دعاء الولد الصالح لوالديه بعد موتهما

mo ab
1442/03/20 - 2020/11/06 00:23AM

                                                         الخطبة الأولى

إن الحمد لله.....

عباد الله: يقول تعالى: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامَاً﴾، إِنَّ صَلَاحَ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ أُمْنِيَةُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وَمِنَّةٌ جَلِيلَةٌ كَرِيمَةٌ يَوْمَ يُمْسِي الأَبَوَانِ وَيُصْبِحَانِ وَقَدْ أَقَرَّ اللهُ تعالى أَعْيُنَهُمَا بِالذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ، بِذُرِّيَّةٍ تَخَافُ اللهَ تعالى، ذُرِّيَّةٍ تُقِيمُ الصَّلَاةَ، وُتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَتَحَلَّى بِجَمِيلِ الخِصَالِ وَكَرِيمِ الفِعَالِ.

الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ بَهْجَةُ الحَيَاةِ وَسُرُورُهَا، وَأُنْسُهَا وَفَرْحَتُهَا وَزِينَتُهَا، عِنْدَمَا يَرْزُقُك اللهُ تعالى الذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، تُحِبُّها وَتُحِبُّك، تَوَدُّها وَتَوَدُّك، وَتُطِيعُ اللهَ فِيهَا، وَتُطِيعُ اللهَ فِيك، فَلَا أَحَدَ أَسْعَدَ مِنك عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.

عباد الله: إِنَّ صَلَاحَ الأَبْنَاءِ وَالبَنَاتِ تَقَرُّ بِهِ العُيُونُ في الحَيَاةِ وبعد الممات، عِنْدَمَا نَدْخُلُ ظُلْمَةَ القُبُورِ فتَغْشَانَا الدَّعَوَاتُ الصَّالِحَةُ مِنْ أَبْنَائِنَا، وَكَثْرَةُ اسْتِغْفَارِهِمْ لَنَا، لِقَوْلِهِ ‘: «إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه الإمام مسلم.

وَلِقَوْلِهِ ‘: «إِنَّ الرجلَ لَتُرْفَعُ درجتهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَنَّى هَذِا؟ فَيَقال: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ» رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.

عباد الله: إن مِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَيْنَا وَخَاصَّةً بَعْدَ مَوْتِهِمَا، كَثْرَةُ الدُّعَاءِ لَهُمَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الحاكم عَنْ مَالِكِ بْنَ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيَّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ‘إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: «نَعَمُ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عُهُودِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّذِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا». أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

لَقَدْ بَيَّنَ ‘أَنَّ مِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا.

وَالصَّلَاةُ تُطْلَقُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ، الصَّلَاةُ التي هِيَ الصَّلَاةُ عَلَى المَيْتِ، وَهَذَا مِنْ حَقِّ الوَالِدَيْنِ عَلَى الوَلَدِ أَنْ يَشْهَدَ جِنَازَةَ وَالِدَيْهِ إِذَا مَاتَا، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمَا، وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا في هَذِهِ الصَّلَاةِ وبعدها في سائر والأوقات.

تَذَكَّرْ يا عبد الله أَيُّهَا الابن لَو أَنَّكَ أَنْتَ المَيْتُ، لَمَا فَتَرَ لِسَانُ الوَالِدِ والوَالِدَةِ مِنَ الدُّعَاءِ لَكَ، فَلَا تَشْغَلَنَّكَ الدُّنْيَا عَنْ وَالِدَيْكَ، وَمَا الذي تَخْسَرُهُ وَأَنْتَ جَالِسٌ، أَو رَاكِبٌ سَيَّارَتَكَ أو في كل صلاة تصليها أَن تَقُولَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ، رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرَاً؛ وَتَسْأَلَ اللهَ تعالى أَنْ يُوَسِّعَ لَهُمَا في قَبْرَيْهِمَا وأن يقيهما الله عذاب القبر وأهواله.

يقول أحدهم: لقد مات أبي منذُ سبعِ سنين وما تركت الدعاء والاستغفار له في كلِّ فريضة. الله أكبر، كم من الحسنات لهذا الوالد سيجدها في صحيفته من استغفار ولده له؟ كم درجةً سيرفعه الله بها في الجنة؟ كم هي سعادته وفرحته بهذا الأجور العظيمة؟ كم هي فرحته بهذا الولد الصالح الذي لم ينساه بعد موته بل تذكره وبر به؟

يقول أحد السلف: يقول تعالى: (أن اشكر لي ولوالديك إليَّ المصير) من أدى الصلوات الخمس فقد شكر الله، ومن دعا لوالديه فيها فقد أدى شكر والديه.

عبد الله: أَكْثِر مِنَ الدُّعَاءِ لَهُمَا في السُّجُودِ، وفي السَّحَرِ، وَبَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَفي أَوْقَاتِ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وأَكْثِر لَهُمَا مِنَ الدُّعَاءِ كلَّ ما ذكرتهما.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب).

 

                                                    الخطبة الثانية

الحمد لله

الاسْتِغْفَارُ للوَالِدَيْنِ هُوَ دَأْبُ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ وَالصَّالِحِينَ، فَهَذَا سَيِّدُنَا نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَدْعُو ربه بِقَوْلِهِ: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنَاً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارَاً﴾.

وروى الإمام البخاري في الأَدَبِ المُفْرَدِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَيْلَةً، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأُمِّي، وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُمَا.

قَالَ لِي مُحَمَّدٌ: فَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُ لَهُمَا حَتَّى نَدْخُلَ فِي دَعْوَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. صححه الألباني.

وَنَحْنُ نَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِآبَائِنَا وَلِأُمَّهَاتِنَا، وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأُمِّهِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يُدْخِلَنَا في دَعْوَتِهِ.

عبد الله: إذا أردت أن تكون صالحاً ومن عباد الله الصالحين فبر بوالديك في حياتهما وبعد موتهما، فعندها ستحقق قوله ‘: (أو ولدٍ صالحٍ يدعو له)، ولتعلمْ أن بركَ بوالديك بعد موتهما بالدعاء لهما أو الصدقة عنهما، تُحقق ثلاث خصال:

الأولى: الشهادة لك بالصلاح.

الثانية: الأجر المترتب لك ببرك لوالديك.

الثالثة: نَفْع والديك بعد موتهما، وانقطاع عملهما.

عباد الله: لَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا وَاجِبَاتٍ كَثِيرَةً نَحْوَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، أَحْيَاءً وأمواتا، فَعَلَيْنَا بِالقِيَامِ بِهَذِهِ الوَاجِبَاتِ مُسْتَعِينِينَ بِاللهِ تعالى، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنا أبناء بررة ويجعل أَبْنَاءَنَا بَرَرَةً بِنَا إنه ولي ذلك والقادر عليه.

اللهم أكْرِمَنَا بِبِرِّ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا أَحْيَاءً وأمواتا.

المشاهدات 10064 | التعليقات 0