خمس وقفات (ماذا بعد الحج-حادثة منى-خطر إيران- المسجد الأقصى- قاتل ابن عمه)
عيد العنزي
1436/12/19 - 2015/10/02 08:06AM
الخطبة الأولى:
الوقفة الأولى:
معاشر المسلمين:لقد رأيتم في الأيام الماضية هؤلاءِ الحَجِيجِ الذينَ جاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق جَاءُوا مِنْ أقطارِ الدنيا وأطرافِ الأَرْض جَاءُوا مُلَبِّينَ مُكَبْرِينَ إِنَّهم أَتَوْا لهذهِ الدِّيارِ وقدْ بَذَلُوا الغاليَ والنَّفِيس جاءُوا بِقلوبٍ يَمْلَؤُها الشَّوْق وَعيونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدموعِ جاءَ الواحدُ منهم وربما ضَيْقَ على نفسهِ وأهلهِ شُهورا ودُهُورَاً لِيُوَفِرَ أُجْرَةَ المَجِيءِ إِلى هَهُنا فَلِماذا كلُّ هذا ؟ ومَا الذي حَمَلَهُم على ما يَفْعلونَ ومَنِ الذي دَعاَهم لِمَا يَعْمَلُون ؟إِنَّهُ الله إِنَّها الاستجابة لأمرالجبار جل جلاله{ وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ الله وَيَا من أَسْرَفَتَ أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَطِعْ رَبَّكَ وَكن من عباد الله الذين أقْبِلُوا عَلَيْهِ وامْتَثلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنبوا نَهْيَهُ وطلقوا الدنيا بملذاتها وشهواتها فصدق قول القائل فيهم
إِنَّ للهِ عِبَــــــــــاداً فُـــــــطَنَــــــا * طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا * أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَــــــــــــــــنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَــــــــــــذُوا * صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
أيها المباركون:اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا خَلَطَ وَقَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرَاً فِي طَاعِةِ ربه حَتَّى يأتيه الموت فالله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستمرارية العمل حتى يدنو الأجل فقال تعالى مخاطباً نبيه {واعبد ربك حتى بأتيك اليقين}فليعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع حياته من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله وإن من إضلال الشيطان وخداع النفس الأمّارةُ بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه ويعود إلى معاصيه والأَعْمَال بِالخَوَاتِيمِ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ, وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ !!! ولقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من قول (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(( وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاللهم ثبت قلوبنا على دينك
الوقفة الثانية:
فِهَي مَعَ التَّدَافُعِ الذِي حَصَلَ بِمِنَى يَوْمَ الْعِيدِ وَحَصَلَ وَفَاةُ عدد كبير وَإِصَابَةِ بعضهم وَنَقُولُ إِنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ صَاحِبَ عَقْلٍ وَبَصِيرَةٍ يُقُرُّ بِأَنَّ حُكُومَتَنَا بَذَلَتْ مَا لا تَتَّسِعُ الْخُطْبَةُ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَصَرَفَتِ الْمَلَايِينَ بَلِ الْمِلْيَارَاتِ, وَانْتَدَبَتْ عَشَرَاتِ الآلافِ مِنْ رِجَالِ الأَمْنِ وَغَيْرِهِمْ فِي سَبِيلِ إِنْجَاحِ هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ, لا حرمهم الله الأجر والمثوبة وقد حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ التَّدَافُعِ وفقا للتَّقَارِيرِ التي تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَا حَادِثٌ مُتَعَمَّدٌ , حَيْثُ قَامَ 300 مِنَ الْحُجَّاجِ الإِيرَانِيِّينَ بِمُعَاكَسَةِ سَيْرِ الْحَجِيجِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الزِّحَامِ وَالتَّدَافُعِ ثُمَّ الْمَوْتِ وَالإِصَابَاِت بِسَبَبِهِمْ, وَهَذا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لا تَزَالُ تُحْدِثُ الشَّغَبَ وَالثَّوْرَاتِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ , نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ وَأَنْ يُعَامِلَهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ , كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ تُوِفِّيَ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ شُهَدَاءَ, وَأَنْ يُلْهِمَ أَهْلَهُمُ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ.
الوقفة الثالثة:
عباد الله : يَجِبُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا في كل قطر من أقطار الأرض ، حكومة وشعبا أَن يَتَصَدَّوا لِهَذِهِ الفِرقَةِ الخَبِيثَةِ والذي ينبع شرها من إيران أم الخبائث، وَأَن يَعلَمُوا أَنَّ هُنَالِكَ مُخَطَّطات وحسابات لهم يُرَوَّجُ لَها لإِسقَاطِ أَهلِ السُّنَّةِ،في هذه الدولة والدول التي حولها وأكبر شاهد على ذلك افتعال المشاكل في كل حج بل استغلالهم لبعض الاحداث التي وقعت في بلاد الحرمين بسببهم لزعزعة الأمن وتشويه سمعت المملكة العربية السعودية فَالحَذَرَ الحَذَرَ![font="]
[/font]وَإِنَّ لَنَا فِيمَا حَصَلَ في لِبنَانَ والعِرَاقِ وَمَا يَحصُلُ الآنَ في سُورِيَّةَ مِن حَربِ النُّصَيرِيَّةِ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ، وَمَا يَحصُلُ الآنَ في اليمن مِن حَربِ الحوثيين عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ ،إِنَّ لَنَا في ذَلِكَ لِعِبرَةً، فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَهلَ السُّنَّةِ-، وَلْنَحذَرْ هَؤُلاءِ الكفرة الفجرة فَوَاللهِ إِنَّهُم لَيَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِدَولَةِ الرَّفضِ إِيرَانَ!.
قاتلهم الله أنى يؤفكون.
الوقفة الرابعة:
عباد الله: إِنَّ تَارِيخَ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ تَارِيخٌ يَشِعُّ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ، وَهُوَ تَارِيخٌ يَزْخَرُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكُتُبِ وَالمُصَنَّفَاتِ الَّتِي كُتِبَتْ وَدُرِّسَتْ فِي زَوَايَا المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمَا حَوْلَهَا، وَهُوَ تَارِيخٌ يَحْكِي سِيَرَ الْعُبَّادِ الَّذِينَ جَاوَرُوا فِي المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْيَوْهَا بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ حَتَّى صَارُوا أَمْثِلَةً تُحْتَذَى فِي الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَأَحَادِيثُ فَضَائِلِ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ تُحَمِّلُ المُسْلِمِينَ مَسْئُولِيَّةَ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنِ اعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَقَدْ فَعَلَ المُسْلِمُونَ ذَلِكَ فِي سَالِفِ الْقُرُونِ أَيَّامَ الِاحْتِلَالِ الصَّلِيبِيِّ لِبِلَادِ الشَّامِ، وَأَيَّامَ الْعُدْوَانِ الرافضي الْقِرْمِطِيِّ عَلَى الْحِجَازِ، وَيَجِبُ أَنْ يَفْعَلُوهُ الْآنَ فِي رَدِّ قَرَامِطَةِ الْعَصْرِ الطَّامِعِينَ الْحَاقِدِينَ عَنْ حَرَمَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ سَفْكَ الدِّمَاءِ فِيهَا لِيَخْرُجَ قَائِمُهُمْ، فَإِنَّهُ حَسَبَ مُعْتَقَدِهِمْ يَنْتَظِرُ أَنْ تَغْرِقَ مَكَّةُ بِالدِّمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ سِرْدَابِهِ.
وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ رَدُّ الْعِصَابَاتِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ عَنِ المَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُمْ يُرِيدُونَ هَدْمَهُ وَبِنَاءَ هَيْكَلِهِمْ؛ لِنَقْلِ أَرْضِهِ مِنْ أَرْضٍ يُسْجَدُ لِلَّـهِ -تَعَالَى- فِيهَا وَيُعْبَدُ وَيُوَحَّدُ إِلَى أَرْضٍ يُشْرَكُ فِيهَا بِاللَّـهِ -تَعَالَى-، وَيُعْبَدُ غَيْرُهُ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَكْبِتَ اليهود الصَّهَايِنَةَ و الرافضة الصَّفَوِيِّينَ، وَأَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ المَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مجيب.
وَعَلَينَا العودة إلى كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة الصالحين والالتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَالدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ، وَخَاصَّةً في أَزمِنَةِ الفِتَنِ، فَقَد قَالَ تَعَالى[font="]: [/font]﴿ وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم ﴾ [font="].[/font]
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى قد قلت ما قلت وأستغفر الله..........
الخطبة الثانية:
الوقفة الخامسة:
إِنَّ سَفكَ الدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ وَالاستِهَانَةَ بِالأَنفُسِ المَعصُومَةِ لا يَجتَمِعُ في شَخصٍ وَاحِدٍ مَعَ الدِّينِ وَالعَقلِ ، وَلَكِنَّهُ حِينَ يَغِيبُ الدِّينُ الصَّحِيحُ أَو يُغَيَّبُ ، وَيُفقَدُ العَقلُ الرَّاجِحُ أَو يُذهَبُ ، إِذْ ذَاكَ يَفقِدُ المَرءُ صَوَابَهُ ، فَيَغدُو أُلعُوبَةً في أَيدٍ أَثِيمَةٍ وَحَبِيسَ أَفكَارٍ سَقِيمَةٍ ، وَيَتَجَاذَبُهُ كُفَّارٌ بَاطِنِيُّونَ أَو خَوَارِجُ مُجرِمُونَ مُعتَدُونَ ، فَيَجعَلُونَ مِنهُ سَبُعًا مُفتَرِسًا وَضَارِيًا مُتَوَحِّشًا ، لا يَرتَاحُ إِلاَّ عَلَى سَفكِ الدِّمَاءِ وَلا يَملأ عَينَيهِ إِلاَّ شُهُودُ تَطَايُرِ الأَشلاءِ .
وَإِنَّ هَذِهِ الحُرُوبَ الدَّامِيَةَ الَّتي تُحِيطُ بِنَا قَرِيبًا وَبَعِيدًا ، أَو تِلكَ الحَوَادِثَ الَّتي جَعَلَت تَقَعُ في بِلادِنَا بَينَ حِينٍ وَحِينٍ ، مُجَسِّدَةً أَبشَعَ صُوَرِ الغَدرِ وَالخِيَانَةِ وَاستِرخَاصِ الدِّمَاءِ المَعصُومَةِ ، وَالاعتِدَاءِ عَلَى الأَنفُسِ البَرِيئَةِ ، وَإِزهَاقِ الأَروَاحِ الغَالِيَةِ ، إِنَّهَا لَتَهُزُّ شُعُورَ كُلِّ مُسلِمٍ يَخشَى اللهُ وَيَتَّقِيهِ ، وَتُوجِعُ قَلبَ كُلِّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ أَنَّهُ مُلاقِيهِ ، وَتَجعَلُ العَاقِلَ الحَصِيفَ يَتَسَاءَلُ في حَيرَةٍ وَذُهُولٍ :
أَينَ الدِّينُ وَالعَقلُ ؟!
أَينَ العُرُوبَةُ وَالوَفَاءُ ؟!
أَينَ الرُّجُولَةُ وَالشَّهَامَةُ ؟!
مَا الَّذِي حَلَّ بِالنَّاسِ حَتى ذَهَبَ دِينُهُم وَمُسِخَت عُقُولُهُم ؟!
أَينَ المَبَادِئُ وَالقِيَمُ وَالأَخلاقُ وَالأَعرَافُ ؟!
بَل أَيُّ تَحَوُّلٍ في الفِكرِ يَجعَلُ شَابًّا حَدَثًا قَلِيلَ العِلمِ قَاصِرَ الفَهمِ ضَعِيفَ العِبَادَةِ ، يَتَقَصَّدُ أَقَارِبَهُ فَيَغدِرُ بِهِم وَيَقتُلُهُم وَيَبُوءُ بِإِثمِهِم ؟! فَهَذَا يَقتُلُ وَالِدَهُ ، وَالآخَرُ يَقتُلُ أَخَاهُ ، وَذَاكَ يَقتُلُ خَالَهُ أَوِ ابنَ عَمِّهِ ، يِا لَلغُرُورِ وَالسَّفَهِ والحُمقِ وَالطَّيشِ ! وَيَا لَهُ مِن ضَلالٍ وَانحِرَافٍ وَانتِكَاسٍ وَخِذلانٍ ! يُترَكُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنُّصَيرِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ ، يَعِيثُونَ في الأَرضِ فَسَادًا وَيُدَنِّسُونَ المُقَدَّسَاتِ ، وَيُشَرِّدُونَ المُسلِمِينَ المُستَضعَفِينَ ، وَتَعُودُ أَيدِي أَبنَاءِ المُسلِمِينَ لِتَغدِرَ بِالآبَاءِ وَالإِخوَانِ ، وَتَخُونَ الأَخوَالَ وَأَبنَاءَ العَمِّ ، الَّذِينَ يَشهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ ، وَيُزَكُّونَ وَيَحُجُّونَ ، وَيَرجُونَ اللهَ وَيَخَافُونَ .
لَقَد كُنَّا نَسمَعُ بِالقَتلِ في نَشَرَاتِ الأَخبَارِ بَعِيدًا عَنَّا ، يَرتَكِبُهُ كُفَّارٌ مُجرِمُونَ أَو فَسَقَةٌ طَاغُونَ ، في دُوَلٍ كَافِرَةٍ أَو أُخرَى يَغلِبُ عَلَى أَهلِهَا الكُفرُ وَالفُجُورُ ، لِكَنَّنَا فُجِعنَا بِفِئَةٍ مِن شَبَابِنا وَأَبنَائِنَا وَفَلَذَاتِ أَكبَادِنَا ، تَشَرَّبُوا شُبُهَاتٍ مِن هُنَا وَهُنَاكَ ، نَقَلَتهَا إِلَيهِم وَسَائِلُ اتِّصَالٍ وَهَوَاتِفُ وَشَبَكَاتٌ ، عَكَفُوا عَلَيهَا السَّاعَاتِ الطِّوَالَ ، وَعَزَلَتهُم عَنِ مَجَالِسِ أَهلِ العِلمِ وَمُصَاحَبَةِ عُقَلاءِ الرِّجَالِ ، فَأَخرَجَت مِنهُم مُجرِمِينَ مُعتَدِينَ ، سَفَّاكِينَ لِلدِّمَاءِ مُنتَهِكِينَ لِلحُرُمَاتِ ، مُتَعَدِّينَ لِلحُدُودِ مُرتَكِبِينَ لِلمُوبِقَاتِ ، أَلا فَمَا أَحرَانَا أَن نَنتَبِهَ لِذَلِكَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَنَحذَرَ مِن تَركِ الأَبنَاءِ بِلا حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ ، أَو الغَفلَةِ عَنهُم في دُنيَانَا وَاتِّبَاعِ هَوَانَا ، ثم لا نَشعُرَ إِلاَّ وَقَد غَدَوا حِرَابًا في نُحُورِنَا ، وَغُصَّةً في حُلُوقِنَا ، وَسُيُوفًا تَطعَنُ صُدُورَنَا قَبلَ أَن تَتَوَجَّهَ لأَعدَائِنَا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيم".
هذا وصلوا......
الوقفة الأولى:
معاشر المسلمين:لقد رأيتم في الأيام الماضية هؤلاءِ الحَجِيجِ الذينَ جاءُوا مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيق جَاءُوا مِنْ أقطارِ الدنيا وأطرافِ الأَرْض جَاءُوا مُلَبِّينَ مُكَبْرِينَ إِنَّهم أَتَوْا لهذهِ الدِّيارِ وقدْ بَذَلُوا الغاليَ والنَّفِيس جاءُوا بِقلوبٍ يَمْلَؤُها الشَّوْق وَعيونٍ اغْرَوْرَقَتْ بِالدموعِ جاءَ الواحدُ منهم وربما ضَيْقَ على نفسهِ وأهلهِ شُهورا ودُهُورَاً لِيُوَفِرَ أُجْرَةَ المَجِيءِ إِلى هَهُنا فَلِماذا كلُّ هذا ؟ ومَا الذي حَمَلَهُم على ما يَفْعلونَ ومَنِ الذي دَعاَهم لِمَا يَعْمَلُون ؟إِنَّهُ الله إِنَّها الاستجابة لأمرالجبار جل جلاله{ وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } فَيَا مَنْ ابْتَعَدَّتَ عَنِ الله وَيَا من أَسْرَفَتَ أَنْقِذْ نَفْسَكَ وَأَطِعْ رَبَّكَ وَكن من عباد الله الذين أقْبِلُوا عَلَيْهِ وامْتَثلُوا أَمْرَهُ وَاجْتَنبوا نَهْيَهُ وطلقوا الدنيا بملذاتها وشهواتها فصدق قول القائل فيهم
إِنَّ للهِ عِبَــــــــــاداً فُـــــــطَنَــــــا * طَلَّقُوا الدُّنْيَا وخَافُوا الفِتَنَا
نَظَروا فيهَا فَلَمَّا عَلِمُوا * أَنَّهَا لَيْسَتْ لِحَيٍّ وَطَــــــــــــــــنَا
جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَــــــــــــذُوا * صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا
أيها المباركون:اعْتَادَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْجِدِّ فِي مَوَاسِمِ الطَّاعَاتِ ثُمَّ الدَّعَةِ والْخُمُولِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا خَلَطَ وَقَارَفَ بَعْضَ الْمَعَاصِي بِحُجِّةِ أَنَّهُ قَدَّمَ وَقَدَّمَ وَهَذَا أَمْرٌ لا يَنْبَغِي بَل الْمُؤْمِنُ لا يَزَالُ مُسْتَمِرَاً فِي طَاعِةِ ربه حَتَّى يأتيه الموت فالله عزوجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستمرارية العمل حتى يدنو الأجل فقال تعالى مخاطباً نبيه {واعبد ربك حتى بأتيك اليقين}فليعلم المسلم أن مواسم الخير هي تحوّل كامل لواقع حياته من حياة الغفلة والإعراض عن الله إلى حياة الاستقامة والإقبال على الله وإن من إضلال الشيطان وخداع النفس الأمّارةُ بالسوء أن ينتكس كثير من الناس على عقبيه ويعود إلى معاصيه والأَعْمَال بِالخَوَاتِيمِ فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ, وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ, فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) مُتَّفَقٌ عَلِيْهِ !!! ولقد كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ من قول (اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(( وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فاللهم ثبت قلوبنا على دينك
الوقفة الثانية:
فِهَي مَعَ التَّدَافُعِ الذِي حَصَلَ بِمِنَى يَوْمَ الْعِيدِ وَحَصَلَ وَفَاةُ عدد كبير وَإِصَابَةِ بعضهم وَنَقُولُ إِنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ صَاحِبَ عَقْلٍ وَبَصِيرَةٍ يُقُرُّ بِأَنَّ حُكُومَتَنَا بَذَلَتْ مَا لا تَتَّسِعُ الْخُطْبَةُ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَصَرَفَتِ الْمَلَايِينَ بَلِ الْمِلْيَارَاتِ, وَانْتَدَبَتْ عَشَرَاتِ الآلافِ مِنْ رِجَالِ الأَمْنِ وَغَيْرِهِمْ فِي سَبِيلِ إِنْجَاحِ هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ, لا حرمهم الله الأجر والمثوبة وقد حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ التَّدَافُعِ وفقا للتَّقَارِيرِ التي تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَا حَادِثٌ مُتَعَمَّدٌ , حَيْثُ قَامَ 300 مِنَ الْحُجَّاجِ الإِيرَانِيِّينَ بِمُعَاكَسَةِ سَيْرِ الْحَجِيجِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الزِّحَامِ وَالتَّدَافُعِ ثُمَّ الْمَوْتِ وَالإِصَابَاِت بِسَبَبِهِمْ, وَهَذا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لا تَزَالُ تُحْدِثُ الشَّغَبَ وَالثَّوْرَاتِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ , نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ وَأَنْ يُعَامِلَهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ , كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ تُوِفِّيَ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ شُهَدَاءَ, وَأَنْ يُلْهِمَ أَهْلَهُمُ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ.
الوقفة الثالثة:
عباد الله : يَجِبُ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ جَمِيعًا في كل قطر من أقطار الأرض ، حكومة وشعبا أَن يَتَصَدَّوا لِهَذِهِ الفِرقَةِ الخَبِيثَةِ والذي ينبع شرها من إيران أم الخبائث، وَأَن يَعلَمُوا أَنَّ هُنَالِكَ مُخَطَّطات وحسابات لهم يُرَوَّجُ لَها لإِسقَاطِ أَهلِ السُّنَّةِ،في هذه الدولة والدول التي حولها وأكبر شاهد على ذلك افتعال المشاكل في كل حج بل استغلالهم لبعض الاحداث التي وقعت في بلاد الحرمين بسببهم لزعزعة الأمن وتشويه سمعت المملكة العربية السعودية فَالحَذَرَ الحَذَرَ![font="]
[/font]وَإِنَّ لَنَا فِيمَا حَصَلَ في لِبنَانَ والعِرَاقِ وَمَا يَحصُلُ الآنَ في سُورِيَّةَ مِن حَربِ النُّصَيرِيَّةِ عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ، وَمَا يَحصُلُ الآنَ في اليمن مِن حَربِ الحوثيين عَلَى أَهلِ السُّنَّةِ ،إِنَّ لَنَا في ذَلِكَ لِعِبرَةً، فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَهلَ السُّنَّةِ-، وَلْنَحذَرْ هَؤُلاءِ الكفرة الفجرة فَوَاللهِ إِنَّهُم لَيَدِينُونَ بِالوَلاءِ لِدَولَةِ الرَّفضِ إِيرَانَ!.
قاتلهم الله أنى يؤفكون.
الوقفة الرابعة:
عباد الله: إِنَّ تَارِيخَ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ تَارِيخٌ يَشِعُّ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّةِ وَالْوَحْيِ، وَهُوَ تَارِيخٌ يَزْخَرُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْكُتُبِ وَالمُصَنَّفَاتِ الَّتِي كُتِبَتْ وَدُرِّسَتْ فِي زَوَايَا المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمَا حَوْلَهَا، وَهُوَ تَارِيخٌ يَحْكِي سِيَرَ الْعُبَّادِ الَّذِينَ جَاوَرُوا فِي المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فَأَحْيَوْهَا بِالْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ حَتَّى صَارُوا أَمْثِلَةً تُحْتَذَى فِي الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ
وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِأُمَّةِ الْإِسْلَامِ، وَأَحَادِيثُ فَضَائِلِ المَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ تُحَمِّلُ المُسْلِمِينَ مَسْئُولِيَّةَ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنِ اعْتِدَاءِ المُعْتَدِينَ، وَقَدْ فَعَلَ المُسْلِمُونَ ذَلِكَ فِي سَالِفِ الْقُرُونِ أَيَّامَ الِاحْتِلَالِ الصَّلِيبِيِّ لِبِلَادِ الشَّامِ، وَأَيَّامَ الْعُدْوَانِ الرافضي الْقِرْمِطِيِّ عَلَى الْحِجَازِ، وَيَجِبُ أَنْ يَفْعَلُوهُ الْآنَ فِي رَدِّ قَرَامِطَةِ الْعَصْرِ الطَّامِعِينَ الْحَاقِدِينَ عَنْ حَرَمَيْ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَهُمْ يُرِيدُونَ سَفْكَ الدِّمَاءِ فِيهَا لِيَخْرُجَ قَائِمُهُمْ، فَإِنَّهُ حَسَبَ مُعْتَقَدِهِمْ يَنْتَظِرُ أَنْ تَغْرِقَ مَكَّةُ بِالدِّمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ سِرْدَابِهِ.
وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ رَدُّ الْعِصَابَاتِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ عَنِ المَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَهُمْ يُرِيدُونَ هَدْمَهُ وَبِنَاءَ هَيْكَلِهِمْ؛ لِنَقْلِ أَرْضِهِ مِنْ أَرْضٍ يُسْجَدُ لِلَّـهِ -تَعَالَى- فِيهَا وَيُعْبَدُ وَيُوَحَّدُ إِلَى أَرْضٍ يُشْرَكُ فِيهَا بِاللَّـهِ -تَعَالَى-، وَيُعْبَدُ غَيْرُهُ.
نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَكْبِتَ اليهود الصَّهَايِنَةَ و الرافضة الصَّفَوِيِّينَ، وَأَنْ يَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِينَ، وَأَنْ يَحْفَظَ المَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ مِنْ كَيْدِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مجيب.
وَعَلَينَا العودة إلى كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة الصالحين والالتِفَافُ حَولَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَالدُّعَاةِ الصَّادِقِينَ، وَخَاصَّةً في أَزمِنَةِ الفِتَنِ، فَقَد قَالَ تَعَالى[font="]: [/font]﴿ وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ وَإِلى أُولي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم ﴾ [font="].[/font]
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى قد قلت ما قلت وأستغفر الله..........
الخطبة الثانية:
الوقفة الخامسة:
إِنَّ سَفكَ الدِّمَاءِ المُحَرَّمَةِ وَالاستِهَانَةَ بِالأَنفُسِ المَعصُومَةِ لا يَجتَمِعُ في شَخصٍ وَاحِدٍ مَعَ الدِّينِ وَالعَقلِ ، وَلَكِنَّهُ حِينَ يَغِيبُ الدِّينُ الصَّحِيحُ أَو يُغَيَّبُ ، وَيُفقَدُ العَقلُ الرَّاجِحُ أَو يُذهَبُ ، إِذْ ذَاكَ يَفقِدُ المَرءُ صَوَابَهُ ، فَيَغدُو أُلعُوبَةً في أَيدٍ أَثِيمَةٍ وَحَبِيسَ أَفكَارٍ سَقِيمَةٍ ، وَيَتَجَاذَبُهُ كُفَّارٌ بَاطِنِيُّونَ أَو خَوَارِجُ مُجرِمُونَ مُعتَدُونَ ، فَيَجعَلُونَ مِنهُ سَبُعًا مُفتَرِسًا وَضَارِيًا مُتَوَحِّشًا ، لا يَرتَاحُ إِلاَّ عَلَى سَفكِ الدِّمَاءِ وَلا يَملأ عَينَيهِ إِلاَّ شُهُودُ تَطَايُرِ الأَشلاءِ .
وَإِنَّ هَذِهِ الحُرُوبَ الدَّامِيَةَ الَّتي تُحِيطُ بِنَا قَرِيبًا وَبَعِيدًا ، أَو تِلكَ الحَوَادِثَ الَّتي جَعَلَت تَقَعُ في بِلادِنَا بَينَ حِينٍ وَحِينٍ ، مُجَسِّدَةً أَبشَعَ صُوَرِ الغَدرِ وَالخِيَانَةِ وَاستِرخَاصِ الدِّمَاءِ المَعصُومَةِ ، وَالاعتِدَاءِ عَلَى الأَنفُسِ البَرِيئَةِ ، وَإِزهَاقِ الأَروَاحِ الغَالِيَةِ ، إِنَّهَا لَتَهُزُّ شُعُورَ كُلِّ مُسلِمٍ يَخشَى اللهُ وَيَتَّقِيهِ ، وَتُوجِعُ قَلبَ كُلِّ مُؤمِنٍ يَعلَمُ أَنَّهُ مُلاقِيهِ ، وَتَجعَلُ العَاقِلَ الحَصِيفَ يَتَسَاءَلُ في حَيرَةٍ وَذُهُولٍ :
أَينَ الدِّينُ وَالعَقلُ ؟!
أَينَ العُرُوبَةُ وَالوَفَاءُ ؟!
أَينَ الرُّجُولَةُ وَالشَّهَامَةُ ؟!
مَا الَّذِي حَلَّ بِالنَّاسِ حَتى ذَهَبَ دِينُهُم وَمُسِخَت عُقُولُهُم ؟!
أَينَ المَبَادِئُ وَالقِيَمُ وَالأَخلاقُ وَالأَعرَافُ ؟!
بَل أَيُّ تَحَوُّلٍ في الفِكرِ يَجعَلُ شَابًّا حَدَثًا قَلِيلَ العِلمِ قَاصِرَ الفَهمِ ضَعِيفَ العِبَادَةِ ، يَتَقَصَّدُ أَقَارِبَهُ فَيَغدِرُ بِهِم وَيَقتُلُهُم وَيَبُوءُ بِإِثمِهِم ؟! فَهَذَا يَقتُلُ وَالِدَهُ ، وَالآخَرُ يَقتُلُ أَخَاهُ ، وَذَاكَ يَقتُلُ خَالَهُ أَوِ ابنَ عَمِّهِ ، يِا لَلغُرُورِ وَالسَّفَهِ والحُمقِ وَالطَّيشِ ! وَيَا لَهُ مِن ضَلالٍ وَانحِرَافٍ وَانتِكَاسٍ وَخِذلانٍ ! يُترَكُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى وَالنُّصَيرِيَّةُ وَالرَّافِضَةُ ، يَعِيثُونَ في الأَرضِ فَسَادًا وَيُدَنِّسُونَ المُقَدَّسَاتِ ، وَيُشَرِّدُونَ المُسلِمِينَ المُستَضعَفِينَ ، وَتَعُودُ أَيدِي أَبنَاءِ المُسلِمِينَ لِتَغدِرَ بِالآبَاءِ وَالإِخوَانِ ، وَتَخُونَ الأَخوَالَ وَأَبنَاءَ العَمِّ ، الَّذِينَ يَشهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ، وَيُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ ، وَيُزَكُّونَ وَيَحُجُّونَ ، وَيَرجُونَ اللهَ وَيَخَافُونَ .
لَقَد كُنَّا نَسمَعُ بِالقَتلِ في نَشَرَاتِ الأَخبَارِ بَعِيدًا عَنَّا ، يَرتَكِبُهُ كُفَّارٌ مُجرِمُونَ أَو فَسَقَةٌ طَاغُونَ ، في دُوَلٍ كَافِرَةٍ أَو أُخرَى يَغلِبُ عَلَى أَهلِهَا الكُفرُ وَالفُجُورُ ، لِكَنَّنَا فُجِعنَا بِفِئَةٍ مِن شَبَابِنا وَأَبنَائِنَا وَفَلَذَاتِ أَكبَادِنَا ، تَشَرَّبُوا شُبُهَاتٍ مِن هُنَا وَهُنَاكَ ، نَقَلَتهَا إِلَيهِم وَسَائِلُ اتِّصَالٍ وَهَوَاتِفُ وَشَبَكَاتٌ ، عَكَفُوا عَلَيهَا السَّاعَاتِ الطِّوَالَ ، وَعَزَلَتهُم عَنِ مَجَالِسِ أَهلِ العِلمِ وَمُصَاحَبَةِ عُقَلاءِ الرِّجَالِ ، فَأَخرَجَت مِنهُم مُجرِمِينَ مُعتَدِينَ ، سَفَّاكِينَ لِلدِّمَاءِ مُنتَهِكِينَ لِلحُرُمَاتِ ، مُتَعَدِّينَ لِلحُدُودِ مُرتَكِبِينَ لِلمُوبِقَاتِ ، أَلا فَمَا أَحرَانَا أَن نَنتَبِهَ لِذَلِكَ – أَيُّهَا المُسلِمُونَ – وَنَحذَرَ مِن تَركِ الأَبنَاءِ بِلا حَسِيبٍ وَلا رَقِيبٍ ، أَو الغَفلَةِ عَنهُم في دُنيَانَا وَاتِّبَاعِ هَوَانَا ، ثم لا نَشعُرَ إِلاَّ وَقَد غَدَوا حِرَابًا في نُحُورِنَا ، وَغُصَّةً في حُلُوقِنَا ، وَسُيُوفًا تَطعَنُ صُدُورَنَا قَبلَ أَن تَتَوَجَّهَ لأَعدَائِنَا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ . وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولادُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيم".
هذا وصلوا......