دلائل العشرة بالمعروف (1) [طيب الكلام]

[align=justify]دلائل العشرة بالمعروف (1) [طيب الكلام]
جميل هو العيش في أمان، ومتعة لا تُقَدَّر بالكنوز والأثمان. إنها بهجة وأي بهجة، وفرحة وأي فرحة حين يجد الإنسان الوئام.
أيها الكرام: هذه الدنيا على ما فيها من تعب ونصب، فيها متع تسر قلوب المؤمنين، وتسعد نفوس المتقين، ومن هذه المتع: المرأة الصالحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)(
[1]). وإذا أُكْرم الإنسان بهذه النعمة، وتزوج من امرأة صالحة، فعليه أن يحسن عشرتها؛ استجابة لأمر الله تعالى حين قال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19].

وهذه العشرة الحسنة التي أمر الله بها الأزواج، لها دلائل تدل عليها، ومن هذه الدلائل: طيب الكلام، فالكلمة الطيبة تجبر الخواطر، وتدفع المخاطر، وتجلب الألفة، وتذهب الكلفة؛ ولعظمتها، وأهميتها أمر الله بها، وحث عباده على التحلي بها، فقال سبحانه: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83]، وقال: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء:53].
وكم من مشكلة وقعت بين الزوجين، وكاد حبل الصلة أن ينقطع بينهما، وحُلَّت بالكلمة الطيبة، فحري بالمؤمن أن يُطَيِّبَ كلامه، ويُحَسِّنَ ألفاظه مع الناس عمومًا، ومع زوجته خصوصًا؛ لما له من أثر طيب على القلوب، وثواب كريم من علام الغيوب، وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة من الصدقات، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ)([2])، فليستشعر المؤمن الثواب، وأن ما يقوله من كلام طيب لزوجته مأجور عليه عند رب العالمين.
إخوة الإيمان، من جملة الكلام الطيب: مدح الزوجة، وهذا المدح له أثره الكبير على نفسية الزوجة، فإن قالت زوجتك يومًا كلامًا طيبًا، أو فعلت فعلًا حسنًا، وأثنى الزوج على كلامها، أو فعلها، فإنه بذلك يحوز قلبها؛ لشعورها أن كلامها، أو فعلها -سواء كان صغيرًا أو كبيرًا- محل اهتمام عند الزوج.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح زوجته، ويثني عليها، ومن ذلك: مدحه لأم المؤمنين عائشة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)(
[3])، وهذا تشبيه بليغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدح جميل لزوجته عائشة؛ فالثريد من كل طعام أفضل؛ لسهولة مساغه، والالتذاذ به، وسهولة تناوله، والانتفاع به، ولهذا حاز الفضل على بقية المأكولات، وفضل أم المؤمنين عائشة على النساء زائد؛ كزيادة فضل الثريد على غيره من الأطعمة([4]).
إخوة الإيمان، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لطيف العبارة، جميل الإشارة، ينادي صلى الله عليه وسلم زوجته بأحسن العبارات، ويتكلم معها بأجمل الكلمات، فيقول لزوجته: (يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ)(
[5])، وهو ما يُعْرف بالترخيم([6]).
ويقول صلى الله عليه وسلم الكلام الطيب الذي يدل على حسن عنايته بزوجته، وأهمية تقديره لها، وأن لها مكانة في قلبه؛ كما في حديث أمِّ زرع، حين جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن، وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر النساء من زوجته عائشة، وكيف أن أبا زرع أكرم زوجته الأولى غاية الإكرام، وأحسن إليها غاية الإحسان، ثم فُتِنَ بإمرأة أخرى، فَطَلَّق أم زرع، وتزوج بتلك المرأة التي فتن بها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع الخبر، ويجيب أم المؤمنين عائشة بكلام يطيب الخاطر، ويبين لزوجته أن لها في القلب مكانة، وأنه كأبي زرع في الإحسان والإكرام وأبلغ، غير أن أبا زرع طلق، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلق، فترتاح أم المؤمنين لهذا الكلام وتسر، قال صلى الله عليه وسلم: (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ)(
[7]). قال الإمام النووي: "هو تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن عشرته إياها"([8]).
عباد الله، هذا بعض هديه صلى الله عليه وسلم في طيب الكلام، فأين نحن من هذا الاقتداء؟ كم من نساء اشتكين سوء ألفاظ الأزواج؟! متى سندرك معاشر الأزواج أن من أهم ما تتمناه الزوجة: طيب الكلام، وحسن المعشر، فينبغي علينا معاشر المسلمين أن ننتقي من الكلام أحسنه، ونأخذ من الأفعال أجملها. رزقني الله وإياكم حسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والسير على هديه، وشرعه.


الخطبة الثانية:
للكلمة الطيبة أثرها، وللفظة الحسنة جمالها، فهي تشرح الصدور، ولا تؤذي الشعور، وترقى بصاحبها في سلم الإيمان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)(
[9]).
فهلموا يا عباد الله بجعل الكلمة في الطيبة الحسنة في بيوتنا، ومع أزواجنا، وأولادنا شعارًا، نجمع بها ما تناثر من المودة، ونزيد من قرب القلوب والمحبة، ونسأل المولى العظيم أن يطيب ألستنا، ويجعلنا ممن قال فيهم: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) [الحج:24].


([1]) رواه مسلم في صحيحه، رقم (1467).

([2]) صحيح البخاري، رقم (2989)، صحيح مسلم، رقم (1009).

([3]) رواه البخاري في صحيحه، رقم (3770)، ومسلم في صحيحه، رقم (2446).

([4]) ينظر: المنهاج شرح مسلم بن الحجاج، للنووي 15/199.

([5]) رواه البخاري في صحيحه، رقم (3768)، ومسلم في صحيحه، رقم (2447).

([6]) ينظر: فتح الباري، لابن حجر 7/107.

([7]) رواه البخاري في صحيحه، رقم (5189)، ومسلم في صحيحه، رقم (2448).

([8]) المنهاج شرح مسلم بن الحجاج، للنووي 15/221.

([9]) رواه البخاري في صحيحه، رقم (6475)، ومسلم في صحيحه، رقم (47).


[/align]
المرفقات

دلائل العشرة بالمعروف1 طيب الكلام.docx

دلائل العشرة بالمعروف1 طيب الكلام.docx

المشاهدات 1352 | التعليقات 2

أحسن الله إليك شيخ محمد بن مصطفى كركدان على خطبتك القيمة القصيرة والماتعة، لقد كانت معروفاً قدمته لإخوانك في هذا الملتقى وزائريه؛ شكر الله لك معروفك.


اللهم آمين، وإياكم، أسأل الله العظيم أن يرفع قدركم شيخ زياد الريسي، ويبارك في جهودكم، ويوفقني وإياكم لما فيه نفع أمتنا.