خَيْرُ اَلْقُرُونِ وَصُنَّاعُ المَجْدِ 1444/1/14هـ

يوسف العوض
1444/01/11 - 2022/08/09 14:17PM

الخطبة الأولى

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْقَرْنُ الْمُرَادُ بِهِ مِائَةُ سَنَةٍ ، وحَدِثُنا عن خَيْرِ اَلْقُرُونِ وَصُنَّاعِ مَجْدِ اَلْإِسْلَامِ ، رُفَقَاءِ اَلشَّدَائِدِ وَالصِّعَابِ مَعَ خَيْرِ اَلْخَلْقِ وَسَيِّدِ اَلْمُرْسَلِينَ مُحَمَّدِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِنَّهُمْ اَلصَّحَابَةُ اَلْكِرَامُ ، أَهْلُ اَلتَّصْدِيقِ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَهْلُ اَلنُّصْرَةِ وَالْجِهَادِ ، وَأَهْلُ اَلْبَيْعَةِ وَالْمُسَانَدَةِ ، لَقَدْ اِخْتَارَهُمْ رَبُّهُمْ بِعِنَايَةٍ إِلَهِيَّةٍ بَالِغَةٍ ؛ لِيَحْمِلُوا هَذَا اَلشَّرَفَ اَلْعَظِيمَ صُحْبَةَ خَاتَمِ اَلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ ، اِخْتَارَهُمْ لِيَضَعَ فِي زَمَنِهِمْ بَذْرَةَ هَذَا اَلدِّينِ اَلْعَظِيمِ ، وَاخْتَارَهُمْ لِحَمْلِ رَايَةِ اَلْإِسْلَامِ وَتَأْسِيسِ قَوَاعِدِهِ وَإِرْسَاءِ أَرْكَانِهِ .

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : أَعْلَى اَللَّهُ شَأْنَهُمْ وَذَكَرَهُمْ فِي كِتَابِهِ اَلْعَزِيزِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مُثْنِيًا عَلَيْهِمْ ، وَمُبِينًا فَضْلَهُمْ ؛ فَقَالَ تَعَالَى : ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾.

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : كَانَ لِلصَّحَابَةِ مَكَانَةٌ عَظِيمَةٌ فِي قَلْبِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ( اَللَّهَ اَللَّهَ فِي أَصْحَابِي ، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي ، فَمِنْ أَحَبَّهُمْ فَبْحَبِي أُحَبَّهُمْ ، وَمِنْ أَبْغَضَهُمْ فَبْبَغْضِي أَبْغَضَهُمْ ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقدْ آذَانِي ، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اَللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَمَنْ آذَى اَللَّهَ يُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ ) ) رَوَاهُ اَلْإِمَامْ أَحْمَدْ فِي مَسْنَدِهِ ، وَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَوَالِذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مَدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهْ ) ) أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِي وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِيهِمَا .

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : كُلُّ هَذِهِ اَلْأَدِلَّةِ مِنْ اَلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَغَيْرِهُا اَلْكَثِيرُ جَعَلَتْ لِلصَّحَابَةِ مَكَانَةً عَظِيمَةً وَكَبِيرَةً فِي نُفُوسِ اَلْمُسْلِمِينَ اَلْأَوَائِلِ مَا جَعَلَ أَئِمَّةَ اَلْإِسْلَامِ اَلْكِبَارَ يُقِرُّونَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَالَةِ اَلصَّحَابَةِ وَحُرْمَةِ سَبِّهِمْ أَوْ اَلطَّعْنِ فِيهِمْ لِأَنَّهُمْ تَحَمَّلُوا مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ بَشَرٌ فِي سَبِيلِ نُصْرَةِ اَلْإِسْلَامِ وَالدِّفَاعِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، بَذَلُوا اَلْأَمْوَالَ وَالْأَرْوَاحَ وَفِلْذَاتِ اَلْأَكْبَادِ ، وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَعَاشُوا خَارِجَ مَوْطِنِهِمْ نُصْرَةً لِلْإِسْلَامِ وَحُبّاً لِرَسُولِهِ اَلْكَرِيمِ .

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : لا يَنْتَقِصُ فَضْلَ اَلصَّحَابَةِ وَمَكَانَتَهُمْ إِلَّا مِنْ أَعْمَى اَللَّهُ بَصِيرَتَهُ أَوْ هُوَ مِنْ أَهْلِ اَلزَّيْغِ وَالضَّلَالِ اَلْمُبَيَّنِ ، وَالشُّرُودِ عَنْ اَلصِّرَاطِ اَلْمُسْتَقِيمِ ، أَوْ هَوَ كَمَا قَالَ اَلْإِمَامُ اَلْكَبِيرُ أَبُو زَرْعَةَ اَلرَّازِي حَيْثُ يَقُولُ : " إِذَا رَأَيْتَ اَلرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ اَلرَّسُولَ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا اَلْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَجْرَحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا اَلْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهُمْ أُولَى ، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ " .

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : يَجِبُ عَلَى اَلْمُسْلِمِ أَنْ يَذَكَرَهُمْ دَائِمًا بِالْخَيْرِ ، وَأَنَّ يَتْرَضَّىْ عَنْهُمْ ، وَيَدْعُو لَهُمْ بِالنَّعِيمِ اَلْمُقِيمِ وَفَاءً لَهُمْ وَإِقْرَارًا بِفَضْلِهِمْ عَلَى مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ ، وَيُحْسِنُ اَلظَّنَّ بِهِمْ فِي كُلِّ اَلْأَحْدَاثِ اَلَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُمْ ، وَمَا أَرْوَعَ قَوْلَ عَبْدِ اَللَّهْ بْنِ مَسْعُودٍ حِينَمَا قَالَ : " إِنَّ اَللَّهَ نَظَرَ فِي قُلُوبِ اَلْعِبَادِ ، فَوَجَدَ قَلْبَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرَ قُلُوبِ اَلْعِبَادِ فَاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ ، فَابْتَعَثَهُ بِرِسَالَتِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ فِي قُلُوبِ اَلْعِبَادِ بَعْدَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ ، فَوَجَدَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ خَيْرَ قُلُوبِ اَلْعِبَادِ ، فَجَعَلَهُمْ وُزَرَاءَ نَبِيِّهِ يُقَاتِلُونَ عَلَى دِينِهِ ، فَمَا رَأَى اَلْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ حَسَنٌ ، وَمَا رَأَوْا سَيِّئًا فَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ سَيِّئٍ " .

اَللَّهُمَّ إِنَّا نُحبُّ أَصْحَابَ نَبِيَّكَ عَلَيْهِ اَلصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَرَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ فَاجْمَعْنَا بِهُمْ فِي اَلْفِرْدَوْسِ اَلْأَعْلَى مِنْ اَلْجَنَّةِ..

الخطبة الثانية

أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ : يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ اَلْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ أَنْ نُعَرِّفَ أَبْنَاءَنَا وَبَنَاتِنَا بِهَذَا اَلْجِيلِ اَلْعَظِيمِ ، وَنَحُثَّهُمْ عَلَى حُبِّ اَلصَّحَابَةِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهُمْ ، وَالدِّفَاعِ عَنْهُمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، فَقَدْ كَانَ اَلسَّلَفُ اَلصَّالِحُ يُعَلِّمُونَ أَبْنَاءَهُمْ حُبَّ اَلصَّحَابَةِ رَضْوَانَ اَللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَيَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ مَنَاقِبَ اَلصَّحَابَةِ وَمَوَاقِفَهُمْ ، وَلَا نَغْفُلُ عَنْ دَوْرِ اَلْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ فِي هَذَا اَلْأَمْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُدَرَّسَ شَخْصِيَّاتُ اَلصَّحَابَةِ اَلْكِرَامِ لِلنَّشْءِ فِي مَدَارِسِهِمْ وَجَامِعَاتِهِمْ ، وَنُذَكِّرَ اَلطَّلَبَةَ وَالطَّالِبَاتِ بِدَوْرِ اَلصَّحَابَةِ اَلْعَظِيمِ فِي بِنَاءِ هَذِهِ اَلْأُمَّةِ وَأَنَّهُمْ أَحَدُ أَهَمِّ أَسْبَابِ اِنْتِصَارِ اَلْإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ وَانْتِشَارِهِ فِي كَافَّةِ أَنْحَاءِ اَلدُّنْيَا ، فَلَهُمْ مِنَّا كُلَّ اِحْتِرَامٍ وَتَقْدِيرٍ وَعِرْفَانٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ..

اَللَّهُمَّ صِلِّ وَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِنَا اَلْكَرِيمِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اَللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ اَلْغُرِّ اَلْمَيَامِينَ ، وَارْزُقْنَا وَإِيَّاهُمْ صُحْبَةَ رَسُولِكَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، اَللَّهُمَّ آمِينَ .

المرفقات

1660053101_الصحابة.pdf

المشاهدات 834 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا