خطورة الكذب

محمد البدر
1433/06/18 - 2012/05/09 05:56AM
الخطبة الأولى :
أما بعد عباد الله :اتقوا الله وكونوا مع الصادقين كونوا مع الصادقين في عبادة الله اصدقوا الله تعالى في عبادته اعبدوا الله مخلصين له غير مرائين في عبادته ولا مسمعين امتثلوا أمر الله طلبا للقرب منه والحصول على ثوابه واجتنبوا نهيه خوفا من البعد عنه والوقوع في عقابه ولا تبتغوا في عبادتكم أن يراكم الناس أو يسمعوكم فيمدحوكم عليها فان الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه مع الله غيره تركه الله وعمله اصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم في اتباعه ظاهرا وباطنا غير مقصرين في سنته ولا زائدين عليها اصدقوا الناس في معاملتهم اصدقوا الناس في الواقع فيما تخبرونهم به وبينوا لهم الحقيقة فيما تعاملونهم به فذلك هو الصدق الذي أمركم الله به ورسوله يقول الله تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )ويقول النبي صلى الله عليه وسلم « عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا » رواه مسلم .بين رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث أن للصدق غاية وللصادق مرتبة أما غايةالصدق فهي البر والخير ثم الجنة واما مرتبة الصادق فهي الصديقية وهي المرتبة التي تلي مرتبة النبوة عند الله وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ {فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }وإن الصادق لمعتبر بين الناس في حياته ومماته فهو موضع ثقة في أخباره ومعاملته وموضع ثناء حسن وترحم عليه بعد وفاته واحذروا أيها المسلمون من الكذب احذروا من الكذب في عبادة الله لا تعبدوا الله رياءً ولا سمعة ولا خداعا ونفاقا لا تحذروا الخلق في عبادة الله ولكن احذروا الله عز وجل فان الله تعالى يعلم ما في قلوبكم والخلق لا يعلمون ما في قلوبكم واحذروا من الكذب في إتباع رسول الله صلي الله عليه وسلم لا تزعموا أنكم متبعون له ثم تبتدعوا في شريعته ولا تخالفوا النبي صلى الله عليه وسلم في هديه واحذروا من الكذب مع الناس لا تخبروا الناس بخلاف الواقع ولا تعاملوهم بخلاف الحقيقة إن المؤمن لا يمكن أن يكذب إن المؤمن حقيقة لا يمكن أن يكذب لان الكذب من خصال المنافقين قال الله عز وجل {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ }وقال تعالى فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} وقال تعال{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}إن المؤمن لا يكذب إن المؤمن لا يكذب لانه يؤمن بآيات الله ويؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم« فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا » رواه مسلم.
ما أقبح غاية الكذب وما أسفل مرتبة الكاذب الكذب يفضي إلى الفجور وهي الميل والانحراف عن الصراط السوي ثم بعد ذلك يهدي إلى النار ويا ويل أهل النار والكاذب سافل لانه مكتوب عند الله كذابا وبئس هذا الوصف لمن اتصف به إن الإنسان لينكر أن يقال له بين الناس يا كاذب فكيف يقر أن يكتب عند الله كذابا إن الكاذب لمحجور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته ولقد قرن الله تعالى الكذب بعبادة الأوثان فقال جل ذكره{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} فهل بعد ذلك سبيل هل بعد ذلك سبيل إلى أن يتخذ المؤمن الكذب مطية لسلوكه أو منهاجا لحياته لقد كان الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم لا ينتقون الكذب ولا يتخذونه منهجا لحياتهم أو بلوغ مآربهم هذا أبو سفيان ذهب قبل أن يسلم في رهط من قريش تجار إلى الشام فلما سمع بهم هرقل ملك الروم بعث إليهم ليسألهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان وهو يومئذ مشرك قال فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه أو عليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم هكذا أيها المؤمنون الكفار في كفرهم وأهل الجاهلية في جاهليتهم يترفعون عن الكذب ويستحيون من أن يؤثر عليهم وينسب إليهم ،كيف يكون هؤلاء الكفار حرصين على الصدق والواجب أن المسلمين يكونون أصدق الناس لان هذا دينهم وصدقهم اذا ابتغوا به وجه الله كان عبادة تقربهم إلى الله عز وجل أيها المؤمنون كيف تتخذون الكذب مطية وقد حباكم الله بهذا الدين الكامل الذي يأمركم بالصدق ويرغبكم فيه ويبين لكم نتائجه وثمراته الطيبة وينهاكم عن الكذب ويحذركم منه ويبين لكم نتائجه وثمراته الخبيثة أيها المسلمون إن بعض المنخدعين من هذه الأمة ليستمرئ الكذب ويفتي نفسه بحله إما لتهاون بالكذب واما لاعتقاد فاسد يظن أن الكذب لا يحرم الا اذا تضمن أكل مال واما لطمع مادي يتمتع به في دنياه واما لتقليد أعمى لا هداية فيه وكل ذلك خداع لنفسه وتضليل لفكره فالتهاون في الكذب عنوان الرذيلة فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينك وبين الكذب حتى لا يبقى دونه حائل إن الكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية فإذا وقعت فيه مرة هان عليها شأنه ثم تقع فيه ثانية فيهون عليها أكثر حتى يصبح سجية وطبيعة فيكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا أيها المسلمون إن الكذب حرام وإن لم يكن فيه أكل المال بغير حق إذ لم يكن في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تحريم الكذب مشروط بذلك ولكن الكذب إذا تضمن أكل مال بالباطل كان أعظم جرما وأشد عقوبة فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الكبائر وفيها اليمين الغموس قيل وما اليمين الغموس يا رسول الله قال التي يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها كاذب وقال صلى الله علله وسلم « مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ». فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ » رواه مسلم . القضيب من الأراك هو عصا من الأراك الذي تتسوكون به إن بعض الناس يكذب ليضحك به القوم فيألف ذلك لما يرى من ضحك الناس ويستمر على عمله فيهون عليه وقد جاء في الحديث « وَيْلٌ لِلَّذِى يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ » رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وإن بعض الناس يكذب على الصبيان كثيرا لانهم لا يوجهون اليه النقد ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب وفتح لهم باب التهاون به والتربي عليه و عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ دَعَتْنِى أُمِّى يَوْمًا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِى بَيْتِنَا فَقَالَتْ هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ ».قَالَتْ أُعْطِيهِ تَمْرًا. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِيهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ » رواه أبو داود وحسنه الألباني. أما إنك لو لم تعطه شيئا لكتبت عليك كذبة . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :
أما بعد : فاتق الله أيها المسلم اتق الله في نفسك واتق الله في دينك واتق الله في مجتمعك الم تعلم أن الدين إذا كان مظهرا لك ومظهرا لهذا ولهذا وكان فيه اختلال كان فيه اختلال للمسلمين كلهم أيها المسلمون إننا اذا اعتدنا الكذب ورأى منا الأجانب ذلك فانهم سوف ينفرون عن دين الإسلام لانهم يظنون أن الدين هو ما كان عليه المسلمون اذا كانوا قد فخروا بما أمروا به من الصدق واجتناب الكذب .
ألا وصلوا عباد الله على البشير النذير والسراج المنير كما أمركم بذلك اللطيف الخبير ...
المشاهدات 4956 | التعليقات 1

وَيْلٌ لِلَّذِى يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ ـــــــــــ حديث مؤثر ، ياليتهم يعلمون من يكذبون ليضحكون

خطبة نحتاجها فالكذب عند كثير من الناس أصبح عادة بل منهم من يظن أن بكذبه يخدم غيره ويكتب له أجر ..!!

جزيتم خيرا على هذه الخطبة ..