خواطر ومحفزات لاستقبال العشر الأخيرات.
عبد الله بن علي الطريف
1437/09/17 - 2016/06/22 23:34PM
خواطر ومحفزات لاستقبال العشر الأخيرات. /9/19 1437هـ
أيها الإخوة: عندما يأتي موسم تجاري عند أهل التجارة يجتمعون ويخططون ويستنفرون الموارد البشرية وكذا المادية ويسخرون الآلة الإعلامية لترويج سلعهم وربما قدموا التخفيضات الضخمة لجلب المتسوقين..
والمشاهد لحال الناس اليوم يجدهم يتهافتون على هذه المحلات، ويستغلون فُرص العروض والتخفيضات، ومن العروض التي يُرغبُ التجارُ فيها المتسوقين قولهم اشترى واحدة وخذ الأخرى مجاناً.. وربما غير ذلك ويزدحم الناس على هذه المحلات رغبةً في هذه العروض..
أيها الأحبة: دعوني أنقلكم إلى العروض الربانية والمنح الإلهية في هذا الشهر الكريم: فهذا مُنَادِ الخير يُنَادِي في هذا الشهر كأني أره وأسمعه: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني..
وفي كل ليلة من ليالِي هذا الشهر الكريم هدايا مغرية ومنح مجزية لا توجد في ليالي العام.. فارعوني أسماعكم لتسمعوا بعض تلك العروض التي يعرضها المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ.". رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.. وَفِي حَدِيْثٍ آَخَر قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: " إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ." رواه أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ والطبراني في الكبير عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ وابن ماجة عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وصححه الأناؤوط والألباني، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" يعني في رمضان. رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُما هُوَ شَكَّ، يَعْنِي الْأَعْمَشَ وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ومعنى قوله: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ" أي من النار كانوا قد صاروا أرقاء لذنوبهم فأعتقهم الله برحمته "فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ" أي من الذين أعتقوا "دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" كأن المراد بعد الإعتاق ويحتمل قبله. ولابد من تعاهد الصيام بالإصلاح، بأنْ يكون صيامًا عن المحرمات، وعدم الوقوع في المكروهات، وعدم التوسع في المباحات، صياماً للجوارح، وصياماً للقلب عن كل شاغل يشغله عن الله، فرمضان فرصةٌ ثمينة للفوز بالجنة والنجاة من النار..
وكَثُرَ العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بسببِ مغفرة اللهِ لذنوبِهم، وقَبولِ عبادتِهم، وتوفيقهم لحفظ أنفُسِهم من المعاصي التي هي أسبابُ العذاب.. وهذا الوعد بالكسبِ العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم، وعِمارة أوقاتهم بما يزيدُ قُرْبَهم من ربِهم، عسى أن يفوزوا بكَرَمِهِ بالعتقِ من النارِ.
وتحفيزاً للصائمين أعطى اللهُ كلَ عتيقٍ دعوةً مستجابة، وهذا يُحمِّسُ الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤالِ ربهم إجابةَ دعَوَاتِهم، وتلبيةَ حوائجِهم، وتفريجَ كُرَبهم، وتحقيق أمنيَّاتهم، عسى إنْ يكونوا من العتقاء الذين تُستجاب دعواتُهم خاصة عند الإفطار..
واعلموا أن الفرص في غير رمضان للعتق قليلة، لأنه في في كل ليلة من رمضان عتقاء، وفي الليلة الأخيرة يعتق الله بقدر ما أعتق طيلة الشهر، لنسأل أنفسنا هل أعتقنا في الأيام الماضية.. اللهم اجعلنا من عتقاءك في هذا الشهْرِ العظيم..
أيها الإخوة: أما العرض الرباني الضخم في شهر رمضان فموعده أمامكم إنه في العشر الأواخر منه.. ويتميز عن عروض الدنيا بأنه لا يحتاج إلى ذهاب إليه ولا انتقال إلى موقع العرض، ولا إلى مَسْكِ طوابير، وليس محدداً بكمية تنفد لكثرة الزائرين.! إنه عطاء ضخم كثير؛ لأنه من الجواد الكريم البر الرحيم الذي يعطي عطاء لا حدود له فهو القائل: «..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ..» رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيمَا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. نعم إنه عطاء لا نفاد له ولا حدود ف (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل:96] لكن العطاء المقصود مؤقت بوقت محدد يجب أن لا نتعداه إنها (..لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:3-5] وبداية ليلة القدر من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر.. والعبادة فيها خير من عبادة أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة.. وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
الله أكبر ما أثمن ساعات هذه اليلة ودقائقها بل وثوانيها.. قَالَ عنها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه وقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ» رواه أصحاب السنن وغيرهم..
لنحرص ألا نضيع منها تكبيرة مع الإمام.. أقول ذلك لأني ألاحظ من حال بعضنا أننا نتأخر بالحضور إلى المسجد فتجد بعضنا يقضي بعض الفريضة وربما فاتته كلها..! وهذا والله من الحرمان.. ومنا من ينصرف ويترك بعض التراويح وهي قصيرة، ومنا من يجلس لكنه يتباطأ بالقيام وتنتصف الركعة ولم يكبر، ومنا... ومنا... جميل أحبتي أن نعيد النظر في هذا الواقع ونبدل حالنا للأفضل لا للأقل.. لعلنا نفوز بإدراك ليلة القدر ونحوز ما أعده الله لمدركها من الأجر..
أيها الإخوة: حرى بنا أن نتحرى هدي رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العشر لنقتفي أثره.. تعالوا بنا لننظر كيف كان يعمل، وخير من يصف لنا حاله أهلَ بيتِهِ تَقُوْلُ أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» وقالت كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ عَلِىٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ. وَقَالَت زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه» قال في فتح الباري رَوَاَه التِّرْمِذِيُّ ومُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
فيعلم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص العشر الأواخر من رمضان ببرنامج عملي لا يَعْمَلُهُ في أول الشهر ولا في وسطه، أسأل الله تعالى أن يتقبل ما سلف من صيام وقيام ويعيننا على الإتمام ويكتب لنا النجاة من النيران وولدينا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الثانية:
أيها الإخوة: قَالَت أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم.
المقصود بإحياء الليل كلَّه: أنه لا ينام وكان يحييها عليه الصلاة والسلام بعبادات متنوعة مثل الفطور بعد غروب الشمس، وصلاة المغرب والعَشَاءَ وصلاة العشاء، وما يتبعهما من رواتب ، وأكلة السحور وما يشرع فيها من سنن أخرى وكل عمل يتقرب به إلى الله عز وجل، وليس معنى إحياء الليل أنه كان يقضي كلَ الليلَ في الصلاة..
وتؤكد أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَلِك بِقَولِها: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ» رواه مسلم وعند النسائي وغيره وصححه الألباني وَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ»..
إذا السنة إحياء ليالي العشر بالطاعة والقرب المتنوعة القولية والعملية ومن أهمها القيام مع الإمام حتى ينصرف في قيام أول الليل وآخره وعدم التفريط بلحظة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: « مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ» رواه أصحاب السنن وغيرهم وقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه
أيها الأحبة ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها من الليالي وفي حديث أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» رواه الترمذي وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وصححه الألباني وأخرجه الطبراني كذلك وزاد: "وكُلُ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ يُطِيْقُ الصَلَاةَ."
قال سفيان الثوري: أحبُّ إليَّ إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجَّدَ بالليلِ ويجتهد فيه ويُنْهِضَ أهلَه و ولدَه إلى الصلاةِ إن أطاقوا ذلك..
ويتأكد هذا الحث والترغيب والمتابعةفي أوتار العشر ..
أحبتي: وفي هذا الزمان الذي صار السهر في رمضان سلوكاً اجتماعياً عاماً؛ هذا يسهل علينا حث الأهل على استثمار ليالي العشر فالكل مستيقظ، ولن نجد عناء في إيقاظهم.. لكن علينا بذل الجهد في إقناعهم وترغيبهم في استثمار الليالي الفاضلة، والدعاء والثناء لكل من بذل منهم جهداً في طاعة أو توجه إليها.. واللهَ ألله في بذل الوسع في ذلك بلطف وحب، وأن نكون قدوة حسنة لهم من خلال إظهار الاهتمام في هذه الليالي والحرص على الوقت فيها.. وشغله في الطاعات المتنوعة.. وتأجيل كثير من الأعمال غير المهمة لما بعدها.. اللهم بلغنا العشر وبارك لنا فيها ووفقنا لإدراك ليلة القدر.. وصلوا وسلموا على نبينا محمد..
أيها الإخوة: عندما يأتي موسم تجاري عند أهل التجارة يجتمعون ويخططون ويستنفرون الموارد البشرية وكذا المادية ويسخرون الآلة الإعلامية لترويج سلعهم وربما قدموا التخفيضات الضخمة لجلب المتسوقين..
والمشاهد لحال الناس اليوم يجدهم يتهافتون على هذه المحلات، ويستغلون فُرص العروض والتخفيضات، ومن العروض التي يُرغبُ التجارُ فيها المتسوقين قولهم اشترى واحدة وخذ الأخرى مجاناً.. وربما غير ذلك ويزدحم الناس على هذه المحلات رغبةً في هذه العروض..
أيها الأحبة: دعوني أنقلكم إلى العروض الربانية والمنح الإلهية في هذا الشهر الكريم: فهذا مُنَادِ الخير يُنَادِي في هذا الشهر كأني أره وأسمعه: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ" رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني..
وفي كل ليلة من ليالِي هذا الشهر الكريم هدايا مغرية ومنح مجزية لا توجد في ليالي العام.. فارعوني أسماعكم لتسمعوا بعض تلك العروض التي يعرضها المصطفى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ.". رواه الترمذي وابن ماجة وصححه الألباني.. وَفِي حَدِيْثٍ آَخَر قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: " إِنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ فِطْرٍ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ." رواه أَحْمَدُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ والطبراني في الكبير عَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ وابن ماجة عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ وصححه الأناؤوط والألباني، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" يعني في رمضان. رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ الله عَنْهُما هُوَ شَكَّ، يَعْنِي الْأَعْمَشَ وقال الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ومعنى قوله: "إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ" أي من النار كانوا قد صاروا أرقاء لذنوبهم فأعتقهم الله برحمته "فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ" أي من الذين أعتقوا "دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" كأن المراد بعد الإعتاق ويحتمل قبله. ولابد من تعاهد الصيام بالإصلاح، بأنْ يكون صيامًا عن المحرمات، وعدم الوقوع في المكروهات، وعدم التوسع في المباحات، صياماً للجوارح، وصياماً للقلب عن كل شاغل يشغله عن الله، فرمضان فرصةٌ ثمينة للفوز بالجنة والنجاة من النار..
وكَثُرَ العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بسببِ مغفرة اللهِ لذنوبِهم، وقَبولِ عبادتِهم، وتوفيقهم لحفظ أنفُسِهم من المعاصي التي هي أسبابُ العذاب.. وهذا الوعد بالكسبِ العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم، وعِمارة أوقاتهم بما يزيدُ قُرْبَهم من ربِهم، عسى أن يفوزوا بكَرَمِهِ بالعتقِ من النارِ.
وتحفيزاً للصائمين أعطى اللهُ كلَ عتيقٍ دعوةً مستجابة، وهذا يُحمِّسُ الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤالِ ربهم إجابةَ دعَوَاتِهم، وتلبيةَ حوائجِهم، وتفريجَ كُرَبهم، وتحقيق أمنيَّاتهم، عسى إنْ يكونوا من العتقاء الذين تُستجاب دعواتُهم خاصة عند الإفطار..
واعلموا أن الفرص في غير رمضان للعتق قليلة، لأنه في في كل ليلة من رمضان عتقاء، وفي الليلة الأخيرة يعتق الله بقدر ما أعتق طيلة الشهر، لنسأل أنفسنا هل أعتقنا في الأيام الماضية.. اللهم اجعلنا من عتقاءك في هذا الشهْرِ العظيم..
أيها الإخوة: أما العرض الرباني الضخم في شهر رمضان فموعده أمامكم إنه في العشر الأواخر منه.. ويتميز عن عروض الدنيا بأنه لا يحتاج إلى ذهاب إليه ولا انتقال إلى موقع العرض، ولا إلى مَسْكِ طوابير، وليس محدداً بكمية تنفد لكثرة الزائرين.! إنه عطاء ضخم كثير؛ لأنه من الجواد الكريم البر الرحيم الذي يعطي عطاء لا حدود له فهو القائل: «..يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ..» رواه مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ فِيمَا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. نعم إنه عطاء لا نفاد له ولا حدود ف (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) [النحل:96] لكن العطاء المقصود مؤقت بوقت محدد يجب أن لا نتعداه إنها (..لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر:3-5] وبداية ليلة القدر من غروب الشمس ومنتهاها طلوع الفجر.. والعبادة فيها خير من عبادة أكثر من ثلاثٍ وثمانين سنة.. وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر، عمر رجل معمر عمرًا طويلا نيفًا وثمانين سنة.
الله أكبر ما أثمن ساعات هذه اليلة ودقائقها بل وثوانيها.. قَالَ عنها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه وقَالَ: «إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ» رواه أصحاب السنن وغيرهم..
لنحرص ألا نضيع منها تكبيرة مع الإمام.. أقول ذلك لأني ألاحظ من حال بعضنا أننا نتأخر بالحضور إلى المسجد فتجد بعضنا يقضي بعض الفريضة وربما فاتته كلها..! وهذا والله من الحرمان.. ومنا من ينصرف ويترك بعض التراويح وهي قصيرة، ومنا من يجلس لكنه يتباطأ بالقيام وتنتصف الركعة ولم يكبر، ومنا... ومنا... جميل أحبتي أن نعيد النظر في هذا الواقع ونبدل حالنا للأفضل لا للأقل.. لعلنا نفوز بإدراك ليلة القدر ونحوز ما أعده الله لمدركها من الأجر..
أيها الإخوة: حرى بنا أن نتحرى هدي رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العشر لنقتفي أثره.. تعالوا بنا لننظر كيف كان يعمل، وخير من يصف لنا حاله أهلَ بيتِهِ تَقُوْلُ أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ» وقالت كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم.
وَكَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ عَلِىٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهَ. وَقَالَت زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه» قال في فتح الباري رَوَاَه التِّرْمِذِيُّ ومُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا.
فيعلم من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص العشر الأواخر من رمضان ببرنامج عملي لا يَعْمَلُهُ في أول الشهر ولا في وسطه، أسأل الله تعالى أن يتقبل ما سلف من صيام وقيام ويعيننا على الإتمام ويكتب لنا النجاة من النيران وولدينا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الثانية:
أيها الإخوة: قَالَت أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» رواهما مسلم.
المقصود بإحياء الليل كلَّه: أنه لا ينام وكان يحييها عليه الصلاة والسلام بعبادات متنوعة مثل الفطور بعد غروب الشمس، وصلاة المغرب والعَشَاءَ وصلاة العشاء، وما يتبعهما من رواتب ، وأكلة السحور وما يشرع فيها من سنن أخرى وكل عمل يتقرب به إلى الله عز وجل، وليس معنى إحياء الليل أنه كان يقضي كلَ الليلَ في الصلاة..
وتؤكد أمنا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ذَلِك بِقَولِها: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ» رواه مسلم وعند النسائي وغيره وصححه الألباني وَقَالَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لَا أَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ، وَلَا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحَ، وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ»..
إذا السنة إحياء ليالي العشر بالطاعة والقرب المتنوعة القولية والعملية ومن أهمها القيام مع الإمام حتى ينصرف في قيام أول الليل وآخره وعدم التفريط بلحظة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال: « مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ» رواه أصحاب السنن وغيرهم وقال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» متفق عليه
أيها الأحبة ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها من الليالي وفي حديث أبي ذر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» رواه الترمذي وقال: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ» وصححه الألباني وأخرجه الطبراني كذلك وزاد: "وكُلُ صَغِيرٍ وكَبِيرٍ يُطِيْقُ الصَلَاةَ."
قال سفيان الثوري: أحبُّ إليَّ إذا دخلَ العشرُ الأواخرُ أن يتهجَّدَ بالليلِ ويجتهد فيه ويُنْهِضَ أهلَه و ولدَه إلى الصلاةِ إن أطاقوا ذلك..
ويتأكد هذا الحث والترغيب والمتابعةفي أوتار العشر ..
أحبتي: وفي هذا الزمان الذي صار السهر في رمضان سلوكاً اجتماعياً عاماً؛ هذا يسهل علينا حث الأهل على استثمار ليالي العشر فالكل مستيقظ، ولن نجد عناء في إيقاظهم.. لكن علينا بذل الجهد في إقناعهم وترغيبهم في استثمار الليالي الفاضلة، والدعاء والثناء لكل من بذل منهم جهداً في طاعة أو توجه إليها.. واللهَ ألله في بذل الوسع في ذلك بلطف وحب، وأن نكون قدوة حسنة لهم من خلال إظهار الاهتمام في هذه الليالي والحرص على الوقت فيها.. وشغله في الطاعات المتنوعة.. وتأجيل كثير من الأعمال غير المهمة لما بعدها.. اللهم بلغنا العشر وبارك لنا فيها ووفقنا لإدراك ليلة القدر.. وصلوا وسلموا على نبينا محمد..