خطر وسائل التواصل

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

شَرُّ الخَلْقِ عَلَى الإِطْلَاقِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ هُمُ الذينَ يَسْتَغِلُّونَ نِعْمَةَ اللهِ تعالى، وَيَخُونُونَهَا، وَيَسْتَخْدِمُونَهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، هَؤُلَاءِ يُعَذِّبُونَ أَنْفُسَهُمْ بِعُقُوبَةِ اللهِ تعالى في الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَـشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرَاً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.

نِعَمُ اللهِ تعالى تَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ، فَمَنْ شَكَرَ اللهَ تعالى عَلَى نِعَمِهِ رَأَيْتَهُ عَبْدَاً مُطْمَئِنَّ القَلْبِ، قَرِيرَ العَيْنِ، رَاضِيَاً عَنْ رَبِّهِ أَتَمَّ الرِّضَا، مَلَأَ قَلْبَهُ حُبَّاً للهِ تعالى، وَرَجَاءً فِيهِ، وَيَقِينَاً في رَحْمَتِهِ، وَاسْتَبْشَرَ بِقَوْلِه ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ لِأَنَّ الشُّكْرَ للهِ تعالى يَعْقِلُ النِّعْمَةَ المَوْجُودَةَ، وَيَسْتَجْلِبُ النِّعْمَةَ المَفْقُودَةَ،

أَمَّا الجَاحِدُ لِنِعَمِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالمُسْتَغِلُّهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، لَا يَهْدَأُ لَهُ بَالٌ، وَلَا يَرْتَاحُ لَهُ قَلْبٌ، يَشْعُرُ بِأَلَمِ المَعْصِيَةِ، وَعُقْدَةِ الذَّنْبِ، مِمَّا يَجْعَلُ حَيَاتَهُ شَقَاءً وَضَنْكَاً.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الكِرَامُ: مِنْ جُمْلَةِ نِعَمِ اللهِ تعالى عَلَيْنَا نِعْمَةُ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، وَكُلُّ نِعْمَةٍ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾. وَأَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ بِحَدِّ ذَاتِهَا نِعْمَةٌ، وَلَكِنَّهَا وَبِكُلِّ أَسَفٍ انْقَلَبَتْ إلى نِقْمٍ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ، حَيْثُ سَهَّلَتْ عَلَيْهِمْ مَعْصِيَةَ اللهِ تعالى، بِسَبَبِ الغَفْلَةِ عَنْهُ تَبَارَكَ وتعالى، حَتَّى صَارَتْ سَبَبَاً في انْهِيَارِ البُيُوتِ، وَمِنْ خِلَالِهَا فَاحَتْ رَوَائِحُ الفَضَائِحِ، وَهُتِكَتِ الأَعْرَاضُ، وَاخْتُرِقَتِ الحُرُمَاتُ، وَتَحَوَّلَتْ أَجْهِزَةُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ إلى نِقْمَةٍ وَأَيِّ نِقْمَةٍ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بِنِعْمَةِ أَجْهِزَةِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ التي اسْتُخْدِمَتْ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، بَكَتْ عُيُونَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَفُرِّقَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، وَجُرَّ العَارُ عَلَى الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ، وَقُهِرَتِ الزَّوْجَاتِ وَالأَزْوَاجَ، وَنُـشِرَتِ الخَبَائِثَ، وَطُلِّقَتِ الكَثِيرُ مِنَ الزَّوْجَاتِ، وَطَلَبَتِ الكَثِيرُ مِنَ النِّسَاءِ الطَّلَاقَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ.

لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ أَقْرَبَ وَأَقْصَرَ الطُّرُقِ إلى الطَّلَاقِ وَالانْفِصَالِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَصَارَتْ أَسْهَلَ طَرِيقٍ لاتِّصَالِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَارْتِفَاعِ نِسْبِ خِيَانَةِ الأَزْوَاجِ لِزَوْجَاتِهِمْ، وَخِيَانَةِ الزَّوْجَاتِ لِأَزْوَاجِهِنَّ.

لَقَدْ صَارَتْ وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ سَبَبَاً لانْشِغَالِ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجَتِهِ، وَالزَّوْجَةِ عَنْ زَوْجِهَا، وَالأَبْنَاءِ عَنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَالإِخْوَةِ عَنْ أَخَوَاتِهِمْ، بَلْ صَارَ كِبَارُ السِّنِّ يَشْعُرُونَ بِالعُزْلَةِ عَنْ فُرُوعِهِمْ وَأَقَارِبِهِمْ.

يَا أَصْحَابَ الجَوالَاتِ، رَاقِبُوا اللهَ تعالى القَائِلَ ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً﴾ القَائِلَ ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾ وَالقَائِلَ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ القَائِلَ ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾.

يَا أَصْحَابَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، لَا تَجْعَلُوا اللهَ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكُمْ ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».

قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ.

قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».

فَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، لِنَحْفَظِ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَاللِّسَانَ، فَكُلُّ أُولَئِكَ سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ.

نَسْأَلُ اللهَ تعالى حُسْنَ الخَاتِمَةَ

أقول ما تسمعون ...

 

 

الحمد لله رب العالمين ...

قُولُوا لِكُلِّ مَنْ أَسَاءَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، فَكَانَ سَبَبَاً في انْحِرَافِ النِّسَاءِ، وَسَبَبَاً في الطَّلَاقِ، وَسَبَبَاً في إِفْسَادِ الحَيَاةِ وَالحَيَاءِ، وَسَبَبَاً في انْحِرَافِ الرِّجَالِ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ بُيُوتِهِمْ وَعَمَّا أَحَلَّ اللهُ تعالى لَهُمْ، ذَكِّرُوهُمْ بِقَوْلِ اللهِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾.

أَمَا تَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ تعالى قَادِرٌ على سَلْبِ نِعْمَةِ البَصَرِ، وَالنُّطْقِ، وَالسَّمْعِ؟

أَمَا تَعْلَمُ أَنَّكَ سَتُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ التي جَعَلْتَهَا نِقْمَةً وَوَبَالَاً عَلَيْكَ يَوْمَ القِيَامَةِ، قَالَ تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾.

مَا أَنْتَ قَائِلٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا دَخَلْتَ قَبْرَكَ؟

يَا صَاحِبَ الجَوَّالِ، يَا صَاحِبَةَ الجَوَّالِ، لِنَتَّقِ اللهَ تعالى فِيمَا أَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنْ نِعَمٍ، وَلْنَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْنَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، قَبْلَ أَنْ نَنْدَمَ وَلَا يَنْفَعُنَا النَّدَمُ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ النَّادِمِ: ﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾.

يَا عِبَادَ اللهِ: سَنَمُوتُ، وَبَعْدَ المَوْتِ سَنُبْعَثُ، وَبَعْدَ البَعْثِ سَنُحْشَرُ، وَبَعْدَ الحَشْرِ سَنُسْأَلُ، وَبَعْدَ السُّؤَالِ إِمَّا إلى جَنَّةٍ وَإِمَّا إلى نَارٍ، فَمِنْ أَيِّ الفَرِيقَيْنِ نَحْنُ؟ لَا تَجْعَلُوا نِعَمَ اللهِ تعالى عَلَيْكُمْ سَبَبَاً لِسَخَطِ اللهِ عَلَيْكُمْ، بُيُوتُنَا صَارَتْ في خَطَرٍ عَظِيمٍ بِسَبَبِ هَذِهِ الوَسَائِلِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الاجْتِمَاعِيِّ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ المُحَرَّمُ عِوَضَاً عَنِ التَّوَاصُلِ المَشْرُوعِ، لَقَدْ صَارَ التَّوَاصُلُ الذي يُدَمِّرُ وَلَا يُعَمِّرُ، دُمِّرَتِ البُيُوتُ، وَطُلِّقَتِ النِّسَاءُ، وَضَاعَ الأَطْفَالُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا.

 

المرفقات

1689275764_خطر وسائل التواصل.pdf

المشاهدات 413 | التعليقات 0