خير لنا من المطر
عبدالله حمود الحبيشي
1437/03/27 - 2016/01/07 13:50PM
خطبة جمعتها من عدة خطب لمشايخ فضلاء أسأل الله أن يجزيهم خيرا وينفعنا بما نقول ونسمع
الخطبة الأولى ..
عباد الله .. ما تقولون في مطر يرسله الله على العباد والبلاد، فيسقي أرضهم، وينبت الله به زرعهم، ويلطف به هواءهم، ويكثر به ماءهم، وتنشرح باخضرار الأرض صدورهم، فهم في رغد وسعد ونعمة ما بها نقمة، ثم يدوم ذلك بهم أربعين صباحًا .
لا شك ولا ريب فالجميع مجمعون بأنها نعمة عظيمة ومنة كبيرة تستحق من العباد الشكر لله المنعم .
فهل لكم بخيرٍ من ذلك .. إقامة حدٍ من حدود الله .. حدٌ واحد يقام في الأرض خير من نزول المطر أربعين يوما .. هل تأملتم ذلك .. إن هذا الكلام ليس مبالغة ولا تخرصا بل هو قول الصادق المصدوق الذي شهد له ربه بأنه لا ينطق عن الهوى .. يقول عليه الصلاة والسلام "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا".
وصدق والله .. فالمطر يكون خيره للعباد في الدنيا ولكن الحد الذي يقام فخيره للعباد في الدنيا والآخرة فكيف لا يكون خير وبركه .. نسأل الله أن يديم على هذه البلاد العمل بكتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يوفقها لتطبيق شرعه وإقامة حدوده .
فرحنا والله وحق لنا أن نفرح حين أقيمت حدود الله .. ليست شماتة ولا سخرية بل فرحا شرعيا (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .
إن أعظم ما تستجلب به البركة في البلاد إقامة الحدود ، فبركات الشريعة المطهرة لا تُحصى، والله تبارك وتعالى قد جعل خير الآخرة والأولى منوطًا بتطبيق أمره واجتناب نهيه، قال الله تعالى عن أهل الكتاب (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) وإذا كان هذا في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهو أيضًا ينطبق على المسلمين، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) ولهذا ما أرسل الله رسولاً، إلا ذكَّر قومه بأن طاعة الله هي السبيل إلى استدرار رحمته في الدنيا، وإلى استدرار رحمته في الآخرة.
ولا شك أن المؤمنين يصدقون بوعد الله، ويعلمون يقينًا أن خير الدنيا والآخرة هو في اتباع أمره، وتطبيق حدوده وطلب مرضاته.
ولا تقتصر فوائد إقامة الحدود على البركة بل فيها نزع لشوكة الفساد من الأرض، وردعٌ للمجرمين والطاغين والمتسلطين ، وكبح لنزوات العابثين والمستهترين حين يعلم أن رقبته ستكون جزاء إجرامه وأن يده جزاء سرقته وظهره سيكون جزاء قذفه وفسقه .
ولا شك عند كل ذي لبّ، من مؤمن أو كافر، أن إقامة الحدود وإيقاع العقوبات الشرعية هي من أكبر أسباب زيادة الخيرات والبركات؛ لأن قطع رأس القاتل حفاظٌ على الأنفس والدماء ونماء للعنصر البشري ، وحفاظٌ على العلاقات الأجتماعية بين الناس ، وفي إقامة حد الحرابة بقطع اليد والرجل من خلاف حفاظ للأمن وللعيش بطمأنينة للبناء والنفع ، وفي قطع يد السارق حفاظا على الأموال التي هي عماد عيش الناس وحياتهم ، وحد الزنا قطع لدابر البغاء وفساد الأخلاق ونقاء للمجتمع من الأمراض الفتاكة المهلكة وسلامة للأنساب ، وراحة للأنفس وصفائها .
عباد الله .. إذا كان الهدف من وضع نظام العقوبات هو محاربة الجريمة، ومنع وقوعها، ورفع آثارها، فإن الشريعة الإسلامية بما تضمنته من تشريعات جنائية قد بلغت الغاية في تحقيق هذا المطلب، ووصلت حدًّا لم يوصل إليه، ولن يصل إليه أي تشريع وضعي قديم أو حديث؛ وذلك أنها كافحت الجريمة قبل وقوعها بالوسائل التربوية والوقائية التي تمنع وقوع الجريمة أصلاً، ثم كافحتها بعد وقوعها بالوسائل العقابية والزجرية التي تزيل آثارها وتمنع تكرارها .
وقد شهد التاريخ القديم والحديث أن الشريعة الإسلامية هي النظام الوحيد الكفيل بتحقيق الأمن بمعناه العام، والقادر على قطع دابر المجرمين ومكافحة الإجرام. وعند التأمل في سر هذا النجاح نجده يكمن فيما امتاز به التشريع الجنائي الإسلامي من خصائص وسمات، تفتقدها القوانين الوضعية.
ومصدر تميز شريعة الإسلام أن العقوبات الشرعية من وضع الخالق الحكيم الذي أحاط بكل شيء علماً، والذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه ويسعده في عاجل أمره وآجله، وهو الذي لا يحابي أحداً، ولا يجامل طبقة على حساب طبقة، أو جنساً على حساب جنس، ولهذا فأحكامه كلها قد جاءت وفق الحكمة والعدل والرحمة والمصلحة، بخلاف القوانين الوضعية التي تخضع للعقول البشرية القاصرة، وأهوائهم الضالة، ومصالحهم الشخصية، وهي دائماً عرضة لتقلبات الحال بين الغالبين والمغلوبين في الأمة الواحدة.
فالحدود رحمة من الله، وهو القائل (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) فلا تجوز الرحمة بهم بل يجب الفرح بإقامة الحدود؛ لأنها من مصلحة المجتمع وحماية الدين، وحماية الأمن والأموال والأنفس.
جاء ناس من الأعراب إلى المدينة يريدون أن يتعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم فأقاموا عنده فأصابتهم الحمى، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها؛ لأن في ذلك علاجًا للحمى ، وشفاهم الله، ثم طمعوا في الإبل فقتلوا الراعي ومثلوا به وسملوا عينيه، وتركوه حيًّا يئن ويصرخ حتى مات وأخذوا الإبل .
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فجيء بهم بعد ارتفاع النهار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسُملت أعينهم، وتركوا في الحرة يصيحون ويستغيثون ويطلبون الماء ولا يسقون حتى ماتوا، وأنزل الله جل وعلا (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ) .
هذا جزاءهم الرادع الذي يردعهم ويردع غيرهم ويتوفر به الأمن وتأمن به السبل فلم يعطف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، لم يرأف بهم ولم يرحمهم ويترك حدًّا من حدود الله من أجل رحمته بهم، بل أقام الحد عليهم ولم يسقهم حتى ماتوا كما فعلوا بالراعي (جَزَاءً وِفَاقاً)، هذا هو العدل في الإسلام .
لذا نقولها بكل ثقة ويقين "إقامة حدٍ في الأرض خيرٌ من مطر أربعين صباحاً" .
وبضدها تتبين لأشياء فنظرة سريعة لحال المجتمعات التي تطبق هذه الشريعة، وحال المجتمعات التي تخلّت عن تطبيقها، كفيلة بإقناع المنصفين، وإن قراءةً سريعةً في إحصائيات الجرائم في هذه البلاد وتلك؛ ليكشف بجلاء مدى الأمن الذي تتمتع به البلاد التي تطبق أمر الله، ومدى الرعب والخوف الذي يسكن في قلوب المجتمع الذي لا يطبق هذه الحدود الشرعية .
وفي هذا الخضم المائج بفتنه وإرهابه نقول: فلتهنأ بلاد الحرمين الشريفين بأمنها وأمانها، متمسكة بدينها، معتزّة بدستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تحلّ حلاله وتحرّم حرامه، وتقيم حدوده، زادها الله صلاحًا وإصلاحًا، وبتحكيم شرعه بجميع أمور الحياة إيماناً وتسليماً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
الخطبة الثانية ..
الحمد لله أحاط بكل شيء علما ً، وجعل لكل شيء قدراً، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله .. أقيم حد الحرابة والقتل تعزيرا في سبعةٍ وأربعين شخصا ولنا مع هذا الحدث وقفات :
أولها .. أننا نفرح بهذا ولكن نحذر من الشماتة أو السخرية فلا يجوز للمؤمن أن يشمت بمن أقيم عليه حد أو قصاص، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد رضي الله عنه لعنه لمن رُجمت حداً .
ثانيا .. إن من نفذت فيهم الأحكام ليسوا سواء
ففيهم الجاهل الذي غُرر به ونسأل الله أن يكون ما وقع من حكمٍ رادعاً له ولغيره عن المضي في درب الجهالة والإجرام .
ومنهم من ضل وأخطأ فعسى أن يكون هذا الحكم كفارة لهم وعقابا في الدنيا دون الآخرة وقد قال عليه الصلاة والسلام (من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة) فإقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور .
ومنهم الضال المضل صاحب الإجرام والإفساد والذي نسأل الله أن يكون حكم الإعدام كفا لشره وإرهابا لكل من تسول له نفسه أن يسلك طريقه .
وكلهم أفضى إلى ما قدم ونسأل الله أن يرحم موتانا وموتى المسلمين ويحفظ بلادنا من كل الشرور والفتن .
ثالثا .. ما أحوجنا في كل وقت وفي هذه الأوقات التي يتكالب فيها علينا أهل النفاق والشرك والكفر والفساد والإفساد يتكالبون بالتشويش والتهويش وإثارة الشبه بل الأكاذيب فما أحوجنا أن لا ننساق وراء النشر والإشاعة لكل ما يُقال وما يعرض فقد يكون حقا وقد يكون باطلا ولا حاجة لنشره إن كان حقا فكيف إذا كان باطلا وقد وجهنا الله إلى أدب غاية في النفع والمصلحة فقال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) .
رابعا .. لنكن على ثقة ويقين بأن هذه الأحكام لم تأتي متعجلة ولا مسيسة كما يحصل في دول كثيرة وعلى رأسها الدولة الصفوية التي تحكم بالأهواء وتعدم على الهوية .. أما الأحكام في بلادنا وخاصة ما يتعلق فيها بالدماء والقصاص فتصدر من مجلس القضاء ، وما لا يقل عن ثلاثة عشر قاضيا غير جهات الإدعاء والتحقيق وبعد هذا تصدق من ولي الأمر .
فنسأل الله أن يعز هذه البلاد بالدين ويعز الدين بها ويجعلها آمنة مستقرة وسائر بلاد المسلمين.
الخطبة الأولى ..
عباد الله .. ما تقولون في مطر يرسله الله على العباد والبلاد، فيسقي أرضهم، وينبت الله به زرعهم، ويلطف به هواءهم، ويكثر به ماءهم، وتنشرح باخضرار الأرض صدورهم، فهم في رغد وسعد ونعمة ما بها نقمة، ثم يدوم ذلك بهم أربعين صباحًا .
لا شك ولا ريب فالجميع مجمعون بأنها نعمة عظيمة ومنة كبيرة تستحق من العباد الشكر لله المنعم .
فهل لكم بخيرٍ من ذلك .. إقامة حدٍ من حدود الله .. حدٌ واحد يقام في الأرض خير من نزول المطر أربعين يوما .. هل تأملتم ذلك .. إن هذا الكلام ليس مبالغة ولا تخرصا بل هو قول الصادق المصدوق الذي شهد له ربه بأنه لا ينطق عن الهوى .. يقول عليه الصلاة والسلام "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا".
وصدق والله .. فالمطر يكون خيره للعباد في الدنيا ولكن الحد الذي يقام فخيره للعباد في الدنيا والآخرة فكيف لا يكون خير وبركه .. نسأل الله أن يديم على هذه البلاد العمل بكتابه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يوفقها لتطبيق شرعه وإقامة حدوده .
فرحنا والله وحق لنا أن نفرح حين أقيمت حدود الله .. ليست شماتة ولا سخرية بل فرحا شرعيا (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .
إن أعظم ما تستجلب به البركة في البلاد إقامة الحدود ، فبركات الشريعة المطهرة لا تُحصى، والله تبارك وتعالى قد جعل خير الآخرة والأولى منوطًا بتطبيق أمره واجتناب نهيه، قال الله تعالى عن أهل الكتاب (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) وإذا كان هذا في أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فهو أيضًا ينطبق على المسلمين، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) ولهذا ما أرسل الله رسولاً، إلا ذكَّر قومه بأن طاعة الله هي السبيل إلى استدرار رحمته في الدنيا، وإلى استدرار رحمته في الآخرة.
ولا شك أن المؤمنين يصدقون بوعد الله، ويعلمون يقينًا أن خير الدنيا والآخرة هو في اتباع أمره، وتطبيق حدوده وطلب مرضاته.
ولا تقتصر فوائد إقامة الحدود على البركة بل فيها نزع لشوكة الفساد من الأرض، وردعٌ للمجرمين والطاغين والمتسلطين ، وكبح لنزوات العابثين والمستهترين حين يعلم أن رقبته ستكون جزاء إجرامه وأن يده جزاء سرقته وظهره سيكون جزاء قذفه وفسقه .
ولا شك عند كل ذي لبّ، من مؤمن أو كافر، أن إقامة الحدود وإيقاع العقوبات الشرعية هي من أكبر أسباب زيادة الخيرات والبركات؛ لأن قطع رأس القاتل حفاظٌ على الأنفس والدماء ونماء للعنصر البشري ، وحفاظٌ على العلاقات الأجتماعية بين الناس ، وفي إقامة حد الحرابة بقطع اليد والرجل من خلاف حفاظ للأمن وللعيش بطمأنينة للبناء والنفع ، وفي قطع يد السارق حفاظا على الأموال التي هي عماد عيش الناس وحياتهم ، وحد الزنا قطع لدابر البغاء وفساد الأخلاق ونقاء للمجتمع من الأمراض الفتاكة المهلكة وسلامة للأنساب ، وراحة للأنفس وصفائها .
عباد الله .. إذا كان الهدف من وضع نظام العقوبات هو محاربة الجريمة، ومنع وقوعها، ورفع آثارها، فإن الشريعة الإسلامية بما تضمنته من تشريعات جنائية قد بلغت الغاية في تحقيق هذا المطلب، ووصلت حدًّا لم يوصل إليه، ولن يصل إليه أي تشريع وضعي قديم أو حديث؛ وذلك أنها كافحت الجريمة قبل وقوعها بالوسائل التربوية والوقائية التي تمنع وقوع الجريمة أصلاً، ثم كافحتها بعد وقوعها بالوسائل العقابية والزجرية التي تزيل آثارها وتمنع تكرارها .
وقد شهد التاريخ القديم والحديث أن الشريعة الإسلامية هي النظام الوحيد الكفيل بتحقيق الأمن بمعناه العام، والقادر على قطع دابر المجرمين ومكافحة الإجرام. وعند التأمل في سر هذا النجاح نجده يكمن فيما امتاز به التشريع الجنائي الإسلامي من خصائص وسمات، تفتقدها القوانين الوضعية.
ومصدر تميز شريعة الإسلام أن العقوبات الشرعية من وضع الخالق الحكيم الذي أحاط بكل شيء علماً، والذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه ويسعده في عاجل أمره وآجله، وهو الذي لا يحابي أحداً، ولا يجامل طبقة على حساب طبقة، أو جنساً على حساب جنس، ولهذا فأحكامه كلها قد جاءت وفق الحكمة والعدل والرحمة والمصلحة، بخلاف القوانين الوضعية التي تخضع للعقول البشرية القاصرة، وأهوائهم الضالة، ومصالحهم الشخصية، وهي دائماً عرضة لتقلبات الحال بين الغالبين والمغلوبين في الأمة الواحدة.
فالحدود رحمة من الله، وهو القائل (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ) فلا تجوز الرحمة بهم بل يجب الفرح بإقامة الحدود؛ لأنها من مصلحة المجتمع وحماية الدين، وحماية الأمن والأموال والأنفس.
جاء ناس من الأعراب إلى المدينة يريدون أن يتعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم فأقاموا عنده فأصابتهم الحمى، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها؛ لأن في ذلك علاجًا للحمى ، وشفاهم الله، ثم طمعوا في الإبل فقتلوا الراعي ومثلوا به وسملوا عينيه، وتركوه حيًّا يئن ويصرخ حتى مات وأخذوا الإبل .
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فجيء بهم بعد ارتفاع النهار فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسُملت أعينهم، وتركوا في الحرة يصيحون ويستغيثون ويطلبون الماء ولا يسقون حتى ماتوا، وأنزل الله جل وعلا (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ) .
هذا جزاءهم الرادع الذي يردعهم ويردع غيرهم ويتوفر به الأمن وتأمن به السبل فلم يعطف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، لم يرأف بهم ولم يرحمهم ويترك حدًّا من حدود الله من أجل رحمته بهم، بل أقام الحد عليهم ولم يسقهم حتى ماتوا كما فعلوا بالراعي (جَزَاءً وِفَاقاً)، هذا هو العدل في الإسلام .
لذا نقولها بكل ثقة ويقين "إقامة حدٍ في الأرض خيرٌ من مطر أربعين صباحاً" .
وبضدها تتبين لأشياء فنظرة سريعة لحال المجتمعات التي تطبق هذه الشريعة، وحال المجتمعات التي تخلّت عن تطبيقها، كفيلة بإقناع المنصفين، وإن قراءةً سريعةً في إحصائيات الجرائم في هذه البلاد وتلك؛ ليكشف بجلاء مدى الأمن الذي تتمتع به البلاد التي تطبق أمر الله، ومدى الرعب والخوف الذي يسكن في قلوب المجتمع الذي لا يطبق هذه الحدود الشرعية .
وفي هذا الخضم المائج بفتنه وإرهابه نقول: فلتهنأ بلاد الحرمين الشريفين بأمنها وأمانها، متمسكة بدينها، معتزّة بدستورها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تحلّ حلاله وتحرّم حرامه، وتقيم حدوده، زادها الله صلاحًا وإصلاحًا، وبتحكيم شرعه بجميع أمور الحياة إيماناً وتسليماً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) .
الخطبة الثانية ..
الحمد لله أحاط بكل شيء علما ً، وجعل لكل شيء قدراً، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين .
عباد الله .. أقيم حد الحرابة والقتل تعزيرا في سبعةٍ وأربعين شخصا ولنا مع هذا الحدث وقفات :
أولها .. أننا نفرح بهذا ولكن نحذر من الشماتة أو السخرية فلا يجوز للمؤمن أن يشمت بمن أقيم عليه حد أو قصاص، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على خالد بن الوليد رضي الله عنه لعنه لمن رُجمت حداً .
ثانيا .. إن من نفذت فيهم الأحكام ليسوا سواء
ففيهم الجاهل الذي غُرر به ونسأل الله أن يكون ما وقع من حكمٍ رادعاً له ولغيره عن المضي في درب الجهالة والإجرام .
ومنهم من ضل وأخطأ فعسى أن يكون هذا الحكم كفارة لهم وعقابا في الدنيا دون الآخرة وقد قال عليه الصلاة والسلام (من أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة) فإقامة الحدّ كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود وهو قول الجمهور .
ومنهم الضال المضل صاحب الإجرام والإفساد والذي نسأل الله أن يكون حكم الإعدام كفا لشره وإرهابا لكل من تسول له نفسه أن يسلك طريقه .
وكلهم أفضى إلى ما قدم ونسأل الله أن يرحم موتانا وموتى المسلمين ويحفظ بلادنا من كل الشرور والفتن .
ثالثا .. ما أحوجنا في كل وقت وفي هذه الأوقات التي يتكالب فيها علينا أهل النفاق والشرك والكفر والفساد والإفساد يتكالبون بالتشويش والتهويش وإثارة الشبه بل الأكاذيب فما أحوجنا أن لا ننساق وراء النشر والإشاعة لكل ما يُقال وما يعرض فقد يكون حقا وقد يكون باطلا ولا حاجة لنشره إن كان حقا فكيف إذا كان باطلا وقد وجهنا الله إلى أدب غاية في النفع والمصلحة فقال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) .
رابعا .. لنكن على ثقة ويقين بأن هذه الأحكام لم تأتي متعجلة ولا مسيسة كما يحصل في دول كثيرة وعلى رأسها الدولة الصفوية التي تحكم بالأهواء وتعدم على الهوية .. أما الأحكام في بلادنا وخاصة ما يتعلق فيها بالدماء والقصاص فتصدر من مجلس القضاء ، وما لا يقل عن ثلاثة عشر قاضيا غير جهات الإدعاء والتحقيق وبعد هذا تصدق من ولي الأمر .
فنسأل الله أن يعز هذه البلاد بالدين ويعز الدين بها ويجعلها آمنة مستقرة وسائر بلاد المسلمين.
المشاهدات 2032 | التعليقات 2
جزاكم الله خيرا وبارك في جهودكم فالفضل لله ثم لكم على هذا الموقع المبارك والذي استفدنا منه كثيرا
نسأل الله أن ينفع بكم ويبارك في جهودكم ويعظم لكم الأجر على ما تبذلون
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
أحسنت الجمع والاختيار حفظك الله ورعاك ونفع بك ولا حرمك الله أجر من انتفع بها شيخ عبدالله حمود الحبيشي.
تعديل التعليق