خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾.وَقَالَﷺ:«خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَـالصُّحْبَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ:الْمُعَاشَرَةُ وَالْمُرَافَقَةُ، وَالصَّاحِبُ هُوَ:الْمُعَاشِرُ وَالْمُرَافِقُ، وَالصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ فِي الِاصْطِلَاحِ الشَّرْعِيِّ هِيَ: عَلَاقَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، تَتَمَيَّزُ بِأَسْمَى مَشَاعِرِ الْمَحَبَّةِ وَالِاهْتِمَامِ وَالنُّصْحِ وَالِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ،وَلِلصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ أَهَمِّيَّةٌ كُبْرَى فِي حَيَاتِنَا، لِمَا لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ إِيجَابِيٍّ عَلَى سُلُوكِيَّاتِنَا، وَالِانْسَانَ فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْعَيْشِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَ التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِينَ، وَالِاسْتِئْنَاسِ بِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ وَالتَّأَثُّرِ بِهِمْ، وَبِذَلِكَ تَتَكَوَّنُ مَعَالِمُ شَخْصِيَّتِهِ، فَإِنْ صَاحَبَ الْأَخْيَارَ اِكْتَسَبَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَهُ، وَإِنْ صَاحَبَ الْأَشْرَارَ اِكْتَسَبَ مِنْهُمُ الشَّرَّ الَّذِي يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ وَيَضُرُّ بِهِ غَيْرَهُ لِذَلِكَ حَذَّرَ المُصْطَفَىﷺمِنْ مُجَالَسَةِ الأَشْرَارِ وَمُصَاحَبَةِ أَهْـلِ السُّوءِ فَقَالَﷺ:«مَثَلُ جَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.فَلا عَجَبَ أَنْ حَثَّ الإِسْلامُ عَلَى المُصَاحَبَةِ وَالصَّدَاقَةِ، وَرَغَّبَ فِي السَّعْيِ إِلَيْهَا، فَالصَّدِيقُ مِنْ ضَرُورَاتِ الحَيَاةِ إِذْ لا بُدَّ لِلْمَرْءِ فِي هَذِهِ الحَيَاةِ مِنْ جُلَسَاءَ وَأَصْحَابٍ يَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ، وَيَتَحَدَّثُونَ مَعَهُ، يَبُثُّ لَهُمْ هُمُومَهُ وَيَشْكُو إِلَيْهِمْ أَحْـزَانَهُ،قَالَﷺ:«الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.فَإنَّ أَفْضَلَ مَا يَدْعُو إِلَى الصُّحْـبَةِ فَضَائِلُ المَرْءِ وَمَحَاسِنُهُ، وَجَمِيلُ صِفَاتِهِ وَمَحَامِدُهُ، وَهَذَا مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّﷺفَقَد تَخَيَّرَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ صَدِيقًا مُخْلِصًا،هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَﷺ:«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا، لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.فَقَدْ كَانَ بِحقٍ نِعْمَ الصَّاحِبُ وَالصَّدِيقُ.
عِبَادَ اللَّهِ:إِنَّ مَنْ أَحْسَنَ اختِيَارَ صَدِيقِهِ كَأَنَّمَا أَحْسَنَ اختِيَارَ حَيَاتِهِ؛ لأَنَّ الصَّدَاقَةَ الحَقَّةَ ارتِبَاطٌ بَيْنَ قَلْبَيْنِ، وَمُشَارَكَةٌ بَيْنَ اثنَيْنِ عَلَى مُسْـتَوًى رَفِيعٍ مِنَ التَّفَاهُمِ وَالأَخْلاقِ، فَلا يَكُونُ صَدِيقًا إلاَّ مَنْ صَدَقَ فِي صَدَاقَتِهِ، وَأَخْـلَصَ فِي مَحَبَّـتِهِ، وَبَرْهَنَ عَلَى مَوَدَّتِهِ، وَإِنْ مَدَدتَ يَدَكَ بِخَيْرٍ مَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى مِنْكَ حَسَنَةً عَدَّهَا، وَإِنْ رَأَى سَيِّـئَةً عَذَرَكَ فَسَدَّهَا،وَإِنْ سَأَلتَهُ أَعْـطَاكَ، وَإِنْ سَكَتَّ ابتَدَاكَ، وَإِنْ نَزَلَتْ بِكَ نَازِلَةٌ وَاسَاكَ،وَإِنَّ مِنْ فَوَائِدِ الشَّدَائِدِ أَنَّهَا تُقَرِّبُ الصَّدِيقَ إِلَى صَدِيقِهِ، وَتُدْنِي قَلْبَيْهِمَا، حَيْثُ تُشْعِلُ مَشَاعِرَ الوُدِّ، وتُذْكِي عَوَاطِفَ الأُخُوَّةِ، وَيَكُونُ لِذَلِكَ مَا بَعْدَهُ مِنَ الأَثَرِ الجَمِيلِ، فَإِنَّ الأَخَ المُشْفِقَ مِرآةٌ لأَخِيهِ، فَإِنْ رَأَى فِيهِ خَيْرًا أَبْـقَاهُ، وَإِنْ رَأَى بِهِ عَيْبًا أَمَاطَهُ عَنْهُ وَأَلقَاهُ،قَالَ تَعَالَى:﴿وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾.وَقَالَﷺ:«الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ.حَيْثُ يَدفَعُهُ إِيمَانُهُ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ صُحْـبَةَ الأَخْيَارِ تُورِثُ الخَيْرَ، كَالرِّيحِ إِذَا مَرَّتْ عَلَى طِيبٍ حَمَلَتْ طِيبًا.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ(100)وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ﴾.فَالصَّدِيقُ السَّيِّئُ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَيَوْمَ القِيَامَةِ لا يَجِدُ مِنْهُمْ مُعِينٌ وَلا شَفِيعٌ،كَذَلِكَ الصَّدَاقَاتِ الَّتِي تُعْـقَدُ عَنْ طَرِيقِ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ، وَالَّتِي ذَلَّلَتْ سُبُلَ التَّعَارُفِ وَأَتَاحَتْ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَحَدَّثَ وَيَكْتُبَ وَيُرَاسِلَ كَثِيرًا مِنَ البَشَرِ فِي سُرْعَةٍ وَيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ،ألا فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ-وَاسلُكُوا طُرُقَ الخَيْرِ وَالسَّلاَمَةِ، وَابتَعِدُوا عَنِ الشَّرِّ وَالنَّدَامَةِ، وَاحذَرُوا مَنْ الصَّدَاقَاتِ الوَهْـمِيَّةَ الضَّارَّةَ، سَوَاءً أَكَانَتْ فِي الوَاقِعِ أَمْ عَبْرَ شَبَكَاتِ التَّوَاصُلِ الاجتِمَاعِيِّ.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ- مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ-وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1691627278_خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق