خمسٌ حسانٌ لاستقبالِ رمضانَ 1442/8/27هـ

يوسف العوض
1442/08/24 - 2021/04/06 12:01PM

الخطبة الأولى:  

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ :قَالَ اللهُ تَعالى :(( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ )) ، شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ عَظِيمٌ ، حَبِيبٌ إلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ ، وَيَفْرَحُ بِقُدُومِه الْمُؤْمِنُون ، وَتُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وتُغلقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ ، وتُصفَّدُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، ومَرَدَةُ الْجَانِّ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَ عَاقِلًا حَازِمًا ، فَإِنَّه يَحْرِصُ كُلَّ الْحِرْصِ عَلَى اِسْتِغْلالِ ذَلِكَ الشَّهْرِ ، ويستعدُّ لَهُ قَبْلَ دُخُولِهِ ؛ فإليكم خَمْسَاً مُبَارَكَاتٍ نَغْنَمُ فَضْلَها وننعمُ بِظِلِّهَا ونسعدُ بِهَا لِاسْتِقْبَال شَهْرِنَا :

أولها / تَذَكَّرُ فَضَائِلِ رَمَضانَ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللَّه عنه- يَقُول : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ : (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إلَّا الصِّيَامُ فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا يَصْخَبْ . فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ ، أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُل : أَنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ؛ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا : إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ )) ، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ تذكُّر الْفَضَائِل الْعَظِيمَة لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، وَاَلَّتِي مَنْ أَهَمِّهَا أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ عِبَادِهِ أَلْفِ شَهْرٍ ، وَمِنْ ذَلِكَ تذكُّر أَنَّه أُنزلت فِيهِ أَفْضَلُ الْكُتُب ، عَلَى أَفْضَلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلامُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ))  ، وَعَن وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( أُنْزِلَت صُحُفِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَت التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأَنْزَل الْفُرْقَانُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ )) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ .

ثانيها / التَّوْبَةُ النَّصُوحُ الصَّادِقَةُ ، اِسْتِجَابَةً لِنِدَاء اللَّهُ تَعَالَى :(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )) ، وَتَكُون التَّوْبَةُ نصوحًا إذَا أَقْلَعَ التَّائِبُ عَنْ الذَّنْبِ فِي الْحَاضِرِ ، وندِمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي ، وَعَزَمَ عَلَى ألاَّ يَعُودَ لِلذَّنْبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ ، ردَّه إلَيْه ، ثُمّ يُحَافِظ التَّائِبُ عَلَى تَوْبَتِهِ بِمُرَاقَبَةِ نَفْسِه ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ ، فَإِنَّهُ يُبَادِرُ بِالتَّوْبَةِ ، وَالرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ مِن فَوره ، جاعلاً نَصْبَ عَيْنَيْهِ أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ ندبنا لِلْمُسَارَعَةِ إلَى التَّوْبَةِ إذَا ضعُفنا ، فوقعنا فِي الذَّنْبِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :(( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )) ، وَقَال : (( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )) ، وَقَال : (( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا )) .

ثالثها / الِاسْتِعْدَادُ بِالدُّعَاء بِإِدْرَاك رَمَضَان ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ ، فَقَدْ قَالَ كَانَ السَّلفُ يدعُون اللَّهَ ستَّةَ أشهرٍ أَن يبلِّغهم شَهْرَ رمضانَ ، ثُمّ يدعونَ اللَّهَ ستَّةَ "أشهرٍ أَن يتقبَّلَهُ منهُم ، وَيُرْوَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ دُعَائِهِم : "اللَّهُمّ سَلِّمْنِي لِرَمَضَان ، وَسَلَّم لِي رَمَضَان ، وَتَسَلَّمَه مِنِّي مُتَقَبَّلًا .

رابعها / الِاسْتِعْدَادُ بِالْعَزْم الْأَكِيدِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ ، وَقِيَامِ لَيْلَه ، إيمانًا واحتسابًا ، وَالِاجْتِهَادِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إذَا تَحَدَّثَ عَبْدِي بِأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً ، فَأَنَا أَكْتُبُهَا لَهُ حَسَنَةً مَا لَمْ يَعْمَلْ ، فَإِذَا عَمِلَهَا فَأَنَا أَكْتُبُهَا بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا)) ، والِاسْتِعْدَادُ بِمُطَالَعَةِ حَالِ السَّلَفِ ، ونشاطِهم فِي رَمَضَانَ ، فَذَلِك حَرِيٌ بشحذِ الْهِمَّةِ لِاقْتِفَاء أَثَرِهِم ؛ فَفِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ ، وَفِي رَمَضَانَ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ " ، وَفِي شُعَبِ الْإِيمَانِ -أيضًا- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ :" إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ ، فَيُصَلِّي بِهِمْ ، فَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عِشْرِينَ آيَةً ، وَكَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ الْقُرْآنَ ، وَكَذَلِكَ يَقْرَأُ فِي السَّحَرِ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إِلَى الثُّلُثِ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَيَخْتِمُ عِنْدَ السَّحَرِ فِي كُلِّ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، وَكَانَ يَخْتِمُ بِالنَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً ، وَيَكُونُ خَتْمُهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ كُلَّ لَيْلَةٍ" ، وَيَقُولُ : "عِنْدَ كُلِّ خَتْمَةٍ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ" .    

 

الخطبة الثانية:

 

  أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : أخيراً وهو خَامسُها / الِاسْتِعْدَادُ بالتفقُّهِ ، وتعلُّمِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَمَسَائِلِه ؛ قَبْلَ مَجِيئِهِ ، لِيَكُون الصَّوْمُ صَحِيحًا ، مقبولاً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ،وكذلك الِاسْتِعْدَادُ بِاسْتِمَاع الأشرطةِ ، وَالدُّرُوس الْمُسَجَّلَة لِلْمَشَايِخ الْمَعْرُوفِين ، وَاَلَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى فَضَائِلِ رَمَضَانَ ، وَمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ للصائمين ، وَحَالِ السَّلَفِ فِي رَمَضَانَ ، وَبَيَانِ كَيْفِيَّةِ حِفْظ الْمُسْلِم لِصَوْمِه ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُهَيِّئ النَّفْسَ ، وَالرُّوحَ لِاسْتِقْبَال هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيم ، وكذلك الِاسْتِعْدَاد بِقِرَاءَةِ بَعْضِ كُتُبِ الرَّقَائِقِ الَّتِي عَنَيْت بِالْحَدِيث حَوْل رَمَضَان ، وَمِنْهَا كِتَاب : لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ لِابْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيّ . .


المشاهدات 1613 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا