خفة الميزان بكثرة السيئات 27 ربيع الأول 1434هـ
الغزالي الغزالي
1434/03/27 - 2013/02/08 15:01PM
خفة الميزان بكثرة السيئات 27 ربيع الأول 1434هـ
الْحَمْدُ للهِ الذي يجازي أعداءَه بالعدل، ويجازي أولياءَه بالفضل، فأصحاب السيئات والذنوب والخطايا، لا يُجزون إلا بما عملوا، و يغفر الله لمن يشاء و يعفو، من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها، و{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا}، وما ربُّك بظلاّم للعبيد.. نحمده وهو أهل للحمد و التحميد، و نشكره والشكر لديه من أسباب المزيد.. و نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، و البطش الشديد، شهادة تكفل لنا أعلى الدرجات في دار القرار والتأبيد.. و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أشرف من أظلّ في السماء و أقلَّ في البيدِ، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه، وعلى أنبياء الله ورسله أولي العون على الطّاعة و التّوحيد، صلاة دائمة في كلّ حين تنمو و تزيد، و لا تنفذ ما دامت الدنيا والآخرة و لا تبيد. أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى الكبيرَ المتعال؛ ولا تغرّنّكم الآمال الطِّوال، ولا تنسوا قربَ الآجال..) معاشرالمُسلِمينَ( نحن في زمن ينطبق علينا فيه ما قَالَه النَّبِيُّ : (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ). رواه البخاري. فبقبض العلم وموتِ العلماء الرجال؛ فشا اللغو وكثُرَ الجهَّال، فاتخذهم الناسُ رؤوسًا يفتونهم بجهلهم، فضلُّوا وأضلُّوا. نسوا عظمة الله جل جلالُه، و{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. فاقترفوا السيئات، واستهانوا بالمحرمات، واجترؤوا على الله في التحريم والتحليل.. أي تعدى البعض على حقوق الله، بعد أن تعدوا على حقوق عباده؟ وإن كان الأصل أنَّ السيئة بمثلها، كما قال تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}، وكما قال: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}. إلا أن السيئةَ تعظُمُ بالنسبة لشرف الزمان، وتتضاعف الخطيئةُ بالنسبةِ لشرفِ المكان، قال بلال بن سعد: ( لاَ تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ). فمثلا النظر إلى النساء بشهوة حرام، والنظر إليهن كذلك، حال الصيام أو الحج أشدُّ حِرمة، والسرقةُ حرام، وسرقة الصائم والمصلي، والحاجِّ والجار أشدُّ حِرمة، والقتلُ حرام، وقتلُ المسلمين والمصلين والصائمين أعظمُ حرمة، وكذلك الزنا والربا، والكذب ونقض العهود ونحو ذلك. وارتكابُ سائر المعاصي والذنوبِ والسيئاتِ حرامٌ، والأصلُ في ذلك المماثلة:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، ومن المماثلةِ في العقوبة؛ عقوبة التشجيع على البدعِ والخزعبلات، والدعوةُ إلى الضلال بدل الهُدَى، لقوله : (.. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا). صحيح مسلم. فدعاةُ البدعِ والضلال، يجلبون الإثم والوبال، لأنفسهم وأهليهم وسائر المسلمين، والعجيبُ أنهم يفعلون ذلك {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، ويرجون من الله تعالى ثوابا وأجرا! ومن ذلك: الاعتداءُ على الضعفاءِ وظلمُهم، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ فَقَالَ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي، وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي، وَأَشْتُمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟) قَالَ: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، (أي يُحْسَبُ مَا لك وما عليك)؛ فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا، لا لَكَ وَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلاً لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ. قَالَ: فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. فَقَالَ الرَّجُلُ: ( وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلَهُمْ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ،(أي لا أَظلِم ولا أُظلَم)، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ). سنن الترمذي، وصحيح الترغيب. هذا في المماثلة، وأحيانا تتضاعف السيئة بمثليها-أي ضعفها-، وذلك لشرف الفاعل، وأنه من الصالحين المتقين، أو من الدعاة والعلماء المخلصين، فنساء النبي مثلا؛ لو عصت واحدةٌ منهنَّ النبيَّ، وخالفتْ أمرَه يضاعفُ لها العذاب، -عافاهنَّ الله من ذلك- [عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، قَالَ: فَإِنَّكُنَّ مَعْشَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ تَنْظُرْنَ إِلَى الْوَحْيِ، فَأَنْتُنَّ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّقْوَى، وَقَالَ قَبْلَهُ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، .. يَعْنِي الْعِصْيَانَ لِلنَّبِيِّ ؛ {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} فِي الآخِرَةِ،..]. السنن الكبرى للبيهقي. قال ابن رجب: [وقد تُضاعَفُ السيِّئاتُ بشرف فاعلها، وقوَّة معرفته بالله، وقُربِه منه، فإنَّ مَنْ عَصى السُّلطان على بِساطِه أعظمُ جُرماً مِمَّن عصاه على بُعد، ولهذا توعَّد الله خاصَّةَ عباده على المعصية بمضاعَفةِ الجزاء، وإن كان قد عصمَهم منها، ليبيِّنَ لهم فضلَه عليهم بِعصمَتهم مِنْ ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً، إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}. كان [الْحسن بن الْحُسَيْن أَخا عبد الله بن الْحُسَيْن - من آل البيت- رَضِي الله عَنْهُم.. يَقُول لرجل مِمَّن يغلوا في حبهم: ( وَيحكم! أحبُّونا فِي الله، فَإِنْ أَطعْنَا الله فأحبُّونا، وَإِن عصينا الله فابغضونا). فَقَالَ الرجل: ( إِنَّكُم لذُو قرَابَةٍ من رَسُول الله !) فَقَالَ: (.. إِنِّي لأخاف أَن يُضَاعف للعاصي منَّا الْعَذَاب ضعفين؛ كَمَا يُؤْتِي المحسنُ منا أجرَه مرَّتَيْنِ..). نوادر الأصول في أحاديث الرسول. واقترافُ المعاصي والسيئاتِ في المساجد وبيوت الله عامَّةً يوجب مضاعفةَ العقوبة، أما إذا تكلمنا عن المسجد الحرام خاصَّة، فالمخالفة فيه أشدُّ حِرمة، ويتضاعفُ العذابُ على مرتكبيها، فإذا كان مجردُ التفكير في المعصية يحاسَب عليه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، فكيف بمن قام بها وفعلها؟! فمجردُ إرادةِ الظلمِ والإلحادِ في الحَرَم؛ موجبٌ للعذاب، وإن كان غيرُه، لا يعاقَبُ العبدُ عليه إلا بعمل الظلم.. قال تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا، أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. والواجب على من كان في بيت من بيوت الله- ولا سيما في البيت الحرام- أن يضبطَ نفسه، ويسلكَ طريقَ السدادِ والعدلِ في جميع ما يهمّ به ويقصده.. عباد الله: والزنا حرامٌ، وبالمتزوجاتِ أشدُّ حِرمةً، وبحليلةِ الجارِ أعظمُ، وبزوجةِ المجاهدِ في سبيل الله أكبرُ وأفظعُ، وأعظمُها زنا المحارم، و" لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، وَلأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ لهُ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ". صحيح الجامع. قال المناوي: [(.. خير له من أن يزني بامرأة جاره) ويقاس بها نحو أمَتِه وبنته وأخته، وذلك لأن من حقِّ الجار على الجار أن لا يخونه في أهله، فإن فعل ذلك كان عقابُ تلك الزنية يعدل عذابَ عشرِ زنيات. قال الذهبي في الكبائر: فيه أنَّ بعضَ الزنا أكبر إثما من بعض. قال: وأعظمُ الزنا بالأمِّ والأخت وامرأة الأب، وبالمحارم وبامرأة الجار.. فالزنا كبيرة إجماعا، وبعضه أفحش من بعض، ... (ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره) فيه تحذير عظيم من أذى الجارِ بكلِّ طريقٍ من فعلٍ أو قولٍ،..]. فيض القدير. وخيانةُ نساءِ المجاهدين من العظائم، قَالَ :( حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟!). صحيح مسلم. وزاد النسائي:( ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِيُّ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا ظَنُّكُمْ؟ تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا؟!). سنن النسائي. والكذبُ مما حرَّمَه دينُنا الحنيف، والكذبُ على الله من العظائم، والتحليلُ والتحريمُ بالرأي والهوى: من الافتراء على الله عزوجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. والكذبُ على النبيِّ يختلف عن الكذب على غيره، فقد قال يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). صحيح البخاري. وهناك ذنوبٌ تُضاعفُ إلى الثلاثين أو السبعين كالربا مثلا، فعَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ:( الرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا). وفي رواية:( الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ). سنن ابن ماجه. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ فَذَكَرَ الرِّبَا وَعَظَّمَ شَأْنَهُ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ يُصِيبُ مِنَ الرِّبَا أَعْظَمَ عِنْدَ اللهِ فِي الْخَطِيئَةِ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ". شعب الإيمان للبيهقي. وصحيح الترغيب. قال الشوكاني: [قَوْلُهُ( أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ).. إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي؛ لأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَعْدِلُ مَعْصِيَةَ الزِّنَا؛ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهَا، لا شَكَّ أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ، وَأَقْبَحُ مِنْهَا؛ اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلِهَذَا جَعَلَهَا-الشرعُ - أَرْبَى الرِّبَا، وَبَعْدُ؛ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي لا يَجِدُ لَهَا لَذَّةً، وَلا تَزِيدُ فِي مَالِهِ وَلا جَاهِهِ، فَيَكُونُ إثْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَشَدَّ مِنْ إثْمِ مَنْ زَنَى سِتًّا وَثَلاثِينَ زَنْيَةً، هَذَا مَا لا يَصْنَعُهُ بِنَفْسِهِ عَاقِلٌ! نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلامَةَ والعافية..]. (آمين) اه .. وأقول قولي هذا..
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْفَنَاءِ، وَجَعَل َالآخِرَةَ مَوْعِدَ اللِّقَاءِ، وَتَفَرَّدَ سُبْحَانَهُ بِالْبَقَاءِ، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ، وَخَيْرِ الأَتْقِيَاءِ، وَإِمَامِ الْحُنَفَاءِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَوْفِيَاءِ، وعلى رسل الله وأنبيائه العظماء.. أَمَّا بَعْدُ :عباد الله؛ وعلى ذكر السيئات ومضاعفاتها، فإن من أعظم السيئات قتل النفس، ويضاعف الإثم إذا كانت هذه النفس مؤمنة..وإننا –وللأسف- في زمان استحر و كثر فيه القتل، تحت عناوين مختلفة، والمحصلة: جرائم؛ لا يقرُّها شرعٌ ولا دين، ولا عُرف ولا وطن، جرائم؛ ليس من ورائها حسنةٌ أو نفعٌ يُرجَى، بل مصائبُ تترى، وسلبياتٌ وتأخُّرٌ إلى الوراء، جرائم زوالُ الدنيا أهونُ منها، ومصائب لا يعلم قدرها ولا يرفعها عنا إلا الله تعالى، إن مثل هذه الجريم؛ لا يقبلُ الله من فاعلِها عبادةً؛ نفلا كان أو فرضاً، إنها جرائم القتل، التي قَالَ عنها رَسُولُ اللَّهِ :(لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ). رواه البخاري. فكلُّ من يَقتُلُ أحدًا ظلمًا فإنَّ عليه مثلَ آثامِ القتلةِ المقتدِين به من بعده إلى يوم القيامة. فإذا كان (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا-أي يهوديًّا أو نصرانيًّا أعطاه المسلمون العهد والأمان، من قتله- لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). كما رواه البخاري. فكيف بمن قتل مؤمنا؟! قال :(مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلا عَدْلا). رواه أبو داود. قال المناوي: [(اعتبط بقتله) بعين مهملة أي (قتله ظلما بغير جناية ولا عن جريرة ولا عن قصاص).. وقيل: بمعجمة؛ -اغتبط - من الغبطة الفرح والسرور؛ لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، فإذا كان المقتول مؤمنا وفرح بقتله (لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) أي نافلة ولا فريضة،.. والقتل أكبر الكبائر بعد الكفر]. فيض القدير. والاستهتارُ بالفتوى، والوقوعُ في تكفير المسلمين يجرُّ إلى سفك الدماء، نقل الحافظ ابن حجر في (الفتح) عن الغزالي أنه قال: ( وَالَّذِي يَنْبَغِي؛ الاحْتِرَازُ عَنِ التَّكْفِيرِ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلا، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ دِمَاءِ الْمُصَلِّينَ، الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأٌ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ؛ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَإِ فِي سَفْكِ دَمٍ لِمُسْلِمٍ وَاحِدٍ). كيف؟ وقد قال النَّبِيُّ : ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ). الترمذي والنسائي وابن ماجه. وانظر كيف كان السلفُ يعظِّمون شأنَ النفسِ المسلمة، عَنْ أنَسِ ابنِ مَالِك: أنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ سَألَهُ: "إِذَا حَاصَرْتُمُ الْمَدِينَةَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ: نَبْعَثُ الرَّجُلَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَصْنَعُ لَهُ هَنَةً مِنْ جُلُودٍ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ رُمِيَ بِحَجَرٍ ؟ قَالَ: إِذًا يُقْتَلَ، قَالَ: فَلا تَفْعَلُوا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَفْتَتِحُوا مَدِينَةً فِيهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ بِتَضْيِيعِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ." الشافعى فى الأم، والبيهقى في السنن. وروَى زيدُ بنُ وهبٍ قال: خَرَجَ عُمَرُ وَيَدَاهُ فِى أُذُنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَبَّيْكَاهُ! يَا لَبَّيْكَاهُ! قَالَ النَّاسُ: (مَا لَهُ؟!) قَالَ: جَاءَهُ بَرِيدٌ مِنْ بَعْضِ أُمَرَائِهِ؛ أَنَّ نَهَرًا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعُبُورِ، وَلَمْ يَجِدُوا سُفُنًا، فَقَالَ أَمِيرُهُمْ: (اطْلُبُوا لَنَا رَجُلاً يَعْلَمُ غَوْرَ الْمَاءِ)، فَأُتِىَ بِشَيْخٍ! - رجلٍ كبير في السن- فَقَالَ: (إِنِّى أَخَافُ الْبَرْدَ). وَذَاكَ فِى – زمن- الْبَرْدِ، فَأَكْرَهَهُ فَأَدْخَلَهُ، فَلَمْ يُلْبِثْهُ الْبَرْدُ، فَجَعَلَ يُنَادِى: (يَا عُمَرَاهُ! يَا عُمَرَاهُ!) فَغَرِقَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ -أي كتب عمر إلى الأمير ليتعرف الحقيقة- فَأَقْبَلَ، فَمَكَثَ –عمرُ- أَيَّامًا مُعْرِضًا عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ -أي غضب- عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِى قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا تَعَمَّدْتُ قَتْلَهُ، لَمْ نَجِدْ شَيْئًا نَعْبُرُ فِيهِ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْلَمَ غَوْرَ الْمَاءِ، فَفَتَحْنَا كَذَا وَكَذَا، وَأَصَبْنَا كَذَا وَكَذَا). فَقَالَ عُمَرُ :( لَرَجُلٌ مُسْلِمٌ؛ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ جِئْتَ بِهِ، لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً؛ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، اذْهَبْ فَأَعْطِ أَهْلَهُ دِيَتَهُ، وَاخْرُجْ فَلاَ أَرَاك). سنن البيهقي. وتاريخ المدينة. وفي الختام؛ ( لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا). رواه البخاري. فهنيئا لمن عاش ومات ولم تتلطخْ يداه بدماء الأبرياء، فلن يتوقف فيها للقضاء، الذي قَالَ عنه النَّبِيُّ : ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ). رواه البخاري. اللهم جنِّبْنا منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواء، واهدنا لأحسنِ الأقوال والأفعال والأخلاقِ ..لا يهدي لأحسنها إلا أنت.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اللَّهُمَّ اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت ولينا في الدنيا والآخرة، توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين. واجعلنا اللهم من ورثة جنة النعيم. اللهـم اغـفـر لنا ذنوبنا كـلها، دِقـّها وجـلّـها، وأولَها وآخـرَها، وعلانيتها وسرهـا. اللـهم اغـفر لنا خطيئاتِنا وجهـلَنا، وإسرافـنا في أمرنا. اللهم اغـفر لنا جـِدنا وهـزلنا، وخطـأنا وعمدنا، وكـل ذلك عـندنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغـفـر لنا ذنـبنا، واخسِيء شيطـاننا، وفـُـك رهـاننا، وثـقـّـل ميزاننا، واجعـلنا في موقف القيامة من الآمنين، وإلى أعالي جناتك سابقين. اللهم إنك تعـلم سرنا وعلانيتنا، فاقـبل معـذرتنا. وتعـلم حاجتنا، فأعـطِـنا سؤلنا. وتعـلم ما في نفـوسنا، فاغـفِـر لنا ذنوبنا. اللهم أقـِـر أعيننا باستقـرار أوضاع المسلمين في كل مكان. وأمن وطننا، وسائر الأوطان. اللهم أسلمنا وجوهـنا اٍليك، وفوّضنا أمورنا اٍليك، وألجأنا ظهورنا إليك، رغـبة ورهـبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك الا إليك.. آمنـّا بكتابك الذي أنزلت، وبنبـيك الذي أرسلت، فلا تخيب رجائنا، واستجب دعائنا، ولا تطردنا عن جنابك، فإن طردتنا فلا حول لنا ولا قوة إلا بك. اللهم وإن كتبت لنا من أعمارنا يوماً جديدا.. فافتحه عـلينا بطاعـتك، واختمه لنا بمغـفـرتك ورضوانك، وارزقنا فيه حسنات تقـبلها منا، وزكـها وضّـعـفها لنا. وما عـملنا فيه من سيئات، فاغـفرها لنا إنك غـفـور رحيم. اللهم احقن دماء الموحدين، في كل بلاد المسلمين. وأخرجنا من الفتن سالمين، واختر لنا صالح الدنيا والدين. وارزقنا السداد في التصور و التصرف في تلك المضائق التي تزل فيها أقدام الحكماء. ولا تبح بلادنا للأعداء، ولا للملاحدة الألداء. اللهم جنّبنا الخطايا والموبقات، ووفقنا للعمل بالباقيات الصالحات، وألهمنا ذكرك في جميع الأوقات، وزحزحنا عن النار وأدخلنا فسيح الجنات.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين). عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
الْحَمْدُ للهِ الذي يجازي أعداءَه بالعدل، ويجازي أولياءَه بالفضل، فأصحاب السيئات والذنوب والخطايا، لا يُجزون إلا بما عملوا، و يغفر الله لمن يشاء و يعفو، من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها، و{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا}، وما ربُّك بظلاّم للعبيد.. نحمده وهو أهل للحمد و التحميد، و نشكره والشكر لديه من أسباب المزيد.. و نشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ذو العرش المجيد، و البطش الشديد، شهادة تكفل لنا أعلى الدرجات في دار القرار والتأبيد.. و نشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله أشرف من أظلّ في السماء و أقلَّ في البيدِ، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه، وعلى أنبياء الله ورسله أولي العون على الطّاعة و التّوحيد، صلاة دائمة في كلّ حين تنمو و تزيد، و لا تنفذ ما دامت الدنيا والآخرة و لا تبيد. أَمَّا بَعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى الكبيرَ المتعال؛ ولا تغرّنّكم الآمال الطِّوال، ولا تنسوا قربَ الآجال..) معاشرالمُسلِمينَ( نحن في زمن ينطبق علينا فيه ما قَالَه النَّبِيُّ : (لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الهَرْجُ -وَهُوَ القَتْلُ القَتْلُ- حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المَالُ فَيَفِيضَ). رواه البخاري. فبقبض العلم وموتِ العلماء الرجال؛ فشا اللغو وكثُرَ الجهَّال، فاتخذهم الناسُ رؤوسًا يفتونهم بجهلهم، فضلُّوا وأضلُّوا. نسوا عظمة الله جل جلالُه، و{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}. فاقترفوا السيئات، واستهانوا بالمحرمات، واجترؤوا على الله في التحريم والتحليل.. أي تعدى البعض على حقوق الله، بعد أن تعدوا على حقوق عباده؟ وإن كان الأصل أنَّ السيئة بمثلها، كما قال تعالى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}، وكما قال: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا، وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ}. إلا أن السيئةَ تعظُمُ بالنسبة لشرف الزمان، وتتضاعف الخطيئةُ بالنسبةِ لشرفِ المكان، قال بلال بن سعد: ( لاَ تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ، وَلَكِنِ انْظُرْ مَنْ عَصَيْتَ). فمثلا النظر إلى النساء بشهوة حرام، والنظر إليهن كذلك، حال الصيام أو الحج أشدُّ حِرمة، والسرقةُ حرام، وسرقة الصائم والمصلي، والحاجِّ والجار أشدُّ حِرمة، والقتلُ حرام، وقتلُ المسلمين والمصلين والصائمين أعظمُ حرمة، وكذلك الزنا والربا، والكذب ونقض العهود ونحو ذلك. وارتكابُ سائر المعاصي والذنوبِ والسيئاتِ حرامٌ، والأصلُ في ذلك المماثلة:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، ومن المماثلةِ في العقوبة؛ عقوبة التشجيع على البدعِ والخزعبلات، والدعوةُ إلى الضلال بدل الهُدَى، لقوله : (.. وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا). صحيح مسلم. فدعاةُ البدعِ والضلال، يجلبون الإثم والوبال، لأنفسهم وأهليهم وسائر المسلمين، والعجيبُ أنهم يفعلون ذلك {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، ويرجون من الله تعالى ثوابا وأجرا! ومن ذلك: الاعتداءُ على الضعفاءِ وظلمُهم، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَجُلاً قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ فَقَالَ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ يُكَذِّبُونَنِي، وَيَخُونُونَنِي وَيَعْصُونَنِي، وَأَشْتُمُهُمْ وَأَضْرِبُهُمْ فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ؟) قَالَ: يُحْسَبُ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَّبُوكَ وَعِقَابُكَ إِيَّاهُمْ، (أي يُحْسَبُ مَا لك وما عليك)؛ فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ كَانَ كَفَافًا، لا لَكَ وَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ فَضْلاً لَكَ، وَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ إِيَّاهُمْ فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ الفَضْلُ. قَالَ: فَتَنَحَّى الرَّجُلُ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. فَقَالَ الرَّجُلُ: ( وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلَهُمْ شَيْئًا خَيْرًا مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ،(أي لا أَظلِم ولا أُظلَم)، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ). سنن الترمذي، وصحيح الترغيب. هذا في المماثلة، وأحيانا تتضاعف السيئة بمثليها-أي ضعفها-، وذلك لشرف الفاعل، وأنه من الصالحين المتقين، أو من الدعاة والعلماء المخلصين، فنساء النبي مثلا؛ لو عصت واحدةٌ منهنَّ النبيَّ، وخالفتْ أمرَه يضاعفُ لها العذاب، -عافاهنَّ الله من ذلك- [عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: { يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}، قَالَ: فَإِنَّكُنَّ مَعْشَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ تَنْظُرْنَ إِلَى الْوَحْيِ، فَأَنْتُنَّ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّقْوَى، وَقَالَ قَبْلَهُ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}، .. يَعْنِي الْعِصْيَانَ لِلنَّبِيِّ ؛ {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} فِي الآخِرَةِ،..]. السنن الكبرى للبيهقي. قال ابن رجب: [وقد تُضاعَفُ السيِّئاتُ بشرف فاعلها، وقوَّة معرفته بالله، وقُربِه منه، فإنَّ مَنْ عَصى السُّلطان على بِساطِه أعظمُ جُرماً مِمَّن عصاه على بُعد، ولهذا توعَّد الله خاصَّةَ عباده على المعصية بمضاعَفةِ الجزاء، وإن كان قد عصمَهم منها، ليبيِّنَ لهم فضلَه عليهم بِعصمَتهم مِنْ ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً، إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ، ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}. كان [الْحسن بن الْحُسَيْن أَخا عبد الله بن الْحُسَيْن - من آل البيت- رَضِي الله عَنْهُم.. يَقُول لرجل مِمَّن يغلوا في حبهم: ( وَيحكم! أحبُّونا فِي الله، فَإِنْ أَطعْنَا الله فأحبُّونا، وَإِن عصينا الله فابغضونا). فَقَالَ الرجل: ( إِنَّكُم لذُو قرَابَةٍ من رَسُول الله !) فَقَالَ: (.. إِنِّي لأخاف أَن يُضَاعف للعاصي منَّا الْعَذَاب ضعفين؛ كَمَا يُؤْتِي المحسنُ منا أجرَه مرَّتَيْنِ..). نوادر الأصول في أحاديث الرسول. واقترافُ المعاصي والسيئاتِ في المساجد وبيوت الله عامَّةً يوجب مضاعفةَ العقوبة، أما إذا تكلمنا عن المسجد الحرام خاصَّة، فالمخالفة فيه أشدُّ حِرمة، ويتضاعفُ العذابُ على مرتكبيها، فإذا كان مجردُ التفكير في المعصية يحاسَب عليه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، فكيف بمن قام بها وفعلها؟! فمجردُ إرادةِ الظلمِ والإلحادِ في الحَرَم؛ موجبٌ للعذاب، وإن كان غيرُه، لا يعاقَبُ العبدُ عليه إلا بعمل الظلم.. قال تعالى:{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا، أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ، لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. والواجب على من كان في بيت من بيوت الله- ولا سيما في البيت الحرام- أن يضبطَ نفسه، ويسلكَ طريقَ السدادِ والعدلِ في جميع ما يهمّ به ويقصده.. عباد الله: والزنا حرامٌ، وبالمتزوجاتِ أشدُّ حِرمةً، وبحليلةِ الجارِ أعظمُ، وبزوجةِ المجاهدِ في سبيل الله أكبرُ وأفظعُ، وأعظمُها زنا المحارم، و" لأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، وَلأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشَرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ لهُ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ". صحيح الجامع. قال المناوي: [(.. خير له من أن يزني بامرأة جاره) ويقاس بها نحو أمَتِه وبنته وأخته، وذلك لأن من حقِّ الجار على الجار أن لا يخونه في أهله، فإن فعل ذلك كان عقابُ تلك الزنية يعدل عذابَ عشرِ زنيات. قال الذهبي في الكبائر: فيه أنَّ بعضَ الزنا أكبر إثما من بعض. قال: وأعظمُ الزنا بالأمِّ والأخت وامرأة الأب، وبالمحارم وبامرأة الجار.. فالزنا كبيرة إجماعا، وبعضه أفحش من بعض، ... (ولأن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر له من أن يسرق من بيت جاره) فيه تحذير عظيم من أذى الجارِ بكلِّ طريقٍ من فعلٍ أو قولٍ،..]. فيض القدير. وخيانةُ نساءِ المجاهدين من العظائم، قَالَ :( حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلاَّ وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ عَمَلِهِ مَا شَاءَ، فَمَا ظَنُّكُمْ؟!). صحيح مسلم. وزاد النسائي:( ثُمَّ الْتَفَتَ النَّبِيُّ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَا ظَنُّكُمْ؟ تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا؟!). سنن النسائي. والكذبُ مما حرَّمَه دينُنا الحنيف، والكذبُ على الله من العظائم، والتحليلُ والتحريمُ بالرأي والهوى: من الافتراء على الله عزوجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. والكذبُ على النبيِّ يختلف عن الكذب على غيره، فقد قال يَقُولُ: (إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ). صحيح البخاري. وهناك ذنوبٌ تُضاعفُ إلى الثلاثين أو السبعين كالربا مثلا، فعَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ:( الرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا). وفي رواية:( الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا، أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ). سنن ابن ماجه. وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ فَذَكَرَ الرِّبَا وَعَظَّمَ شَأْنَهُ فَقَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ يُصِيبُ مِنَ الرِّبَا أَعْظَمَ عِنْدَ اللهِ فِي الْخَطِيئَةِ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً يَزْنِيهَا الرَّجُلُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ". شعب الإيمان للبيهقي. وصحيح الترغيب. قال الشوكاني: [قَوْلُهُ( أَشَدُّ مِنْ سِتٍّ وَثَلاثِينَ).. إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْصِيَةَ الرِّبَا مِنْ أَشَدِّ الْمَعَاصِي؛ لأَنَّ الْمَعْصِيَةَ الَّتِي تَعْدِلُ مَعْصِيَةَ الزِّنَا؛ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْفَظَاعَةِ وَالشَّنَاعَةِ بِمِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ أَشَدُّ مِنْهَا، لا شَكَّ أَنَّهَا قَدْ تَجَاوَزَتْ الْحَدَّ فِي الْقُبْحِ، وَأَقْبَحُ مِنْهَا؛ اسْتِطَالَةُ الرَّجُلِ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَلِهَذَا جَعَلَهَا-الشرعُ - أَرْبَى الرِّبَا، وَبَعْدُ؛ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي لا يَجِدُ لَهَا لَذَّةً، وَلا تَزِيدُ فِي مَالِهِ وَلا جَاهِهِ، فَيَكُونُ إثْمُهُ عِنْدَ اللَّهِ أَشَدَّ مِنْ إثْمِ مَنْ زَنَى سِتًّا وَثَلاثِينَ زَنْيَةً، هَذَا مَا لا يَصْنَعُهُ بِنَفْسِهِ عَاقِلٌ! نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلامَةَ والعافية..]. (آمين) اه .. وأقول قولي هذا..
الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْفَنَاءِ، وَجَعَل َالآخِرَةَ مَوْعِدَ اللِّقَاءِ، وَتَفَرَّدَ سُبْحَانَهُ بِالْبَقَاءِ، (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ، وَخَيْرِ الأَتْقِيَاءِ، وَإِمَامِ الْحُنَفَاءِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الأَوْفِيَاءِ، وعلى رسل الله وأنبيائه العظماء.. أَمَّا بَعْدُ :عباد الله؛ وعلى ذكر السيئات ومضاعفاتها، فإن من أعظم السيئات قتل النفس، ويضاعف الإثم إذا كانت هذه النفس مؤمنة..وإننا –وللأسف- في زمان استحر و كثر فيه القتل، تحت عناوين مختلفة، والمحصلة: جرائم؛ لا يقرُّها شرعٌ ولا دين، ولا عُرف ولا وطن، جرائم؛ ليس من ورائها حسنةٌ أو نفعٌ يُرجَى، بل مصائبُ تترى، وسلبياتٌ وتأخُّرٌ إلى الوراء، جرائم زوالُ الدنيا أهونُ منها، ومصائب لا يعلم قدرها ولا يرفعها عنا إلا الله تعالى، إن مثل هذه الجريم؛ لا يقبلُ الله من فاعلِها عبادةً؛ نفلا كان أو فرضاً، إنها جرائم القتل، التي قَالَ عنها رَسُولُ اللَّهِ :(لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ). رواه البخاري. فكلُّ من يَقتُلُ أحدًا ظلمًا فإنَّ عليه مثلَ آثامِ القتلةِ المقتدِين به من بعده إلى يوم القيامة. فإذا كان (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا-أي يهوديًّا أو نصرانيًّا أعطاه المسلمون العهد والأمان، من قتله- لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). كما رواه البخاري. فكيف بمن قتل مؤمنا؟! قال :(مَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا فَاعْتَبَطَ بِقَتْلِهِ، لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا، وَلا عَدْلا). رواه أبو داود. قال المناوي: [(اعتبط بقتله) بعين مهملة أي (قتله ظلما بغير جناية ولا عن جريرة ولا عن قصاص).. وقيل: بمعجمة؛ -اغتبط - من الغبطة الفرح والسرور؛ لأن القاتل يفرح بقتل خصمه، فإذا كان المقتول مؤمنا وفرح بقتله (لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا) أي نافلة ولا فريضة،.. والقتل أكبر الكبائر بعد الكفر]. فيض القدير. والاستهتارُ بالفتوى، والوقوعُ في تكفير المسلمين يجرُّ إلى سفك الدماء، نقل الحافظ ابن حجر في (الفتح) عن الغزالي أنه قال: ( وَالَّذِي يَنْبَغِي؛ الاحْتِرَازُ عَنِ التَّكْفِيرِ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلا، فَإِنَّ اسْتِبَاحَةَ دِمَاءِ الْمُصَلِّينَ، الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ خَطَأٌ، وَالْخَطَأُ فِي تَرْكِ أَلْفِ كَافِرٍ فِي الْحَيَاةِ؛ أَهْوَنُ مِنَ الْخَطَإِ فِي سَفْكِ دَمٍ لِمُسْلِمٍ وَاحِدٍ). كيف؟ وقد قال النَّبِيُّ : ( لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ). الترمذي والنسائي وابن ماجه. وانظر كيف كان السلفُ يعظِّمون شأنَ النفسِ المسلمة، عَنْ أنَسِ ابنِ مَالِك: أنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ سَألَهُ: "إِذَا حَاصَرْتُمُ الْمَدِينَةَ كَيْفَ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ: نَبْعَثُ الرَّجُلَ إِلَى الْمَدِينَةِ نَصْنَعُ لَهُ هَنَةً مِنْ جُلُودٍ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ رُمِيَ بِحَجَرٍ ؟ قَالَ: إِذًا يُقْتَلَ، قَالَ: فَلا تَفْعَلُوا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنْ تَفْتَتِحُوا مَدِينَةً فِيهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ بِتَضْيِيعِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ." الشافعى فى الأم، والبيهقى في السنن. وروَى زيدُ بنُ وهبٍ قال: خَرَجَ عُمَرُ وَيَدَاهُ فِى أُذُنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: يَا لَبَّيْكَاهُ! يَا لَبَّيْكَاهُ! قَالَ النَّاسُ: (مَا لَهُ؟!) قَالَ: جَاءَهُ بَرِيدٌ مِنْ بَعْضِ أُمَرَائِهِ؛ أَنَّ نَهَرًا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعُبُورِ، وَلَمْ يَجِدُوا سُفُنًا، فَقَالَ أَمِيرُهُمْ: (اطْلُبُوا لَنَا رَجُلاً يَعْلَمُ غَوْرَ الْمَاءِ)، فَأُتِىَ بِشَيْخٍ! - رجلٍ كبير في السن- فَقَالَ: (إِنِّى أَخَافُ الْبَرْدَ). وَذَاكَ فِى – زمن- الْبَرْدِ، فَأَكْرَهَهُ فَأَدْخَلَهُ، فَلَمْ يُلْبِثْهُ الْبَرْدُ، فَجَعَلَ يُنَادِى: (يَا عُمَرَاهُ! يَا عُمَرَاهُ!) فَغَرِقَ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ -أي كتب عمر إلى الأمير ليتعرف الحقيقة- فَأَقْبَلَ، فَمَكَثَ –عمرُ- أَيَّامًا مُعْرِضًا عَنْهُ، وَكَانَ إِذَا وَجَدَ -أي غضب- عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِى قَتَلْتَهُ؟ قَالَ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا تَعَمَّدْتُ قَتْلَهُ، لَمْ نَجِدْ شَيْئًا نَعْبُرُ فِيهِ، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْلَمَ غَوْرَ الْمَاءِ، فَفَتَحْنَا كَذَا وَكَذَا، وَأَصَبْنَا كَذَا وَكَذَا). فَقَالَ عُمَرُ :( لَرَجُلٌ مُسْلِمٌ؛ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ جِئْتَ بِهِ، لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً؛ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ، اذْهَبْ فَأَعْطِ أَهْلَهُ دِيَتَهُ، وَاخْرُجْ فَلاَ أَرَاك). سنن البيهقي. وتاريخ المدينة. وفي الختام؛ ( لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا). رواه البخاري. فهنيئا لمن عاش ومات ولم تتلطخْ يداه بدماء الأبرياء، فلن يتوقف فيها للقضاء، الذي قَالَ عنه النَّبِيُّ : ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ). رواه البخاري. اللهم جنِّبْنا منكراتِ الأخلاقِ والأعمالِ والأهواءِ والأدواء، واهدنا لأحسنِ الأقوال والأفعال والأخلاقِ ..لا يهدي لأحسنها إلا أنت.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اللَّهُمَّ اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك. فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت ولينا في الدنيا والآخرة، توفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، واجعل لنا لسان صدق في الآخرين. واجعلنا اللهم من ورثة جنة النعيم. اللهـم اغـفـر لنا ذنوبنا كـلها، دِقـّها وجـلّـها، وأولَها وآخـرَها، وعلانيتها وسرهـا. اللـهم اغـفر لنا خطيئاتِنا وجهـلَنا، وإسرافـنا في أمرنا. اللهم اغـفر لنا جـِدنا وهـزلنا، وخطـأنا وعمدنا، وكـل ذلك عـندنا برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغـفـر لنا ذنـبنا، واخسِيء شيطـاننا، وفـُـك رهـاننا، وثـقـّـل ميزاننا، واجعـلنا في موقف القيامة من الآمنين، وإلى أعالي جناتك سابقين. اللهم إنك تعـلم سرنا وعلانيتنا، فاقـبل معـذرتنا. وتعـلم حاجتنا، فأعـطِـنا سؤلنا. وتعـلم ما في نفـوسنا، فاغـفِـر لنا ذنوبنا. اللهم أقـِـر أعيننا باستقـرار أوضاع المسلمين في كل مكان. وأمن وطننا، وسائر الأوطان. اللهم أسلمنا وجوهـنا اٍليك، وفوّضنا أمورنا اٍليك، وألجأنا ظهورنا إليك، رغـبة ورهـبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك الا إليك.. آمنـّا بكتابك الذي أنزلت، وبنبـيك الذي أرسلت، فلا تخيب رجائنا، واستجب دعائنا، ولا تطردنا عن جنابك، فإن طردتنا فلا حول لنا ولا قوة إلا بك. اللهم وإن كتبت لنا من أعمارنا يوماً جديدا.. فافتحه عـلينا بطاعـتك، واختمه لنا بمغـفـرتك ورضوانك، وارزقنا فيه حسنات تقـبلها منا، وزكـها وضّـعـفها لنا. وما عـملنا فيه من سيئات، فاغـفرها لنا إنك غـفـور رحيم. اللهم احقن دماء الموحدين، في كل بلاد المسلمين. وأخرجنا من الفتن سالمين، واختر لنا صالح الدنيا والدين. وارزقنا السداد في التصور و التصرف في تلك المضائق التي تزل فيها أقدام الحكماء. ولا تبح بلادنا للأعداء، ولا للملاحدة الألداء. اللهم جنّبنا الخطايا والموبقات، ووفقنا للعمل بالباقيات الصالحات، وألهمنا ذكرك في جميع الأوقات، وزحزحنا عن النار وأدخلنا فسيح الجنات.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين). عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).
الغزالي الغزالي
جمع و ترتيب..
تعديل التعليق