دمعة على الغيرة

مشاري بن محمد
1439/08/25 - 2018/05/11 05:35AM


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) أما بعد:
                      فإن الله أتم هذا الدين، تماما، كان يتمناه أحبار يهود ورهبان النصارى، فله الحمد سبحانه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وإن من تمام هذا الدين تمام أخلاقه ومبادئه، فما أقره وحث عليه فهو الكمال التام، وما منعه، أو أنكره، فهو النقصُ البين والعوار الظاهر .
              عباد الله، الحمد لله الذي أتم علينا ديننا، وأخلاقنا، فما نحمده بالأمس من أخلاقٍ لايزال محمودا إلى اليوم ِ، ولكن بعض النفوس تمرض، وتضعف وتتلوث، فتفعل ما لا ترضاه على نفسها وأهلها ومحارمها، ،،،
                عباد الله، إن من أجمل أخلاق الإسلام، هي تلك الغيرة التي في قلوب أهله، الغيرة التي تثير الدم في وجوه الأحرار، الغيرة التي كانت شدتها، مفخرة لنبينا صلى الله عليه وسلم، بل هي من صفات الله تعالى، فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيَْرَةُ اللهِ أَنْ يأتي الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ. أخرجه أحمد 3/342(و\"البُخاري\" 7/45(5222) و\"مسلم\" 8/101 .

فلا إله إلا الله، فما حال الغيرة اليوم ؟! ، وما حالُنا اليوم معها؟!
                لقد كرس ممسوخو الأخلاق، حربهم على الغيرة، ساخرين من أهلها، مشوهين لجمالها وفضلها، فجعلوا من الغيرة، تشددا، وتنطعا وتخلفا، وحسبنا الله،،،
               أيها المؤمنون، إن رجالكم الأفاضل الأوائل لغيارون، ويفخرون بغيرتهم، وإن نبيكم ليغار وإن الله لغيار،،، فمن ذا يشوه خلقا، تمثل به الأكرمون؟! وافتخروا به؟! بل، من ذا يشوه خلقا هو صفة من صفات ربنا تعالى وتقدس؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم...
بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةُ يَقُولُ : لَوْ وَجَدْتُ مَعَهَا رَجُلاً لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَِحٍ , قَالَ : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ؟ فَوَاَللهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْ سَعْدٍ , وَاَللهُ أَغْيَرُ مِنِّي , وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ. أخرجه أحمد 4/248(18351) و\"الدارِمِي\" 2227 و\"البُخَارِي\" 8/215(6846) و\"مسلم\"4/211(3757) .
              عباد الله، اعلموا أنه لئن كانت الغيرة في تلك الأزمان محمودة، فهي اليوم والله لأشد مدحا، مع الانفتاح الهائل، ودخول المناظر المخلة عبر قنوات البث والتواصل، والغيرة تموت، وتمرض، مع كثرة المشاهدة، وكثرة الأشباه!  ويزداد مرضها مع عدم الإنكار، وكثرة الخلطةِ...
               عباد الله، ما بال الغيرة اليوم أصبحت عند بعض الناس خلقا، يذكر ولا يعرف، بل قد يذم، ويشتم... فاليوم، ترى الغيرة ضعفت حتى لأقرب المحارم، ولقد كان من به ميل للفساد حين يذكر أهله ومحارمه، يتمعر وجهه، ويتلون، غيرة وحمية وأنفة، ومن ذلك الحديث الصحيح - السلسلة الصحيحة-  حديث الشاب الذي طلب الإذن بالزنا فقال له عليه الصلاة والسلام:" أتحبه لأمك"؟! ... "أتحبه لابنتك؟!".."أتحبه لأختك" ... حتى قام الشاب وهو يكره الزنا، وأهلَه، وإن هذا الحديث لا يزال ينغص على أهل الشهوات، مجونهم، وانحرافهم، هذا لمن كان في قلبه ذرة من خلق! فما يؤذيهم أذى أشد من سؤالهم أترضاه لأمك، لأختك،،، فسبحان الله العظيم...
                عباد الله، إن الغيرة التي نتحدث عنها، لهي الغيرة المحمودة، الغيرة على المحارم، الغيرة التي يمتدح بها العربي في الجاهلية، قبل الإسلام، وجاء الاسلام وامتدح أهل الغيرة، وكان رسولُ اللهِ أغيرَ منهم واللهُ أغيرُ من رسولهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فافتخروا - عباد الله- بغيرتكم، فالغيرةُ من كمالِ الرجالِ ورجولتِهم،،،
            واعلموا عبادَ اللهِ، أنَٓ الغيرةَ قد تضعفُ، وتبردُ، وإن لذلك لأسبابٌ، من أهمِها وأخطرِها، هو الانفتاحُ للقنواتِ ومشاهدتِها، حتى ليصبحُ الأبُ ينظرُ للمرأةِ السافرةِ، وولدهُ ينظرُ إليهِ، بل ربما تمدَّحَ بها أمامهُ، نسألُ اللهَ السلامةَ، وتصبحُ الأمُ تنظرُ للرجالِ، وابنتها تنظرُ إليها، وربما تمَدَّحتْ الامُ جمالَهم عياذا باللهِ من ذلك، والله يقول سبحانه:
(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ @ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ...)
                ومما يضعف الغيرة عباد الله، ما ابتليت به البيوتُ من الحاجةِ للسائقينَ، هذا إذا ما نسي السائق، ولم يحرص رعاة البيت على صونه وحفظه، فأول ما يأتِ السائق، فلا يخرج إلا برجلٍ معه، أو محرمٍ، ثم يُتنازلُ عن ذلك، فيخرجُ من دونِ محرمٍ، ويبقى أن لا يخرج أهل البيت إلا لحاجة أو ضرورة، ثم يبردُ ذلك حتى يتركُ القيادُ لهنَٓ، فيخرجنَ متى شئنَ وإلى حيثُ شئن!
                   وعلى المؤمن الغيور متى ابتلي من هؤلاء السائقين بشيء، أن يكون شديد الحرص على متابعتهم، وإنزال هيبته في قلوبهم، ويعظ أهله ويوصيهم بأن لا يتحدثوا معه إلا لضرورة، ولا يخرجن إلا لها ...
              بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاسغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية:

