خَمْسُ وَقَفَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ بَعْدَ الحَجِّ لِعَامِ 1436 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1436/12/17 - 2015/09/30 10:56AM
خَمْسُ وَقَفَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ بَعْدَ الحَجِّ لِعَامِ 1436 هـ


الْحَمْدُ للهِ جَامِعِ الشَّتَاتِ وَبَاعِثِ الرُّفَات , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تُكتَبُ بِهَا الصَّحَائِفُ وَتُمْحَى بِهَا السَّيِّئَات، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمَاتِ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى طَرِيقِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى الْمَمَات .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَاجْتَنِبُوا مَعْصِيِتَهُ لِتُفْلِحُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرِةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ خَمْسُ وَقَفَاتٍ بِمُنَاسَبَةِ انْتِهَاءِ مَوْسِمِ الْحَجِّ لِهَذَا الْعَامِ , عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا لَنَا عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً .
الْوَقْفَةُ الأُولَى : (انْتَهَى مَوْسِمُ الْحَجِّ) وَمَرَّتْ أَيَّامُهُ وَمَضَتْ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَكُلُّهَا أَيَّامٌ فَاضِلَةٌ, وَالنَّاسُ فِيهَا بَيْنَ مُغْتَنِمٍ لَهَا وَبَيْنَ مُفَرِّطٍ فِيهَا حَتَّى مَرَّتْ وَلَمْ يَغْنَمْ طَاعَاتِهَا وَلَمْ يَسْتَغِلَّ سَاعَاتِهَا , بَلْ رُبَّمَا ارْتَكَبَ بَعْضَ النَّاسِ الْمَعَاصِي وَالْمُوبِقَاتِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ.
فَاعْتَبِرْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ بِأَنَّ حَيَاتَكَ سَوْفَ تَمُرُّ كُلُّهَا, وَسُرْعَانَ مَا تُحْمَلُ عَلَى الْأَعْنَاقِ وَتُدْفَنُ فِي قَبْرِكَ , ثُمَّ مَا أَقْرَبَ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ وَيَقُومَ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَإِنَّ مِمَّا يُذْكَرُ فَيُشْكَرُ أَنَّ ثُلَّةً مِنَ الدُّعَاةِ إِلَى اللهِ جَعَلُوا هَذَا الْمَوْسِمَ سُوقَاً لِنَشْرِ دِينِ اللهِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ الْعَقِيدَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْعِبَادَاتِ الْمُسْتَقِيمَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ التِي جَاءَ بِهَا دِينُنَا, سَوَاءً كَانُوا مِنَ الدُّعَاةِ الرَّسْمِيِّينَ الذِينَ انْتَدَبَتْهُمْ وَزَارَةُ الشُّؤُونِ الإِسْلَامِيَّةِ وَهُمْ جَمْعٌ غَفِيرٌ, أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ سَاهَمَ بِنَصِيبٍ وَافِرٍ فِي التَّطْوَافِ عَلَى مُخَيَّمَاتِ الْحُجَّاجِ لِتَعْلِيمِهِمْ وَتَفْقِيهِهِمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ , وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَغِلُّ مِثْلَ هَذِهِ التَّجَمُّعَاتِ الْكَبِيرَةِ لِنَشْرِ دَعْوَتِهِ وَإِيصَالِ صَوْتِهِ إِلَى النَّاسِ , فَهَنِيئَاً لِهَوُلاءِ الْأَخْيَارِ وَبَارَكَ اللهُ فِي جُهُودِهِمْ وَنَفَعَ بِمَسْعَاهُمْ .
