دروس من عروض الحيوانات لابتهال محمد علي البار

دروس من عروض الحيوانات

ابتهال محمد علي البار

كانت طفلتي تلحُّ على أن نزور مدينة ملاكا في ماليزيا، تلك المدينة التي تقع في الجزء الجنوبي الغربي من شبه جزيرة ماليزيا، وقد تمَّ اكتشافُها قديمًا بواسطة أمير إندونيسي من سومطرة، قبل أن تصبح الآن من أهم الموانئ التِّجارية في تلك المنطقة للكثير من السفن الآتية من الصين والهند وأمريكا الجنوبية، كما احتُلَّت الولاية من البرتغال مدة 130 عامًا، ثم الهولنديين مدة 154 عامًا، ثم البريطانيين مدة 131 عامًا، كما احتلها اليابانيون من 1942 حتى 1945، حتى نالت استقلالها منهم عام 1957 مع بقية الأراضي الماليزية، وقد نالت استقلالها على يد الأمير عبدالرحمن الحاج أول رئيس وزراء لماليزيا، وأصبحت المدينة الآن من أهم المدن السياحية، خاصةً مع وجود منتجع أفاموسا الممتع للأطفال والكبار، الذي يتميَّز بتقديمه عروضًا رائعة للحيوانات المُدرَّبة بشكل رائع.

جلسنا أنا وزوجي وطفلتاي الصغيرتان، وبدأ العرض الأول: الدبُّ يمشي على قدمين، ويجلس على الكرسي، ويمسك بالكأس ليشرب العسل!

ثم عرض الطيور التي درَّبها صاحبُها على إلقاء التحية بثلاث لغات: الماليزية، والصينية، والإنجليزية، والقرود التي ترقص وتصافح، وغيرها من حركات بهلوانية.

والذي استوقفني بكثير من التأمُّل أن كل حيوان ما أن ينتهي من جزء ٍ بسيط من العرض، حتى يشجِّعه صاحبُه بقطعة طعام محبَّبةٍ لديه، حتى يكمل العرض.

وتساءلتُ في نفسي: إذا كانت الحيوانات تستجيب بفاعلية تامَّة، وتقدِّم ما يخالف طبيعتها، فتمشي على قدمين، وترقص، وتجلس على الكرسي، كلُّ ذلك يتم بتحقق عاملين، هما: التدريب والتشجيع، اللذان نفتقدهما في كثير من الأحيان مع أبنائنا، فخُلُق الصدق مثلاً لا يُغرس في أعماق الطفل من موقفٍ واحد أو اثنين؛ بل يحتاج الأمر إلى توجيه وتدريب في كل مرة يقع فيها في خطيئة الكذب، أو يرى الكبار يمارسون هذا الخلق الشائن.

وهكذا كل سلوك حسنٍ، لا يُغرس في أبنائنا إلا بالتدريب المستمر، حتى يثبت في دواخلهم، فلا يمكن اقتلاعُه مهما تعرَّضوا لفتن ومصاعب الحياة.

وهذه الطريقة يسميها التربيون التربيةَ بالموقف، تستلزم ما يفتقده كثير من بيوتنا، وهو حضور الأم الواعية المتيقِّظة لما يدور في حياة أبنائها من مواقفَ مختلفةٍ حتى يتسنَّى لها التوجيه والتدريب.

والعامل الثاني هو: التشجيع المستمر الذي يفتقده أيضًا بعض البيوت في التعامل مع الأبناء، كبارًا كانوا أم صغارًا، وأُشير إلى أن الحق - تبارك وتعالى - عامَلَ عباده المؤمنين بأرقى وأرفع أنواع التشجيع، فالحسنة ليست بمثلها؛ بل بعشرة أمثال، والله يضاعف لمن يشاء.

فهلاَّ وظَّفنا التدريب والتشجيع في تربية أبنائنا.

المصدر: الألوكة
المشاهدات 1960 | التعليقات 0