((خير يوم طلعت عليه الشمس))

algehani algehani
1441/01/27 - 2019/09/26 00:34AM
خير يوم طلعت عليه الشمس
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ التقوى، فمن اتقى ربه ارتقى درجات، وطاب مآله بعد الممات.
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ)
ثم إعلموا رحمكم الله : أن الدهر مطية العباد إلى ربهم، وفيه يتزوَّدُون للآخرة بزاد الطاعات، وأن خير ما يُثَقِّل به العبدُ صحائفَ أعماله طاعة الله في الأوقات الفاضلة، والله جل وعلا يصطفي من خلقه ما يشاء، وله -سبحانه- الحكمة والحمد في خلقه واصطفائه، ومن تعظيم الله تعظيم ما اختاره واجتباه، وقد اختار الله يومًا ذَكَرَه في كتابه بل وسُميت سورة باسمه دون غيره من الأيام، لا مثل له في أيام الأسبوع، فهو أشرفها وأكرمها قال
عليه الصلاة والسلام: “خيرُ يومٍ طلعت عليه الشمسُ يوم الجمعة”.
أَقْسَمَ اللهُ به في كتابه فقال:(وَشَاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ)
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “الشاهدُ يومُ الجمعةِ، والمشهودُ يومُ عرفةَ“،
في الجمعة(عباد الله) أتمَّ اللهُ خلقَ السمواتِ والأرضِ، قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)
قال عليه الصلاة والسلام: “فيه؛ أي: في يوم الجمعة خُلِقَ آدمُ، وفيه أُدخِلَ الجنةَ، وفيه أُخرِجَ منها“.
في الجمعة (عباد الله) رفعُ الدرجاتِ وتكفيرُ السيئاتِ، قال عليه الصلاة والسلام: “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لِمَا بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائرُ“.
وقال عليه الصلاة والسلام: “وإن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلمٌ يسأل اللهَ فيها خيرًا إلا أعطاه إياه“.
وهي في آخِر ساعةٍ بعدَ العصرِ، قال عليه الصلاة والسلام: “فالتَمِسُوها آخرَ ساعةٍ بعدَ العصرِ“.
وقال عليه الصلاة والسلام: “ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة”.
قال عليه الصلاة والسلام: “ما على الأرض من دابة إلا وهي تصبح يوم الجمعة مصيخه -أي: مستمعة- حتى تطلع الشمس؛ شفقةً من الساعة إلا ابن آدم“
وفضائلُ هذا اليوم ممدودة للمؤمنين في الجنة، وأعظمُ النعيم لهم فيها رؤية ربهم، وفي كل جمعة يتجلَّى اللهُ لهم، وهذا هو يوم المزيد، قال تعالى: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)
قال أنس -رضي الله عنه-: “يظهر لهم الربُّ -عز وجل- في كل جمعة“، ولاجتماع المسلمين في الدنيا فيه على الطاعة يكافئهم اللهُ باجتماعٍ خيرٍ منه؛
ومنازل المؤمنين في القرب من الله في الجنة على قدر مسارعتهم إلى الجمعة، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: “سارِعوا إلى الجمعة؛ فإن الله يبرُز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور فيكونون في قرب منه على قدر تسارُعِهم إلى الجمعة في الدنيا“.
الجمعة يوم عظيم، اختُصَّ بعبادات ليست في غيره
يقول صلى الله عليه وسلم: (من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، فدنا من الإمام فاستمع، ولم يلغُ كان له بكل خطوة عملُ سنة: أجر صيامها وقيامها) .
وقال عليه الصلاة والسلام: “لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كُتِبَ له، ثم يُنصت إذا تكلَّم الإمامُ إلا غُفِرَ له ما بينَه وبينَ الجمعة الأخرى“(رواه البخاري)و زاد (مسلم): “وفضل ثلاثة أيام“.
وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأولَ فالأولَ، فإذا جلَس الإمامُ طَوَوُا الصحفَ وجاؤوا يستمعون الذِّكْرَ“.
وفي هذا اليوم العظيم يجتمع المسلمون في مظهر من مظاهر ائتلافهم، فيُنصتون لمن يُذَكِّرهم بالله ويقرِّبهم منه، وخطبةُ الجمعةِ لها وقعٌ في النفوس يُصغى إليها بالفؤاد وسكون الجوارح، ويَحرم على المستمع لها الانشغالُ عنها ولو بلمس الحصى، قال عليه الصلاة والسلام:مَنْ مَسَّ الحصى فقد لغا.
وقال عليه الصلاة والسلام:إذا قلتَ لصاحبِكَ : أَنْصِتْ يومَ الجمعةِ والإمامُ يخطبُ فقد لغوتَ.
في خطبة الجمعة (عباد الله) توجيهات ومواعظُ وتعريفٌ بالله ورسوله ودين الإسلام؛ لذا أوجَب اللهُ البدارَ إليها فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
وقال عليه الصلاة والسلام: “إذا صلى أحدُكم الجمعةَ فليُصَلِّ بعدَها أربعًا“، ومن صلى في بيته النافلة صلاها ركعتين.
هذا اليوم يوم عبادة وقربة لا ينقضي بصلاة الجمعة فحسب، بل يُستحب للمسلم أن يقضي ما بقي من يومه في ذِكْر الله وما يُقَرِّبه إلى ربه، قال تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
ومَنْ فرَّطَ في خيرات هذا اليوم فاته خيرٌ كثيرٌ، وَمَنْ ترَك الجمعةَ تهاونًا طبع اللهُ على قلبِه، وكان من الغافلين، قال عليه الصلاة والسلام: “لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجمعاتِ أو ليختمن اللهُ على قلوبهم، وليكونُنَّ من الغافلين“.
الجمعة (عباد الله) منحة من الله لهذه الأمة، وميدان فسيح للتنافس في الأعمال الصالحة، فعلى المسلم أن يعظِّمَه ويعتزَّ به، وأن يتفرغ فيه للعبادة، ويصون نفسه من كل خطأ وإثم، ومن اغتنم هذا اليوم وُفِّقَ -بفضل الله- سائرَ أيام الأسبوع، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى- عَمَّا يُشْرِكُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
 
 
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما مزيدا.
الجمعة (عباد الله) عيد المسلمين من كل أسبوع؛ لذا لا يُخَصُّ وحدَه بصوم، قال عليه الصلاة والسلام: “لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجمعة إلا يوما قبله أو بعده“.
وشرفُ هذا اليوم وجميع الدين إنما عُرِفَ من طريق النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو الواسطة بيننا وبين الله في الرسالة، ومن الوفاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- اتباعه دوما والإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام: “إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثِرُوا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ“.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مطمئنًا رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وَفِّقْ ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، وخذ بناصيتهم للبر والتقوى، وانفع بهم الإسلام والمسلمين، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على آلائه ونعمه يزدكم،
(وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
المشاهدات 1506 | التعليقات 0