خطر المخدّرات ووبالها على المقدّرات
ناصر بن عبدالرحمن الحمد
الحمدلله أما بعد:
فقد جاء ديننا الحنيف بحفظ الضرورات الخمس الدين والنفس والعقل والعرض والمال
وجعل الاعتداء عليها مخالفا لنهج الإسلام وما عليه الكرام ...
عباد الله
إنّ المعصية الصغيرة إذا شركت بصاحبها كانت أهون وأدون وعلى تركها أسرع وأعون فإذا كان بلاؤهاإدمانا لم تكن سلاماً ولا أماناً ولا يقف أثرها ويزول عثرها في ليلة أو بعض ليلة بل يطول شرها ويزدادأمرها ويعلو رهجها حتى تفتك بصاحبها وبمن معه ...
اليوم نتحدّث عن داء خطير وشرّ مستطير يدمّر الأمم ويهتك الحرم ألا وهي المخدرات والمسكرات التيتفتك بالمجتمعات وتحيل الفرد والأسرة إلى كائنات أبعد عن البشرية بعد بعدها عن ربّ البرية.
المسكرات تسكّر وتغلق العقل ليخرج من حياته البائسة إلى عالمٍ وهميّ يطرب له قلبه وتأنس له نفسه وهووهمٌ وإدمان وللروح خِواء وداء وبلاء ووباء .
وأما المخدّرات فهي المخدّر للمشاعر والمدمّر للأرواح والمحطم للأسر المهلك للمجتمعات.
يخرج المرء من قلبه الآمن إلى قلب تكتنفه الشياطين ليستيقظ من بعد ذلك على قتل وهتك عرض وتعذيبوتنكيل في أغلى الناس عنده وأعزهم على قلبه ....
فيالله كم من أرواح أُزهقت وأسر أوبقت كانت تعيش في ظلّ وارف وعزٍّ آلف ثم تحولت إلى ظلم جارفوهوس حارف وانقلب أمنها خوفاً ونعيم رزقها جوعاً
عباد الله ...
لم يكن الله ﷻ ليحرم الخمرة ويلعن نبيّه ﷺ شاربها وحاملها وعاصرها عبثا ...
لقد أخبر الله ﷻ المؤمنين بخبر مُبين :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْتُفْلِحُونَ ﴾
وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِاللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾
جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللهيقولُ:
((أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ، إنّ اللهَ عز وجل لعنَ الخمرَ وعاصرَها ومعتصرَها وشاربَها وحاملَهاوالمحمولةَ إليه وبائعَها ومُبتاعَها وساقيها ومُستقيَها))
فنسأل الله ﷻ السلامة والعافية تأملوا للحديث وكيف أن مجرد الحمل له مسوغ للعنة الله ﷻ وطردهوإبعاده ...
وهذا شأن كل معصية وذنب وخطيئة فإن لكل مشارك جزءا من الذنب
نسأل الله ﷻ أن يحمينا ويعصمنا ويلطف بنا...
عباد الله ...
إن الشيطان لا يبدأ بالكبيرة بل يتدرج بالصغيرة ..
يبدؤها بالدخان والشيشة ومبادئ الفاحشة ودخول أماكن اللهو المحرم كالمراقص
ثم يسهل من بعد ذلك شرب الخمرة ثم يسهل من بعد ذلك تعاطي المخدرات والمُسكرات ...
ولا يكاد أحدٌ ابتلي بالمخدرات إلا كانت هذه البلاءات له بابا.
ولا شكّ أنّ الخلطة بمن ابتلي بذلك هي سبب كبير من أسباب الوقوع بالإدمان والصاحب ساحب !
فاسحب نفسك من صاحب السوء قبل أن يسحبك إلى وبائه ودائه.
وكم من أناس ظنوا أنهم بمأمن من الوقوع في ذلك الوباء وكانوا يسافرون يمنة ويسرة مع الأصدقاء ظنامنهم أنهم يستطيعون كبح جماح شهواتهم ولجم نزواتهم ومع الوقت أصبحوا رهن شهواتهم ونزواتهموالله المستعان
عباد الله..
أكثروا من الدعاء أن يعصمكم من كل داء
الحمدلله الذي من اعتصم به اهتدى ومن ضلّ عنه اعتدى وما اهتدى.
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة من دلنا على أعظم الهدى وحذرنا من سبل الردى
أما بعد :
فمن فضل الله ﷻ على هذا البلد الأمين بحكامه العاملين أنهم يواجهون داء المخدرات بأعظم العقوباتالتي تصل للقتل حداً أو تعزيرا ...
ومع ذلك لا يزال الأعداء يقصدون هذا البلد الأمين وأهله بكل ما أعطوا من قوة وبالأمس القريب يقومالصادقون في قوة الواجب التابعة للبحرية السعودية باعتراض وتفتيش سفينة مشتبه بها، حيث أسفرتالعملية عن ضبط ومصادرة كمية 182 كغم من مادة الميثامفيتامين المخدرة بالإضافة لـ272 كغم من مادةالهيروين.
فاحمدوا الله ﷻ على هذه النعمة التي تظلون آمنين على أنفسكم وأولادكم بفضل الله ﷻ ثم بفضلقيادة جعلت نصب عينها الوقوف بوجه من تسول له نفسه ترويج الشر والخطر في بلادنا بلد التوحيدوالسنّة ...
فكونوا عونا لهم بالبلاغ عن هؤلاء الأشرار المروّجين والمفسدين في الأرض فإنّ السكوت عنهم منكروالتبليغ عنهم واجب
عباد الله ...
المخدرات تجعل صاحبها إنساناً آخر مختلفاً في طريقته وأسلوبه وعمله ..
خمولٌ وضعف وشحوب للوجه واحمرار للعين وتعب وإرهاق وقلق مع .
وانطوائيّة، وعزلة مع عدوانية واكتساب سلوكيات غير أخلاقية أبداً أقلها السرقة والكذب ليصل إلى دائهبدل دوائه.
يبدأ صاحب المخدرات أمره كأنه شيء معتاد دون تأثر في بداية أمره ومع الوقت يزيد من الجرعات لأنمرحلته السابقة لم تعد تفيده كثيراً فيريد شيئا جديدا ليعيد النشوة التي كان يتلقاها من قبل وهي تذبلشيئا فشيئا لاعتياده على ذلك ومع الوقت يجد المتعاطي نفسه مدمنا وبلاء المخدرات عليه مهيمنا وهيمرحلة الاعتماد، ويكون فيها المدمن قد وصل حد الاعتماد على المخدرات اعتماداً نفسياً وجسدياً، ولايكاد يستطيع التخلي عن تعاطيها وهذا من بلائها الشديد وخطرها العتيد .
والحصيف العاقل من أوقف هذه المهزلة وواجه هذا البلاء قبل أن يقضي عليه.
يجب على القريبين من قريب وصديق الوقوف معه وتخليصه ومحاولة علاجه واستشارة الخبراء لتخليصهمن هذه الشرور
وعلينا أن ندرك مزالق هذا الطريق فنحذر خطوات الشيطان ...
كونوا قريبين من أولادكم إخوانكم أقاربكم ...
كونوا قدوة حسنة لهم ..
لا تجعل ابنك يذهب للبقالة ليشتري عليك دخان ..
إن كنت بليت فاستتر بستر الله ﷻ وحاول مواجهة ذلك ولا تجعل أقرب الناس إليك وأحبهم إلى قلبكيستسهلون هذه المخالفات ...
يجب متابعة أبنائك ومراقبة سلوكهم قدر الاستطاعة وأن تعلم من هم صحبتهم فالصحبة هم الشرالخطر والبلاء المستطير ..
حاول أن تكون لطيفا مع عائلتك حنونا معنهم اقترب منهم ولا تكن فظا