درسٌ عمليٌّ في القدوة والإيجابية والمساعدة 10/3/1438

أحمد بن ناصر الطيار
1438/03/08 - 2016/12/07 17:04PM
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق ولم يجعل له عوجا ، وأشهد أن لا إله إلا هو شهادةَ مِن أسلم وجهه لله فلم يجد حرجا ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ المصدوقُ مدخلا ومخرجا ، اللهم صلّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اتخذ دينه منهجًا.
أما بعد: معاشر المسلمين: كم تمرُّ بنا مواقف فيها العبر الكثيرة, والدروس المفيدة, وقلّ من يلتفت لها, ويُحيي ذكرها.
وسأقف مع هذا الموقف الجميل, وأستخلص منه العبر والدروس بحول الله تعالى.
في صباح يومٍ دراسيّ, وبينما الناس في عُجالةٍ من أمرهم, يستحثُّون الخُطا إلى أعمالِهِم ومدارسهم, إذا بإحدى السيارات قد أصابها عطلٌ عند الإشارة الخضراء, وخلفها سياراتٌ كثيرة, والناس مُستاؤون من ذلك, ولا تسمعَ إلا ضجيج أبواقِ السيارات, ويُرى التوترُ في الناس ظاهرًا, وهم بأمس الحاجة للثانية فضلاً عن الدقيقة, كي يتَمَكَّنوا من الحضور لعملهم في الوقت المسموح.
ومع أنّ الناس يقفون خلفه, ولا يستطيعون التحرك إلا إذا دفعوا السيارة, وهم متضررون من ذلك, إلا أنهم فضلوا التذمر على المساعدة, والتسخط على النظر في المشلكة وعلاجِها.
وبينما الناس على هذه الحالة, إذا بـشابٍّ من شبابنا وفقه الله, رأى هذا الموقف وهو في الشارع المقابل, فأوقف سيارته بجانب الطريق, ونزل مسرعًا بثقة ورزانة, واتَّجَه إلى صاحب السيارة وفَتَح بابَه وسَأله عن المشكلة, ثم أمره أنْ يركبها, وذهب خلفها ودفعها لوحده, دون أن يطلب مساعدةً من أحد, وتحامل على نفسِه حتى أخرجها من الطريق, وفرَّج عن الطابور من السيارات الْمُتوقفة, وأمره بالمضي وهو يدفعها بشدة, حتى صَلُحَ عُطْلُها ومشتْ بنفسِها.
ثم ذهب مسرعًا وكأن شيئًا لم يكن.
وكل هذا في أقل من دقيقتين تقريبًا!

كم في هذا الدرس من العبر الكثيرة, والفوائد العظيمة, منها:
أولا: أن العاقل هو الذي يبادر بالإصلاح والعمل, ولا وقت له للنقد وتصيُّدِ الأخطاء, بل يعمل ويُصلح ويَبْني ويُساعد, وهذا دأب الرجال المصلحين المشمرين.
إن النقد البناء لا يستغني عنه عاقل, ولا تصلح الحياة والأمة إلا به, وصدق الشاعر حين قال:
وقد رمى بك في تيهاءَ مهلكةٍ ... مَن بات يَكتمك العيب الذي فيكَ
ولكن المشكلة والمعضلة فيمن يُكثر النقد ولا يعمل, ويقع على الداء ولا يسعى في إيجاد الدواء.
فماذا قدّم أمثال هؤلاء للأمة سوى تثبيطِ العزائمِ والهمم, وإشغالِ الناس بما لا ينفع, وإيغارِ الصدور, وبثّ آفة التنفير والحزنِ المنهيِ عنها.
فهؤلاء لا مع العير ولا مع النفير, لا يُشمرون إذا الرجال شمّروا, ولا يُبادرون إذا القوم استنجدوا.
ثانيًا: شدةُ الفطنة, وحضورُ البديهة, فهذا الرجل وهو في طريقٍ غير طريق هذه السيارة المتعطلة, إلا إنه لمح الموقف, وفطن للمشكلة, فبادَرَ بالإصلاح.
وقد قال بعض الحكماء: صلاحُ شأن جميع الناس في الفطنة والتغافل.
فاسْتَعْمِلِ الفطنةَ في جلب الخير وفعلِه, واسْتعمل التغافل في ردّ الشر وإماتَتِه.
وصدق القائل:
ليسَ الغبيُّ بسيّدٍ في قومه ... لكِنّ سيد قومه المتُغابي
فالغبي لا يكون سيداً أبدًا، ولكنَّ المتغابي عن هفوات أهله وقومه هو السيد الْمُسدّد.