الحمدلله الذي فطر عباده على ما يحب، والحمدلله الذي فضلنا على كثير من خلقه تفضيلا،،،
والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه اجمعين وبعد:
            فاعلموا عباد الله، أن أهل الغيرة اليوم محاربون، وأن الغيرة تشكوا ضعف أهلها، وحماتها، فقد هاجمها الناقصون، ليجعلوا من نقصهم وميوعتهم، الخلق الأفضل، بعد أن علموا أن الغيرة تحول بينهم وبين ما يريدون ويتشوفون، فيا عباد الله تمسكوا بغيرتكم، وربوا أولادكم عليها، فلا خير في بيت ليس فيه غيرة على المحارم والمكارم ...
                     واعلموا - عباد الله - أن أكمل الرجال هو أشدهم غيرة، ولذا كان الأنبياء أشد الخلق غيرة على محارم الله، ولـَ الله أشدُٓ من الأنبياء غيرة على محارمه سبحانه وبحمده ...
                 اللهم احفظ علينا ديننا، واللهم احفظ أعراضنا، وأهلينا، ومن نحبه فيك، ومن أحبنا، اللهم أحيي الغيرةَ في قلوبِ المؤمنين، والمؤمنات يا رب العالمين.
                اللهم من أرادنا ونساءنا وأهلينا بشر وفساد، فاللهم اجعل كيده في نحره، ولا تحقق لهم مراده، واجعله عبرة لمن خلفه، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام...
                اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم هيئ له البطانة الصالحة التي تعينه إذا ذكر وتذكره اذا نسي، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، اللهم ولِٓ علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اغثنا،اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، يا أرحم الراحمين، اللهم اسقنا ولا تحرمنا ، ولا تؤخذنا بما فعله السفهاء منا،،،
                   اللهم صل على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين،،،
عباد الله،إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون...

المشاهدات 1142 | التعليقات 0