دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خطبة للشيخ عبالمحسن القاسم مختصرة
عبدالرحمن اللهيبي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: أرسَل اللهُ الرسلَ لهداية الخلق، يدعون إلى عبادة الله ومحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق، وحاجة العباد إلى الرسل أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ؛ إذ لا سبيلَ إلى السعادة والفلاح والنجاة في الآخرة إلا على أيديهم، ولأجل أن يصدقهم الناس بأنهم رسل من الله حقا فقد اختصهم الله بآيات باهرة؛ فأتى صالح -عليه السلامُ- قومه بناقة عظيمة، أخرجها الله لهم من صخرة وهم يشاهدون ، وأُلقي إبراهيم -عليه السلام- في نار رهيبة فلم تؤذه وخرج سليما وهم ينظرون، وضرب موسى -عليه السلام- البحرَ بعصا، فانفلق فكان كل فرق كالجبل العظيم، وعيسى -عليه السلام- كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى -بإذن الله-.
وأما نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقد جمع الله أكثر وأعظم مما جاء به الأنبياء قبله من الآيات الباهرات والمعجزات البينات ، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ومعجزات نبينا ﷺ تزيد على ألف معجزة، قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا)
فمن آيات نبوته ﷺ أنه نزل إليه ملك وهو في صباه فشَقَّ صدرَه وانتزع ما فيه من حظ الشيطان، وعصمَه الله قبل البعثة من أمور الجاهلية ودنسها؛ فلم تُر له عورة ولم يَمسَ بيده صنما، ولم يشرب خمرا ، ومُلِئَتْ السماء بالشهب في بعثته لترجم الشياطين حفظا لرسالته، قالت الجن: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا) ، وأُسرى به ﷺ ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء حتى بلغ سدرة المنتهى، ثم رجع من ليلته إلى مكة، وأخبر ﷺ بما رآه من الجنة والنار وأهلِهما وسدرةِ المنتهى، وبما سمعه من صرير أقلام تدبير الكون..
ومن آياته ﷺ ومعجزاته العظيمة أن الله شق له القمر حتى صار فرقتين، وقد رآهما الناس في مكة وغيرها.
ومن آياتُ نبُوَّتِه ما أجرى الله على يده الشريفة المباركة من شفاء لبعض أصحابه فقد كُسرت رِجْلُ عبدِ الله بن عتيك -رضي الله عنه- فمسحها فبرأت (رواه البخاري)، وبصَق ﷺ في عيني علي -رضي الله عنه- من رمد كان به، فبرأ كأن لم يكن به وجع (متفق عليه).
ولم تكن دلائل نبوته ﷺ لتظهر في الكون والبشر فقط بل حتى في البهائم أيضا فقد دخَل -عليه الصلاة والسلام- يومًا لبستان لبعض الأنصار فيه جمل، فلما رأى الجملُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بكى، فمسَح عليه -صلى الله عليه وسلم- فسكت، فقال لصاحب الجَمل: "أما تتقي اللهَ في هذه البهيمة التي ملَّكَكَها اللهُ؟ إنه شكا إلي أنك تجيعه وتُدئبه -أي: تتعبه-"(رواه أبو داود)، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحشٌ، فإذا خرَج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحسَّ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دخل ربض فلم يترمرم -أي: لم يتحرك ولم يخرج صوتا- ما دام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في البيت كراهية أن يؤذيه، ومن آياته ﷺ ما كان يقع على يديه من تكثير الطعام والشراب؛ قال جابر -رضي الله عنه-: "وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده في الركوة وهي إناء صغير، فجعل الماء يثور؛ أي: ينبع بشدة من بين أصابعه، كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قيل له: كم كنتُم؟ قال: لو كنَّا مائة ألف لكفانا "(رواه البخاري). ، وفي غزوة خيبر قل الطعام فأمرهم -صلى الله عليه وسلم- فجمعوا ما عندهم، فدعا بالبركة فيه، فأكلوا حتى أشبع الجيشَ كلَّهم..
وكان معه في تبوك نحو ثلاثينَ ألفًا يطلبون الماء، فتوضأ في عين من عيونها ففاضت بماء منهمر حتى استقَوْا جميعًا" (رواه مسلم)
ومن دلائل نبوته ﷺ في الأشجار والأحجار ، أنه نزل مع أصحابه واديا فأخذ بشجرتين فانقادتا معه والتأمتا؛ أي: اجتمعتا عليه ليستتر بهما في قضائه لحاجته (رواه مسلم)، وكان يخطب على جذع نخلة في مسجده ثم صنع له منبر، فلما خطب عليه حن الجذع وبكى بكاء الصبيان، حتى وضع عليه يده -صلى الله عليه وسلم- فسكت" (رواه البخاري)، وقال ﷺ: "إني لأعرف شجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" (رواه مسلم).
وصعد ﷺ جبل أحد مع ثلة من أصحابه فرجف بهم، فضربه ﷺ وقال: "اثبت، فثبت"(رواه مسلم)
وأيَّدَه اللهُ بملائكته آية لنبوته، ففي مكة استأذنه ملكُ الجبال أن يُطبِق على كُفَّارِها الأخشبينِ، وهما جبلانِ بمكة، فاستمهله لهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله، وفي بدر قاتل معه خيرُ الملائكة، وفي أحد رُئي النبي -صلى الله عليه وسلم- بين جبريل وميكائيل يقاتلان عنه أشد القتال (متفق عليه)
ومن آيات نبوته عِصْمةُ الله له من أعدائه، فقال تعالى : (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فسحره بعض اليهود فأظهره الله على سحرهم وأبطله، ووضعوا له السُّم في شاة فأنبأه الله بذلك، ونطقت الشاة بذلك تخبره بأنها مسمومة ومثل ذلك من الأحداث كثير.
وبعدُ أيها المسلمون: مَنْ تدبَّر سيرةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- من ولادته إلى موته علم أنه رسول الله حقًّا، أنزل الله إليه كتابا تكلم الله به لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره، وكان ﷺ في كل وقت يأمر أمته بالتوحيد، ويدلُهم على كل خير، وينهاهم عن كل شر، ويُظهر الله على يديه من عجائب الآيات، جاء بأكمل دين وأحسن الشرائع، وجمع محاسن الأخلاق وأكملها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: التأمُّل في آيات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ودلائل صدقه يزيد من الإيمان، ومن أراد اليقين كل اليقينِ في صدق نبوته ﷺ فعليه بأعظم الدلائل وهو القرآن العظيم..
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.