ثالثًا: أنّ صاحب المعروف من أسعدِ الناس وأشرحِهم صدرًا, والكسولَ والجبانَ والبخيلَ والنقّادَ, هم من أحزن الناس وأضيقِهم صدرًا, فكم وجد هذا الرجل من السعادة, حينما قام بهذه المساعدة والبذل والمعروف, ولا يعرف ذلك إلا من جرب.
فالسعادة التي لا تضاهيها سعادة, عندما نكون سببًا في سعادة الآخرين, واللذة التي لا تُدانيها لذة, عندما نكون مصدر فرحٍ للآخرين.
وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ .. . تُقْضى على يده للناس حاجاتُ
فبادر - أيها المسلم- إلى كل خلق حسن, واعمل المعروف ولا تنتظر نتائجه, وأبشر بالسعادة والبركة عليك وعلى أهلك وولدك.

رابعًا: أنَّ القدوةَ والمبادرَ يُحفِّزُ الناس للعمل والبذل, لأنَّ الدرسَ العملي, أقوى وأكثر تأثيرًا من ألف درس قولي.
فنحن مُحتاجون للقدوات, أكثر من حاجتنا للنصائح والتوجيهات.

خامسًا: أنّ الإنسانَ الحصيفَ, لا ينتظر في عمله ومساعدته العون والمشاركة, وهذا شأن المقدام الشجاع الحكيم.
وكثيرًا ما يُفسد المعروفَ لومُ صاحبِه لغيره, وعِتَابُه لِمَن لم يُساعده.
بل الكريمُ لا يلوم ولا يُعاتب, بل يلتمس الأعذار للناس.

معاشر المسلمين: كم في مثل هذه الأعمال من الأجور العظيمة, والدرجات الرفيعة لصاحبها في الدنيا والآخرة, فلقد أماط الأذى عن الطريق, وهي السيارة المتعطلة, وفي إماطة الأذى عن الطريق فضائلُ لا تخطر على بال, ويكفي في ذلك قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ». رواه مسلم
وفرج بعمله هذا كربةَ هذا المسكينِ وسعى في حاجته, وقد جاء في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ».

نسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير, مغاليق للشر, إنه سميع قربي مجيب.


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..

أما بعد: فاتقوا اله أيها المسلمون: واعملوا أنّه ينبغي علينا أنْ نحرص على نفع الأمة, ونُفَرِّجَ عن المكروبين الكربة, ونُبادرَ إلى مُساعدة المحتاج, ونشكرَ المحسن على إحسانِه, وننصحَ المسيء ونرفقَ به.

ولْنطرحْ كثرةَ النقد عنا, ولْنستبدلْه بالنصحِ الصادقِ للمخطئ, والتشجيعِ والثناءِ على المحسن, ولْنُبادرْ إلى الخير ونسعى إلى نفع الناس.

واعلموا أنّ الكدَّ والتعبَ فيما ينفع من أعظم أسباب السعادة, وزوال الهموم والغموم, بل الذي يبذل ماله الذي تعب عليه يتلذذ بذلك, بخلاف البخيل الجماع المناع, مع أنه حوى المالَ والْمتاعَ, إلا أنه ضيقُ الصدر, ممنوعٌ من الانشراح, صغيرُ النفْس, قليلُ الفرح, كثيرُ الهم والغم والحزن، لا يكاد تقضى له حاجةٌ ولا يُعان على مطلوب.
فلا نَعيم أَطْيَبُ مِنْ شَرْحِ الصَّدْرِ, وَلا عَذَابَ أَمَرُّ مِنْ ضِيقِ الصَّدْرِ.
فلن تجدَ انشراح الصدر في القعود والخمول, ولا في المالِ الكثير بلا إنفاق, ولا في المنصب بلا إخلاصٍ وبذلٍ للخير.

إنَّ المناصبَ لا تـــدومُ لواحــــــدٍ ... إنْ كنت في شكٍ فأين الأول
فاصنعْ مِن الفعل الجميل فضائلًا ... فـــإذا عُزِلْـــتَ فإنَّهـــا لا تُعْزَل

فليست السعادة بالراحة الدّعة, فلْنشمر عن ساعد الجد, ولْيعمل كلُّ واحدٍ منا بما يُحسنه, فسيأتي يومٌ نجد ثمرة بذلنا وعملنا وإحساننا, وسيجدُ البخيلُ والكسولُ والْمُثَبِّطُ عاقِبَة عملِه.
قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.
المشاهدات 1718 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا


نفع الله بك يا شيخ

طرح موفق لقضية يصعب طرحها وهي غاية في الأهمية

جزاك الله خيرا وسددك


آمين وإياكما, وأشكرك شيخ عبدالله على هذا الثناء العطر.