دعاء نبوي نحتاج الإكثار منه في هذا الزمان

عايد القزلان التميمي
1443/06/04 - 2022/01/07 05:32AM
الخطبة الأولى
الحمد لله مدبّر الليل والنهار ، مقلب القلوب والأبصار ، ذي النعم والآلاء ، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عُدَّةً للقائه ، وأماناً من عذابه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم أنبيائه . صلى الله عليه ، وعلى آله وأصحابه ، وأهل بيته وأزواجه ، وسلم تسليماً .
أما بعد فيا عباد الله : اتقوا الله ؛ فإنّ من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه . أيها المؤمنون: إن نبينا المصطفى ورسولنا المجتبى - عليه صلوات الله وسلامه - أوتي جوامع الكلم وبدائع الحِكَم - صلوات الله وسلامه عليه - ، فكان يقول الكلمات القليلة ويتلفظ بالألفاظ اليسيرة الحاوية للمعاني الجامعة العظيمة .
عباد الله : وهكذا الشأن في دعواته صلوات الله وسلامه عليه ؛ فكان صلى الله عليه وسلم يعجبه إذا دعا الله أن يدعو بجوامع الكلم كما ثبت ذلك في الحديث .
وفي هذه الخطبة وقفة مع دعوة عظيمة كان يدعو بها نبينا صلى الله عليه وسلم وهي ثابتةٌ عنه صلوات الله وسلامه عليه وهو دعاءٌ يحتاج إليه كل مسلم في كل لحظة حتى يلقى ربه، مهما كان صالحًا نقيًّا، ومهما كان برًا تقيًّا؛ لأن القلوب تتقلب . ولخطورة هذا الأمر وأهميته كان المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يكثر من الدعاء بالثبات على الدين.
 فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَعَوَاتٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَا: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَ: «إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ»
عباد الله ولهذا كان الراسخون في العلم من أهل الإيمان والتقوى يخافون الزيغ والضلال ولقد أخبرنا ربنا في كتابه ﴿  وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ * رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾
 وإن فتن الشبهات والشهوات ما انتشرت والله أعلم في زمن مثل انتشارها في زماننا ،
عباد الله وللثبات على الطاعة أسبابا ومنها الاعتصام بالسنة، والحذر من البدعة، فإن كل بدعة ضلالة، كما بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه بقوله فيه ((   فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ ))
ومن أسباب الثبات على الطاعة مبادرة الفتن بالأعمال، والإخلاصُ لله فيها، والاستدامة عليها، عملاً بالتوجيه النبوي الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم ((بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا )). رواه مسلم
ومن أسباب الثبات على الهدى: العمل بشرائع الدين كلها! ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً. وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيما ﴾
ومن أسباب الثبات زمن الفتن: الاهتداء بالقرآن الكريم قال تعالى ﴿ قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
 ﴾
ومن أسباب الثبات على الطاعة والتوحيد : قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وقصص الأنبياء وسير الصحابة ومن بعدهم من الصادقين ﴿ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾
ومن أسباب الثبات على الحق والهدى ترك الظلم، فالظلم عاقبته وخيمة، وقد جعل الله التثبيت نصيب المؤمنين والإضلال يكون للظالمين، فقال جل ذكره:  يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ
ومن أسباب الثبات على الدين والصلاح كثرة ذكر الله تعالى، كيف لا وقد قال جل شأنه:  أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ؟! وقال  : ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)). وقد أمر الله تعالى عباده بالإكثار من ذكره فقال:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرا  وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً   ))
فعلينا عباد الله الإكثار من الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ فقد قال صلى الله عليه وسلم  (( اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك )) .
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه  ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
 الحمد لله العزيز الغفار، مقلب القلوب والأبصار، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه المصطفين الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعدُ فياعباد الله، اعلموا أنه على قدر ثبات العبد على الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار يكون ثباته على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذا الصراط في الدنيا يكون سيره على ذلك الصراط، فمنهم من يمر مر البرق، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم كالريح، ومنهم من يمشي مشيًا، ومنهم من يحبو حبوًا، ومنهم المخدوش، ومنهم من يسقط في جهنّم، وهل تجزون إلا ما كنتم تعملون؟!
ولذا نحن في صلاتنا ندعو الله أن يثبّتنا على الصراط المستقيم، ونقول:  اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ   صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ .
فألحوا على الله تعالى بالسؤال أن يربط على قلوبكم ويثبتكم على دينكم، فالقلوب ضعيفة، والشبهات كثيرة ، والشيطان قاعد لك بالمرصاد .
فاللهم يا ربنا ، ثبّتنا على طريق الصالحين، طريق الإيمان، طريق التقوى، طريق التوحيد، طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
المرفقات

1641533477_دعاء نحتاج الإكثار منه في هذا الزمان.docx

المشاهدات 1242 | التعليقات 0