المناط بهما ولم يقوما به على الوجه المطلوب .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ..... )) .... ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ}
فدور الأبوين مهم جدا في تحديد مسار الأولاد ، فكما أنهما سبب في صلاحه ، فقد يكونا سببا في فساده إذا لم يقوما بالدور التربوي المناط بهما ، يقول ابن القيم رحمه الله : ((وَكم مِمَّن أَشْقَى وَلَده وفلذة كبده فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بإهماله وَترك تأديبه وإعانته لَهُ على شهواته وَيَزْعُم أَنه يُكرمهُ وَقد أهانه وَأَنه يرحمه وَقد ظلمه وَحرمه ففاته انتفاعه بولده وفوت عَلَيْهِ حَظه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِذا اعْتبرت الْفساد فِي الْأَوْلَاد رَأَيْت عامته من قبل الْآبَاء ))
أيها المسلمون : يتضح لنا مما سبق المسؤولية الكبيرة الملقاة على الوالدين من أجل تربية الأولاد وتنشئتهم نشأة صالحة لابد من اتباع خطوات مهمة نص عليها القرآن الكريم وبيناها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن هذه الخطوات :
· الدعاء للأولاد بالصلاح والهداية والخير
وهذا الخليل إبراهيم عليه السلام يدعو فيقول : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } ، وقال أيضا : {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } ورفع أكف الضراعة إلى ربه تبارك وتعالى قائلا : { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }
وهذا زكريا عليه السلام لا يطلب الذرية فقط ، بل يطلبها مع كونها طيِّبة صالحة ، قال تعالى : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ }
وهكذا عباد الرحمن يدعون الله بأن يهب لهم ما تقر به أعينهم من الذرية الصالحة ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا }
· ومن الخطوات المهمة في التربية الصالحة للأولاد القدوة الحسنة في الوالدين ، { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا }فالأولاد يقتدون بالوالدين ويكتسبون منهم الاخلاق الكريمة والعكس بالعكس ، قال تعالى ذاكرا حجة قريش الداحضة التي احتجوا بها : { بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}... فالوالدان لهما الدور الكبير في غرس القيم الإسلامية العليا والاخلاق الفاضلة من خلال ممارستهم لها كالصدق والأمانة والكرم والبذل والعطاء والكسب الحلال والانجاز وحفظ الوقت وتحمل المسؤولية وغيرها .
· ومن الخطوات المهمة غرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد منذ نعومة أظفارهم ... ابتداء بنطق الشهادتين والتأمل في أسماء الله وصفاته وعجيب مخلوقاته ، وغرس محبة الله والخوف منه ورجاء رحمته ، والبعد كل البعد عن ما يخدش التوحيد ، وهذا لقمان الحكيم كان من وصاياه لابنه البعد كل البعد عن الشرك ، قال تعالى : ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ))
أعظم وصية لا تشرك بالله ... لا تجعل مع الله أحدا تعبده أو تتجه إلية أو ترجوه.....
قال تعالى : ((قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)
· ومن الخطوات لتحقيق التنشئة الصالحة ، التربية على المحافظة على الفرائض ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ )) فمن وصايا لقمان لابنه وهو يعظه (( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ))
· ومن الأمور التي يجب على الأسرة الاهتمام بها وتنشئة الاولاد عليها ، غرس مراقبة الله في كل شؤونهم .... مراقبة الله في السر والعلن
· لقد جاء من وصايا لقمان لابنه في القرآن الكريم : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }
· غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم والتنشئة على الآداب الإسلامية وتدريبهم عليها من آداب الأكل والشرب والنوم وآداب الضيافة والمجلس وآداب قضاء الحاجة ، فمن وصايا لقمان عليه السلام في القرآن الكريم ، قال تعالى : { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد : عباد الله
فإن من الأمور التربوية الهامة والتي ينبغي للوالدين العناية بها بناء العلاقة الايجابية مع الاولاد التلطف بهما والرحمة وإظهار محبتهم والجلوس معهم وإعطاء الوقت الكافي والمناسب والحوار الاسري الايجابي داخل الاسرة والبعد كل البعد عن سماع الكلمات والعبارات السيئة للأولاد وإن على الوالدين أن يربؤوا بأنفسهم عن السب والشتم والبذاءة اللفظية .
وكذلك العدل بين الاولاد في المعاملة والعطاءات .... عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَارْجِعْهُ» ، وفي رواية ((قَالَ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ ))
وفي رواية «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»
وكذلك على الوالدين أن يحرصا على تعليم الاولاد وتشجيعهم على حفظ القرآن الكريم وفهم معانيه ومدارسته ، وتعلم العلوم النافعة والمهارات العملية والتقنية .
ثم اعلموا أن هذه الجهود التي تبذل من الوالدين تعود ثمارها لكم في الدنيا والآخرة ــ ذلك أنه تقر أعينكم بصلاحهم ونفعهم لكم في الدنيا وبرهم بكم وأعظم من ذلك بعد وفاتكم
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ ))
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ))
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
المرفقات
1700538187_دور الأسرة في تربية الأولاد.pdf