خَطَرُ المُخَدِّرَاتِ

مبارك العشوان 1
1444/10/14 - 2023/05/04 01:09AM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ المُطَهَّرُ بِحِفْظِ الضَّرُورِيَّاتِ الخَمْسِ؛ وَهِيَ: الدِّيْنُ وَالنَّفْسُ وَالعَقْلُ وَالعِرْضُ وَالمَالُ.

وَحَذَّرَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ إِفْسَادٌ لِهَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ.

وَحَدِيثُ اليَوْمِ عَنْ آفَةٍ عَظِيمَةٍ؛ فِيهَا غَايَةُ الإِضْرَارِ بِهَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ.

المُخَدِّرَاتُ - عَصَمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْلِمٍ مِنْهَا -

أَمَّا إِضْرَارُهَا بِالدِّين وَصَدُّهَا عَنْهُ فَعَظِيْمٌ جِدًّا.

مُتَعَاطِي المُخَدِّرَاتِ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ؛ مُطِيعٌ لِلشَّيْطَانِ  قَالَ اللهُ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } 90- 91المائدة

 يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: فَأَيُّ مَعْصِيَةٍ أَعْظَمُ وَأَقْبَحُ مِنْ مَعْصِيَةٍ تُدَنِّسُ صَاحِبَهَا، وَتَجْعَلُهُ مِنْ أَهْلِ الخُبْثِ، وَتُوقِعُهُ فِي أَعْمَالِ الشَّيْطَانِ وَشِبَاكِهِ، فَيَنْقَادُ لَهُ كَمَا تَنْقَادُ البَهِيْمَةُ الذَّلِيْلَةُ لِرَاعِيْهَا، وَتَحُولُ بَيْنَ العَبْدِ وَبَيْنَ فَلَاحِهِ، وَتُوقِعُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ، وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ؟ فَهَلْ فَوْقَ هَذِهِ المَفَاسِدِ شَيءٌ أَكْبَرُ مِنْهَا؟ ! اهـ

وَالنَّهْيُ عَنِ الخَمْرِ وَالوَعِيْدُ عَلَيْهَا نَهْيٌ وَوَعِيْدٌ عَلَى المُخَدِّرَاتِ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَاخْتِلَافِ مُسَمَّيَاتِهَا؛ بَلْ إِنَّهَا أَشَدُّ وَأَخْبَثُ وَأَشَرُّ مِنَ الْخَمْرِ وَكِلَاهُمَا خَبِيثٌ وشَرٌّ.

مُدْمِنُ المُخَدِّرَاتِ يَرْتَكِبُ المَعَاصِي، وَيُجَاهِرُ بِهَا وَلَا يُبَالِي؛ يَقْتَرِفُ المُوبِقَاتِ وَيَتْرُكُ الفَرَائِضَ وَلَا يُبَالِي.

وَأَمَّا إِضْرَارُ المُخَدِّرَاتِ بِالنَّفْسِ فَظَاهِرٌ بَيِّنٌ، وَشَوَاهِدُهُ كَثِيْرَةٌ، وَكَمْ هِيَ الوَفِيَّاتُ وَالِانْتِحَارُ بِسَبَبِ المُخَدِّرَاتِ، كَمْ يَقَعُ مِنْ حَوَادِثِ السَّيَّارَاتِ بِسَبَبِ المُخَدِّرَاتِ، وَالقَتْلُ بِسَبَبِهَا، وَكَمْ كَانَتِ المُخَدِّرَاتُ سَبَبًا لِأَنْوَاعٍ مِنَ الجَرَائِمِ فَالمُدْمِنُ لَا يَتَوَرَّعُ عَنْ جَرِيْمَةٍ؛ يَسْرِقُ وَيَسْطُو وَيَعْتَدِي وَيَقْتُلُ.

وَأَمَّا إِضْرَارُ المُخَدِّرَاتِ بِالعَقْلِ وَتَدْمِيرُهَا لَهُ؛ فَقَدْ قَرَّرَهُ الطِّبُّ، وَشَهَدُ لَهُ الوَاقِعُ المُؤْلِمُ؛ فَكَمْ يَعِيشُ فِي مُجْتَمَعِنَا  وَكَمْ فِي المَصَحَّاتِ؛ مِمَّنْ فَقَدُوا عُقُوْلَهُمْ؛ وَقَدْ كَانُوا قَبْلَ الوُقُوعِ فِي المُخَدِّرَاتِ مِنْ أَعْقَلِ النَّاسِ وَأَزْكَاهُمْ.

وَفِي المُخَدِّرَاتِ إِفْسَادٌ لِلْمَالِ؛ وَوَضْعٌ لَهُ فِي غَيرِ مَوضِعِهِ وَسَيُسْأَلُ الإِنْسَانُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيْمَ أَنْفَقَهُ.

يَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ: لَو كَانَ العَقْلُ يُشْتَرَى لَتَغَالَى النَّاسُ فِي ثَمَنِهِ، فَالعَجَبُ مِمَّنْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ مَا يُفْسِدُهُ.

أَفْسَدَ المُدْمِنُونَ أَمْوَالَهُمْ، وَتَرَكُوا وَظَائِفَهُم وَأَعْمَالَهُمْ  وَبَاعُوا مُمْتَلَكَاتِهِمْ، ثُمَّ لَجَأوا إِلَى سُؤَالِ النَّاسِ، وَإِلَى النَّهْبِ وَالسَّرِقَاتِ.

وَأَمَّا إِضْرَارُ المُخَدِّرَاتِ بِالْأَعْرَاضِ؛ فَإِنَّ المُدْمِنَ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى عِرْضٍ، وَلَا عَلَى مَحَارِمَ؛ بِلْ قَدْ يَكُونُ خَطَرُهُ عَلَى أَقَارِبِهِ أَشَدُّ؛ وَكَمْ آلَمَ النَّاسَ مِنَ القَصَصِ فِي بَيْعِ المُدْمِنِيْنَ لِأَعْرَاضِهِمْ، وَهَتْكِهِمْ لِحُرُمَاتِهِمْ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ.

شَتَّتُوا أُسَرَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ، وَعَقُّوا وَالِدَيْهِمْ، وَكَرِهُوا مُجْتَمَعَهُمْ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ المُسْلِمِينَ وَيُصْلِحَ أَحْوَالَهُمْ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

 

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ المُخَدِّرَاتِ دَاءٌ خَطِيرٌ، وَشَرٌّ مُسْتَطِيرٌ، وَسُمٌّ زُعَافٌ، هِيَ مَجْمَعٌ لِلْآثَامِ، وَمِفْتَاحٌ لِلشُّرُورِ، وَطَرِيقٌ لِلضَّلَالِ وَالغِوَايَةِ.

فَتَنَبَّهُوا - أَيُّهَا النَّاسُ - لِهَذَا الخَطَرِ.

تَنَبَّهُوا أَيُّهَا الآبَاءُ، أَيُّهَا المُرَبُّونَ، أَيُّهَا المُعَلِّمُونَ، أَيُّهَا النَّاصِحُونَ؛ فَالخَطَرُ شَدِيدٌ، وَالمَسْؤُولِيَّةَ عَظِيْمَةٌ.

 تَوَاصَوا بِالْحَقِّ، تَآمَرُوا بِالمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوا عَنِ المُنْكَرِ تَعَاوَنُوا فِي صَدِّ هَذَا الخَطَرِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَعَنْ أُسَرِكُمْ وَعَنْ مُجْتَمَعِكُمْ وَعَنْ بِلَادِكُمْ؛ وَرَبُّوا أَوْلَادَكُمْ وَمَنْ تَحْتَ أَيْدِيْكُمْ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى، وتَعْظِيْمِ حُرُمَاتِهِ، حَذِّرُوهُمْ مَجَالِسَ السُّوءِ، وَرُفْقَةِ السُّوءِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ.

حَذِّرُوهُمْ مِنَ الدُّخَّانِ وَالشِّيْشَةِ؛ بَيِّنُوا لَهُمْ حُرْمَتَهَا وَخَطَرَهَا وَضَرَرَهَا، وَأَنَّهَا مِفْتَاحُ الشَّرِّ؛ مَا إِنْ يُخْدَعَ الشَّابُّ بِهَا، وَيَقَعَ فِيْهَا؛ إِلَّا وَيَقَعَ فِي المُخَدِّرَاتِ.

وَيَا مَنِ اِبْتُلِيْتَ بِهَذِهِ السُّمُومِ، يَا مَنْ وَقَعْتَ فِي المُخَدِّرَاتِ تَدَارَكْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُطَ الأَمْرُ عَلَيْكَ؛ فَتَنْدَمَ حِيْنَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ. تَدَارَكْ نَفْسَكَ، وَأَشْفِقْ عَلَى دِيْنِكَ وَعَقْلِكَ، أَشْفِقْ عَلَى أَبْنَائِكَ وَبَنَاتِكَ، وَأَسْعِدْ وَالِدَيْكَ وَأُسْرَتَكَ.

تُبْ إِلَى اللهِ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، وَإِنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، يُنَادِي تَعَالَى مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر 53 

اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ، وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ؛ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا جَمِيْعًا مِنْ هَذَا الشَّرِّ  وَوَفِّقْنَا لِكُلِّ خَيْرٍ. اللَّهُمَّ أَعْظِمِ الأَجْرَ، وَأَجْزِلِ الثَّوَابَ، لِكُلِّ مَنْ سَعَى فِي حِمَايَةِ البِلَادِ وَالعِبَادِ مِنْ هَذَا الدَّاءِ؛ مِنْ جُنُودٍ مُخْلِصِينَ، وَدُعَاةِ وَمُعَلِّمِينَ وَمُصْلِحِينَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

1683151716_خَطَرُ المُخَدِّرَاتِ 1444.pdf

1683151732_خَطَرُ المُخَدِّرَاتِ 1444.doc

المشاهدات 1024 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا