خطر المخدرات على الشباب
محمد ابراهيم السبر
خطبة: " خطر المخدرات على الشباب "
الجمعة 10 /5/1442هـ جامع موضي السديري بالرياض
الحمد لله الذي أحل لعباده الطيبات، وحرم عليهم الخبائث والمنكرات، وأشهد ألا اله الا الله وحده لاشريك له رب الأرض والسماوات، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسوله، نبي الهدى والمكرمات ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله؛ اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: آفة خطيرة، وسلاح فتاك يستهدف الأفراد والمجتمعات، وبه تضيع عقول، وتهدر أموال، وتتردى أخلاق، وأشد صرعى هذه الآفة، وقتلى هذه المعركة هم الشباب والفتيات الذين هم هدف أعداء الأمة، وهم أوار هذه الحرب وضرامها إن لم تتداركهم عناية الله ولطفه.
المخدرات آفة تبدأ بالاستطلاع ومن ثم التعاطي، ثم تنتقل إلى الادمان، وبما أن التعاطي ينتقل إلى الشخص من خلال رفقاء السوء، فإن على الشباب أن يحذروا من مرافقة أهل السوء.
إن البعض من الشباب في البداية لا يعرفون معنى المخدرات، لكنهم ينحرفون شيئاً فشيئاً إذا عاشروا قرناء السوء، وتصل الحال بهم في النهاية إلى أن يصبحوا قرناء السوء، وتصل الحال بهم في النهاية إلى أن يعتزلوا أهلهم ووالديهم ومجتمعهم نتيجة تعاطيهم المخدرات.
والتعاطي والادمان كلاهما يجبر الشاب على أن يخسر ماله ووظيفته وسمعته وصحته وأهله، لأنه عندما يتعاطى المخدر ولا سيولة في يده، يحاول أن يوجدها من خلال السرقة أو الرشوة أو البغاء أو غيرها من الطرق غير المشروعة.
وعند الإدمان قد يلجأ إلى ارتكاب جرائم أكبر كالقتل في سبيل الحصول على المال، وقد يرتكب جريمة الانتحار للتخلص من الحياة، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.
إن الشاب الذي يفكر في السير في خط الهلاك، فعليه أن يفكر أولاً فيما يجنيه من وراء تعاطي المخدرات، فإذا علم بأن خسارة المال محققة، فليعلم بأن خسارة الصحة محققة أيضاً، ناهيكم عن الأخطار الجسمية والنفسية والاجتماعية.
إن النشوة المؤقتة والسكرة الآنية التي توفرها المخدرات، هي سعادة ومتعة موهومة، ولا تقاس بالأضرار التي تسببها، وهل هناك أخطر من أن يفقد الإنسان كرامته ومروءته؟
مدمن المخدرات مستعد لأن يبيع كرامته وشرفه، ليحصل على لذة ساعة، ثم يعود ليعرض ما تبقى ما عنده من شرف ليبيعه أو ينتحر فيلحقه غضب رب العالمين.
والانتحار من أكبر الكبائر، وقد قال الله جل وعلا: " وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا" ، وقال النبي ﷺ: " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة".
إن المخدرات بأنواعها خطيرة وجريمة في حق الدين والوطن وأضرارها على الأسرة والمجتمع وخيمة، فأما الضرر الأسري فهو ما يلحق بالزوجة والأولاد من إساءات، فينقلب البيت جحيما لا يطاق من جراء التوترات العصبية والهيجان والسب والشتم وترداد عبارات الطلاق والحرام، والتكسير والإرباك، وإهمال الزوجة والتقصير في الإنفاق على المنزل، وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أولاد معاقين مشوهين، وهم بالوراثة سوف ينساقون نحو هذا المحرم.
والفرد الذي يتعاطى المخدرات ينفصل عن الأسرة والمجتمع، فيصبح عضواً غير منتج، سوداوي النظرة إلى الآخرين، مكتئباً دائماً، متبلد الانفعال والمشاعر، مختل التوازن، يضحك في غير وقت الضحك، ويبكي في غير وقت البكاء، ويعيش مع لخيال، فالذي يتعاطى المخدرات ليس بأحسن حالاً من الذي يتعاطى المسكرات، لأن كليهما يغيب عن الواقع، ويتعمد الإثم والعدوان، ويقتل نفسه بنفسه.
وفي القرآن الكريم يقول تعالى:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)،(ولا تقتلوا أنفسكم).
إن الله تعالى عهد إلى الإنسان أن يحافظ على كلياته الخمس وحرم كل ما يؤدي إلى هلاك النفس وحرم القتل بين البشر ومما لا شك فيه أن المخدرات أيضا تؤذي و تؤدي إلى القتل والموت المحقق ولو كان بطيئا، والخمر، حرام من أي شيء كانت، قال ﷺ :" كل مسكر خمر وكل مسكر حرام و" يقول ﷺ: " ما أسكر كثيره فقليله حرام" ، فجميع أنواع المسكرات والمخدرات المأكولة والمشروبة كلها محرمة، والحبوب الضارة أو المخدرة أو الحشيشة وكل شيء يحصل به هذا المعنى من إسكار ومضرة على متعاطيه فإنه محرم، حتى ولو لم يسكر، إذا كان يضر بصاحبه ضراراً بينا فإنه محرم، كالتدخين والشيشة وغيره مما يتعاطاه الناس مما يضر ولكنه لا يسكر، فإن أسكر فهو محرم لإسكاره، وإن أضر فهو محرم لإضراره بالأبدان والعقول.
ولقد ذكر العلماء أن أكل الحشيشة حرام ويجب على آكلها التعزير والزجر، وقال ابن تيمية: إن الحشيشة أول ما ظهرت في آخر المئة السادسة من الهجرة حين ظهرت دولة التتار، وهي من أعظم المنكر وشرٌّ من الخمر في بعض الوجوه؛ لأنها تورث نشوة ولذة وطرباً كالخمر، ويصعب الفطام عنها أكثر من الخمر".
وقال عن الحشيشة " يُجلَد صاحبها كما يُجلَد شارب الخمر، وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنُّث ودياثة وغير ذلك من الفساد " "السياسة الشرعية"/ ص108.
وإن كان هناك من يشك في حرمة المخدرات، فنقول له: إن الله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، فيا ترى تحت أي منها تندرج المخدرات؟ فإذا لم تندرج تحت الطيبات فإنها تندرج تحت الخبائث. والخبائث لا تحتاج إلى دليل من الشرع حتى يحرمها، بل بالعقل والفطرة يدرك الإنسان أن ما يضره لا يجوز له أن يتناوله، فلماذا الجدال؟!
يا شباب الأمة، احذروا المخدرات والمسكرات والمفترات فإن تعاطيها عدوان على الجسم والعقل والنفس والدولة والمجتمع، وليس من عاقل منحه الله العقل أن يعير عقله غيره ليعبث به كما يشاء، فكما أن أحدنا لا يسره أن يسرق ماله، أو يراق دمه، أو تدمر صحته، فكذلك العقل الذي هو مناط التكليف، وما أحسن ما قاله ابن الوردي في لاميته المشهورة:
وَاهجُـرِ الخْمَـرةَ إنْ كُنتَ فـتىً * * * كَيفَ يَسعى فـي جُنـونٍ مَنْ عَقَـلْ
واتَّـقِ اللهَ فَتقـوْى اللهِ مَـا * * * جاورتْ قَلبَ امـريءٍ إلا وَصَـلْ
ليسَ مـنْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً * * * إنـما مـنْ يـتَّقي الله البَطَـلْ
والشخص المدمن قادر على أن يتعافى - بإذن الله - إن وجدت النية الصادقة والإرادة القوية والبعد عن صحبة السوء، وسلوك الطريق الصحيح للعلاج والتعافي.
حمى الله عز وجل شباب الوطن والمسلمين من شر الوقوع في وحل الإدمان وأتون المسكرات والمخدرات ومن عقوبات الدنيا والآخرة فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة ونفعنا بما فيهما من الآيات والذكر والحكمة ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد، فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، ولكي نصل إلى مجتمع بلا مخدرات وبلا مدمنين يجب على الجميع التكاتف والتعاون من أجل القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، من خلال التعاون مع الجهات الرسمية المسؤولة والمؤسسات الخاصة والجمعيات لوقف ومحاربة هذا الوباء الذي يهدد مجتمعنا، ويؤدي إلى ضياع الشباب وهلاكه. ومن المهم شغل أوقات النش والشباب بالنافع والمفيد.