خطورة المخدرات

فهد عبدالله الصالح
1438/08/22 - 2017/05/18 14:30PM
الحمد لله العليم الحكيم أباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على سنته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فاتقوا أيها المسلمون وراقبوه في سركم وجهركم ومطعمكم ومشربكم واسألوا السلامة والعافية في دينكم ومعاشكم
عبـــاد الله : يقول ربكم تبارك وتعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا),
ومن أعظم تكريم الله للإنسان أن حباه الله نعمة العقل , يقول الإمام القرطبي (إن التكريم كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف وبه يعرف الله ويفهم كلامه) إلى آخر كلامه رحمنا الله وإياه , فالعقل هو جوهر الإنسان ، وهو ميزته على الجماد والحيوان , وبدونه ينحط الإنسان إلى ما دون الدون .
وبالعقل حمل الإنسان الأمانة وتأهل للتكليف وعرف خير الخيرين وشر الشرين .
بالعقل عمر الإنسان الأرض وشيد الفيافي والقفار , وغاص إلى أعماق البحار , وصعد فوق السحاب , وأحيا مجدبات الأرض اللباب.
بالعقول دونت العلوم , وقامت الحضارات واكتشف أسرار الطب وخفايا الطاقة .
بالعقول وبحثها وتأملها حدث ما ترون ـ يا عباد الله ـ من ثورة الاتصالات والإعلام وسائر العلوم والمعارف .
بالعقول تتفوق الأمم على بعضها بالعقول تغالب الأمم خصومها , ولذلك كان العقل من الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بحفظها , وحفظها يكون من جهة بتنميتها بالعلوم والتأمل والتفكير ، وبذلك جاءت آيات القرآن وأحاديث السنة , ومن جهة أخرى حرمت الشريعة الاعتداء على العقل بأي سبب يغيبه ولو للحظة وحرمت المساس به بأي شيء ينتقص أو يوهنه ,

ومن أجل ذلك حرم الإسلام الخمور بكل أنواع المسكرات لما تطمس من أنوار العقول وترد الإنسان إلى أسفل سافلين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يقول الإمام الغزالي (حرم الشرع شرب الخمر لأنه يزيل العقل ، وبقاء العقل مقصود في الشرع لأنه آلة الفهم وحمل الأمانة ومحل خطاب التكليف فالعقل ملاك أمور الدين والدنيا) انتهي كلامه رحمنا الله وإياه ,
ولعمر الحق إن غياب العقل لمفسدة أي مفسدة , وما قيمة الإنسان إذا غاب عقله وانطفأت بصيرته وتخلى عن إنسانيته , وأهل الجاهلية على جاهليتهم كان منهم رجال حرموا الخمر على أنفسهم لما رأوا ما تفعله بالرجل العاقل الرشيد .
ولقد تطورت صناعة المسكرات حتى ظهرت المخدرات والتي هي أشدها على الأفراد والأمم
وأنتم ترون يا عباد الله كيف أصبحت مشكلة المخدرات في بلاد الإسلام هاجساً أمنياً ومعضلة اجتماعية أسرية تهدد أولادنا وتتخطفهم , وتهوي بهم في حفر الإدمان والمرض والفساد ,
والمسألة ـ أيها المصلون ـ لم تعد مسألة تجار مخدرات ومرتزقة حرام الأمر ذهب لأبعد من ذلك وأخطر , لقد استخدمت المخدرات كسلاح سياسي قذر يخضع الأمم ويدمر المجتمعات ويفعل فعل الجيوش وأكثر , فقبل أكثر من مائتي عام استغلقت الصين أبوابها أمام السلع البريطانية ورفضت كل أشكال التبادل التجاري معها مما دفع البريطانيين لشن حملة مخدرات عبر مستعمراتها في الهند ورغم محاولة الصين للسيطرة على تهريب الأفيون ومنعه إلا أنهم فشلوا وتهاوى شبابهم في مصيدة العدو الانجليزي , حتى أصبح الصيني يبيع مزرعته ومصنعه وداره ليحصل على جرعات من الأفيون



وبعد حرب طويلة النفس وتحت ضربات شحن المخدرات خضعت الصين وفتحت أبوابها مرغمة باتفاقية مذلة لا تزال الصين تعاني آثارها حتى يومنا هذا .
وفي أمريكا استخدمت الطبقة الحاكمة العليا ذات الأصول الأوربية سلاح المخدرات ضد الجالية الإفريقية لتدمير قواها وسلبها القدرة على المنافسة على التجارة والرئاسة والمناصب العليا .
وفي العراق لما أسقط النظام السني على يد أمريكا وإيران وأثناء الاحتلال غزا الفرس الصفويون شباب العراق بشحنات المخدرات على أيدي العصابات حتى غدا ما بين ثلاثين إلى أربعين من كل مائة شاب يتعاطى المخدرات الإيرانية التي هي أشد أنواع المخدرات سمية حيث تتلف الجهاز العصبي خلال أشهر قليلة كما إشارت إلى ذلك وزارة الصحة العراقية .
إذا أيها المصلون : نحن أمام حرب إبادة , وسلاح دمار شامل يستخدمه عدو حاقد متمرس في الفتك , وبلادنا في السنوات الأخيرة , لم تعد تواجه عصابات ترويج أو مخططات تعمل في الخفاء , بل حربا معلنة يشهد على ذلك الكميات المضبوطة وأعداد المروجين وحجم التجارة في العام الواحد والأساليب المختلفة للتهريب والترويج , وينجح العدو في تسويقها وتوزيعها , ولكن أين ذهبت هذه الأطنان ومن الذي يتناولها , وما الثمن الذي يدفع بسببها , وكم مهجة شاب غض وفتاة بريئة افترستها تلك القوى الشريرة , كم عقل وروح أهدرته وقلب أحرقته , كم من الأسر المكلومة والدموع المسفوكة من الأب الرحيم والأم الرءوم إذا رأوا فتاهم الذي كان بالأمس ذكي العقل متوقد الهمة متأجج الحركة والمرح , وقد أصبح بهيمة هائمة ذاهلة وغدا كومة لحم سادر لا يعي ما حوله ولا يدرك ما يراد به , وقد غدا خطراً على أخواته ومحارمه , فأهله بين عار ونار , كم يصرف عليهم في السجون والمستشفيات , وكم قد ضاع من الدين والأعراض والأخلاق في ساحة المخدرات ,


أرأيتم ـ أيها المسلمون ـ كيف نال منا عدونا الحاقد , فقتل فئات من خيرة شبابنا وفتياتنا بغير حرب ولا ضر , قتلوا بغير شهامة ولا شهادة , فأصبحوا أمواتاً لا يجوز دفنهم ، وأعداداً كلما زادت زادت أحزان أمتهم , أرأيتم كيف حرموهم طيب الحياة الدنيا , وحرموهم الآخرة ونعيمها إلا أن يتوب الله على من تاب .
لأجل هذا وأكثر منه مما يقصر عليه المقال والمقام شدد الإسلام يا عباد الله في كل ما يمس العقل من سوء وحمل وزره كل من له علاقة في تفشيه ونشره قال صلى الله عليه وسلم (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها)عياذ بالله من الضلال ومن مسالك الشيطان
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة , ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة , أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم



الخطبة الثانية :
وعلموا إن طهارة المجتمع وسلامته وأمنه ليست منوطة بالأجهزة المختصة فحسب إن أمن المجتمع منوط بالمجتمع نفسه بكل أفراده وفئاته وشرائحه ,فرجال مكافحة المخدرات يقومون ببطولات عظيمة ويقدمون تضحيات جسيمة ويسقط في ساحت الشرف شهداء كما نرجو لهم يدافعون عن مهج أبنائنا ودينهم وعقولهم ومستقبلهم يدافعون عن أرضنا وأعراضنا ولكنهم وحدهم لن يستطيعوا صد المعركة المفتوحة الشرسة وقد بلغت هذا المدى
إن الأمن الشامل المترابط مطلوب من الجميع سواء كانوا دعاة أو معلمين أو إعلاميين أو آباء أو أجهزة أمنية
إن الضحية ليست أموالاً هالكة يستعاض عنها أو منازل متهدمة يعاد بناؤها إن الضحية جيل بأكمله وأمة بأكملها
الواجب يحتم الضرب بيد من حديد من قبل من بيدهم الأمر على المروجين ومن أدخلها إلى بلادنا كائناً من كان والتشهير بهم فمثل هؤلاء الأشرار لا ينفع معهم سوى الحزم والردع
كما يجب التعاون مع الجهات ذات العلاقة بالإبلاغ عن كل مروج وموزع ,
الواجب أيضاً أن تتم التوعية بخطورة هذا الشر وحسن التربية والاعتناء بالبيوت وأن نبعد أبناءنا عن قرناء السوء وأماكن التجمعات المشبوهة .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
هذا وصلوا سلموا.........
المشاهدات 818 | التعليقات 0