دخول شهر رمضان

فهد عبدالله الصالح
1433/08/29 - 2012/07/19 08:48AM
الْحَمْدُ للهِ الذِي فَاضَلَ بَيْنَ الأَزْمَان , وَجَعَلَ سَيَّدَ الشُّهُورِ رَمَضَان , وَوَفَّقَ لاغْتِنَامِهِ أَهْلَ الطَّاعَةِ وَالإِيمَان , أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُه , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ , وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَا ًكَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين
أَمَّا بَعْدُ : فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا الله -رحمكم الله- واعملوا واستعدوا، فالموت مورد، والساعة موعد، والقيامة مشهد، فاستقيموا وأحسنوا، فمن أحسن الظن بالله، أحسن العمل، الإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقه العمل .
عباد الله : تطوى الليالي والأيام وتنصرم الشهور والأعوام فمن الناس من قضى نحبه ومنهم من ينتظر , إن من يعش في هذه الحياة فسيرى اختلافاً كثيراً فلا السعادة تدوم ولا الشقاوة تبقى والله تعالى يقول ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )
أيها الأخوة المؤمنون : لقد أظلتنا أيام لها في القلوب مكان ولها في النفوس مقام أيام خلدها القرآن وباركها الله تبارك تعالى, أيام يزداد فيها العطاء ويرفع فيها الدعاء وتضاعف فيها الحسنات وتغفر فيها الزلات إنها أيام شهر رمضان المبارك شهر الصيام والقيام شهر الخشية والاستغفار شهر الذكر والقرآن شهر المراقبة والإخلاص .
أيها المسلمون : إن بلوغ رمضان لنعمة كبرى لا يعرف قدرها إلاَ الصالحون المشمرون , لقد كان بلوغ هذا الشهر أمنية ً كان يتمناها نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم- وكان يسأل ربه إياها .
أيها المسلمون : من فضل الله على هذه الأمة أن جعل العبادات المشروعة لهم تنفعهم في الدنيا قبل الأخرى إنها تهذب نفوسهم وتطهر قلوبهم وتغسلهم من أدران الذنوب والمعاصي التي توقعهم في الزلل وربما تجعلهم يمارسون الشر والتعدي ، والذنوب والمعاصي إذا تراكمت على العبد صرفته عن الخير وجرأته على الشر والفساد ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ولذا شرع الله الشرائع من أجل مصلحة الفرد والجماعة المؤمنة
إن الوضوء يغسل المسلم من أدران الذنوب يقول - صلى الله عليه وسلم- ( إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب ) رواه مسلم في صحيحه
وإن الصلاة تكفر الذنوب والخطايا ففي صحيح مسلم وغيره عنه - صلى الله عليه وسلم- أنه قال (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء قالوا لا يبقى من درنه شيء قال فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)
والزكاة قال الله عنها (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها )
والحج مطهر للذنوب والخطايا لقوله - صلى الله عليه وسلم- ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه )رواه البخاري ومسلم
والصوم كسائر شعائر الملة يُكفر الذنوب والخطايا ويغسل المسلم من أدران المعاصي لقوله - صلى الله عليه وسلم- (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
والغفران الذي يفوز به المؤمن بسبب صومه أو صلاته أو زكاته أو حجه إنما هو توبة من الله على عبده لأنه وقاه شر ذنوبه وكفاه تبعاتها ، فهي فرصة جديدة وسانحة من سوانح العمر لحياة متألقة بالطاعة والدنو من الله عز وجل
أجل أيها المصلون : إن العبادات تقرب من الله وتبعد عن المعاصى والأثام وبالتالي يكون الفرد المسلم مسالما وإيجابيا ومتعد نفعه للغير وإذا كان الصوم يُعود الإنسان على الإمساك عما يغضب الله ويروض نفسه على الصبر والتحمل فإنه كذلك مصلحة للأمة جمعاء فشهر رمضان يصومه جميع المسلمين مما يكون شعورا واحدا يجمع الأمة على الحق والدين ويذكر أصحاب القرار والمفكرين والكُتاب وغيرهم من المؤثرين بحال الضعفاء والمساكين والمعوزين الذين يصومون في رمضان كما صاموا في رجب وشعبان فيحسوا بمعاناتهم وفاقتهم وقد روي أن يوسف عليه السلام كان يكثر الصيام وهو على خزائن الأرض ، فسُئل في ذلك فقال: (أخاف إذا شبعت أن أنسى جوع الفقير )
أيها المسلمون : شهر رمضان شهر القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) فحري بالمسلم أن يكثر من تلاوة كتاب ربه في هذه الشهر الفضيل خاصة وفي سائر أيام حياته عامة
وللصائم دعوة مستجابة، لما رواه ابن ماجه في سننه- بإسناده- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد) وفي مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين) فيدعو المسلم لنفسه وللأهل بيته ولوالديه ولمن له حق عليه ويخص بالذكر بالدعاء أخا ميتا أو مريضا أو ضالا كما يدعو المسلم لإخوانه المسلمين الذين يتعرضون للابتلاء والإبادة سواء في سوريا أو بورما أو فلسطين أو في أي مكان ويدعو الله بقلب مخلص بأن يعجل بنصرهم كما يدعو على من ظلمهم
وفي هذا الشهر المبارك تُشرع صلاة التروايح وهي من قيام الليل وفضلها عظيم لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري ومسلم وحري بالمسلم أن يتمها كامله ففي الحديث (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وحري بالمسلم ـ أيضا ـ أن يكون له من الصدقة نصيب فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل ؟ قال صدقة في رمضان (رواه الترمذي
فاتقوا الله يأمة الإسلام واحمدوا الله على بلوغ هذا الشهر إذ لم يجعلكم الله في عداد الأموات .
واشكروه ـ جلا وعلا ـ على نعمة الصيام فلقد حٌرِمَ فضل هذا الشهر شرار الخلق عند الله من الكفار والنافقين وعبَاد الشهوات وأصحاب الشبهات .
اتقوا الله جميعاَ ـ أيها المؤمنون ـ واعزموا العقد على الاستفادة من هذا الشهر الكريم بالتوبة النصوح ومراجعة النفس وتقويم الذات والنظر الجاد في كيفية قضاء ساعات الليل والنهار فما هي إلاَ أيام الحياة .
ليكن هذا الشهر انطلاقة ً صحية للإنسان في تعامله مع ربه ومع نفسه ومع زوجه ومع أولاده ومع أرحامه ومع سائر إخوانه .
ليكن هذا الشهر بداية ً جادة لتعويد النفس على طاعة الله ومنعها عن معصية الله فإن النفس أمارة بالسوء إلاَ ما رحم ربي .
ليكن هذا الشهر مجالاً واسعاً لعمل الخير وبذل المال والدعوة إلى الله وتفقد الفقراء والمساكين وتفطير الصائمين والسعي في قضاء حوائج المسلمين .
بارك الله لكم شهركم ووفقنا جميعاً لمرضاته والعمل بكتابه , اللهم كما بلغتنا رمضان فوفقنا للصيام والقيام وسائر الأعمال وتقبله منا , اللهم زدنا ولا تنقصنا ,وأعطنا ولا تحرمنا وأكرمنا ولا تهنا .
اللهم اجمع كلمتنا على الحق والدين وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وكفَر عنا سيئاتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{ يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }




الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إِحسانِه، والشّكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شَريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهَد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمَّدًا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانِه، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابه وإخوانِه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتّقوا اللهَ وراقبوه، وأطيعوه ولا تَعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
عباد الله : جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: { تسحروا فإن في السحور بركة } رواه البخاري ومسلم .
و السحور له فوائد فهو يمنع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان كما يساعد على التخفيف من الإحساس بالجوع والعطش الشديد مما يعين على أداء الواجبات وعلى طاعة الله
و أكلةالسحور تحصل بكثير من المأكول أوقليله فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { نعم سحور المؤمن التمر } و يحصل السحور ولو بجرعة ماء

والسحور فيه مخالفة لليهود فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر } رواه مسلم.
والسنة تأخير السحور فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور } رواه الإمام أحمد

وتعجيل الإفطار من سنة خير الأنام عليه السلام وهو من أخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه ( ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور ، ووضع اليمين على الشمال في الصلاة ) رواه الإمام الطبراني
وهي فعل الصحابة رضي الله عنهم يقول عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنه ( كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا ًوأبطأهم سحوراً )

بل أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تجعل فطرها يوم صيامها على تمر فَعنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ) رواه أبو داود في سننه
يقول صاحب المغني: (والمستحب أن يفطر على التمر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفطر عليه، ويأكلهن وتراً لقول أنس: ويأكلهن وتراً؛ لأن الله - تعالى - وتر يحب الوتر، ولأن الصائم يستحب له الفطر كذلك) انتهى كلامه رحمنا الله وإياه ، وأكل التمر وترا في رمضان أو غيره له فوائد صحية بل قالوا أنه لا يرفع السكر في الجسم بعكس العدد الزوجي
أما العلماء المعاصرون فلم يخرجوا عما نقله لنا الأقدمون يقول أحد الأطباء (فالتمر غني بالسكريات الأحادية التي تعطي سعرات حرارية عالية في فترة زمنية قصيرة لسهولة هضمه وامتصاصه، لذلك أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصائمين أن يبدؤوا إفطارهم برطب أو تمر؛ لكي يعوضوا ما فقدوا من سكريات في يوم صيامهم)
والعمرة في رمضان ـ أيها الأحبة ـ لها فضل عظيم لمن يوفقه الله لها ففي الحديث الصحيح ( عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ )
فاستغلوا وفقني الله وإياكم لكل خير هذا الموسم العظيم واستعدوا له بالعمل الصالح والتوبة النصوح ثم صلوا وسلموا على نبيكم
المشاهدات 2873 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا وبلغنا جميعا شهر الخير والقرآن وأعاننا عليه بمزيد الطاعة والإحسان