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ : (الْحَجُّ بُدُونِ تَصْرِيحٍ) إِنَّ الدَّوْلَةَ وَفَّقَهَا اللهُ مُمَّثَلَةً فِي وَزَارَةِ الْحَجِّ قَدْ فَرَضَتْ عَلَى مَنْ يُرِيدُ الْحَجَّ أَنْ يَحْصُلَ عَلَى تَصْرِيحٍ, وَلا يُعْطَى التَّصْرِيحُ إِلَّا لِمَنْ سَجَّلَ فِي حَمْلَةٍ رَسْمِيَّةٍ لَهَا مَوَاقِعُ وَمَخَيَّمَاتٌ فِي مِنِى وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَشَاعِرِ, وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ بَابِ التَّنْظِيمِ وَالتَّرْتِيبِ, لِئَلَّا يَبْقَى الْحُجَّاجُ لا مَكَانَ لَهُمْ فَيَبِيتُونَ فِي الشَّوَارِعِ أَوْ يُضَيِّقُونَ أَمَاكِنَ الْمَشَاعِرِ كَالْجَمَرَاتِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْحُجَّاجِ مِمَّا يُسَبِّبُ زِحَامَاً وَتَدَافُعَاً حَصَلَ مِنْهُ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ .
وَهَذَا فِي الْوَاقِعِ عَيْنُ الصَّوَابِ, لِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فِي الْعَالَمِ يُرِيدُ فُرْصَةً لِيُؤَدِّيَ فَرِيضَتَهُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ هَذَا التَّنْظِيمُ فَإِنَّنَا سَوْفَ نَقَعُ فِي أَحَدِ مَحْظُورَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ زِحَامٌ لا يُمْكِنُ مَعَهُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ أَوْ أَنْ يَبْقَى أُنَاسٌ مُعَيَّنُونَ هُمْ مَنْ يَحُجُّ وَغَيْرُهْمْ يُحْرَمُ .
ثُمَّ إِنَّ الْمَشَاعِرَ مَحْدُودَةُ الْمِسَاحَةِ وَلا يُمْكِنُ أَنْ تَتَّسِعَ لِأَعْدَادٍ كَبِيرَةٍ فَوْقَ طَاقَةِ اسْتِيعَابِهَا فَلا بُدَّ إِذْنَ مِنْ نِظَامٍ يَسْرِي عَلَى الْجَمِيعِ مِنَ السُّعُودِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَتَصَوَّرُوا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ لَوْ أَخَذْنَا بَلَدَاً مُتَوَسِّطَ السُّكَّانِ كَدَوْلَةِ مِصْرَ, فَإِنْ سُكَّانَهَا يُقَارِبُ الْمِائَةَ مِلْيونٍ فَلَوْ حَجَّ مِنْهُمْ فَقْطَ خَمْسَةٌ بِالْمِائَةِ فَإِنَّ هَذَا الْعَدَدِ سَوْفَ يُغَطِّي جَمِيعَ الْمَشَاعِرِ وَلا يَبْقَى لِأَحَدٍ مَعَهُمْ مَكَانٌ , فَمَتَّى إِذْنَ سَيَحُجُّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ بَقِيَّةِ دُوَلِ الْعَالَمِ ؟
إِذَنْ فَاتَّقِ اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ وَلا تَنْظُرْ لِمَصْلَحَتِكَ أَنْتَ فَقَطْ, فَمَتَّى اسْتَطَعْتَ جَمْعَ مَالٍ لِلْحُصُولِ عَلَى تَصْرِيحٍ فَحُجَّ وَإِلَّا فَلَا تُحُجَّ وَلَيْسَ عَلَيْكَ إِثْمٌ لِأَنَّكَ غَيْرُ قَادِرٍ وَالْحَجُّ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَطِيعُ.
الْوَقَفَةُ الثَّالِثَةُ : ( مُخَالَفَاتٌ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَجِّ ) وَهَذَا فِي الْوَاقِعِ مُتَرَتِّبٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ الْحُصُولِ عَلَى تَصْرِيحٍ نِظَامِيٍّ, فَمِنَ الْمُخَالَفَاتِ :
أَوَّلاً : شَرِاءُ تَصْرِيحٍ مُزَوَّرٍ لِحَمْلَةٍ وَهْمِيَّةٍ , وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الْحَمَلَاتِ الْمُرَخَّصَةِ مِنْ قِبَلِ وَزَارَةِ الْحَجِّ يَأْخُذُ تَصَارِيحَ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَأْتِيَ بِحُجَّاجٍ وَيَقُومَ عَلَيْهِمْ وَيُؤَمِّنَ لَهُمُ السَّكَنَ فِي الْمَشَاعِرِ وَالتَّنَقُّلَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْخَدَمَاتِ, لَكِنَّهُ فِي الْمُقَابِلِ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَبِيعُ التَّصَارِيحَ بِأَسْعَارٍ رَخِيصَةٍ وَلا يَقُومُ بِتَأْمِينِ أَيِّ شَيْءٍ مِمَّا هُوَ مَطْلُوبٌ عَلَيْهِ, وَإِنَّمَا اسْتَغَلَّ رُخْصَتَهُ فِي الْوَزَارَةِ ثُمَّ بَاعَهَا وَتَرَكَ هَؤُلاءِ الْحُجَّاجَ بِدُونِ تَأْمِينِ خَدَمَاتٍ , وَالْحُجَّاجُ فِي الْوَاقِعِ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَمُقْدِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَمُرُّوا مِنْ نِقَاطِ التَّفْتِيشِ, وَهَذَا حَرَامٌ وَلا يَجُوزُ وَتَعَاوُنٌ عَلَى التَّهُرُّبِ مِنَ النِّظَامِ وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)
ثَانِيَاً : مِنَ الْمُخَالَفَاتِ تَجَاوُزُ الْمِيقَاتِ بِدُونِ إِحْرَامٍ , أَوِ الإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ ثُمَّ لُبْسُ الثِّيَابِ وَالْمُرُورُ مِنْ نِقَاطِ التَّفْتِيشِ وَلُبْسُ ثِيَابِ الإِحْرَامِ فِي مَكَّةَ, وَكِلَا الْعَمَلَيْنِ مُحَرَّمٌ وَلا يَجُوزُ وَمَنْ التَّعَدِي عَلَى حُرُمَاتِ اللهِ وَمِنْ بَابِ الإِقْدَامِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ, بَلْ وَالتَّخْطِيطُ لِذَلِكَ, وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ لا يُجْزِئُ فِيهِ أَنْ يَدْفَعَ الْفِدْيَةَ, لِأَنَّهُ مَعَ الإِصْرَارِ الْمُسْبَقِ.
فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَلا يَصِيرُ هَذَا الرُّكْنُ الْعَظِيمُ الْحَجُّ مَلْعَبَةً بِأَيْدِي أَصْحَابِ الأَهْوَاءِ, كُلٌّ يُفْتِي نَفْسَهُ وَيَرْتَكِبُ الْمُخَالَفَةَ وَيَقُولُ: أَدْفَعُ فِدْيَةً وَيَكْفِي, لا شَكَّ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ وَمُخَالَفَةٌ وَاضِحَةٌ لِلشَّرْعِ, فَمَنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ النَّصُوحُ وَلا يُكَرِّرَهَا مَرَّةً ثَانِيَةً.
الْمُخَالَفَةُ الثَّالِثَةُ : الْفَتْوَى بِغَيْرِ عِلْمٍ , وَهَذَا أَمْرٌ يَنْدَى لَهُ الْجَبِينُ وَيَحْزَنُ لَهُ الْفُؤَادُ, فَإِنَّهُ وُجِدَ وَبَكَثْرَةٍ مَنْ يُفْتِى النَّاسَ بِهَوَاهُ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَصْلَاً, وَكَذَلِكَ وُجِدَ بَعْضُ النَّاسِ مِمَّنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ لَكِنْ لَيْسَ عِنْدَهُ وَرَعٌ , فَيُفْتِي الْحُجَّاجَ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لا يَعْضِدُهُ دَلِيلٌ , لَكِنَّهُ يَصْلُحُ لِأَصْحَابِ الْحَمَلَاتِ الذِينَ هَمُّهُمُ الْمَالُ وَلا يَنْظُرُونَ إِلَى مَصْلَحَةِ الْحُجَّاجِ وَاسْتِقَامَةِ عِبَادَتِهِمْ عَلَى السُّنَّةِ . وَهَذَا أَمْرٌ خَطِيرٌ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وَقَالَ سُبْحَانَهُ(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ)
فَلْيَنْظُرِ الْعَاقِلُ لِنَجَاتِهِ هُوَ قَبْلَ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الإِقْدَامِ عَلَى الْفَتْوَى, وَلْيَتَّقِ اللهَ فِي نَفْسِهِ وَفِي إِخْوَانِهِ الْحُجَّاجِ , ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَوَافِرُونَ بِحَمْدِ اللهِ بِكَثْرَةٍ فِي الْحَجِّ, وَقَدِ انْتَدَبَتْ وَزَارَةُ الشُّؤُونِ الإِسْلَامِيَّةِ , ثُلَّةً كَبِيرَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمْ وَأَسَاتِذَةِ الْجَامِعَاتِ مِمَّنْ هُمْ أَهْلٌ لِلْفَتْوَى وَهُمْ مُنْتَشِرُونَ فِي أَمَاكِنِ تَوَاجُدِ الْحُجَّاجِ, بَلْ إِنَّ هُنَاكَ هَاتِفاً مَجَّانِيّاً عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ وَيَقُومُ بِالإِجَابَةِ عَلَى أَسْئِلَةِ الْمُسْتَفْتِينَ فِي مَسَائِلِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ عُلَمَاءُ مَوْثُوقُونَ .
فَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْزِيَهُمْ خَيْرَاً وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِمْ , كَمَا نَسْأَلُهُ أَنْ يَهْدِيَ إِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ لِلصَّوَابِ , أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى خَاتَمِ الأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ ، نَبِيِّنَا مَحَمِّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْتَبِرُوا بِمَا يَمُرُّ بِكُمْ مِنْ أَحْدَاثٍ وَخُذُوا مِنْهَا الْمَوْعِظَةَ وَالذِّكْرَى .
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ مَعَ (حَادِثَةِ الرَّافِعَةِ) التِي سَقَطَتْ فِي الْحَرَمِ, فَلا شَكَّ أَنَّهُ حَادِثٌ مُؤْلِمٌ وَفَاجِعَةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَمَا نَقُولُ سِوَى الْحَمْدُ للهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ, وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الشَّرِكَةَ التِي تَقُومُ بِأَعْمَالِ تَطْويرِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ شَرِكَةٌ عَالَمِيَّةٌ مَشْهُودٌ لَهَا بِالدِّقَّةِ وَالنَّجَاحِ, وَلَكِنْ قَدْ حَصَلَتْ رِيَاحٌ شَدِيدَةٌ عَاتِيَةٌ أَدَّتْ لِسُقُوطِ هَذِهِ الرَّافِعَةِ وَحُصُولِ أَذَىً لِبَعْضِ الْحُجَّاجِ, وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ مَوْقِفَ حُكُومَتِنَا مَوْقِفٌ مُشِرُّفٌ حَيْثُ أَعْلَنَ الدِّيوَانُ الْمَلَكِيُّ عَنْ صَرْفِ مِلْيُونِ رِيَالٍ لِكُلِّ ذَوِي مَيْتٍ إِثْرِ سُقُوطِ الرَّافِعَةِ بِالْحَرَمِ ، وَصَرْفِ مِلْيُونِ رِيَالٍ لِكُلِّ مُصَابٍ بِإِصَابَةٍ بِالِغَةٍ نَتَجَ عَنْهَا إِعَاقَةٌ دَائِمَةٌ ، وَصَرْفِ 500 أَلْفِ رِيَّالٍ لِكُلٍّ مِنَ الْمُصَابِينَ الآخَرِينَ , وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا عَطَاءٌ جَزِلٌ وَسَخَاءٌ وَبَذَلٌ مُنْقَطِعُ النَّظِيرِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : وَأَمَّا الْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ فِهَي مَعَ التَّدَافُعِ الذِي حَصَلَ بِمِنَى يَوْمَ الْعِيدِ وَحَصَلَ وَفَاةُ مَا يَزِيدُ عَلَى 700 حَاجٍ وَإِصَابَةِ مَا يَزِيدُ عَلَى 800
وَنَقُولُ : إِنَّ الْخَطَأَ وَارِدٌ وَالتَّقْصِيَر لا يَخْلُو مِنْهُ أَحَدٌ, وَلَكِنْ مَعَ هَذَا فَإِنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ صَاحِبَ عَقْلٍ وَبَصِيرَةٍ يُقُرُّ بِأَنَّ حُكُومَتَنَا بَذَلَتْ مَا لا تَتَّسِعُ الْخُطْبَةُ لِلْكَلَامِ عَلَيْهِ وَصَرَفَتِ الْمَلَايِينَ بَلِ الْمِلْيَارَاتِ, وَانْتَدَبَتْ عَشَرَاتِ الآلافِ مِنْ رِجَالِ الأَمْنِ وَغَيْرِهِمْ فِي سَبِيلِ إِنْجَاحِ هَذَا الْمَوْسِمِ الْعَظِيمِ, وَإِنَّ وُجُودَ بَضْعِ مِئَاتٍ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيَجْعَلُ مِنَ الصُّعُوبَةِ التَّنَقُّلُ وَالتَّصَرُّفُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَعْدَادِ, فَكَيْفَ إِذَا كَانُوا آلافَاً فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَفِي شَوَارِعَ مُحَاطَةٍ بِالْخِيَامِ, ثُمَّ كَانَ الْجَوُّ حَارَاً وَالْحُجَّاجُ مُتْعَبِينَ حَيْثُ قَدِمُوا لِتَوِّهِمْ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَقَبْلَهَا عَرَفَاتٍ, فَحَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ التَّدَافُعِ وَدَهْسِ الْحُجَّاجُ الأَقْوِيَاءُ إِخْوَانَهُمْ الضُّعَفَاء , قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ رِجَالُ الأَمْنُ وَالإِسْعَافِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَكَانِ , فَضْلَاً عَنْ أَنَّ بَعْضَ التَّقَارِيرِ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هَذَا حَادِثٌ مُتَعَمَّدٌ , حَيْثُ قَامَ 300 مِنَ الْحُجَّاجِ الإِيرَانِيِّينَ بِمُعَاكَسَةِ سَيْرِ الْحَجِيجِ وَحَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الزِّحَامِ وَالتَّدَافُعِ ثُمَّ الْمَوْتِ وَالإِصَابَاِت بِسَبَبِهِمْ, وَهَذا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لا تَزَالُ تُحْدِثُ الشَّغَبَ وَالثَّوْرَاتِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ كُلَّ عَامٍ , نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَكْفِيَ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهُمْ وَأَنْ يُعَامِلَهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَ , كَمَا نَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ تُوِفِّيَ فِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ شُهَدَاءَ, وَأَنْ يُلْهِمَ أَهْلَهُمُ الصَّبْرَ وَالسُّلْوَانَ.
اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ حَجَّهُمْ وَعَمَلَهُمْ, وَرُدَّهُمْ إِلَى أَهْلِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ, رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين , رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ , اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى عبدِكَ وَرَسولِكَ محمدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أَجْمَعينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ .
المرفقات

خَمْسُ وَقَفَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ بَعْدَ الحَجِّ لِعَامِ 1436 هـ.doc

خَمْسُ وَقَفَاتٍ اعْتِبَارِيَّةٍ بَعْدَ الحَجِّ لِعَامِ 1436 هـ.doc

المشاهدات 2566 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك