دعوة لتيسير الزواج ، خطبة جديدة .
عبدالله المهنا
1431/04/09 - 2010/03/25 22:07PM
دعوة لتيسير الزواج
الحمد لله العلي الأعلى ، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ، والحمد لله الذي خلق الزوجين الذكر والأنثى ، من نطفة إذا تمنى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة أشهد بها مع الشاهدين ، وادخرها عدة ليوم الدين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، سيد الأولين والآخرين ، ورسول رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون ، فإنكم بالتقوى مطالبون ، وبأعمالكم محاسبون مجزيون ، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
أيها المسلمون : يقول الله تعالى مبيناً بعض آياته ، داعياً عباده إلى التفكر فيها « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
لقد صدق الله فإن الناس يدركون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغلها تلك الصلة بين الجنسين وهذا من آيات الله التي تدعو للتفكر ، فإنه سبحانه هو الذي أودع النفوس هذه العواطف وجعل في تلك الصلة سكناً للنفس وراحة للجسم والقلب واستقراراً للحياة والمعاش واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء ، فتبارك الله رب العالمين .
أيها المسلمون : إن حاجة الجنسين إلى الزواج حاجة لا تقدر بوصف ، فما خلق الجنسان على هذا النحو الموافق للآخر الملبي لحاجته الفطرية نفسية وعقلية وجسدية ، بل وعضوية إلا ليلبي رغبة كلٍ منها الآخر ، لإنشاء حياة ساكنة مطمئنة ، تتمثل في جيل جديد .
ولهذا رغب الإسلام في النكاح تلبية لهذه الرغبة الفطرية ، وتكثيراً لنسل الأمة المحمدية ، واقتداءً بخيار البرية ، قال الله عز وجل: «ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية» وقال صلى الله عليه وسلم : « أربع من سنن المرسلين : الحياء والتعطر والسواك والنكاح » رواه الترمذي وأحمد .
وقال صلى الله عليه وسلم : « تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة » رواه أبو داود والنسائي .
وقال تعالى: « وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ».
قال أبو بكر رضي الله عنه : " أطيعوا ما أمركم الله به من النكاح ينجز ما وعدكم من الغنى " وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " رغّبهم الله في التزويج ووعدهم عليه الغنى فقال تعالى : « إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله » " .
ولهذا أيها المسلمون فإن الله تعالى اعتبر المقياس في التزويج ليس الغنى ، وليس الحسب والنسب ، وليس الجمال ، ولكنه في الدين والصلاح ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال : لما نزلت « والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله » كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة ، فلو علمنا أي المال خير لاتخذناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه » رواه الترمذي.
أيها المسلمون : إن العزوف والإعراض عن هذه المعاني في الزواج ، والتساهل في تزويج الكفء ... يورث في المجتمع داءً عضالاً سماه النبي صلى الله عليه وسلم ( الفتنة ) فقال : « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض » .
لقد سلك بعض الآباء مع بناتهم ومولياتهم مسالك جاهلية ، جعلت البيوت تمتلئ بالعوانس ، والشباب طرقوا كل باب لكنهم عجزوا عن تلبية الشروط ، الطبيعة والدين يأمرهم بالزواج ، والجهل والتحكم في مصائر البنات يقف حائلاً أمام الرغبات . عليكم أيها الآباء أن تتقوا الله تعالى في بناتكم ومولياتكم ، فليست سلعاً للمتاجرة والمزايدة ، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ».
يجب أن تقبلوا في الزوج أن يكون ديّناً ذا خلق ، فإن انضاف إلى ذلك حال مادية طيبة فخير إلى خير، وإلا فلا يكون مانعاً من تزويجه.
لقد كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً ، فذلك خمسمائة .
وفي الترمذي أن امرأةً من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجازه » وفي النسائي : أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت : والله يا أبا طلحة ما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تسلم فذاك مهري ، وما أسألك غيره ، فأسلم فكان ذلك مهرها .
قال ثابت : فما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم فدخل بها فولدت له.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة من الأنصار على أربع أواق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « على أربع أواق ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الحائط ! ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه » . رواه مسلم .
أيها المسلمون : إن تعطيل الشباب من الجنسين عن الزواج بهذه الحجج المادية ، والتدقيق في طلب زوج على مواصفات معينة ، تستبعد النواحي الدينية أو تقلل من أهميتها ينتج ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم فتنة في الأرض وفساداً عريضاً ، فأسباب الحرام أيسر من الزواج الحلال ، وضعف الدين قد يجر الفتاة إلى اتصالات ومعاكسات في غفلة من والديها ، لأنها تجد فراغاً نفسياً لابد من ملئه وشغله ، وهذا الواقع يحمل البنات على كراهية آبائهم الذين وقفوا لهن في طريق السعادة الحقيقية للمرأة ، سعادتها في زوج يلاعبها وطفل تلاعبه ، ما هو ذنب المسكينة عندما ترى رفيقاتها ومن يعادلها سناً قد أكرمن وسُعدن بالزواج وهي خلية عزباء !
أيها الآباء : لا بأس أن تعرضوا بناتكم على الأكفاء من الشباب ، فإن الشاب المستقيم الخلوق وإن كان خفيف ذات اليد مكسب من مكاسب الزمن ، يوم أن نسمع ونقرأ قضايا وآهات لزوجات وقعن في قبضة أزواج يتعاطون المخدرات ، أو يشربون المسكرات ، أو يتركون الصلاة ، ولهذا كان السلف يعرضون بناتهم على االأكفاء من الأزواج ، فهذا عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة قال : " لقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة فقلت : إن شئت أنكحت حفصة بنت عمر؟ قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، ثم لقيني فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، وصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إليّ شيئاً ، فكنت أوجد مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت عليّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك فيما عرضت على إلا أني كنت علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها " . رواه البخاري .
وهذا أبو بكر السمرقندي عالم جليل من علماء الحنفية ، صاحب كتاب ( تحفة الفقهاء ) كانت ابنته فاطمة فقيهة علاّمة تسامع الملوك بها فخطبوها من أبيها ، فامتنع والدها من تزويجها لهم فأعحبه أحد طلابه وهو أبوبكر الكاساني الذي شرح التحفة في كتابه المشهور [ بدائع الصنائع ] فزوّجه من ابنته فاطمة وجعل مهرها ذلك الكتاب الذي ألفه ، فقال الفقهاء في عصره: شرح تحفته وزوّجه ابنته ، فكانت الفتوى تخرج وعليها خطها وخط أبيها فلما تزوجت بالكاساني كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها.
أما سعيد بن المسيب التابعي المشهور فلما عقد عبدالملك بن مروان البيعة بولاية العهد لابنه الوليد أراد إكرامه فخطب له ابنة سعيد بن المسيب وكانت عالمة صالحة فرفض سعيد قبول الوليد بن عبدالملك.
قال تلميذه أبو وداعة : كنت أجالس سعيد بن المسيب في مسجد المدينة ففقدني أياماً ثم جئته فقال لي : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها ، فقال: هلا أخبرتنا نشهدناها ! قال أبو وداعة : ثم أردتُ أن أقوم فقال لي : هل أحدثت امرأة غيرها ؟ فقلت : يرحمك الله ، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ! فقال : إن أنا فعلت تفعل ؟ قلت : نعم ، فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني بنته على درهمين أو ثلاثة وهي البنت التي أبى سعيد أن يزوجها لولي عهد الخلافة ، قال أبو وداعة فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وأستدين ، وصليت المغرب وكنت صائماً ، فقدمت عشاي لأفطر وكان خبزاً وزيتاً ، وإذا بالباب يقرع فقلت : من هذا ؟ قال : سعيد ، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد ابن المسيب فإنه لم يُر من أربعين سنة إلا ما بين بيته ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقمت وخرجت وإذا سعيد المسيب فظننت أنه قد بدا له [ أي ندم على تزويجي ] فقلت : يا أبا محمد هلا أرسلت إليّ فأتيتك ؟ قال : لا ، أنت أحق أن تؤتى .
قلت : فما تأمرني ؟ قال : رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك (فإذا بنته قائمة خلفه في طوله) ثم دفعها في الباب ورد الباب ، فسقطت الفتاة من الحياء ، قال أبو وداعة فاستوثقت من الباب ثم صعدت السطح فناديت الجيران فجاؤوني وقالوا : ما شأنك ؟ فقلت : زوّجني سعيد بن المسيب اليوم ابنته وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار.
فنزلوا إليها وبلغ أمي الخبر فجاءت وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أُصلحها ثلاثة أيام ، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج .
فاتقوا الله أيها المسلمون وقوموا بواجب من ولاكم الله رعايتهم ، وأخلصوا في النصح لهم ، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون ، فإنكم بالتقوى مطالبون ، وبأعمالكم محاسبون مجزيون ، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
أيها المسلمون : يقول الله تعالى مبيناً بعض آياته ، داعياً عباده إلى التفكر فيها « ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
لقد صدق الله فإن الناس يدركون مشاعرهم تجاه الجنس الآخر، وتشغلها تلك الصلة بين الجنسين وهذا من آيات الله التي تدعو للتفكر ، فإنه سبحانه هو الذي أودع النفوس هذه العواطف وجعل في تلك الصلة سكناً للنفس وراحة للجسم والقلب واستقراراً للحياة والمعاش واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء ، فتبارك الله رب العالمين .
أيها المسلمون : إن حاجة الجنسين إلى الزواج حاجة لا تقدر بوصف ، فما خلق الجنسان على هذا النحو الموافق للآخر الملبي لحاجته الفطرية نفسية وعقلية وجسدية ، بل وعضوية إلا ليلبي رغبة كلٍ منها الآخر ، لإنشاء حياة ساكنة مطمئنة ، تتمثل في جيل جديد .
ولهذا رغب الإسلام في النكاح تلبية لهذه الرغبة الفطرية ، وتكثيراً لنسل الأمة المحمدية ، واقتداءً بخيار البرية ، قال الله عز وجل: «ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية» وقال صلى الله عليه وسلم : « أربع من سنن المرسلين : الحياء والتعطر والسواك والنكاح » رواه الترمذي وأحمد .
وقال صلى الله عليه وسلم : « تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة » رواه أبو داود والنسائي .
وقال تعالى: « وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ».
قال أبو بكر رضي الله عنه : " أطيعوا ما أمركم الله به من النكاح ينجز ما وعدكم من الغنى " وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " رغّبهم الله في التزويج ووعدهم عليه الغنى فقال تعالى : « إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله » " .
ولهذا أيها المسلمون فإن الله تعالى اعتبر المقياس في التزويج ليس الغنى ، وليس الحسب والنسب ، وليس الجمال ، ولكنه في الدين والصلاح ، فعن ثوبان رضي الله عنه قال : لما نزلت « والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله » كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال بعض أصحابه : أنزلت في الذهب والفضة ، فلو علمنا أي المال خير لاتخذناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفضله لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وزوجة صالحة تعين المؤمن على إيمانه » رواه الترمذي.
أيها المسلمون : إن العزوف والإعراض عن هذه المعاني في الزواج ، والتساهل في تزويج الكفء ... يورث في المجتمع داءً عضالاً سماه النبي صلى الله عليه وسلم ( الفتنة ) فقال : « إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض » .
لقد سلك بعض الآباء مع بناتهم ومولياتهم مسالك جاهلية ، جعلت البيوت تمتلئ بالعوانس ، والشباب طرقوا كل باب لكنهم عجزوا عن تلبية الشروط ، الطبيعة والدين يأمرهم بالزواج ، والجهل والتحكم في مصائر البنات يقف حائلاً أمام الرغبات . عليكم أيها الآباء أن تتقوا الله تعالى في بناتكم ومولياتكم ، فليست سلعاً للمتاجرة والمزايدة ، بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة ».
يجب أن تقبلوا في الزوج أن يكون ديّناً ذا خلق ، فإن انضاف إلى ذلك حال مادية طيبة فخير إلى خير، وإلا فلا يكون مانعاً من تزويجه.
لقد كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً ، فذلك خمسمائة .
وفي الترمذي أن امرأةً من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « رضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ قالت : نعم ، فأجازه » وفي النسائي : أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت : والله يا أبا طلحة ما مثلك يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك ، فإن تسلم فذاك مهري ، وما أسألك غيره ، فأسلم فكان ذلك مهرها .
قال ثابت : فما سمعنا بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سليم فدخل بها فولدت له.
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تزوجت امرأة من الأنصار على أربع أواق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « على أربع أواق ! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الحائط ! ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه » . رواه مسلم .
أيها المسلمون : إن تعطيل الشباب من الجنسين عن الزواج بهذه الحجج المادية ، والتدقيق في طلب زوج على مواصفات معينة ، تستبعد النواحي الدينية أو تقلل من أهميتها ينتج ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم فتنة في الأرض وفساداً عريضاً ، فأسباب الحرام أيسر من الزواج الحلال ، وضعف الدين قد يجر الفتاة إلى اتصالات ومعاكسات في غفلة من والديها ، لأنها تجد فراغاً نفسياً لابد من ملئه وشغله ، وهذا الواقع يحمل البنات على كراهية آبائهم الذين وقفوا لهن في طريق السعادة الحقيقية للمرأة ، سعادتها في زوج يلاعبها وطفل تلاعبه ، ما هو ذنب المسكينة عندما ترى رفيقاتها ومن يعادلها سناً قد أكرمن وسُعدن بالزواج وهي خلية عزباء !
أيها الآباء : لا بأس أن تعرضوا بناتكم على الأكفاء من الشباب ، فإن الشاب المستقيم الخلوق وإن كان خفيف ذات اليد مكسب من مكاسب الزمن ، يوم أن نسمع ونقرأ قضايا وآهات لزوجات وقعن في قبضة أزواج يتعاطون المخدرات ، أو يشربون المسكرات ، أو يتركون الصلاة ، ولهذا كان السلف يعرضون بناتهم على االأكفاء من الأزواج ، فهذا عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة قال : " لقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة فقلت : إن شئت أنكحت حفصة بنت عمر؟ قال : سأنظر في أمري ، فلبثت ليالي ، ثم لقيني فقال : قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا ، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، وصمت أبو بكر رضي الله عنه فلم يرجع إليّ شيئاً ، فكنت أوجد مني على عثمان ، فلبثت ليالي ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه ، فلقيني أبو بكر فقال : لعلك وجدت عليّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك فيما عرضت على إلا أني كنت علمتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها ، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها " . رواه البخاري .
وهذا أبو بكر السمرقندي عالم جليل من علماء الحنفية ، صاحب كتاب ( تحفة الفقهاء ) كانت ابنته فاطمة فقيهة علاّمة تسامع الملوك بها فخطبوها من أبيها ، فامتنع والدها من تزويجها لهم فأعحبه أحد طلابه وهو أبوبكر الكاساني الذي شرح التحفة في كتابه المشهور [ بدائع الصنائع ] فزوّجه من ابنته فاطمة وجعل مهرها ذلك الكتاب الذي ألفه ، فقال الفقهاء في عصره: شرح تحفته وزوّجه ابنته ، فكانت الفتوى تخرج وعليها خطها وخط أبيها فلما تزوجت بالكاساني كانت تخرج وعليها خطها وخط أبيها وخط زوجها.
أما سعيد بن المسيب التابعي المشهور فلما عقد عبدالملك بن مروان البيعة بولاية العهد لابنه الوليد أراد إكرامه فخطب له ابنة سعيد بن المسيب وكانت عالمة صالحة فرفض سعيد قبول الوليد بن عبدالملك.
قال تلميذه أبو وداعة : كنت أجالس سعيد بن المسيب في مسجد المدينة ففقدني أياماً ثم جئته فقال لي : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها ، فقال: هلا أخبرتنا نشهدناها ! قال أبو وداعة : ثم أردتُ أن أقوم فقال لي : هل أحدثت امرأة غيرها ؟ فقلت : يرحمك الله ، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ! فقال : إن أنا فعلت تفعل ؟ قلت : نعم ، فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني بنته على درهمين أو ثلاثة وهي البنت التي أبى سعيد أن يزوجها لولي عهد الخلافة ، قال أبو وداعة فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وأستدين ، وصليت المغرب وكنت صائماً ، فقدمت عشاي لأفطر وكان خبزاً وزيتاً ، وإذا بالباب يقرع فقلت : من هذا ؟ قال : سعيد ، ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد ابن المسيب فإنه لم يُر من أربعين سنة إلا ما بين بيته ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقمت وخرجت وإذا سعيد المسيب فظننت أنه قد بدا له [ أي ندم على تزويجي ] فقلت : يا أبا محمد هلا أرسلت إليّ فأتيتك ؟ قال : لا ، أنت أحق أن تؤتى .
قلت : فما تأمرني ؟ قال : رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك (فإذا بنته قائمة خلفه في طوله) ثم دفعها في الباب ورد الباب ، فسقطت الفتاة من الحياء ، قال أبو وداعة فاستوثقت من الباب ثم صعدت السطح فناديت الجيران فجاؤوني وقالوا : ما شأنك ؟ فقلت : زوّجني سعيد بن المسيب اليوم ابنته وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار.
فنزلوا إليها وبلغ أمي الخبر فجاءت وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أُصلحها ثلاثة أيام ، فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج .
فاتقوا الله أيها المسلمون وقوموا بواجب من ولاكم الله رعايتهم ، وأخلصوا في النصح لهم ، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...
المشاهدات 8792 | التعليقات 3
نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع .
حيا الله الشيخ عبدالله ... ونأمل ألا تطول غيبتك ...
مرور الكرام
من يعلق الجرس شيخ عبدالله ...
حتى العلماء وطلبة العلم لا يستطيعون أن يفعلوا بعض ما ذكرته وفقك الله من تزويج الأكفاء ذوي الدين أو عرض بناتهم على من يرونه كفئا إذا لم يحقق شروطا معينة لا يجهلها أحد ...
وأرى أنه لو بدأ العلماء وطلبة العلم وسنوا للناس سننا حسنة لوجدوا من العامة من يقلدهم ويقتدي بهم ...
لكن بقايا الجاهلية ما زالت تعشش في رؤوس لا يظن أحد أنها تعشش فيها ...
ولا نقول إلا : ...
هو واقعنا والشكوى لله ...
تعديل التعليق