دفاع الأمة عن سيد الأمة
محمد البدر
1433/10/27 - 2012/09/14 03:16AM
[align=justify]الخطبة الأولى :
عباد الله :تعلمون أنّ الطّعن في نبيّ الأمّة صلّى الله عليه وسلّم ليس بالشّيء الجديد، ولا بالأمر المفاجئ البعيد، فهو سنّة يسير عليها كلّ من كفر بالله العزيز الحميد،قديما وحديثاً،قال تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10]، وقال:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}[فصلت: من الآية43]، وقال:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]، وقال:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذّاريات:52].فهو مسلسل طويل، لا ينقطع حتّى يرث الله الأرضَ ومن عليها.
ولكن أين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأين أولئك القادحون الأفاكون المارقون ؟
ما كان مثلهم إلاّ كمثل من رفع وجهه إلى السّماء ليبصق عليها، فما لبث أن مسح البُصاق عن وجهه هو.
يا ناطحا جبلا يوما ليوهنه * أشفق على الرأس لا تُشفق على الجبل.
نعم، لقد أوجب الله على المؤمنين نُصرة النبيّ الأمين صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه سبحانه أغنى رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن نُصرة الخلق اجمعين، فقال تعالى:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}وقال:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه}ووعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه قاطع من ناله بالسّوء فقال:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} .
وإليك هذه الصّور المشرقة الّتي تبيّن لك أنّ الله عند وعده لا يخلف الله الميعاد .
عباد الله :رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: « أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّى شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ »
قال ابن تيمية رحمه الله: " وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه أذى النّاس وشتمهم بكلّ طريق، حتّى في اللّفظ .
والّذي يقرأ في سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سيرى كيف أهلك الله من استهزأ به وسخر منه أفرادا وجماعات:روى مسلم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ:لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ،حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ » ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ » فَوَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ .
عباد الله :قد يقول قائل منّا: إذا كان الله تعالى قد كفى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم نُصرته، فلماذا أوجب على المسلمين نصره وتعزيره والذبّ عنه ؟
فمن المعلوم لديكم أنّ الله قد تكفّل بحفظ كتابه ودينه، ومع ذلك أمرنا بحمل راية الجهاد في سبيل إعلاء كلمته، وذلك ليتعبّدنا بذلك، وليُظهر الصّادق منّا والكاذب.
واعلموا - ياعباد الله - أن من الأمور الّتي يغنمها المسلمون من وراء هذه الأحداث:البُشرى بنصر وفتح قريب في مجالات الدّعوة إلى الله .
فاعلموا أنّه متى سُبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّ الله منجزٌ وعده ولو ضعُف المسلمون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الصّارم المسلول على شاتم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم :حدّثنا أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عمّا جرّبوه مرّات متعدّدة في حصر الحصون والمدائن الّتي بالسّواحل الشّامية، لمّا حاصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا:كنّا نحن نحاصر الحصن أو المدينة الشّهر أو أكثر من الشّهر وهو ممتنع علينا، حتّى نكاد نيأس منه، حتّى إذا تعرّض أهله لسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والوقيعة في عرضه تعجّلنا فتحا وتيسيرا، ولم يكد يتأخّر إلاّ يوما أو يومين أو نحو ذلك، ثمّ يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا:حتّى إن كنّا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه، ومن سنّة الله أن يعذّب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين .
ألا فاعلموا يا عباد الله أنّ الدّاء ليس من الخارج ولكنّ حصوننا مهدّدة من الدّاخل .
فمن الظّلم الّّذي لا يرضاه الله تعالى أن نقيم الدّنيا ولا نقعِدها على كافر بالله لا يُستبعد منه أن يقول ما يقول ، أو يفعل ما يفعل، ثمّ نسكت عمّن يسبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بين أظهرنا،وأقصد بذلك المخالفات التي يقع فيها من هم من بني جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا:
فمنهم العوامّ المستهزئون بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:وهم يُريدون بذلك التّنكيت والضّحك، وغير ذلك، فتسمع بعض النّكت تمسّ سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومظاهر الالتزام عن قرب، فهذا يسخر من اللّحى، وذاك من اللباس ،حتى من المصلين والعياذ بالله، وثالثة من جلباب المرأة المسلمة،وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).بل إنّك لتسمع أحدهم وهو يُفضّل النّصارى على المسلمين،ألا فليعلم هؤلاء أنّ هذا سبٌّ صريح للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهل ملّته ،ومنهم من يردّ الأحاديث الثّابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وربّما سخر منها، ومنهم العلمانيّون والحداثيون واللبراليون، فهم أسعد النّاس بهذه الحملة الّتي تقام على المسلمين .والله المستعان.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أمَّا بعد، فيا عباد الله:قال تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فلَكُمْ أن تغضبوا لنبيكم، وتغاروا عليه، ولكن لا تخافوا، فلن يُنزِل الأعداءُ من مقامه شيئًا ،وعلى الجميع أن لا يُعيروا الأفلام أو الصور أو الرسومات المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي اهتمام حتى لا ينتشر بين الناس ،قيل للشيخ ابن عثيمين عن كتاب يطعن في الله، فقال لا تنشروه ولا تردوا عليه، فردكم إحياء له، النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
عباد الله:إنَّ من أهمِّ الأمور في نصرة الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو معنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله -: أن نطيعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أَمَر، وأن نجتنب ما نهى عنه وزَجَر، وألاَّ نعبدَ الله إلاَّ بما شَرَع.
عباد الله:أيُّ نُصرة تُرجَى فيمن يتهاون بالصلوات، ويهجر المساجد؟! وأي نصرة تؤمَّل ممن يأكل الرِّبا والرشوة، ولا يسأل عن حِلِّ المساهمات والمعاملات مِن حرمتها؟! أي نصرة تُرجَى ممن أهمل بيته وتركه يعجُّ بالمنكرات والشهوات ؟
عباد الله :أينَ الَّذينَ ملؤوا الدُّنيا ضجيجاً بزعمِ محبةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ وهمْ أَصْحابُ التَّوجهاتِ البدعِيَّةِ التي حَرَّفتْ دينَ الإسلامِ وجعلتْهُ دروشةً وضَعْفاً وَخُرافةً؛فَطَعَنَتْ الإسلامَ في خَاصِرتهِ،حيثُ سَوَّغَتْ الفسادَ في الأرضِ،وَحَرَّفتْ معنى مَحَبةِ النَّبِيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ،وجَعَلَتْهُ في موالِدَ واحتفالاتٍ وخرافاتٍ،وَفَرَّغتْها من معناها الحِِيِّ الَّذي يجعَلُ حياةَ المسلمِ كُلَّها مثلَ حياةِ النَّبيِّ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ونقول لهم كما قلتم (علموا أبنائكم محبة الرسول ) ونحن نقول (علموا أبنائكم كيف يدافعون عن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، علموهم الإتباع الصحيح لسنته والاهتداء بهديه ) .
أينَ الَّذينَ مَلؤُوا الدُّنيا ضَجيجَاً بمحبةِ آلِ البيتِ عليهم السَّلامَ كما زعموا،فها هو ذا صاحبُ البيتِ،وإمامُ أهلِ البيتِ(محمَّدُ بنُ عبداللهِ)صًلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ،وَيُنْتَهَكُ عِرضُهُ ويساء له ولأهل بيته الأطهار )والله المستعان ولا حول ولا قوة إلى بالله . ألا وصلوا ...
[/align]
عباد الله :تعلمون أنّ الطّعن في نبيّ الأمّة صلّى الله عليه وسلّم ليس بالشّيء الجديد، ولا بالأمر المفاجئ البعيد، فهو سنّة يسير عليها كلّ من كفر بالله العزيز الحميد،قديما وحديثاً،قال تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10]، وقال:{مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ}[فصلت: من الآية43]، وقال:{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]، وقال:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذّاريات:52].فهو مسلسل طويل، لا ينقطع حتّى يرث الله الأرضَ ومن عليها.
ولكن أين النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأين أولئك القادحون الأفاكون المارقون ؟
ما كان مثلهم إلاّ كمثل من رفع وجهه إلى السّماء ليبصق عليها، فما لبث أن مسح البُصاق عن وجهه هو.
يا ناطحا جبلا يوما ليوهنه * أشفق على الرأس لا تُشفق على الجبل.
نعم، لقد أوجب الله على المؤمنين نُصرة النبيّ الأمين صلّى الله عليه وسلّم، ولكنّه سبحانه أغنى رسوله صلّى الله عليه وسلّم عن نُصرة الخلق اجمعين، فقال تعالى:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ}وقال:{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه}ووعد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّه قاطع من ناله بالسّوء فقال:{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} .
وإليك هذه الصّور المشرقة الّتي تبيّن لك أنّ الله عند وعده لا يخلف الله الميعاد .
عباد الله :رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: « أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّى شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا وَأَنَا مُحَمَّدٌ »
قال ابن تيمية رحمه الله: " وكان سبحانه يحميه ويصرف عنه أذى النّاس وشتمهم بكلّ طريق، حتّى في اللّفظ .
والّذي يقرأ في سيرة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سيرى كيف أهلك الله من استهزأ به وسخر منه أفرادا وجماعات:روى مسلم عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَدْ نُحِرَتْ جَزُورٌ بِالْأَمْسِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأْخُذُهُ فَيَضَعُهُ فِي كَتِفَيْ مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَأَخَذَهُ، فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: فَاسْتَضْحَكُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَمِيلُ عَلَى بَعْضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنْظُرُ:لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ طَرَحْتُهُ عَنْ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم، وَالنَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم سَاجِدٌ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ ،حَتَّى انْطَلَقَ إِنْسَانٌ فَأَخْبَرَ فَاطِمَةَ فَجَاءَتْ وَهِيَ جُوَيْرِيَةٌ، فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَشْتِمُهُمْ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم صَلَاتَهُ رَفَعَ صَوْتَهُ، ثُمَّ دَعَا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: « اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ » ثَلَاثَ مَرَّاتٍ .
فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ ذَهَبَ عَنْهُمْ الضِّحْكُ، وَخَافُوا دَعْوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ » فَوَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ .
عباد الله :قد يقول قائل منّا: إذا كان الله تعالى قد كفى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم نُصرته، فلماذا أوجب على المسلمين نصره وتعزيره والذبّ عنه ؟
فمن المعلوم لديكم أنّ الله قد تكفّل بحفظ كتابه ودينه، ومع ذلك أمرنا بحمل راية الجهاد في سبيل إعلاء كلمته، وذلك ليتعبّدنا بذلك، وليُظهر الصّادق منّا والكاذب.
واعلموا - ياعباد الله - أن من الأمور الّتي يغنمها المسلمون من وراء هذه الأحداث:البُشرى بنصر وفتح قريب في مجالات الدّعوة إلى الله .
فاعلموا أنّه متى سُبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فإنّ الله منجزٌ وعده ولو ضعُف المسلمون، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الصّارم المسلول على شاتم الرّسول صلّى الله عليه وسلّم :حدّثنا أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عمّا جرّبوه مرّات متعدّدة في حصر الحصون والمدائن الّتي بالسّواحل الشّامية، لمّا حاصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا:كنّا نحن نحاصر الحصن أو المدينة الشّهر أو أكثر من الشّهر وهو ممتنع علينا، حتّى نكاد نيأس منه، حتّى إذا تعرّض أهله لسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والوقيعة في عرضه تعجّلنا فتحا وتيسيرا، ولم يكد يتأخّر إلاّ يوما أو يومين أو نحو ذلك، ثمّ يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا:حتّى إن كنّا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوا فيه، ومن سنّة الله أن يعذّب أعداءه تارة بعذاب من عنده، وتارة بأيدي عباده المؤمنين .
ألا فاعلموا يا عباد الله أنّ الدّاء ليس من الخارج ولكنّ حصوننا مهدّدة من الدّاخل .
فمن الظّلم الّّذي لا يرضاه الله تعالى أن نقيم الدّنيا ولا نقعِدها على كافر بالله لا يُستبعد منه أن يقول ما يقول ، أو يفعل ما يفعل، ثمّ نسكت عمّن يسبّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو بين أظهرنا،وأقصد بذلك المخالفات التي يقع فيها من هم من بني جلدتنا، ويتكلّمون بألسنتنا:
فمنهم العوامّ المستهزئون بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:وهم يُريدون بذلك التّنكيت والضّحك، وغير ذلك، فتسمع بعض النّكت تمسّ سنّة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ومظاهر الالتزام عن قرب، فهذا يسخر من اللّحى، وذاك من اللباس ،حتى من المصلين والعياذ بالله، وثالثة من جلباب المرأة المسلمة،وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).بل إنّك لتسمع أحدهم وهو يُفضّل النّصارى على المسلمين،ألا فليعلم هؤلاء أنّ هذا سبٌّ صريح للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأهل ملّته ،ومنهم من يردّ الأحاديث الثّابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وربّما سخر منها، ومنهم العلمانيّون والحداثيون واللبراليون، فهم أسعد النّاس بهذه الحملة الّتي تقام على المسلمين .والله المستعان.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أمَّا بعد، فيا عباد الله:قال تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فلَكُمْ أن تغضبوا لنبيكم، وتغاروا عليه، ولكن لا تخافوا، فلن يُنزِل الأعداءُ من مقامه شيئًا ،وعلى الجميع أن لا يُعيروا الأفلام أو الصور أو الرسومات المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي اهتمام حتى لا ينتشر بين الناس ،قيل للشيخ ابن عثيمين عن كتاب يطعن في الله، فقال لا تنشروه ولا تردوا عليه، فردكم إحياء له، النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.
عباد الله:إنَّ من أهمِّ الأمور في نصرة الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو معنى شهادة أنَّ محمدًا رسول الله -: أن نطيعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أَمَر، وأن نجتنب ما نهى عنه وزَجَر، وألاَّ نعبدَ الله إلاَّ بما شَرَع.
عباد الله:أيُّ نُصرة تُرجَى فيمن يتهاون بالصلوات، ويهجر المساجد؟! وأي نصرة تؤمَّل ممن يأكل الرِّبا والرشوة، ولا يسأل عن حِلِّ المساهمات والمعاملات مِن حرمتها؟! أي نصرة تُرجَى ممن أهمل بيته وتركه يعجُّ بالمنكرات والشهوات ؟
عباد الله :أينَ الَّذينَ ملؤوا الدُّنيا ضجيجاً بزعمِ محبةِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ وهمْ أَصْحابُ التَّوجهاتِ البدعِيَّةِ التي حَرَّفتْ دينَ الإسلامِ وجعلتْهُ دروشةً وضَعْفاً وَخُرافةً؛فَطَعَنَتْ الإسلامَ في خَاصِرتهِ،حيثُ سَوَّغَتْ الفسادَ في الأرضِ،وَحَرَّفتْ معنى مَحَبةِ النَّبِيِّ الكريمِ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ،وجَعَلَتْهُ في موالِدَ واحتفالاتٍ وخرافاتٍ،وَفَرَّغتْها من معناها الحِِيِّ الَّذي يجعَلُ حياةَ المسلمِ كُلَّها مثلَ حياةِ النَّبيِّ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ونقول لهم كما قلتم (علموا أبنائكم محبة الرسول ) ونحن نقول (علموا أبنائكم كيف يدافعون عن الرسول صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، علموهم الإتباع الصحيح لسنته والاهتداء بهديه ) .
أينَ الَّذينَ مَلؤُوا الدُّنيا ضَجيجَاً بمحبةِ آلِ البيتِ عليهم السَّلامَ كما زعموا،فها هو ذا صاحبُ البيتِ،وإمامُ أهلِ البيتِ(محمَّدُ بنُ عبداللهِ)صًلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ،وَيُنْتَهَكُ عِرضُهُ ويساء له ولأهل بيته الأطهار )والله المستعان ولا حول ولا قوة إلى بالله . ألا وصلوا ...
[/align]
المرفقات
?دفاع الأمة عن سيد الأمة نسخة ملون.doc
?دفاع الأمة عن سيد الأمة نسخة ملون.doc