دروسٌ من أيَّامٍ مَعلومَاتٍ وَمَعْدُودَاتٍ مَضَتْ: التوحيد الخالص، الانقياد التام.
مبارك العشوان
1437/12/15 - 2016/09/16 01:09AM
إنَّ الحمدَ للهِ ... أما بعدُ: فاتقوا... مسلمون.
عبادَ الله: أيَّامٌ مَعلومَاتٌ وَمَعْدُودَاتٌ مَضَتْ؛ فيهَا زَكَاءٌ للنفوسِ وطهارةٌ للقلوب، وصلاحٌ للأعمال، وتكفيرٌ للِسَيئاتِ، وَرِفعَةٌ في الدَّرَجَاتِ؛ ( عشرُ ذِي الحِجَّةِ، يَومُ عَرَفَة، الحجُّ، العِيدُ، أيَّامُ التشرِيقِ، الأَضَاحِي، التَّكبِيرُ، الصِّيامُ والقِيَامُ والذِّكرُ والدُّعاءُ وَصَالِحُ الأعمَالِ ). أيامٌ مَضَتْ ينبغي أنْ يبقى أثَرُهَا فِي حَيَاتِنا.
عباد الله: ألا وإنَّ مِن أبرَزِ آثارِهَا وَدُرُوسِهَا: التأكيدُ على أَعْظَمِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيد, وَأَعْظَمِ مَا نَهَى عَنْه وهو الشِّرْك.
التوحيدُ أيُّها الناسُ هو الأمرُ العظيمُ الذي خَلَقَ اللهُ لأجلِهِ الخلقَ وأرسلَ الرُّسُلَ، وأنزلَ الكُتُبَ.
والتأكيدُ على التَّوحِيدِ الخَالِصِ، وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَوَسَائِلِهِ ظَاهرٌ جليٌ في الحجِّ مِنَ الإهلالِ بِهِ إلى طَوَافِ الوَدَاعِ؛ فَبيتُ اللهِ الحرَامُ هُو قِبلَةُ المسلمينَ، وَإليهِ حَجُّهُم وعُمرَتُهُم، وهُو البيتُ الذي أمَرَ اللهُ تعالى بِتطهيرِهِ من سَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ وَأعظَمُهَا نَجَاسَةُ الشِّرك؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } التوبة 28
وَلمَّا ( دَخَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: { جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } { جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }. رواه البخاري ومسلم.
يُهِلُّ الحاجُّ إحْرَامَهُ بِالتوحِيدِ: ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ) وَيَستَمِرُّ يُلَبِي إلى أن يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةَ، وَيَشتَغِلُ بَعْدَهَا بِالتكبير. ويبدأُ دُعَاءَهُ عِندَ الصَّفَا وَعِندَ المَرْوَة بالتوحيد: يقولُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: ( فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْـــــدَهُ ... ) رواه مسلم. والوقُوفُ بِعَرَفَةَ هُو رُكنُ الحجِّ الأعظمُ، وَخَيرُ دُعَائِهِ كَلِمَةُ التوحيدِ؛ كَمَا قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وَإذا أكملَ الطَّائِفُ سَبعَةَ أشْوَاطٍ صَلَّى رَكعَتَينِ خَلْفَ المَقَامِ يقرأُ فيهما بِسورتي الإخلاصِ: ( الكافرونَ، وقُل هُو اللهُ أحد ) وَقَد اشتملتا على توحيدِ اللهِ تباركَ وتعالى.
وَمِن ذلكَ عبادَ الله: الطَّوافُ بِالبيتِ والسَّعيُ بينَ الصَّفَا والمروة قالَ تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } هُو خَاصٌّ بِالبيتِ فَلَا يَجُوزُ الطَّوافُ بِبَيتٍ غَيرِهِ على وَجِهِ الأرضِ، وِلَا بِقُبُورٍ، وَأَضْرِحَةٍ، وَلَا بِأشْجارٍ وأحْجَارٍ، وَمَنْ فَعَلَ شَيئاً مِن ذَلكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الشركِ والعِياذُ بِالله.
وَعِندَمَا يَسْتَلِمُ الطَّائِفُ الحَجَرَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ يَستَلِمُهُمَا طاعَةً لِلهِ، واقتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ لا اعتقاداً فيهما، ولِهَذا قالَ أميرُ المؤمنينَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ لَمَّا استلمَ الحَجَرَ: ( إني أعلمُ أنَّكَ حجرٌ لا تنفعُ ولا تضرُّ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقبِّلكَ ما قبلتُك ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وَبِهِ نَعْلَمُ أنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّحُ بِشيءٍ مِنَ الأبنيةِ والأحجارِ والقُبُورِ وَغَيرِهَا.
عبادَ اللهِ: ومن دُرُوسِ التَّوحيدِ: أنَّ الذَّبحَ سَواءً كَانَ هَدْياً أو أُضْحِيةً أو غَيرَهُما؛عِبَادَةٌ للهِ تَعَالى؛ لا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَيِّ مَخلُوقٍ كَائِناً مَن كانَ، وَمَنْ ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالَ تَعَالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } الأنعام162ـ163
أَلَا فَاحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلى التَّوحِيدِ الخَالِصِ؛ فَبِهِ نَصْرُ الأُمَّةِ وَعِزُّهَا وَفَلَاحُهَا دُنياً وأُخْرَى.
بِتَحْقِيقِهِ يَحصُلُ الأَمْنُ التَّامُّ مِنْ مَخَاوُفِ الدُّنيا، وَمَخَاوُفِ الآخرة: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. } الأنعام82
عَضُّوا أيُّها النَّاسُ على التَّوحِيدِ بالنَّواجِذِ، تَعَاهَدُوهُ وَتَدَارَسُوا مَسَائِلَهُ مَعَ عُلَمَائِكُم، وَاقْرَأُوا كُتُبَهُ فِي مَسَاجِدِكُم وَعَلى أَهْلِكُم وَأَوْلَادِكُم، اشْرَحُوهُ وَأَحْسِنُوا شَرْحَهُ أيُّهَا المُعلمونَ لِطُلَّابِكُم، لِتَنعَقِدَ قُلُوبُهُم عَلى العقيدةِ الصَّافِية، عَقيدَةَ أهلِ السُّنةِ والجَمَاعَة، المَبنِيَّةِ على الكتابِ والسُّنَة؛ فَمَتَى انْعَقَدَتْ قُلُوبُهم عَليهَا حُفِظُوا بِإِذنِ اللهِ مِنْ الزَّيغِ والضَّلالِ، وَوَقَفُوا بِكُلِّ قُوَّةٍ وَبَيَانٍ وَحُجَّةٍ أَمَامَ الهَجَمَاتِ الشَّرِسَةِ عَلى التَّوحِيدِ وَأهلِهِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإيَّاكُم مِمَّنْ يَسْتَمِعُ القولَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَه.
وباركَ لي ولكم... وأقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإنَّ مِن أبرَزِ آثارِ عَشْرِنَا وَدُرُوسِهَا:
تَحقِيقُ الانقِيادِ التَّامِّ لأوامرِ اللهِ جَلَّ وَعَلا وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ؛ والوُقُوفِ عِندَ حُدُودِ الشَّرْعِ؛ وَهَذا أصْلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ الدِّين، وَلِهَذا قَالَ شيخُ الإسلامِ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمهُ الله: وهُو يُعَدِدُ الأصولَ الثَّلاثةَ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟ قال رحمه الله: الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ الاستسلامُ للهِ بالتَّوحِيدِ، والانقيادُ لَهُ بالطَّاعَةِ، والخُلُوصُ مِنَ الشِّركِ.
عبادَ الله: يَظهرُ هذا الانقيادُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة؛ فمن ذلك:
عِندَمَا يُؤمَرُ مَن أرَادَ الأُضحِيةَ بالإِمْسَاك عن شَعرِهِ وَظُفْرِهِ من دُخُولِ العشرِ حتَّى يُضَحِى فَينقَادُ لِأمرِ اللهِ ويمتثل، وَعندَمَا يَبتعِدُ المُحْرِمُ عَن مَحظُوراتِ الإحرام طِيلِة إِحرَامِهِ، انقيادا وامتثالاً، وَوَقُوفاً عندَ حُدُودِ الله، يُؤمَرُ بِالطَّوافِ سَبعاً، والسَّعْيِ سبعاً وَرَمِيِ الجَمْرَةَ بِسْبعِ حَصَيَاتٍ، وَالوقوفِ بِعَرَفَةَ إلى الغروب، فينقادُ ويمتثلُ؛ وَيلتَزِمُ العَدَدَ وَالوقَتَ.
عبادَ الله: ألا فَليَكُن هَذا حالُنا طِيلَةَ حَيَاتِنَا، لَا تَتَوَانَ أخي المسلمُ فِي شَيءٍ أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، ولَا تُقْدِم على شيءٍ نَهَاكَ اللهُ عنهُ، اجتَهِد فِي الطَّاعَاتِ، وَأمْسِكْ عنِ المُحرَّمَات، احرِص غَايَةَ حِرصِكَ أَن لا يَرَاكَ اللهُ تَعَالَى حَيْثُ نَهَاكَ، أَو يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ.
وفَّقَنِي اللهُ وإيَّاكُم لِهُدَاه، وَجَعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاه.
ثم صلوا وسلموا ... اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ...
اللهم أعزَّ الإسلامَ... اللهم أصلح أَئِمَّتَنَا...
عباد الله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ ... }. فاذكروا الله ...
عبادَ الله: أيَّامٌ مَعلومَاتٌ وَمَعْدُودَاتٌ مَضَتْ؛ فيهَا زَكَاءٌ للنفوسِ وطهارةٌ للقلوب، وصلاحٌ للأعمال، وتكفيرٌ للِسَيئاتِ، وَرِفعَةٌ في الدَّرَجَاتِ؛ ( عشرُ ذِي الحِجَّةِ، يَومُ عَرَفَة، الحجُّ، العِيدُ، أيَّامُ التشرِيقِ، الأَضَاحِي، التَّكبِيرُ، الصِّيامُ والقِيَامُ والذِّكرُ والدُّعاءُ وَصَالِحُ الأعمَالِ ). أيامٌ مَضَتْ ينبغي أنْ يبقى أثَرُهَا فِي حَيَاتِنا.
عباد الله: ألا وإنَّ مِن أبرَزِ آثارِهَا وَدُرُوسِهَا: التأكيدُ على أَعْظَمِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ وَهُوَ التَّوْحِيد, وَأَعْظَمِ مَا نَهَى عَنْه وهو الشِّرْك.
التوحيدُ أيُّها الناسُ هو الأمرُ العظيمُ الذي خَلَقَ اللهُ لأجلِهِ الخلقَ وأرسلَ الرُّسُلَ، وأنزلَ الكُتُبَ.
والتأكيدُ على التَّوحِيدِ الخَالِصِ، وَنَبْذِ الشِّرْكِ وَوَسَائِلِهِ ظَاهرٌ جليٌ في الحجِّ مِنَ الإهلالِ بِهِ إلى طَوَافِ الوَدَاعِ؛ فَبيتُ اللهِ الحرَامُ هُو قِبلَةُ المسلمينَ، وَإليهِ حَجُّهُم وعُمرَتُهُم، وهُو البيتُ الذي أمَرَ اللهُ تعالى بِتطهيرِهِ من سَائِرِ النَّجَاسَاتِ؛ وَأعظَمُهَا نَجَاسَةُ الشِّرك؛ قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا } التوبة 28
وَلمَّا ( دَخَلَ النَّبِيُّ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ مَكَّةَ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: { جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } { جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }. رواه البخاري ومسلم.
