خطية عيد الأضحى المبارك 1433 ( خطبة الوداع )
فهد عبدالله الصالح
1433/12/08 - 2012/10/24 08:36AM
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ، الله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، وخاتمُ المرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَـا بعـد فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله تعالى (يأيها الناس اتقوا الله ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منه زوجها وبث منها رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا }
أيّها المسلمون : عيدكم مبارك تقبَّل الله طاعاتِكم وصالحَ أعمالكم، وضاعف حسناتِكم، وجعل عيدَكم مباركًا وأيّامَكم أيامَ سعادةٍ وهناء وفضلٍ وإحسان وأعاد للأمة عزها وكرامتها ومجدها وقوتها أيها المسلمون : في مثل يومكم هذا من العام العاشر للهجرة خطب رسولكم صلى الله عليه وسلم خطبةً بليغة، أرسى فيها قواعد الإسلام وهدم مبادئ الجاهلية، وعَظّمَ حُرمات المسلمين، خطب الناس وودعهم بعد أن استقر التشريع وكمل الدين وتمت النعمة ورضي الله هذا الإسلام دينًا للناس كلهم، لا يقبل من أحدٍ دينًا سواه ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا )، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) ألقى نبيكم في هذا المقام العظيم كلماتٍ جامعةً موجزة، تذكر بالمبادئ الكبرى لهذا الدين .
في خطبة الوداع لم يتحدث صلى الله عليه وسلم عن انجازاته مع أنها إنجازات عظيمة ضخمة في سنوات قليلة معدودة لقد عانى وكابد من أجلِ إخراج الناس من الظلماتِ إلى النور ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، حتى صنع منهم بإذن ربه أمةً جديدة ذات أهدافٍ واضحة ومبادئ سامية، هداهم من ضلال، وجمعهم بعد فرقة، وعلمهم بعد جهل ، في خطبته ثبّت في نفوس المسلمين أصول الديانة وقواعد الشريعة، ونبّه بالقضايا الكبرى على الجزئيات الصغرى، ولقد كانت عبارات توديعية بألفاظها ومعانيها وشمولها وإيجازها، استشهد الناس فيها على البلاغ ،لقد لخص دينه في هذه الخطبة البليغة ، ولخص هذه الخطبة العصماء في جملة واحدة إنها حقوق الإنسان ، ذلكم المخلوق الكريم الذي خلقه ربه من طين ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأقسم به في كتابه وكرًمه وأحسن صورته وفضًله على كثيرٍ من مخلوقاته { ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } إن جميع ما خلق الله في هذا الكون من جمادات ونباتات وحيوانات وأرض وسماوات هو من أجل هذا الإنسان { الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون }
ما أرسل الله الرسل وما أنزل الكتب إلاَ لهذا الإنسان شرائع وأحكام تنظم حياة الإنسان وتحرره من عبودية الإنسان وتأخذ بيده إلى الجادة الصحيحة التي توصله إلى رضا الله والجنة { إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا } .
إن أول شيء أكد عليه صلى الله عليه وسلم في خطبته هو تحرير الإنسان إنه النهي عن الشرك بالله ، فالشرك عبودية لغيره من الأصنام والطواغيت ، وكلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" هي شعار الإسلام وعَلَم الملة، كلمةٌ تُخلع بها جميع الآلهة الباطلة، ويثبت بها استحقاق الله وحده للعبادة . فالله هو الخالق وما سواه مخلوق، وهو الرازق وما سواه مرزوق، وهو القاهر وما سواه مقهور، فتوحيد الله وعبادته وحده دون سواه هو تحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان ليكون الجميع عبيدا لله .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ،الله أكبر،والله أكبر، ولله الحمد
ومن القضايا المثارة في خطبة الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم ـ أيها المسلمون ـ التأكيد بأن الناس متساوون في التكاليف حقوقًا وواجبات، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، لا تفاضل في نسبٍ ولا تمايزَ في لونٍ، فالنزاعات العنصرية والنعَرات الضيقة ضرب من الإفك والدجل، ومن الواقع الرديء في عصرنا أن توصَف حضارة اليوم بحضارة الظلم والقهر والعنصريات والقوميات،وتحقيق المصالح الشخصية على حساب الآخرين ، والناس الموصوفة بالتميز تضمر في نفسها احتقارًا لأبناء جنسها ، تمييز يتنفّس بقوةٍ من خلال كافة المجالات ، ويأتي نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم لينبّه منذ مئات السنين على ضلال هذا المسلك، ويُعْلِنَ في ذلك المشهد العظيم بقوله : (أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضلٌ على عجمي إلا بالتقوى)
الله أكبر الله أكبر،لا إله إلا الله، الله أكبر و الله أكبر، ولله الحمد
أيها المسلمون : كلُ إنسان همٌه في هذه الحياة أن يحافظ ـ بعد دينه ـ على نفسه و كسبه وعرضه .. ذلك أنه إذا ذهبت النفس فلا حياة ولا وجود للإنسان والمرء لا يجد قيمةً للحياة إلاَ إذا كان آمناً على روحه وبدنه .
والمال من زينة الحياة الدنيا وقوام الحياة وحبه مفطورٌ عليه الإنسان وكسبٌ الإنسان وسعيه هو مما يتعلق به قلبه والاعتداء على ماله هو إهانة ٌ وقهر له .
والعرض هو شرف الإنسانية المتوارث وهو لا يقل أهمية عند الإنسان من دمه وماله وتحريم التطاول على الغير هو مما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في بدء خطبته بقوله { إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام } إن الأمم المعاصرة بما تملك من تقنيةٍ ووسائل عجزت أن توقف سيل الجرائم المتكررة المتنوعة.. أمَا شريعة الله فهي تربط بين الإيمان بالله واليوم الآخر وبين التعدي على حقوق الغير من الإنسان { المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده } و التعدي على الدماء جريمة نكراء ومنكر عظيم قرنه الله بالإشراك به وأول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء وما أرخص دماء المسلمين اليوم في زمن الضعف والهوان وكأنها ماء يراق في سوريا والعراق ولبنان على أيدي الفرس المجوس وفي بوما على أيدي المشركين وفي فلسطين على أيدي اليهود الغاصبين وما جرى في الشيشان والبوسنة وكوسوفا على أيدي الصليبين ونحوها على أيدي عصابات الشر والطغيان
والربا ـ أيها المسلمون ـ داء وبيل يفتك بأموال الناس وهو استغلال لحاجة الناس ومحاربة لطاقات الإنسان وابتكاره , إن الربا مانع من القرض الحسن الذي يستفيد منه الإنسان , وغلاء السلع وارتفاع الأسعار سببه الربا وضحيته الإنسان وهو سبب إفلاس الشركات وانهيار المصارف الربوية فلا عجب أن يكون من السبع الموبقات ولا عجب أن يلعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ولا عجب أن يكون تحريمه من معالم الدين التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع
وأمَا قضية المرأة : وما أدراكم ما قضية المرأة فكأنها قضية كل عصر وكل أمة .. لقد انتهكت حقوق هذه الإنسانة في القديم والحديث في جاهلية ما قبل الإسلام ظلمٌ للمرأة وانتهاك لحقوقها حرموها من الميراث ومنعوها من الزواج بعد وفاة زوجها الأول هذا إذا سلمت من وأدها عند وفاتها أو حرقها بعد وفاة زوجها
وأمَا الأمم الجاهلية المعاصرة فلقد ظلمت المرأة وانتهكت حقوقها ولكن بطريق آخر طريق العاطفة جعلوا المرأة تساهم معهم في ظلمها وانتهاك حقوقها لقد جعلوها مصيدة لكل الآثام والمصائب دعوها إلى التحرر من قوامة الزوج لينشب الصراع في بيت الزوجية الهانئ دعوها إلى الاستقلال بشئون معيشتها ليحرموها من الاستقرار في البيت والراحة من عناء مشقة العمل أخرجوها من بيتها ليحرموها عطف زوجها وحنان أبنائها وحتى ينهك جسمها دعوها إلى السفور والتبرج لتكون فاكهة لذئاب البشر وشذاذ الآفاق ومتسكعي الشوارع هذا بعض ما فعلته حضارة الأمم الجاهلية المعاصرة , فأمست حياة النساء اللاتي وقعن في الشباك حياة قاسية عصيبة وجحيماً لا يطاق و صارت حياتهنً حياة عبث ومجون بلا زوج وبلا بيت وبلا أولاد حياة بيعت للصوص العابثين الذين اتخذوها مطية لأهدافهم ، أين مدعو مناصرة المرأة من انتهاك أعراض الآلاف من العفيفات منهن في بورما على أيدي الملاحدة المشركين وما يفعله شبيحة وأزلام النظام الرافضي في سوريا والعراق أين هم من حل المشاكل التي تعاني منها المرأة في جميع دول العالم الإسلامي ألا ساء ما يزرون
ولكن هدى الإسلام أعطى كل ذي حقٍ حقه فأمر المرأة بما يحفظ كرامتها وعزها وأمر الرجال بأن يقفوا عند حدودهم فالنساء شقائق الرجال ولسن سلعاً للرجال يقول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : { فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهنً بكلمة الله }
ويختم خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم خطبته بما يوحد الأمة ويجمع الكلمة ويلم الصف إنه النجاة من كل مهلكة إنه صمام الأمان بقوله(وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنتي، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبُدَهُ المصلون، ولكن في التحريشِ بينهم).
إنّه تحذيرٌ مبكّر من الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، من فناءٍ واستئصال ، إذا هي استسلمت للخلاف واسترسلت في الغفلةِ عن سنن الله وجهلت بما يحيكه ضدها شياطين الإنس من مؤامرات
وبعـد أيهـا الأخـوة : فإن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ليست خطباً رنانة خالية من المضمون وليست كلاماً من نسج الخيال يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئاً ، فأنبياء الله ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ليسوا تجار كلام ولا عارضي أساليب ولكن كلماتهم لا تنطق عن الهوى إن هي إلاَ وحي يوحي شفاءٌ لما في الصدور ودواء لما في القلوب وإذا كان المسلمون قد توقفوا كثيراً عند شعارات حقوق الإنسان التي ينادي بها من ينادى وتبين بجلاء صدق هذه الشعارات وعرف الناس مَنْ هو الإنسان الذي يدافعون عنه ويصونون حقوقه إنه الإنسان المميز وليس كل الإنسان فإن عليهم أن يتوقفوا عن الانخداع بهذا السراب الخادع وأن يراجعوا دينهم ويتخذوا من خطبة الوداع ورقة عمل لهم في الحياة لحماية أنفسهم وحقوقهم . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون )
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الخير والحكمة، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
فاتقوا الله – يا عباد الله- واستجيبوا لربكم ما دمتم في زمن المهلة قبل أن يُحال بينكم وبين العمل وبينكم وبين التوبة، قبل الندم حين لا ينفع الندم، قبل أن تُوسَّدوا الترابَ ويُهالَ عليكم في حفرة ضيّقة إلا أن يوسّعها الله برحمته ثم بما قدمتم من عمل صالح.
أيها المسلمون : الأولاد من بنين وبنات أمانة في أعناقنا، والبحث الجاد في كل ما يصلح حالهم ويرتقي بهم إيمانيًا وتعليميًا ودنيويًا أمرٌ حض عليه الإسلام ورغّب فيه، بل أوجبه ووعد عليه المثوبة في الدنيا والآخرة. إن من التفريط وقلّة الحكمة أن ينشغل الأب بأعماله بعيدًا عن أولاده، أو ربما قضى البعضُ سحابة نهاره وجزءًا من ليله في استراحته الخاصة أو مع زملائه لا يدري عن أولاده شيئًا، وقد جاء في الحديث: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) ، فليتّق الله كلّ أبٍ مفرّط في تربية الأولاد أنه سيجد غِبَّها في الدنيا قبل الآخرة.
أيتها الأخوات المسلمات، اتقين الله تعالى واحذرن من غضبه وسخطه، وقُمْنَ بما أوجب الله عليكنّ من حق الأزواج والأولاد، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إذا صلّتِ المرأة خمسها وصامت شهرها وحصّنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أخر(تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)، فقامت امرأة من سِطَة النساء سفعاء الخدين ـ وكان ذلك قبل نزول فرض الحجاب ـ فقالت: لِمَ يا رسول الله! قال: (لأنكن تكثرن الشكاة ـ أي: الشكوى ـ وتكفرن العشير) أي: تجحدن إحسان الزوج
أيها المسلمون، أحب الأعمال إلى ربكم في يومكم هذا إراقة الدماء بذبح الأضاحي، عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسًا) رواه الترمذي وروى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ضحّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمّى وكبّر، ووضع رجله على صفاحهما.
والأضحية ـ يا عباد الله ـ تعبيرٌ عن تجريد العبادة لله وتحقيقٌ للتقوى، قال الله جل وعز: ( لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) ، وهي تذكير للمؤمن أنه يتعين عليه أن يضحّي بكل غالٍ في سبيل الله ولو كانت روحه، كما فعل الخليل عليه السلام الذي أُمِرنا باتباع ملته حين عزم على أن يضحّي بابنه إسماعيل عليه السلام امتثالاً لأمر الله تعالى. والأضحية دعوة عملية لتخليص النفس من الشحّ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ
معاشر الأحبة : يوافق هذا اليوم المبارك يوم جمعة روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي عبيد قال: شهدت العيدين مع عثمان بن عفان رضي الله عنه وكان ذلك يوم الجمعة، فصلى قبل الخطبة ثم خطب، فقال: (يا أيها الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن ينتظر الجمعة من أهل العوالي فلينتظر، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له).
وعلى هذا فمن حضر صلاة العيد فيرخص له في عدم حضور صلاة الجمعة، ويصليها ظهراً في وقت الظهر، وإن أخذ بالعزيمة فصلى مع الناس الجمعة فهو أفضل. ومن لم يحضر صلاة العيد فلا تشمله الرخصة، ولا يشرع الأذان والصلاة جماعة في المساجد الغير الجوامع وأما مساجد الجمعة فسوف يصلى فيها جميعها وبالأخص هذا الجامع المبارك جزى الله من بناه وأسكنه فسيح جناته فاتقوا الله ـ عباد الله ـ وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل، وأنفقوا من مال الله الذي آتاكم وأكثروا من ذكر الله وشكره وصلوا أرحامكم وبروا والديكم وأحسنوا إلى اليتامى والمساكين وتصافحوا وتناصحوا وتسامحوا، وأزيلوا الغل والشحناء من قلوبكم وتزاوروا وتهادوا، واحذروا الكبر والغيبة والنميمة وكونوا عباد الله إخواناً، ثم صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً