دع الناس !
عبدالرزاق المضياني
1440/11/17 - 2019/07/20 02:36AM
الخطبة الأولى:16/11/1440هــ(دع الناس منك) أيها المسلمون:سلوا الله العافية من هذا المرض! إنه مرض يجري ممن ابتُلِيَ به مجرى الدمِ من العروقِ ،ويستشري في أوصاله..حتى يجعل صاحبه يصف أتقى الناس بالفجور،وأعدل الناس بالجور،ويصف أكثر الناس جدية،بالاستهزاء والسخرية.. تقوُّلٌ بلا إدراك أو فهم،ومحاكمة بغير بيِّنة،ولا أثارةٍ من علم. صفة ذميمة وخلق ذميم،ومن أسوأ الأخلاق أن يسيء المسلم الظن بأخيه المسلم. فكم حطَّم سوء الظن من علاقات، وكم بدَّد من صداقات،وكم شرَّد من أُسَرٍ،وكم قطَّع من صلات؟ كم أوغر من صدور،وأشعل من فتن،وأوقد من محن؟ إن سوء الظن هو الذي هز أركان بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحظة اتهام جائر لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك،التي نزل فيها قرآن ينبه المؤمنين على ضرورة حسن الظن بمن عُلم عنه الصلاح وحسن الأخلاق.قال تعالى:﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾والمعنى:كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قول أهل الإفك أن يكذبوه ويحسنوا الظَّن،ولا يسرعوا في التُّهمة وقول الزُّور فيمن عرفوا عفَّته وطهارته". ولذلك لما قالت أم أيوب لزوجها أبي أيوب:"ألا تسمع ما يقول النَّاس في عائشة؟قال:بلى،وذلك الكذب.أكنتِ أنتِ يا أمَّ أيوب فاعلةً ذلك؟قالت:لا والله ما كنت لأفعلَه،فقال:فعائشة والله خير منك، سبحان الله،هذا بهتان عظيم". عباد الله: اعلموا أن سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرُم عليك أن تُحَدِّث غيرك بلسانك بمساوئ الغير ،فليس لك أن تُحَدِّث نفسك وتسيء الظن بأخيك.
قال ابن القيم رحمه الله:(سوء الظن:هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح) . قال الله:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:"إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا".رواه البخاري قَالَ أَبُو عِيسَى:قَالَ سفيان الثوري:الظَّنُّ ظَنَّانِ،-أي نوعان من الظن-فَظَنٌّ إِثْمٌ،وَظَنٌّ لَيْسَ بِإِثْمٍ،فَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي هُوَ إِثْمٌ،فَالَّذِي يَظُنُّ ظَنًّا وَيَتَكَلَّمُ بِهِ،وَأَمَّا الظَّنُّ الَّذِي لَيْسَ بِإِثْمٍ،فَالَّذِي يَظُنُّ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِه. أ.هـ،-. قَالَ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي""مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا"وفي رواية:"مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا" ،وفي رواية:"مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ"رواه البخاري ومسلم. فالحذر كل الحذر من سوء الظن لأنه قد يجر صاحبه إلى إثم أعظم من سوء الظن:فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ:(مَا يَزَالُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ يَتَظَنَّى،حَتَّى يَصِيرَ أَعْظَمَ مِنَ السَّارِقِ)رواه البخاري في الْأَدَبِ الْمُفْرَد. فالذي يُسرق منه شيء فيظن في الناس،ويبقى يظن ويتهم هذا،ثم تظهر براءته،ثم يتهم هذا،ثم تظهر براءته، ويتهم هذا،ثم تظهر براءته،وإذا به يحصل منه جرم أعظم من السارق. بارك الله لي ولكم،،،
الخطبة الثانية: عن سعيد بن المسيَّب قال:(كتب إليَّ بعض إخواني من أصحاب رسول الله: أن ضع أمر أخيك على أحسنه، ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنَّن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملًا)رواه ابن عبدالبر في الاستذكار. واعلم أنه لا يطلب عيوب الناس إلا من خبث باطنه، وفسد قلبه؛ فكل إناء يفيض بما في داخله،فالمؤمن يلتمس الأعذار، والمنافق يتصيَّد الأخطاء،وليس من العدل أن تظن شرًّا بمَنْ هو منه براء. وإذا دعاك داع الظن السيِّئ بأخيك،فوازن بين محامده وسيئاته،ولا تنسَ فضائله وحسناته. أحسِن الظن نعم؛ولكن لا تُفوِّت الحذر،أحسن الظنَّ بأبنائك وبناتك وأهلك؛لكن لا ترفع الرقابة عنهم،ولا تهمل تأديبهم وتوجيههم، وأحسن الظن بأهل الصلاح والخير.واحذر أن تثق بعدوٍّ غاشمٍ،ولا تحسن الظن بمن لا يتورَّع عن القبائح،ولا يُبالي بإظهار الفضائح، يجاهر بالمعاصي،ويخاف شرَّه الداني والقاصي،أما غير هذا فاحمل أمر أخيك على أجمله،ولا تظُنَّنَّ بكلمة خرجت منه إلَّا خيرًا ما دمت تجد لها في الخير محملًا. أقْبِلْ على نفسك،فأصلح شأنها،وانشغل بعيوبها،وقوِّم اعوجاجها، واحذر أن تضع نفسك في موضع الريبة والتهمة فتؤثِّم الناس بسوء ظنهم فيك،وإن أتاك فاسق بنبأ فتثبَّت. ثم صلوا وسلموا،،،
المرفقات
10-الحذر-من-سوء-الظن
10-الحذر-من-سوء-الظن