يُهِلُّ الحاجُّ إحْرَامَهُ بِالتوحِيدِ: ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لاَ شَرِيكَ لَكَ ) وَيَستَمِرُّ يُلَبِي إلى أن يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةَ، وَيَشتَغِلُ بَعْدَهَا بِالتكبير. ويبدأُ دُعَاءَهُ عِندَ الصَّفَا وَعِندَ المَرْوَة بالتوحيد: يقولُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه: ( فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْـــــدَهُ ... ) رواه مسلم. والوقُوفُ بِعَرَفَةَ هُو رُكنُ الحجِّ الأعظمُ، وَخَيرُ دُعَائِهِ كَلِمَةُ التوحيدِ؛ كَمَا قالَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير (أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وَإذا أكملَ الطَّائِفُ سَبعَةَ أشْوَاطٍ صَلَّى رَكعَتَينِ خَلْفَ المَقَامِ يقرأُ فيهما بِسورتي الإخلاصِ: ( الكافرونَ، وقُل هُو اللهُ أحد ) وَقَد اشتملتا على توحيدِ اللهِ تباركَ وتعالى.
وَمِن ذلكَ عبادَ الله: الطَّوافُ بِالبيتِ والسَّعيُ بينَ الصَّفَا والمروة قالَ تعالى: { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } هُو خَاصٌّ بِالبيتِ فَلَا يَجُوزُ الطَّوافُ بِبَيتٍ غَيرِهِ على وَجِهِ الأرضِ، وِلَا بِقُبُورٍ، وَأَضْرِحَةٍ، وَلَا بِأشْجارٍ وأحْجَارٍ، وَمَنْ فَعَلَ شَيئاً مِن ذَلكَ فَقَدْ وَقَعَ فِي الشركِ والعِياذُ بِالله.
وَعِندَمَا يَسْتَلِمُ الطَّائِفُ الحَجَرَ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ يَستَلِمُهُمَا طاعَةً لِلهِ، واقتِدَاءً بِرَسُولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ لا اعتقاداً فيهما، ولِهَذا قالَ أميرُ المؤمنينَ عمرُ رضيَ اللهُ عنهُ لَمَّا استلمَ الحَجَرَ: ( إني أعلمُ أنَّكَ حجرٌ لا تنفعُ ولا تضرُّ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقبِّلكَ ما قبلتُك ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وَبِهِ نَعْلَمُ أنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّمَسُّحُ بِشيءٍ مِنَ الأبنيةِ والأحجارِ والقُبُورِ وَغَيرِهَا.
عبادَ اللهِ: ومن دُرُوسِ التَّوحيدِ: أنَّ الذَّبحَ سَواءً كَانَ هَدْياً أو أُضْحِيةً أو غَيرَهُما؛عِبَادَةٌ للهِ تَعَالى؛ لا يَجُوزُ صَرْفُهَا لِأَيِّ مَخلُوقٍ كَائِناً مَن كانَ، وَمَنْ ذَبَحَ لِغَيرِ اللهِ فَقَدْ أَشْرَكَ، قَالَ تَعَالى: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } الأنعام162ـ163
أَلَا فَاحْرِصُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلى التَّوحِيدِ الخَالِصِ؛ فَبِهِ نَصْرُ الأُمَّةِ وَعِزُّهَا وَفَلَاحُهَا دُنياً وأُخْرَى.
بِتَحْقِيقِهِ يَحصُلُ الأَمْنُ التَّامُّ مِنْ مَخَاوُفِ الدُّنيا، وَمَخَاوُفِ الآخرة: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. } الأنعام82
عَضُّوا أيُّها النَّاسُ على التَّوحِيدِ بالنَّواجِذِ، تَعَاهَدُوهُ وَتَدَارَسُوا مَسَائِلَهُ مَعَ عُلَمَائِكُم، وَاقْرَأُوا كُتُبَهُ فِي مَسَاجِدِكُم وَعَلى أَهْلِكُم وَأَوْلَادِكُم، اشْرَحُوهُ وَأَحْسِنُوا شَرْحَهُ أيُّهَا المُعلمونَ لِطُلَّابِكُم، لِتَنعَقِدَ قُلُوبُهُم عَلى العقيدةِ الصَّافِية، عَقيدَةَ أهلِ السُّنةِ والجَمَاعَة، المَبنِيَّةِ على الكتابِ والسُّنَة؛ فَمَتَى انْعَقَدَتْ قُلُوبُهم عَليهَا حُفِظُوا بِإِذنِ اللهِ مِنْ الزَّيغِ والضَّلالِ، وَوَقَفُوا بِكُلِّ قُوَّةٍ وَبَيَانٍ وَحُجَّةٍ أَمَامَ الهَجَمَاتِ الشَّرِسَةِ عَلى التَّوحِيدِ وَأهلِهِ.
جَعَلَنِي اللهُ وَإيَّاكُم مِمَّنْ يَسْتَمِعُ القولَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَه.
وباركَ لي ولكم... وأقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ... أما بعد: فإنَّ مِن أبرَزِ آثارِ عَشْرِنَا وَدُرُوسِهَا:
تَحقِيقُ الانقِيادِ التَّامِّ لأوامرِ اللهِ جَلَّ وَعَلا وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ؛ والوُقُوفِ عِندَ حُدُودِ الشَّرْعِ؛ وَهَذا أصْلٌ عَظِيمٌ مِن أُصُولِ الدِّين، وَلِهَذا قَالَ شيخُ الإسلامِ محمدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ رحمهُ الله: وهُو يُعَدِدُ الأصولَ الثَّلاثةَ التِي يَجِبُ عَلَى الإِنْسَانِ مَعْرِفَتُهَا؟ قال رحمه الله: الأَصْلُ الثَّانِي: مَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بِالأَدِلَّةِ، وَهُوَ الاستسلامُ للهِ بالتَّوحِيدِ، والانقيادُ لَهُ بالطَّاعَةِ، والخُلُوصُ مِنَ الشِّركِ.
عبادَ الله: يَظهرُ هذا الانقيادُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة؛ فمن ذلك:
عِندَمَا يُؤمَرُ مَن أرَادَ الأُضحِيةَ بالإِمْسَاك عن شَعرِهِ وَظُفْرِهِ من دُخُولِ العشرِ حتَّى يُضَحِى فَينقَادُ لِأمرِ اللهِ ويمتثل، وَعندَمَا يَبتعِدُ المُحْرِمُ عَن مَحظُوراتِ الإحرام طِيلِة إِحرَامِهِ، انقيادا وامتثالاً، وَوَقُوفاً عندَ حُدُودِ الله، يُؤمَرُ بِالطَّوافِ سَبعاً، والسَّعْيِ سبعاً وَرَمِيِ الجَمْرَةَ بِسْبعِ حَصَيَاتٍ، وَالوقوفِ بِعَرَفَةَ إلى الغروب، فينقادُ ويمتثلُ؛ وَيلتَزِمُ العَدَدَ وَالوقَتَ.
عبادَ الله: ألا فَليَكُن هَذا حالُنا طِيلَةَ حَيَاتِنَا، لَا تَتَوَانَ أخي المسلمُ فِي شَيءٍ أَمَرَكَ اللهُ بِهِ، ولَا تُقْدِم على شيءٍ نَهَاكَ اللهُ عنهُ، اجتَهِد فِي الطَّاعَاتِ، وَأمْسِكْ عنِ المُحرَّمَات، احرِص غَايَةَ حِرصِكَ أَن لا يَرَاكَ اللهُ تَعَالَى حَيْثُ نَهَاكَ، أَو يَفْقِدَكَ حَيْثُ أَمَرَكَ.
وفَّقَنِي اللهُ وإيَّاكُم لِهُدَاه، وَجَعَلَ عَمَلَنَا فِي رِضَاه.
ثم صلوا وسلموا ... اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ...
اللهم أعزَّ الإسلامَ... اللهم أصلح أَئِمَّتَنَا...
عباد الله: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ ... }. فاذكروا الله ...
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق