خطيب في زمن الفضائيات (الجزء الثاني) أ.محمود الفقي - عضو الفريق العلمي
الفريق العلمي
إننا لا نقلل أبدًا من قدر المنابر ولا من قدرة الخطباء ولا من تأثير خطبة الجمعة، لكننا نعبر عن الواقع الذي تراه عيوننا ونصفه فنقول: لم تعد منابر المساجد هي المؤثر الوحيد في المجتمع، بل لقد نازعتها منابر أخرى كثيرة؛ صحف ومجلات وهواتف نقالة وشبكة عنكبوتية وتلفاز وفضائيات... وأخطرها في نظرنا هي الفضائيات التي غزت كل البلدان ونفذت إلى كل الأماكن، تدخل على الموظفين مكاتبهم، وتتربع في المقاهي، وتقتحم على المرء بيته وتصل إلى حجرة نومه!...
تجذب الكبير وتخلب لب الصغير، تفتن المرأة وتغري الرجل وتمتلك الطفل، يتخذها الكثيرون معلِّمًا ومرجعًا في الملمات ويطلبون منها التثقيف مع التسلية، في لحظة واحدة تصل القناة الفضائية إلى ملايين أو قل مليارات من البشر في مختلف دول العالم، وفي طرفة عين تُشِيع الأخبار أو الأوهام...
ولا نشك أن الفضائيات وأخواتها قد زلزلت -فعلًا- عروش المنابر، بل لقد أصبح المنبر في زماننا متهمًا إما بالانعزال عن الدنيا والدوران في فلك الآخرة وحدها، وإما بالرجعية والرغبة في العيش في القرون السحيقة وعدم القدرة على مجاراة مستجدات العصر، وإما ببث خطاب الفرقة بالتركيز على أن الإسلام وحده هو الدين الحق وما عداه باطل! وألف إما وإما!
وفي استراتيجية اليوم نحاول أن نضع خطيب المنبر على أول طريق مقاومة الفضائيات، وذلك من خلال بنود محددة واضحة مؤيدة بالدليل والبرهان، وقد طرحنا ثلاثة من تلك البنود في الجزء الأول من هذا المقال، وهي:
البند الأول: تفكيك قشور التزييف.
البند الثاني: مقاومة الإغراء بالإغراء.
البند الثالث: إعلاء قيمة الوقت ووسائل الانتفاع به... وحان الآن موعد البند الرابع:
البند الرابع: مقاومة التشويه:
فدأبهم في فضائياتهم تشويه أهل الحق، يسمون كل متمسك بالسنة بالتطرف والإرهاب أو بالتخلف والرجعية أو بالتعنت والتشدد... وقد وصف الله -تعالى- فعل أسلافهم قائلًا -عز من قائل-: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ)[المطففين: 29-33]، فلكأن هذه الآيات ما نزلت إلا اليوم واصفة ما يجري الآن في كثير من الفضائيات!
والسؤال: لماذا يشوهون أهل الحق؟ والإجابة: ليصدوا الناس عن الإنصات لهم والأخذ عنهم، لأن من أعطى نفسه فرصة ليستمع إلى أهل الحق اقتنع بكلامهم.
وما دامت صورتك -أيها الخطيب الداعية- مشوهة أمام عيون سامعيك فأنى يستجيبون لك! بل سيكون سماعهم لك وصلاتهم خلفك لمجرد إسقاط الفريضة عن أنفسهم، لا لتَعَلُّم ولا لانتفاع! يشكون في كل كلمة تقول، ويقلبون بعين النقد كل فكرة تطرح، ويسألون "المفكرين المتنورين" عن كثير مما تُعلِّمهم أصواب هو أم خطأ... بعد أن كلامك عندهم كالـمُسلَّمات!
ولطالما حرص أهل الباطل ألا يسمع الناس أصوات أهل الحق، وها هم كفار مكة يوصي بعضهم بعضًا قائلين: (لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ)[فصلت: 26]، قال ابن عباس: "والغطوا فيه من اللغط وهو كثرة الأصوات، كان بعضهم يوصي إلى بعض: إذا رأيتم محمدًا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر، وقيل: أكثروا الكلام حتى يختلط عليه ما يقول، وقيل: والغوا فيه بالمكاء والصفير، وقيل: صيحوا في وجهه، (لعلكم تغلبون) يعني: محمدًا على قراءته"([1])! وقد حكى القرآن عن قوم نوح قائلًا: (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ)[نوح: 7]، قال سعيد بن جبير والسدي: "غطوا رءوسهم لئلا يسمعوا ما يقول"([2]).
وقد سبقهم إلى ذلك التشويه أهل مكة؛ فقد كانوا يشيعون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- الشائعات ليصدوا القادمين في موسم الحج عن الاستماع له، فهم يعلمون أنهم لو خلوا بينه -صلى الله عليه وسلم- وبين الناس لمالوا إليه وصدقوه واقتنعوا بكلامه، وحتى سرعة استجابة الناس له -صلى الله عليه وسلم- فقد فسَّروها -مشوهين إياها- بأنها سحر وكهانة...
وهذه واقعة من الوقائع، فقد جاء في السيرة الحلبية: "ولما قدمت بكر بن وائل مكة للحج قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر: "ائتهم، فاعرضني عليهم"، فأتاهم فعرض عليهم..." وبعد أن جاءهم رسول الله وكلَّمهم... "مر بهم أبو لهب فقالوا له هل تعرف هذا الرجل؟ قال نعم، فأخبروه بما دعاهم إليه، وأنه زعم أنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال لهم: "لا ترفعوا بقوله رأسًا فإنه مجنون يهذي من أم رأسه"..."([3])، قال الكلبي: "وكان عمه أبو لهب يتبعه، فيقول للناس لا تقبلوا قوله"([4])، فأبو لهب يدرك تمام الإدراك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيد العقلاء جميعًا وما به من جنون، وإنما هو ديدن الكفار والفساق دائمًا؛ "تشويه أهل الحق".
وفي زماننا فإنهم لا يقتصرون عن تشويه الأشخاص والخطباء والدعاة فقط بل ويشوهون المنهج ذاته، يقولون: "الإسلام دين وحشية وعنف دين رجم وجلد وقطع أيدي وأرجل"! يقولون: "الإسلام ظلم المرأة وبخسها منزلتها إذ جعل شهادتها وميراثها على النصف من الرجل، وفرض عليها قيود الحجاب وعدم السفر بدون محرم"... إلى آخر تخاريفهم.
ومهمتك هذه المرة -أخي الخطيب- سهلة ميسورة: أن تزيل التشويه؛ تشويههم للأشخاص وتشويههم للمنهج، وأقول: المهمة سهلة لسببين، الأول: لأن الناس يسمعونك في شعيرة خطبة الجمعة التي لا يستطيعون أن يمنعوا صوتك أن يصل إلى الناس من خلالها، وما دام صوتك قد اتصل بآذان الناس فإنني واثق أن الله -تعالى- سيعينك أن تبين الحقائق وتقاوم التشوية بالتوضيح ووضع النقاط على الحروف.
وثانيًا: لأن الإسلام دين الله دين كله بريق وجمال وعدل، دين يدعو إلى نفسه بنفسه، دين ليس فيه ما يعاب ولا ما يستحى منه، فما أن تجيد عرضه وإبراز محاسنه حتى يحبه الناس ويُقبِلون عليه.
البند الخامس: تحقير ما يُضخِّمون:
يدأب أهل الفضائيات دائمًا على تقديس الاستمتاع بالحياة الدنيا وتضخيم أهمية وسائل ذلك الاستمتاع، فتجدهم في فضائياتهم يمجدون التمتع بالثروات و"الفيلات والشاليهات" والسيارات الفارهة، ويعرضون نماذج لحياة المترفين والمنعمين الذين يتنقَّلون بطائراتهم الخاصة ويقيمون الحفلات التي تتكلف الملايين... ويعرضون نماذج للأطعمة الفاخرة باهظة الثمن والموائد الممتلئة بالأصناف والألوان من المأكولات، ويضخمون أهمية بيوت الأزياء والموضات، ويهتمون اهتمامًا مبالغًا فيه بالملبوسات وأنواعها وماركاتها وتصميماتها "العبقرية"!...
وكل همهم أن يجعلوا المسلم أسيرًا لما يأكل ولما يلبس؛ فإن كان غنيًا سعى خلف مستجداتها وابتكاراتها وغرائبها... حتى تصيبه التخمة من كثرة الطعام والشراب، وحتى ينفق مدخراته على الموضات والأزياء!... وإن كان فقيرًا ووقع تحت تأثير هذه المؤثرات، عاش محطمًا شاعرًا بالدونية والحطة، ناقمًا على حظه وعلى رزقه، الحرمان بين عينيه، والذلة والمهانة تكسو صدره وقلبه! يعيش وجل أمانيه أن يأكل كما يأكل الأغنياء ويسكن كما يسكنون ويلبس كما يلبسون!
فقاوم كل ذلك -أخي الخطيب- بالتصغير والتحقير، نعم صغِّر ما يضخمون، فإنما هو في الواقع وحقيقة الأمر صغير حقير، فأما تضخيمهم من شأن المطعوم والمشروب فانقل إليهم ما رواه المقدام بن معدي كرب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ملأ آدمي وعاء شرًا من بطن، حسب ابن آدم لقمات يقمن صلبه، فإن غلبته نفسه فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث للنفس"([5])، وحذِّرهم بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أكثر الناس شبعًا في الدنيا، أطولهم جوعًا يوم القيامة"([6])، فكل استزادة من الطعام والشراب مضرة مذمومة.
وأما تضخيمهم من شأن الأموال والملايين والمليارات، فينفعهم ما سمعه عبد الله بن الشخير ونقله إلينا قائلًا: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، قال: "يقول ابن آدم: مالي، مالي، قال: وهل لك، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟"([7])، "وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"([8])، فلهم خيره وعليه وزره!
وأما الاهتمام بالمنازل وتشيدها وتأثيثها... فيكفيهم ما حدث مع عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد حكى قائلًا: مر بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نصلح خصًا لنا، فقال: "ما هذا؟" قلنا: خصًا لنا وَهَى فنحن نصلحه، قال: فقال: "أما إن الأمر أعجل من ذلك"([9])، وعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج فرأى قبة مشرفة... فقال: "أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا" يعني ما لا بد منه([10])، فهذا تعليق النبي -صلى الله عليه وسلم- على مجرد "خص" و"قبة"! وفي البخاري: "إن المسلم ليؤجر في كل شيء ينفقه، إلا في شيء يجعله في هذا التراب"([11]).
وبعد أن تُصغِّر ابدأ بالتقبيح، فعن الاهتمام بالمال والملابس قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش"([12]).
ثم كر -أيها الخطيب- على الدنيا كلها بالتحقير لكن في توازن، تمامًا كما صنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فعن سهل بن سعد قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الحليفة، فإذا هو بشاة ميتة شائلة برجلها، فقال: "أترون هذه هينة على صاحبها؟ فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها، ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها قطرة أبدًا"([13])، بل كما فعل القرآن الكريم: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ)[الكهف: 45].
ولعلنا نجد في موقف ربعي بن عامر مع رستم قائد الفرس في موقعة القادسية أوضح القدوة في تحقير ما يُضخِّم المغرورون، واللقاء مشهور وفيه أن رستم استشار عظماء فارس لما علم بقدوم ربعي، فأظهروا الزبرجد وبسطوا البسط والنمارق ولم يتركوا شيئًا، ووضع لرستم سرير الذهب، وألبس زينته من الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب، وأقبل ربعي يسير على فرس له... وانتهى إلى أدنى البسط، قيل له: انزل، فحملها على البساط، فلما استوت عليه، نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ثم أدخل الحبل فيهما، فلم يستطيعوا أن ينهوه... فأقبل يتوكأ على رمحه، يزج النمارق والبسط، فما ترك لهم نمرقة ولا بساطًا إلا أفسده وتركه منهتكًا مخرقًا، فقالوا: ما حملك على هذا؟ قال: إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه...
ودار الحوار المشهور، وكان مما قاله لهم ربعي: "يا أهل فارس، إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب، وإنا صغرناهن"... وأقبل رستم على قومه يشاورهم: "فقال: ما ترون؟ هل رأيتم كلامًا قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى إلى ثيابه! فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب، ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الأحساب، ليسوا مثلكم في اللباس"...([14]).
وهكذا؛ كلما ضخموا شيئًا وأعطوه فوق حجمه فصغِّره وحقِّره، وإن ضخموا فاسقًا؛ ممثلًا أو راقصة أو ظالمًا فصغِّره أنت، وفي المقابل ضخِّم ما يستحق التضخيم؛ أعلي من قدر الصالحين والربانيين، كبِّر نعيم الجنة، عظِّم أمر الإيمان والتقوى...
البند السادس: التوعية بخطر الفضائيات:
قد يستحسن الجاهل جلد أفعى لنعومته وطراوته وجميل ألوانه فيستأنس بها ويستكين إليها، لكنه إن رأى أنيابها فر منها وهرب! ومهمتك -أيها الخطيب- أن تريه أنياب الأفعى... أقصد أن كثيرًا من متابعي القنوات الفضائية تلك لا يرون فيها بأسًا ولا يحسون بخطرها ومهمتك أن تفتح عيونهم على ذلك الخطر من خلال التوعية والتبصير بمضارها، فإن أبصروا كانت الهمة من دواخلهم للفظها وهجرها.
ولأن بيان مخاطر الفضائيات وأضرارها يحتاج إلى مجلدات فإننا سوف نكتفى هنا برؤوس الأقلام التالية:
(1) الفضائيات مدرسة لتعليم الأولاد العقوق للآباء والأمهات، وتعليم الزوجات التمرد على الأزواج.
(2) الفضائيات تدرِّس الخيانة للأزواج والزوجات.
(3) الفضائيات تعلم الوسائل المبتكرة للجرائم والسرقات.
(4) الفضائيات تسهِّل انحراف الأبناء والبنات، وتعلمهم التدخين والإدمان، والحب والعشق والتبرج ليجذبوا أنظار الرجال ويظفروا بالإعجاب...
(5) الفضائيات مُعين على تضييع الفرائض والصلوات...
(6) الفضائيات سبيل إلى تعطيل المصالح والأشغال والوظائف، وهدر للطاقات.
(7) الفضائيات ترويج للشبهات وتسعير للشهوات.
(8) الفضائيات إفساد للأخلاق وهدم للقيم... ثم أنت بهذا الأمر أدرى.
البند السابع: إثارة الغيرة على الأعراض:
فإن ممن سلمت فطرته من يثور ويغتلي إذا ما غار على حريمه من أحد الرجال، فاعمل أنت -أيها الخطيب- أن تثير فيه النخوة والغيرة، أخبره أن الغيرة في مواضع الريبة من الإيمان، والجلوس أمام الفضائيات التي تنقل الفحش والخنا والزنا باسم الحب لهو من أعظم مواطن الغيرة، قل له: "كيف تترك زوجتك وبناتك يقلبن العين في الرجال الأجانب؟! كيف تدعهن يقعن في عشق ممثل متغنج أو مغنٍ حليق متكسر؟! بل كيف تسمح لهن أن يشاهدن مشاهد الفراش والفجور؟!"... خوِّفهم ونبههم لما يُعرَض على تلك القنوات من إباحية.
ثم ترحَّمْ على سعد بن عبادة -رضي الله عنه- الذي قال: لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني"([15]).
ولقد طهَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- بيته من مخنث عليم بأوصاف النساء، فعن أم سلمة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عندها وفي البيت مخنث، فقال المخنث لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية: إن فتح الله لكم الطائف غدًا، أدلك على بنت غيلان؛ فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخلن هذا عليكن"([16])، ويقصد بالأربع عكن البطن من السمن، وهن ممتدات إلى الجانبين فيظهرهن من الخلف ثمان... فإن مُنع مثل هذا فلمنع مخنثي الفضائيات أولى.
وأمر -صلى الله عليه وسلم- بتطهير البيوت أيضًا من خلوة قد تؤدي إلى الفواحش، فعن عقبة بن عامر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"([17])، ولكأني بالرجل إذا ترك أهله يختلون بتلك الفضائيات في غيابه فيتقلبون في فجورها ومجونها بين فُسَّاقها ودعارها لكأنهم في خلوة محرمة لا ينفعهم فيها محْرم!
فإن نجحت في إثارة الغيرة داخل قلب من بقي عنده شيء من فطرة فقد نجحت في تطهير بيت من رجس الفضائيات ووُفِقت في إنقاذ أسرة أن ينشأ أطفالها ويشيخ شيوخها على قيم الفضائيات وأخلاقها وعفنها.
***
وقد بقيت بنود أخرى نزود بها الخطيب في كفاحه ضد الفضائيات الماجنة، وربما أفردنا لها جزءًا ثالثًا -إن شاء الله-، فإلى أن نلتقي أقول لك: أخي الخطيب: كن على ثقة أنك الغالب ما دمت على الحق وإن قلَّت إمكانياتك، ولا يغرنك الملايين التي ينفقونها على فضائيات التبشير أو فضائيات نشر الفواحش؛ فإن الله -عز وجل- قد قال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36]، نعم: (ثُمَّ يُغْلَبُونَ)، فكن على ثقة من وعد الله -تعالى-.
([3]) السيرة الحلبية لعلي الحلبي (2/7)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الثانية - 1427هـ.
([4]) السيرة النبوية لابن كثير (2/160)، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، 1395هـ - 1976م.
([5]) النسائي في الكبرى (6738)، وابن ماجه (3349)، وصححه الألباني (الصحيحة: 2265).
([6]) ابن ماجه (3351)، والبزار (2498)، وحسنه الألباني (الصحيحة: 343).
([8]) مسلم من حديث أبي هريرة (2959).
([9]) أحمد (6502)، والترمذي (2335)، وصححه الألباني (صحيح وضعيف سنن الترمذي).
([10]) أبو داود (5237)، وابن ماجه (4161)، وصححه الألباني (الصحيحة: 2830).
([13]) ابن ماجه (4110)، والترمذي (2320)، وصححه الألباني (الصحيحة: 686).
([14]) تاريخ الطبري (3/521) بتصرف، الناشر: دار التراث - بيروت، الطبعة: الثانية - 1387 هـ.
([15]) البخاري (6846)، ومسلم (1499).