خلق الأرض والتعداد السكاني *مشكولة وموافقة للتعميم*12-10-1443
محمد آل مداوي
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هَادِي مَنِ اسْتَهْدَاه، ومُجِيْبُ مَنْ دَعَاه، أحمدُه سبحانه وأشكرُه، وأتوب إليه وأستغفرُه، لا إلهَ غيرُه، ولا ربَّ سِوَاه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا، عبدُ اللَّـه ورسولُه، وصفيُّهُ وخليلُه، ومصطفَاهُ ومُجتباه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعدُ عبادَ الله:
فأُوصِي نفسي وإياكم بتقوَى الله عزَّ وجل، اتقوا اللهَ رَحِمَكُم الله، مَن اتَّقى الحِسابَ تورَّعَ في الاكتِسَاب، ومَنْ قَنِعَ باليَسيرِ هانَ عليهِ العسير.. (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ).
عبادَ الله: تَفرَّدَ اللهُ وحدَهُ بالخَلْقِ والتَّدبير، وأَوْدَعَ في مخلوقَاتِهِ: مِنْ عَجَائبِ صُنْعِهِ، وعَظيمِ لُطْفِه؛ ما أشهدَ له بالرُّبوبيةِ جميعَ مخلوقاتِه.. (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ).. ومِنْ آياتِ اللهِ: آيةٌ عظيمة؛ يتقلَّبُ الخَلْقُ عليها، ثم يُودَعُونَ فيها: (وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا). خَلَقَ اللهُ الأرضَ فأَبْدَعَها، وحَمِدَ نَفسَهُ لمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِها، فقال: (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ). أَعْجَزَ الخَلْقَ أنْ يَخلُقُوا مِثلَها: (أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ). لمَّا خَلَقَها سبحانه: (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)، وفي مُقابلِ ذلك: أبَـى (أَكثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا). عَرَضَ سبحانه الأمانةَ؛ على السَّمَاواتِ والأرض، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا). أمَرَ عِبادَهُ بالتفكُّرِ فيها: (أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) وذَمَّ مَنْ لم يَعتبِرْ بها، وبما فيها: (وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ).
وأخبَرَ أنَّها مَلِيئةٌ بالعِبَرِ والآيات: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ).. ظَهْرُهَا سَكَنٌ للأحياء، وبَطنُها نُزُلٌ للأموَات: (ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتًا * أحْياءً وأمْواتًا). تكفَّلَ سبحانه برِزقِ جَميعِ مَنْ عليها: (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا). خَزائنُها تُفْتَحُ بالطَّاعات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ). حَلالُها كَثير، واللبيبُ يَسْتَغني بحَلالِها عن حرَامِها، وبالقنَاعةِ عن إثمِها: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ).
وكلُّ ما عليها؛ فهو للابتلاءِ والامتحَان: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً). اِسْتَخْلَفَ اللهُ عِبادَهُ عليها، فقال: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ)، قال ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللَّـهُ: "أَيْ: جَعَلَكُمْ تُعَمِّرُونَ الْأَرْضَ؛ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، وخَلَفًا بَعْدَ سَلَف". كما قال النبيُّ r: (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَة، وَإِنَّ اللَّـهَ مُسْتَخْلِفُكم فِيهَا؛ لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ...) الحَدِيث، رواه مسلم.
أوْجَبَ على عبادِهِ عِمَارَتَها: (هُوَ أَنْشَأكُمْ مِنَ الأرْضِ وَاستَعْمَرَكُمْ فِيْهَا)، قال السِّعْدِيُّ رحِمَه اللَّه: "أيْ مَكَّنَكُم في الأرض؛ تَبْنُون، وتَغْرِسُون، وتَزرَعُون، وتَحْرُثُون ما شئتم، وتَنْتَفِعُون بمَنَافِعِهـا، وتَستَـغِلُّون مَصَالِحَهَا".
وأعظَمُ ما تُعْمَرُ بهِ الأرض: طَاعةُ اللهِ وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وَرَتَّبَ على ذلك: وَعْدَهُ لهم: بالأَمنِ في الأرض، وإظْهَارِ دينِه. يقول اللهُ جل وعلا: (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِـي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَـهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَـهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِـي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه r.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.. أما بعدُ عبادَ الله:
فإعْمَارُ الأرضِ وصَلاحُها؛ يَقُومُ علَى التَّعَاوُنِ علَى البِرِّ والتَّقوَى؛ كمَا قالَ تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وكلُّ مَصْلَحَةٍ مُوصِلَةٍ لخيرٍ أو بِرٍّ للمسلمين؛ فالتعاونُ لأجلِ تَحقيقِها وَاجِب، وقد أمرَ النبيُّ r أصحابَهُ بإحصَاءِ المُسلمينَ في زَمَنِه وتَعْدَادِهم، فقالَ عليه الصلاة والسلام: (اكْتُبُوا لي مَن تَلَفَّظَ بالإِسْلامِ مِنَ النَّاسِ) رواه البخاري، وقد بوَّبَ له في صحيحه رحمه الله فقال: "بابُ كتابةِ الإمامِ الناسَ".
ومِنْ ذلكَ عِبادَ الله: مَا تَقُومُ بِهِ الجِهاتُ الحكوميةُ في بلادِنا المُبارَكة حرَسَها الله، والهيئةُ العامَّةُ للإحصَاء؛ مِنْ حَصْرِ التَّعْدَادِ السُّكَّانِي، في جَمِيعِ مَنَاطِقِ المملكَة، وهُوَ مَشْرُوعٌ تَتَرَتَّبُ عَلَيه مَصَالِحُ كَثِيرَة، تُوجِبُ على الجَمِيعِ التَّعَاوُنَ وأداءَ الأمانة، واسْتِشْعَارَ المَسْؤولِيَّةِ في تَحَرِّي الدِّقَّة، والإدْلاَءَ بالمعلومَاتِ المطلوبة؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْقِيقٍ لِلمَصَالحِ والمنافعِ والمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ المُعتَبَرة.
ألَا فاتَّقوا اللهَ عِبادَ الله، أَنجِزوا لربِّكم في أَرضِهِ ما أمر؛ مِنْ تَوحيدِهِ وطَاعتِه وتقواه؛ يُنْجِزْ لكم في أرضِهِ وجنَّتِهِ ما وَعَد؛ مِنْ رحمتِهِ وكرَمِه ورِضَاه.
ثم صلُّوا وسَلِّموا على خيرِ خَلقِ الله، محمَّدِ بن عبدالله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدِك ورسولك نبيِّكَ محمد، صاحبِ الوَجهِ الأنور، والجبينِ الأزهر، والخُلُقِ الأكمل، وعلى آل بيتِه الطيبينَ الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاءِ الأربعة الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفّقه وولي عهده لهداك، اللهم أعزّهم بطاعتك، وأعل بهم كلمتك، وانصر بهم دينك، واجمع بهم كلمة المسلمينَ يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ أصلح قلوبَنا، واشرح صدورنا، ويسِّر أمورَنا، وأصلح نياتنا وذرياتنا، وانصُر جُنُودَنا المُرابطينَ علَى حُدودِ بلادِنا، اللهم اِرْبِطْ علَى قُلُوبِـهِم، وثَبِّتْ أقدامَهُم، واحفظْهُم بحفظِك، واخْلُفْهُمْ في أهلِيهِمْ بخيرٍ يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1652345632_الجمعة_12_10_1443_خلق_الأرض_ التعداد_السكني.docx
1652345632_الجمعة_12_10_1443_خلق_الأرض_ التعداد_السكني.pdf
1652345632_الجمعة_12_10_1443_خلق_الأرض_ التعداد_السكني_نسخة_الجوال.pdf