(دمعة في الحج )للشيخ الشنقيطي حفظه الله

سعيد المفضلي
1432/11/22 - 2011/10/20 16:30PM
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه .
أما بعد ...
إخواني في الله :
الحج ركن من أركان الإسلام وشعيرة من شعائره العظام دعا إليه رب العالمين وأوجبه على عباده المستطيعين نادى به نبيه الخليل كما قص الله عز وجل خبره في التنزيل نادى به فأذن فبلغ الله أذانه فلما علم عباد الله المؤمنين بذلك الدعاء وذلك النداء تفتحت له أسماعهم وتفتحت له قلوبهم فصاروا له مجيبين ولداعيه ملبين قطعوا الوهاد وساروا الفيافي وجاوزوا النجاد محبة ومرضاة لرب العباد ساروا إلى الله ملبين ولرحمته راجين خرجوا، وماللدنيا خرجوا ، خرجوا لرحمة الله طامعين وفي جوده وإحسانه وعظيم كرمه آملين ، خرجوا إلى الله يرجون رحمة الله بقلوب مليئة بالإجلال والشوق والحنين إلى عفو الله ، خرجوا وماكانت الدنيا نصب أعينهم إذ خرجوا ، خرجوا وكلهم أمل في الله تبارك وتعالى أن يناديهم حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور لذلك أحبتي في الله ما ضٌربت قدم على الأرض أشرف عند الله عز وجل ولا أزكى من قدم المطيع لربه وما وفد وافد يسير على الفجاج أحب إلى الله من وافد على بيته أحب إلى الله من هذا الركب العزيز الذي فارق كل عزيز إنه ركب الله ووفد الله القادم على الله لذلك أحبتي في الله قصة هذا الركب قصة مليئة بالعبر والعظات فهو الوفد الذي لله خشع وفي رحمة الله طمع إنه وفد الله الذي تذكرك أقواله وأفعاله برحمة الله أقوام باعوا اللحظات وباعوا الساعات لكي يتقربوا إلى رب البريات خرجوا إلى الله تبارك وتعالى بهذه الرحلة التي سطرت في دواوين الحسنات فأقيلت بها العثرات ورفعت بها الدرجات فيالله كم فائز منهم برحمة الله ويا لله كم سعيد منهم برضوان الله لذلك أحبتي في الله نسير مع هذه الركاب وننتقل مع هذه الرحلة مرحلة مرحله لماذا عز عند الله شأنهم وارتفع عند الله قدرهم لأن الحاج إلى بيت الله في جهاد وجلاد من أول لحظة تدخل فيها تلك الكلمة تدعوه إلى الإقبال إلى بيت الله يعيش الصراع هل أحج هذا العام ؟ أم أرجئ إلى الأعوام ؟ يعيش أول ما يعيش في صراع مع نفس متخاذلة عن طاعة الله متثابطة يصارعها يجالدها يجاهدها ثم مع الزوجات ثم مع الأبناء والبنات ثم مع الأموال والتجارات أأحج أم لا أحج أأنتظر أم أبادر حتى يشاء الله عز وجل أن يختاره في الركاب فإذا عقدت النفس النية وعقد القلب العزم على المسير إلى الله والإنتقال إلى رياض رحمة الله إلى البيت العتيق حتى إذا صدق عزمه وقوي يقينه عندها تكون أول وقفة لنا مع الحاج إلى بيت الله الحرام إذا عقد الحاج النية أو عقدت الحج إلى بيت الله الحرام كانت أول وقفة حينما تشد الرحال وتعزم على المسير إلى الكبير المتعال فتقف على الباب لكي تنظر إلى الابن والبنت لكي تنظر إلى الأخ والأخت لكي تنظر بدمعة تسح على الخد لفراقهم حتى إذا أصابت سويداء قلبك تلك الحسرة على فراقهم إذا بنداء من الأعماق يذكرك بيوم عظيم يذكرك بساعة من فراق وأي ساعة فراق تناديك نفسك يا عبد الله اليوم تودعهم وأنت قادر على الوداع بكلمات رقيقات فكيف إذا انقطع الأثر وخسف البصر ونفذ القدر كيف بك إذا أصبحت أسيراً للمسير إلى الله فلذلك تتحرك في النفس داع ذكر الآخرة تتحرك في سويداء القلب تلك العظة البالغة اليوم تودعهم وغدا يودعوك واليوم تنظر إليهم وغدا يناظروك اليوم تبادلهم الكلمات فمن لك إذا انقطع لسانك ووجل جنانك ولم تستطع أن تبيح بما في النفس من حسراتها فهذه أول وقفة ومن هذه الوقفة إلى ختام الحج تنتقل من مرحلة إلى مرحلة تذكرك بالآخرة فتجيش في النفس عبرتها وتحرك في القلوب خشوعها ،
أما الوقفة الثانية فبعد لحظات يسيرة فارقت الأهل والإخوان وودعت الأحباب والخلان فإذا بأوامر الشرع تأتيك عند الميقات إنزع ثيابك وتجرد عن مخيطك واغتسل لحجك وعمرتك فاستجبت ولبيت وقلت : سمعا وطاعة فغسلت واغتسلت وأزلت عنك الثياب وما إن رفعت الثوب عن الجسد حتى تحركت في النفس أشجانها وانبعثت في القلوب أحزانها اليوم أزيل لباسي فكيف بغدٍ إذا أزيل عني لباسي اليوم أرفع ثوبي وأجرد عن مخيطي فكيف بي غداً إذا جردت من الثياب وولجت من ذلك الباب مسيرا إلى رب الأرباب اليوم أغسل نفسي فكيف بي غدا إذا أغسل وكيف بي إذا أكفن وما هي إلا لحظات حتى تلبس الإزار والمخيط وتنخرط مع تلك الجماعات تلبيه توحيد تكبير تمجيد لا إله إلا الله ما أعزها من خطاً عند الله وما أكرمها من وفود على الله منذ أن تجردت من لباسك وأصبحت في عداد المحرمين كأن هيئتك تقول لك الآن أصبحت مع المحرمين وغداً ستصير في عداد المغتربين كما أن صاحب الإحرام تحضر عليه محظورات الإحرام فلا طيب ولا متعة من الأمور المرفهة كذلك إذا أوسد في لحده واضجع في قبره فكأنه في المرحلة الثانية بعد لبس إزاره وردائه ، فا الله أكبر ما أجلها من عظات الله أكبر ما أعظمها من آيات دلت وشهدت بوحدانية رب البريات وسارت الخطى على تلك الأرض التي والله مارفعت قدما ولاحططت أخرى إلا سطرت في ديوانك ولقيت بها رباً يبيض بها الوجوه إذا لقيه أصحابها ، وسرت مع الوافدين في عداد المسافرين وكأن سفر الحج يذكرك بالسفر الطويل يذكرك بالمسير إلى العظيم الجليل سرت معهم فرأيت عبرا لا تنسى وآيات عظيمة جل من وضعها وعلا تسير في الركاب فترى في السفر عجبا وأي عجاب تسير مع الأصحاب والأحباب لكي ترى إن نظرت أمامك إلى قفار و وهاد إلى أشجار وثمار إلى جبال وأنهار تذكر بالواحد العظيم القهار ما تقدمت ولا خطوت إلا وكان في قلبك أثر يذكرك بأن لا إله إلا الله كون مليئ بالعبر وعبادة تهز كيانك لأن تكون من المعتبرين وسرت مع الراحلين وسرت مع المغتربين وما هي إلا لحظات وما هي إلا أيام حتى وطئت دار السلام وعندها أخي في الله لتصدع بشكر الله والثناء على الله فكم من وفود تمنت وكم من قلوب حنت وأنّت لكي تدخل البيت الله الحرام كم من عيون تمنى أصحابها رؤية البيت الحرام وكم من أجساد وأرواح طمعت أن تطوف ببيت الله إخترمتها البحار والتقمتها القفار وصارت إلى العزيز القهار والله تفضل فاختارك من بين العباد حاجاً وافداً فما أجلها من نعمة وما أعظمها من منة حتى إذا وطئت بيت الله وطئته وأنت تجل نعمة الله وتعظم منحة الله وطئت البيت الحرام وكلك إجلال وإعظام للملك العلام أي بيت أي مكان أي بلد أي منزل إنه البلد الذي اختاره الله من بين البلاد صحيح أنه لا أنهار ولا أشجار ولا فتن من الدنيا بادية وليس فيه من فتن الدنيا وأنهارها ونعيمها ولكن فيه الروح والريحان فيه الرضا والغفران فيه الصفح والإحسان فيا لله ما أعظمها من منازل عظمها الله ورفع شأنها الله ما أعظمها من منازل لو أذن لتلك البقاع أن تتحدث لو أذن لتلك المواضع أن تنطق فكم عليها من دعوات أجيبت وكم عليها من هموم فرجت وكم عليها من غموم نفست إنها منازل الله ومحط رحمة الله حتى إذا وطئتها وطئتها بقلب يعظمها ( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب )
يا عابد الله إذا نزلت إلى بيت الله فادخله لله منكسرا ومن هيبته خاشعا أدخله بذلة لله أدخله بالسكينة والوقار فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح في يوم أعز الله فيه أهل دينه دخل صلوات الله وسلامه عليه مطئطئا رأسه ذلة لله حتى إن لحيته يكاد يمس قربوس سرجه صلوات الله وسلامه عليه ذلة و ظعة منازل لاترفع فيها الرؤوس خشية لله ولا يظهر الإنسان فيها إلا الفاقة والحاجة إلى الله فيها بيت توجهت إليه القلوب والقوالب وصفا ومروة ومنى و مزدلفة وعرفات وأي عرفات منازل مباركات منازل عند الله جليلة وأماكن عند الله عظيمة لذلك أحبتي في الله إذا دخل الحاج إلى تلك المواطن دخلها بقلب يعظم الله دخلها وكله ثناء على الله إذ بلغها وأما إجلالها فكله شوق وطمع في الله أن يرزقه الأدب في جوار بيته المحرم فما أسعده من عبد رزقه الله عز وجل عفة السمع والبصر وما أسعده من عبد رزقه الله عز وجل الأدب معه والأدب مع خلقه في جوار كعبته وبيته .
وما هي إلا لحظات حتى يرى العبد بيت رب البريات وعندها يخشع القلب لله ويذل لله تبارك وتعالى ويبتدء في طوافه وينتهي من مطافه حتى يرقى الصفا فقد رقاها صلوات الله وسلامه عليه من نبي مجتبى فلما رقاها قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لماذا هلل ؟ هلل لأنه بالأمس القريب كان يقف على الصف يقول لهم منذرا ومحذرا ومبينا ( سلوني من مالي ما شئتم لا أغني لكم من الله شيئا ) فقال له أبو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا .
فبالأمس يكذب وبالأمس يهان وهو على هذا المكان ويشاء الله عز وجل يوم حجة الوداع مئة ألف نفس تضع رأسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رقى الصفا تذكر إذ يهان في البيت فكان أول ما لفظ به توحيد الله فقال : لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده تذكر نعمة الله عز وجل وهذا هو شأن الأخيار شأن الصفوة الأبرار إذا أصابهم الله بنعمته وتفضل عليهم بمنته أجل الله عز وجل حق إجلاله وأعظموه حق إعظامه حتى إذا شاء الله عز وجل ما شاء فمضيت بين الصفا والمروة تنتقل من معلم توحيد إلى معلم توحيد لرب العبيد حتى إذا شاء الله لك أن تبلغ الموطن المبارك الذي هو الحج الأكبر والذي بعده المشعر إنه عرفات وما أدراك ما يوم عرفات يوم تفطرت فيه القلوب لرب البريات
ما طلعت الشمس على يوم أفضل عند الله من يوم عرفة أخي ما أخي إذا طلعت عليك شمس ذلك اليوم فنادي النفس نداء صادقا هو يوم واحد وقد كان من لطف الله وتيسيره أن جعل الموقف بعد الزوال سويعات فاحتسب عند الله تباك وتعالى فيها بالدعوات وادخل إلى عرفات بقلب منكسر لرب البريات وأصد من سنن النبي صلى الله عليه وسلم ما بين لك حتى إذا انتهيت حتى إذا انتهيت من صلاتك وسمعت المواعظ التي ينبغي لكل مؤمن بالله واليوم الآخر أن يترسم نهجها وأن يسير على سبيلها حتى إذا قضيت ذلك كله سرت إلى الموقف سرت بذلك القلب المنكسر إلى الله تبارك وتعالى سرت وأنت تتذكر ذنوبا بينك وبين الله .
والله يسير العبد إلى الموقف والخطى ثقيلة يسير إلى الموقف بخطى ثقيلة حينما يتذكر الذنوب فيما بينه وبين الله يسير وهو ينكسر إلى العلي الكبير يسير وهو يحس من نفسه أن الذنوب تؤرقه وأن الخطايا تحطه وتهده حتى إذا صار إلى موقفه ووقف بين يدي الله تبارك وتعالى نسي الدنيا وما فيها وأقبل على الله يناجيه ويناديه بين لوعتين لوعة الماضي ولوعة المستقبل أما الماضي فبينه وبين الله حدودا طالما جاوزها ومحارم طالما أصابها وبينه وبين الله حدودا لعباده أصابها وحقوقا لخلقه ضيعها فإذا صار العبد إلى ذلك الموقف يسير بذلك القلب الخاشع الذليل ويا لله ما أعظمه من موقف لو أن الإنسان استشعر تلك الساعة المباركة التي يدنوا الله عز وجل فيها دنواً يليق بجلاله وعظمته لأهل الموقف ويقول لملائكته ما أراد هؤلاء ؟ يقول بعض العلماء استفهام إجلال و إعظام وإكبار
أي أي شيء أراد هؤلاء يدل على أن الله سيصيبهم من رحمته ورضوانه بما لم يخطر على بال ماذا أراد هؤلاء أينسى الله تبارك وتعالى وما كان ربك نسيا
تلك الخطى التي قدمت بها عليه أينسى إذ تغبر الخطى إليه أينسى الشعث الذي تقربت به إليه حتى إن الإمام أحمد رحمه الله سئل هل ينظر الحاج في المرءاة قال إن كان ينظر من أجل إصلاح شعرة فلا حتى لا يذهب شعثه يقول بعض العلماء إن الله تعالى يباهي بشعث الإنسان وغبره ولذلك استحب العلماء إذا كان الإنسان له إزار فاتسخ أو أصابه شيء من القذر أن يقف به حتى يكون أبلغ في الذلة لله عز وجل حتى يكون أبلغ في التجرد من الدنيا حتى يكون أبلغ في أنه يحس بالآخرة وأنه والله ماقدم لكي يتعالى على عباد الله ولكن ليذل لله وجل الله حق والله للعبد أن يتذلل وحق له أن ينكسر .

تبارك الله وجل الله أعظم ما فاهت به الأفواه

سبحان من ذلت له الأشراف أكرم من يرجى ومن يخاف
وإذا لم يذل العبد لربه فلمن يذل ثم ارمي بطرفك إلى هذه الأمم التي اجتمعت على عرفات ذابت أنسابهم وذهبت أحسابهم وأصبحوا لا تستطيع أن تفرق بين الغني والفقير لا تستطيع أن تميز بين الجليل والحقير أكف إلى الله رافعة وعيون من خشيته دامعة وقلوب وأفئدة لجلاله منكسرة كم فيها من مظاهر تراهم وكأنهم على صفة رجل واحد ولكن بين بعضهم بعضاً من الفضل والدرجات كما بين السماء والأرض بماذا بالقلوب وقفوا في تلك المواقف وقلوبهم متباينة في الإجلال والإعظام والانكسار والذكر للعظيم القهار لذلك يوم عرفة يوم مشهود ويوم يذكرك هذا اليوم يذكر بالموقف بين يدي الله عز وجل ولذلك إذا وقف العبد بعرفات ونظر إلى تلك البريات ونظر إلى تلك الأصوات والصيحات فسبحان من علم لغاتها وسبحان من ميز ألفاظها وسبحان من قضى حوائجها لا يخفى عليه صوت ولا تعجزه حاجة أحد فرد صمد لا يعيه سؤال سائل لذلك أحبتي في الله النظر في حال يوم عرفة يذكر بالله تبارك وتعالى وقف بعض السلف مع بعض الخلفاء فجاءت صاعقة والناس وقوف بعرفة ففزع الناس فزعاً شديدا وفزع الخليفة سليمان رحمه الله فزعاً شديداً من تلك الصاعقة فقال له عمر : يا أمير المؤمنين هذه بين يدي رحمته فكيف بالتي بين يدي عذابه إذا كان هذا والناس ينتظرون المطر وهم وقوف بين يدي الله يرجون رحمته فكيف إذا وقفوا بعرات يوم القيامة وكما ثبت بالخبر يقول : لقد غضب الله في هذا اليوم غضباً لم يغضب قبله قط لم يغضب مثله قط وهذا يدل على عظيم الموقف بين يدي الله تبارك وتعالى اللهم سلمنا من ذلك الموقف اللهم سلمنا منه بعظمتك يا عظيم ورحمتك يا رحيم.
أحبتي في الله يوم عرفة وما يوم عرفة كل من حولك يحرك وجدانك كل من حولك يحرك إحساسك إن كان القلب قاسيا والله يصير خاشعا تسمع هذا يبكي وهذا يشتكي وهذا يشجي فتقول سبحان الله من لهذه الحاجات سوى الله من لهذه الدعوات غير الله جاءوا إليه من بلاد بعيدة وقطعوها في أزمنة مديدة جاءوا بهموم لا يفرجها سواه وكربات لا ينفسها أحد عداه جاءوا وكلهم يقين في أنه ليس لحاجتهم أحد غيره وحق لهم ذلك لذلك أحبتي في الله وماهي إلا لحظات حتى يشأ الله عز وجل للعبد ينقضي موقفه وتغيب عليه شمسه ويأذن الله لأهل ذلك الموقف بالإنصراف وتأتي تلك الساعة العصيبة والله إنها لمن أمر الساعات في الحج وأعظم ساعة في الحج يتألم الإنسان فيها ساعة الإنصراف من عرفة لا يدري هل الله عز وجل قبل دعوته أم لم يقبلها لا يدري هل أجاب الله سؤاله أم لم يجبه لا يدري أمرحوماً أم محروماً لا يدري أيعطيه أم يحرمه فلذلك يبلغ بالإنسان من الشجى والأسى مالا يعلمه إلا الله أأفيض ربي فهل أنت راضي عني أم لست راضي عني يناديه بقلب متقطع منفطر رباه إن لم ترضى عني فارضى عني قبل أن أفارق موقفي يناديه بحسرة يناديه بقلب متقطع شوقاً إلى رحمة الله حتى لا يكون محروماً من عفوا الله وفضل الله لذلك أحبتي في الله ساعة مؤلمة ساعة تهز وجدان المؤمن حينما. يتذكر أنه ينصرف من ذلك الموقف ولذلك كان بعض السلف إذا حضرت ساعة النفر من عرفة والدفع منها يشتد بكاءه ويعظم تضرعه إلى الله تبارك وتعالى وقال بعضهم والله لو نادى منادي الله في أهل هذا الموقف لهم قد غفرت إلا واحدا لعددت نفسي ذلك الرجل. حتى إذا سرت بين الشعاب وسرت بين تلك الوهاد فلا إله إلا الله كم يسير عليها عبد كيوم ولدته أمه من ذنوبه لا إله إلا الله يدفعون من عرفات دخلوها مثقلين يخرجون منها من الذنوب والخطايا مغسولين ما أعظمه من فضل لا إله إلا الله يسيرون بين تلك الشعاب يسيرون بين تلك الأودية كيوم ولدتهم أمهاتهم ما نظر الله إلى سيئات مضت ما نظر الله إلى ما ضيهم ، يسيرون بين تلك الشعاب يسيرون من الذنوب كيوم ولدتهم أمهاتهم مغسولين مطهرين مرحومين فيا لله كم دعوة كتب لصاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبدا ويالله كم دعوة كتب لصاحبها رحمة لا يعذب بعدها أبدا يسيرون بين تلك الشعاب العزيزة عند الله بقلوب مليئة بإجلال الله لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
يحسون معناها ويتلذذون حلاوتها ويصيبون فضلها وبغيتها ثم إلى المشعر وعند المشعر يفيضون إليه بقلوب مغسولة مليئة بالخشوع مليئة بالإنابة والخضوع قلوب تعظم الله تبارك وتعالى كيف وقد خطت الخطايا كيف وقد غسلت الرزايا يقفون بالمشعر حتى إذا شاء الله عز وجل لهم منسكهم فصلوا فجرهم ووقفوا موقفهم فأنابوا وتضرعوا ورفعوا الأكف إلى الله ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار يحسون بهيبة المشعر وجلال ذلك الموقف يقفون وكلهم شوق إلى رحمة الله بعد أن أفاضوا وأنابوا إلى ربهم ولرحمته أصابوا.
ثم إلى منى ومن منى إلى البيت العتيق ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ثم الأيام المباركات الأيام المعدودات ذكر وشكر واستغفار وتعظيم للعظيم القهار أيام منى أيام الذاكرين أيام الشاكرين أحسوا بأن الله أصابهم برحمته وأصابهم بعفوه ولطفه فأخذت الألسن لا تفتر عن ذكره وشكره وحق لها والله بعد أن أصابت رحمت الله أن تثني على وكيف لا تثني عليه وقد أعطاها عطاء هو العطاء في الدنيا فليس هناك عطاء أعظم من أن يغفر الله ذنبك وأن يضع عنك وزرك وهي المنة التي أمتن الله بها على عباده وذكرها منة على خير خلقه صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم الدين وفي منى تلك الساعات الطيبات تلقى فيها الوجوه مضيئة تلقى فيها الوجوه مشرقة من آثار العبادة تلقى فيها إخواناً لك في الإسلام تلقى لك إخواناً لك في الدين لم يجمعك بهم حسب ولا نسب ولم تجمعك بهم قربى بل لم ترهم عينك من قبل قط ولكن ترى وجهه فتعلم أنه يشهد أن لا إله إلا الله فتحبه وتسلم عليه وتهنيه برحمة الله عليك وعليه يا أحبتي في الله أيام منى أيام جمع للمسلمين لا يليق بالمسلم وهو يسير أمام إخوانه إلا ومفشياً للسلام ومحسناً لهم بالإجلال والإكرام إذا ضاعت إخوة الإسلام أيام منى وأنت مع إخوانك الطيبين المباركين الذين أصابهم الله برحمته فأين توجد أخوة الإسلام لذلك أحبتي في الله إنها الأيام الطيبات أيام تتلذذ فيها الأسماع بالتكبير والتحميد أين المكبرون أين الحامدون أين المهللون أين الذاكرون لقد كان الحج منذ أعوام يسيره كنا إذا مضينا إلى الجمرات والله ثم والله لا يفتر سمعك عن ذكر الله الله أكبر ترتج بها أسواق منى وترتج منها خيام منى فأين تلك الصفوة المباركة ما بلنا قد نسينا شرعنا ما بالنا نظرنا إلى هذا الحج وكأنه طقوس لا معنى لها لذلك أحبتي في الله حق لمن وقف بها وحق لمن نزل إليها أن يرفع لسانه بالتكبير إعظاماً للعلي الكبير وشكراً للعزيز الغفور بذلك أحبتي في الله وبعد ذلك وما بعد ذلك يصير العبد إلى آخر مرحلة من حجه وهي طواف الوداع وهي اللحظة الأخيرة التي يودع فيها الإنسان بيت الله الحرام يودع فيها دار السلام يطوف بذلك البيت لكي يكون آخر عهده بالبيت طوافا ولطواف الوداع حلاوة ولطواف الوداع لذة وطلاوة طواف الوداع يذكرك بفضل هذه المنازل( وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت : كان الناس يصدرون من فجاج منى وعرفات ) كان الناس يصدرون يعني يخرجون إلى ديارهم ويرجعون إلى أمصارهم من فجاج منى وعرفات فأمروا أن يجعلوا آخر عهدهم بالبيت طوافا فإذا طاف الإنسان طواف الوداع طافت به أشجان وأحزان لأن العبد الصالح من أقسى ما يؤلمه وأشد ما يجده في دينه إذا فارق الطاعة والعبادة ، ولذلك كان بعض السلف إذا كانت آخر ليلة من رمضان جلس يبكي ويقول ألا ليت شعري من هو المحروم فنعزيه ألا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه .
فالإنسان إذا قضى عبادة وانتهى من حجه فإنه لا يدري أقبل الله حجته أم لم يقبلها وإن كان الظن بالله حسن ، فو الله لو عاملنا الله ما نحن أهل ما طمعنا في شيء ولكن هو رحمته وهو حلمه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) فما هذه العبادة التي قمت بها وما هذا الموقف الذي وقفته وما هذه الجمرات التي رميت وما هذه الليالي التي بت في جنب نعم الله وفي جنب منن الله وفي جنب فضائل الله وإحسان الله بي ، فتأتي تلك الساعة وهو يحتقر العبادة إياك ثم إياك أن يأتي عليك ذلك الطواف وأنت تدلي على الله بالعمل إياك ثم إياك أن تحس من النفس غرورها أو يلتهب في النفس شرورها فتقول أنت العبد الصالح ها قد أديت فريضة الله ها قد فعلت وها قد فعلت لا ، إنها ساعة الفراق التي يمتلئ فيها القلب ذلة لله عز وجل وطمعاً أن يتقبل عمله ولذلك حضرت الوفاة عبدالله بن عمر كان عبدالله بن عمر صحابيا جليلا حتى ورد في بعض كتب السير كما في الحلية وغيرها
أن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بالجنة من صلاحه رضي الله عنه وأرضاه وكان إذا رأى عبداً يصلي ويكثر الصلاة أعتقه لوجه الله قالوا له إنهم يخدعونك بكثرة الصلاة قال من خدعنا لله إنخدعنا له هذا الصحابي الجليل حضرته الوفاة فجلس يبكي فجاءه ابنه سالم وقال يا أبتاه ألم تكن كذا وكذا وكذا يذكره بما كان عليه من صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر عليه بذكر الفضائل التي فضله الله عز وجل بها حتى أكثر عليه فقال رضي الله عنه : أجلسوني ثم قال يا بني أتدري ممن يتقبل الله ؟ ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ما عد نفسه شيء إنما يتقبل الله من المتقين إذا كان هذا عبدالله بن عمر فكيف نحن نطمع بحسناتنا وصالح أقوالنا وأفعالنا وما يدري العبد لعل ذنباً أصابه أوجب عليه سخطاً لا رضا بعده ولعل كبيرة أصابها و لعل عبداً من عباد الله ظلمه بمظلمة لم يقبل الله عز وجل عليه بعدها والأمور مردها إلى الله عز وجل إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون ما أحد يدري هل قبل الله العبادة أم لم يقبلها لذلك فإن الإنسان في هذه اللحظات يوصى باحتقار العمل ولذلك قال العلماء إن احتقار العمل من مظان القبول إذا جاءت هذه اللحظة وصدرت عن البيت وكلك شوق ورحمة وحنين أن يرحمك الله بقبول الحجة وناديه وناجيه وقل يارب إقبل حجتي واغفر ذنبي وضع عني إصري أدعوه دعاء المضطر أدعوه دعاء المستغيث المستجير به جل شأنه حتى إذا انتهيت من ذلك فاجعل في نفسك طمعاً عند الله ألا يجعله آخر العهد ببيته .
ذكر الحافظ بن حجر رحمه الله عن بعض السلف أنه وقف بالمزدلفة بالمشعر وقال والله الذي لا إله إلا هو لي ثلاثون عاما أسأل الله ألا يجعله آخر العهد بهذا الموضع وقد استجاب الله دعوتي وإني لأستحيي أن أسئله هذا العام فرجع فقبضه الله عز وجل .
ولذلك من طمع في أن الله عز وجل لا يجعلها آخر حجة فإن الله كريم قد لا يخيبه في طمعه، فاجعل في نفسك حنياً ألايجعلها آخر العهد ببيته وألايجعله آخر العهد بطاعته حتى إذا رجعت إلى الديار وأقبلت على الأمصار عندها تذكر مابينك وبين الله من العهود تذكر مابينك وبين الله من المواثيق وقل بلسان الحال والمقال توبة نصوح لاذنب بعدها إن شاء الله .
قال بعض العلماء من علامة قبول الحج أن يكون العبد بعد الحج أصلح منه حالاً قبل الحج .
ياعبدالله إذا لبيت لله فاعلم أنك قد عاهدت الله على توحيده فإياك أن ترجع والعياذ بالله ، بالله مشركاً إياك بعد أن ناديته وتشرفت بالوقوف بين يديه وناجيته أن تستغيث بأحدٍ سواه اوتستجير بمن عداه فقد وجدته حليماً رحيماً ووجدته جواداً كريما فإلى أين تصد إلى أين تعرض فلذلك اجعله عهداً بينك وبين الله ألا معاذ ولا ملاذ ولا منجا ولا ملجا من الله إلا إلى الله اجعله عهداً مؤكدا واجعله عهداً موثقا أن تكون على استدامة وطاعة واستقامة إلى لقاء الله تبارك وتعالى إذا كنت بالمعاصي مبتلى فخذها طريقاً إلى التوبة النصوح خذها حجة تمنعك وتحجبك عن معاصي الله عزوجل فقد حللت به ضيفاً وضيف الله يستحي من الله ، فبعد أن أقدمك الله إلى هذه الديار وتشرفت بذكر العظيم القهار عندها ترجع عبداً صالحاً تقياً ورعاً .

اللهم إنا نسألك أن تيسر لحجاج بيتك الحرام حجهم ، اللهم يسر لهم حجهم ، اللهم ارحم ضعفهم ، اللهم ارحم غربتهم ، اللهم ارحم فقرهم ، اللهم ردهم إلى ديارهم سالمين غانمين رابحين ، اللهم ردهم إلى ديارهم مرداً جميلاً اللهم ردهم إلى ديارهم مرداً جميلاً وهب لهم عملاً صالحاً مباركاً جليلا برحمتك يا أرحم الراحمين،
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تؤمنهم في حجهم بأمنك اللهم أمنهم في حجهم بأمنك ، اللهم أمنهم في حجهم بأمنك ، اللهم اللطف بهم حضرا وسفرا ، اللهم اللطف بهم حضرا وسفرا ، اللهم ادفع عنهم الوباء وأزل عنهم الشعث والعناء ، اللهم أزل عنهم الوباء واجعلهم في صحة وعافية وبلغهم رضوانك يارب العلمين .
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ولمن له حق علينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .
المرفقات

خطبة دمعة في الحج.doc

خطبة دمعة في الحج.doc

المشاهدات 2383 | التعليقات 0