خير أيام الدينا

خير أيام الدنيا

الخطبة الأولى

الـْحَمْدُ للهِ ذِي الْـجَلالِ وَالْكَرَمِ، أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ ، وَأَتمَّ لَنَا النِّعَمَ ، وَجَعَلَنَا خَيْرَ أُمَّـةٍ أُخْرِجَتْ لِلْعَالَمِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيـكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللـهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ، صلى الله عليه سلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.     

    أَمَّا بعدُ: فأوَصيكم نفسي ...

عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t،

 أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ؛ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا، قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ( اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ، يَوْمَ جُمُعَةٍ» خ. م.

إخوة الإيمان: إِنَّ يوم عَرَفَةَ من أَيَّامِ اللهِ الجليلةِ، فهو من أَيَّامِ عَشْرِ ذي الحجَّةِ ذاتِ الفضيلةِ، ولهُ مع ذلك فضائلُ أُخرى جَزِيلَةٌ.

فمنها: أَنَّ اللـهَ أَكْمَلَ فيهِ الدِّينَ، وأَتَمَّ فيهِ النِّعْمَةَ، كما في حديث عمرt

ومن فضائلِ يومِ عَرَفَةَ: أَنَّ اللـهَ أَقسمَ بهِ، ولا يُقْسِمُ اللـهُ إِلَّا بعظيمٍ، قال أَبو هريرةَ t في تفسيرِ قولِهِ تعالى (وشاهدٍ ومشهودٍ) «الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجـُمُعَةِ، وَالْمـَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ. أَحمدُ. 

وفَسَّرَ ابنُ عبَّاسٍ t الوَتْرَ في قولِهِ تعالى (والشفع والوتر) بيومِ عَرَفَةَ. أَخرجهُ الطَّبَريُّ في تفسيرِهِ.

ومن فضائلِ يومِ عَرَفَةَ: أَنَّ دعاءَهُ خيرُ الدُّعاءِ، قال ﷺ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمـُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» التِّرْمذيُّ

فأكثروا من ترداد هذا الدعاء فهو دعاء عبادة وثناء على الله، واستكثروا من دعاء المسألة كذلك ، ولكمْ في رسولِ اللهِ ﷺ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فقدِ استقبلَ القِبْلَةَ بعدَ أَنْ صلَّى الظهرَ والعصرَ جَمْعَ تَقْدِيمٍ في مثل هذا اليوم ، فما زالَ يَدْعُو اللـهَ حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، قال أُسامةُ بنُ زيدٍ t «كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِعَرَفَاتٍ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو، فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ؛ فَسَقَطَ خِطَامُهَا؛ فَتَنَاوَلَ الْخِطَامَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ الْأُخْرَى» أَحمدُ والنَّسَائيُّ.   

 

واعلموا أن هذا الفضل للدُّعاءِ في هذا اليومِ ليسَ خاصًّا بمَن كان واقِفًا بعَرَفَةَ؛ بل يَشْمَلُ باقيَ البِقَاعِ؛ وهو مذهبُ بعضِ السَّلَفِ، فالفضلُ لليومِ؛ لا لمُجَرَّدِ الوُقُوفِ بعَرَفَةَ، ولا شكَّ أَنَّ مَن وقَفَ بعَرَفَةَ فقد جمعَ بين فضلِ المَكانِ وفضلِ الزمانِ.

وقد سُئِلَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ -رحمهُ اللهُ- عنْ أَفضلِ الدُّعاءِ في يومِ عَرَفَةَ؟ فأَجابَ بما دلَّ عليهِ الحديثُ السَّالِفُ، فقيلَ لهُ: هذا ثناءٌ، وليس بدعاءِ، فقالَ: أَمَا سمعتَ بقولِ الشَّاعِرِ:

أَأَذْكُرُ حاجَتِي أَمْ قدْ كَفَانِي *

حياؤُكَ؟ إِنَّ شِيمَتَكَ الحَيَاءُ

إِذا أَثْنَى عليكَ المَـرءُ يومًا *

كَفَاهُو مِن تَعَــرُّضِهِ الثَّنَاءُ

ولقد جاءَ عن بعضِ السلفِ بأنهم يدخرونَ حاجاتِهم ليومِ عرفةَ فتعرضوا لنفحاتِ اللـهِ وتفرغوا للدعاءِ والتضرعِ بين يدي اللـهِ تعالى في ذلك اليوم.

 

 

ومن فضائلِ يومِ عرفةَ -عباد الله-: أَنَّهُ أَكثرُ الأَيامِ الَّتي يُعْتِقُ اللـهُ فيها عَبِيدَهُ من النَّارِ، ويَدْنُو اللـهُ من الحَجِيجِ بعَرَفَةَ، ويُبَاهِي بهم ملائكتَهُ، قال ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللـهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَـرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْـمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!» م.

 قال ابنُ رجبٍ -رحمهُ اللهُ-: العتقُ من النَّارِ عامٌّ لِجميعِ المسلمينَ بحمدِ اللهِ تعالى.   وعنه e: (ما رُؤِيَ الشيطانُ يومًا ؛ هو فيه أَصْغَرُ ، ولا أَدْحَرُ، ولا أَحْقَرُ ، ولا أَغْيَظُ منه يومَ عرفةَ ، وما ذاك إلا لِمَا يَرَى من تَنَزُّلِ الرحمةِ وتَجَاوُزِ اللهِ – تعالى – عن الذنوبِ العِظَامِ ؛ إلا ما كان من يومِ بَدْرٍ...) مالك .

ومن فضائلِ ذلك اليوم : أَنَّ صيامَهُ يُكفِّرُ سنتينِ، قال ﷺ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللـهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» م.

ألا فاتقوا الله عباد الله واغتنموا هذا اليوم العظيم فالعاقلُ مَنِ اغتنمَ مواسِمَ الخَيْرَاتِ، وسيعلمُ العاملون أَيَّ مَغْنَمٍ أَصابوهُ يومَ تُنصَبُ مَوَازِينُ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)

بارك الله لي ولكم ...

الخطبةُ الأُخرى

الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ....

معاشرَ المُؤمنين: من فجر يوم عرفة يبدأ التكبير المُقَيَّدِ لغيرِ الحاجِّ، وهو الَّذي يتقيَّدُ بأَدبارِ الصَّلَواتِ، وهو لا يمنعُ من التكبيرِ المُطْلَقِ في كلِّ وقتٍ، بل يتصاحبانِ إِلى آخرِ أَيَّامِ التشريقِ فأكثروا من التهليل والتحميد والتكبير وكبروا الله في سائر أحوالِكم .       

عباد الله: يومُ العيدِ من أفضلِ الأيامِ عندَ الله، بلْ قالَ بعضُ العُلَماءِ: إنَّهُ أَفضَلُ الأيامِ على الإطلاقِ كمَا صحَّ عنهُ e أنه قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّـهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ» أَحمدُ وغيره.

  ويُسَنُّ لَنَا في يوم العيد: الاغتِسَالُ والتَّطيُّبُ ولُبسُ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ أَمَّا النِّساءُ فَيَخرُجنَ مُحتَشِمَاتٍ غيرَ مُتَطَيِّبَاتٍ. 

والسُّنةُ أن نذهبَ للصلاة ِمَشْيَاً على الأَقدَامِ، وَأنْ نَرْفَعَ أصْوَاتَنَا بالتَّكْبِير ولا نَأكُلَ شَيئَاً قَبلَ الصَلاة حتى نَأكُلَ من الأُضحيةِ ، وعلى المسلم أن يحرصَ على شهودِ صلاةِ العيدِ وأن يشكرَ اللـهَ على نعمه، وأن يفرحَ فيه فإن الفرحَ فيه مِنْ مَحَاسِنِ هذَا الدِّينِ وشَرَائِعِهِ ، وفي الحديث (فَإِنَّ اللَّـهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا، يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ» أحمدُ وغيره.

تقبل الله منا ........ثم صلوا...

 

المرفقات

1718286881_1687354241_خير أيام الدنيا.pdf

1718286883_1687354241_خير أيام الدنيا.docx

المشاهدات 1223 | التعليقات 0