دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ونبذ التحزب والافتراق

حسين بن حمزة حسين
1440/11/18 - 2019/07/21 10:05AM

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين:
= أمّا بعد عباد الله: اتقوا الله حق تقواه، وتمسكوا بالعروة الوثقى، فإن أجسادكم على النار لا تقوى
إخوة الإيمان : الله جل جلاله خلق الخلق ، وأرسل الرسل ، وأنزل الكتب ، وأقام الدين ، وجعله حجة على الخلق أجمعين ، ووعد بحفظ دينه ، ونصرة عباده ، وإقامة حجته إلى يوم الدين ، فحفظ الكتاب والسنة من التغيير والتحريف ، ووعد الله تعالى بأنه كلما ضَعُفَت هذه الأمة في زمن ، فإن الله عز وجل سيبعث لها بعد نبيهم ورثة، ورثة من العلماء ، يأخذون بأيدي الناس، ويهدونهم إلى طريق الحق، قال تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون) ، علماء يعيدون للأمة دينها وعزها وتمكينها كما بدأ وأُنزل ، فينشرون دين الله ويَحْكُمون بشرع الله، ويُظْهرون السنة وينْصرون أهلها ، ويقْمعون البدعة ويَدْحَرون أهلها ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ( إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ). قالت اللجنة الدائمة معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( يجدّد لها دينها ): تجديدًا بالنسبة للأمة ، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله ، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة ، أما الإسلام نفسه ، فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) " انتهى .، فحين أغلق باب النبوة فتح باب التجديد لهذه الأمة، ، فالتجديد شريعة قائمة، وقدر نافذ ، ومن أولئك المجددين عمر بن عبدالعزيز وأئمة المذاهب الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعاً وكثيرٌ غيرُهم ، وما زال الله يَمنّ على عباده حتى أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر، ظهرت في قلب الجزيرة العربية دعوة تجديدية على يد الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي عليه رحمة الله عز وجل، فقد بعد الناس في عصره عن تعاليم الإسلام فضعف التوحيد وعُظّمتِ القبورُ والأضرحة ، فأصبحت تُسأل من دون الله ، وسيطرت الصوفية بخرافاتها وتعدد طرقها ، وخلت المساجد من المصلين ، وضعف الأمن ، وعظُم الجهل في جميع مجالات الحياة ، فجاء رحمه الله بدعوةٍ سلفيةٍ صادقةٍ صافية ، دعوة للكتاب والسنة على نهج سلف الأمة الصحابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين .
يوضّح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن دَعوتِه ومَذهبِه فيقول: "إنِّي ولله الحَمد مُتَّبعٌ، ولستُ بمُبتدع، عقيدتي وديني الذي أدين اللهَ به مذهبُ أهل السُّنة والجماعة؛ الذي عليه أئمةُ المسلمين، مثل: الأئمة الأربعة، وأتباعهم إلى يوم القيامة.. ولستُ ولله الحمد أدعو إلى مذهبِ صُوفيٍ، أو فقيهٍ أو مُتكلمٍ، أو إمامٍ من الأئمة الذين أعظِّمُهم؛ مثل: ابن القيِّم والذهبي وابن كثير وغيرهم..! بل أدعو إلى اللهِ وحده لا شريك له، وأدعو إلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أوصَى بها أوَّلَ أمَّتِه وآخرَهم، وأرجو أني لا أرُدُّ الحقَّ إذا أتاني..بل أشْهد اللهَ وملائكتَه وجميعَ خلقِه إن أتانا منكم كلمةٌ من الحق لأقبلنَّها على الرأس والعين، ولأضربنَّ الجدارَ بكل ما خالفَها، من أقوالِ أئمتي، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يَقولُ إلا الحقّ" (انظر مجموعة الرسائل الشخصية).
قال المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد واصفا حال نجد قبل انتشار دعوة الشيخ الجزء الأول ص26 ( وأهل نجد كانوا قبل هذه الدعوة قد بَعُدوا كلّ البعد عن تعاليم الدين والإسلام ، وتردّوا في هاوية سحيقة من الشرك والضلال، فعادوا إلى ما كان عليه مشركو الجاهلية الأولى قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأوثان والأصنام ، يرجون منهك كشف الكربات ، وإغاثة اللهفات ، أضف إلى ذلك ما كان عليه أهل نجد من النهب واضطراب الأمن وسفك الدماء وتقاطع الأرحام نتيجةً للجهل والتفرق والضلال ، فمنّ الله عليهم بظهور هذين الإمامين محمد بن عبدالوهّاب ومحمد بن سعود ، فعملا على هدايتهم وإرشادهم إلى طريق الحق والهدى ، وعملا على جمْع كلمتهم ، ولمّ شعثهم ، فطهّر الله بهما أرض الجزيرة العربية من رجس الشرك والوثنية ، فثاب أهلها إلى رشدهم ، ورجعوا عن غيّهم ، ودخلوا في دين الله أفواجا، وأصبحوا بعد أن كانوا أحزابا متفرقين وأعداء متقاطعين إخوانا متآلفين تجمعهم كلمة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، تحت راية الإسلام الصحيح ولواء التوحيد المطهر). إهـ
يقول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله مبيناً أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا: إنَّ دعوةَ الإمامِ الشيخِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ رحمه الله هي الدعوةُ الإسلامية التي دعا إليها رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم, وصحابتُه الكرامُ, وسلفُ هذهِ الأمةِ الصالح, ولهذا نجحَتْ وحققَتْ آثاراً عظيمة رغمَ كثرةِ أعدائها ومعارضيها أثناءِ قيامِها ، أثمرَتْ ثمراتٍ عظيمة ، لم تحصلْ على يدِ مصلحٍ قبلَه بعدَ القرونِ المفضلة, وذلك لما ترتبَ عليها من قيامِ مجتمعٍ يحكمُه الإسلام ، ووجودِ دولةٍ تؤمنُ بهذه الدعوةِ وتطبقُ أحكامَها تطبيقاً صافياً نقياً في جميعِ أحوالِ الناس, في العقائدِ والأحكامِ والعاداتِ والحدودِ والاقتصادِ وغيرِ ذلك, ممّا جعلَ بعضَ المؤرخين لهذه الدعوةِ يقول: [إنَّ التاريخَ الإسلامي بعدَ عهدِ الرسالةِ والراشدين لم يشهدْ التزاماً تاماً بأحكامِ الإسلام, كما شهدَتْه الجزيرةُ العربيةُ في ظلِّ الدولةِ التي أيّدَتْ هذه الدعوةَ ودافعَتْ عنها]. وقال رحمه الله: ولا تزالُ هذه البلادُ والحمدُ لله تنعمُ بثمراتِ هذه الدعوة، أمناً واستقراراً ورغداً في العيش، وبُعداً عن البدعِ والخرافاتِ التي أضرَتْ بكثيرٍ من البلاد الإسلامية، حيث انتشرَتْ فيها". انتهى كلامُ سماحةِ الشيخِ عبدِ العزيزِ بن بازٍ رحمَه اللهُ وأسكنَه فسيحَ جناتِه.
ونحن بعون الله ومنته، ماضون سائرون على ما سار عليه أئمتنُا وعلماؤنا وولاةُ أمورنا ، على الكتاب والسنة ، على نهج سلف الأمة الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، غير مغيرين ولا مبدلين ، حكّاما ومحكومين، قادة وشعبا، خير خلف لخير سلف، سلما على أمتنا، حربا على أعدائنا، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهّاب) نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبما فيه من الآيات والذكر الحكيم ..
الخطبة الثانية:
اللهم لك الحمد حمداً كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً وتعظيماً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً ... أما بعد
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
اعلموا عباد الله : أن الدعوة السلفية التي جدد معالمها الإمام محمد بن عبد الوهاب ، وناصره عليها الإمام محمد بن سعود رحمهم الله جميعا ، هي أصل الدعوة القائمة عليها دولتنا إلى الآن بفضل الله ومنته ، وعليها تقوم أركان الدولة ففي النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412 هـ ، في عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود وهو المعمول به حتى الآن ينص : أن المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولغتها هي اللغة العربية، يستمد الحكم سلطته فيها من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة ، وأن الأسرة هي نواة المجتمع السعودي، ويربى أفرادها على أساس العقيدة الإسلامية، وما تفتضيه من الولاء والطاعة لله، ولرسوله، ولأولي الأمر، واحترام النظام وتنفيذه، وحب الوطن، والاعتزاز به وبتاريخه المجيد ، وأن المجتمع السعودي يقوم على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم ، وتحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله ، وتنشئ الدولة القوات المسلحة، وتجهزها من أجل الدفاع عن العقيدة، والحرمين الشريفين، والمجتمع، والوطن ، وأن مصدر الإفتاء في المملكة العربية السعودية، كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية ، وتطبق المحاكم على القضايا المعروضة أمامها أحكام الشريعة الإسلامية ، وفقا لما دل عليه الكتاب والسنة، وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض مع الكتاب والسنة ، وأن الملك أو من ينيبه معنيون بتنفيذ الأحكام القضائية.
إخوة الإيمان : نحن في وطن هو أفضل الأوطان على الإطلاق ، قائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من وقت إنشائه بتوفيق الله ونصرته حتى يومنا هذا وإلى الغد إن شاء الله ، لنكن صفا واحدا مع ولاة أمرنا في كل وقت وحين ، لنحافظ على ديننا ووطننا ونقدم أغلى ما عندنا ويسلم ديننا ووطننا ، لننبذ أسباب التفرق والاختلاف القادم من أهل الفكر المنحرف من داعش أو من جماعة التبليغ أو حزب الإخوان المسلمين ومن شابههم ، فلا مكان لهم بيننا ، فهؤلاء ما كانوا في وطن مسلم إلا ودمروه وزرعوا الشقاق والخلاف فيه ، وبدلوا حالهم مكان الأمن خوفا وزرعوا القتل والتفجير والتدمير والتخريب ، لنكن صفا واحدا مع ولاة أمرنا أمام أعدائنا لنحافظ على ديننا ووطننا ، اللهم احفظ إمامنا إمام الحرمين الشريفين بحفظك وأطل في عمره على طاعتك ، وفقه لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين في بلادنا وفي جميع بلاد المسلمين يارب العالمين ، اللهم احفظ لنا جميع أئمتنا وولاة أمرنا ، وفقهم لهداك واجعل عملهم في رضاك ، اللهم ارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه ، وتبيّن لهم الشر ، وتصرفهم عنه ، أللهم ألّف بين قلوبنا على الكتاب والسنة ، واجمع كلمتنا مع ولاة أمورنا على توحيدك ونصرة دينك وحفظ أرضنا ووطننا، اللهم وحّد صفنا على كسب رضاك وتأييدك يارب العالمين ، اللهم من أرادنا وأراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوء فاشغله في نفسه واجعل تدميره تدبيره ، واجعل هلاكه بسلاحه ، اللهم نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ، اللهم شتت أمرهم وخالف بين قلوبهم وافشل مخططاتهم، اللهم عليك بالحوثيين الرفض وكل من شايعهم ووقف بصفهم، اللهم عليك بالصفويين الأخباث الأنجاس ، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر ياقوي ياعزيز...اللهم انصر جندنا على الحدود وفي كل مكان اللهم سدد رميهم وسدد رأيهم وثبت قلوبهم وانصرهم على عدوك وعدوهم يارب العالمين
اللهم صل على محمد ...

المشاهدات 553 | التعليقات 0