خطر الطلاق + الانفلونز الموسمية *حسب التعميم* 24-4-1444
محمد آل مداوي
الحَمدُ لله، خَلَقَ وبرَا، وأنْشَأَ وذَرَى: (خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا)، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شَريك له، نحمَدُه ونَشكُره، نِعَمُهُ علينا تَتْرَا، وأشهَدُ أنَّ محمدًا عَبدُه ورَسولُه، أَشْرَفُ البَشرِيَّةِ وأعلَاهُمْ ذِكْرا، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلَى آلهِ وصَحْبِه، والتابعين، ومَن تبِعَهُم بإحسَانٍ إلى يَومِ الدِّين.. أمَّا بعد: فأُوصِي نَفْسِي وإيَّاكُم بتقوَى اللهِ عزَّ وجَل، اتقوا اللهَ تعالى وأَطِيعُوه، وعَظِّمُوا أَمْرَهُ ولا تَعصُوه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).
أيُّها المُسلِمُون: رِبَاطٌ وَثِيق، ومِيثَاقٌ غَلِيظ، وآيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ العَظِيمَة، جَعَلَ اللهُ فِيهَا السَّكَنَ والرَّاحَة، والأُنْسَ والاسْتِقْرَار: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).
الحَيَاةُ الزَّوجِيَّة؛ عَلَاقَةٌ عَمِيقَةُ الجُذُور، بَعِيدَةُ الأَمَد، مُمْتَدَّةُ الأَثَر، قَوِيَّةُ الصِّلَة: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)، عَلَاقَةٌ تُشْبِهُ عَلَاقَةَ الإنْسَانِ بِنَفْسِه: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ).. عَلَاقَةٌ وَثِيقَةٌ يَجْمَعُ اللهُ بها الأرحَامَ المُتَبَاعِدَة، والأَنْسَابَ المُتَفَرِّقَة: (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً).
جَاءَتْ شَرِيعَةُ الإسْلَامِ وأحَكَامُه؛ بالمُحَافَظَةِ علَى هَذِهِ العَلاقَةِ بينَ الزَّوجَين، والارْتِفَاعِ بجَوْهَرِهَا، وصِيَانَةِ ظَاهِرِهَا وبَاطِنِهَا، فصَلَاحُهَا طَرِيقُ الأمَانِ لِلجَمَاعَةِ كُلِّها، ولَنْ يَصْلُحَ مُجتَمَعٌ تَقَطَّعَتْ فيهِ حَبَالُ الأُسْرَةِ أو وَهَنَتْ رَوَابِطُها.
حَثَّ دِينُنَا العَظِيم؛ علَى حُسْنِ العِشْرَة، والحِفَاظِ علَى عَقْدِ الزَّوْجِيَّة؛ بِطَاعَةِ الله، وسَمَاحَةِ الخُلُق، وصَفَاءِ الوُد، والصَّبرِ بينَ الزَّوْجَين، قالَ تعالى: (وعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) وقالَ رَسُولُ اللهِ r: (لا يَفْرَكُ مُؤمِنٌ مُؤمِنَة؛ إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخَر) رواهُ مسلم.
جَعَلَ اللهُ الزَّوْجَةَ: حَامِلَةَ الأوْلَاد، وحَافِظَةَ الأَسْرَار، ورَاعِيَةَ مَالِ زَوْجِهَا.. يُطِيعُ اللهَ فِيهَا، ويُؤدِّي مَا أَوْجَبَ اللهُ لهَا.. يَخْفِضُ مَعَها الجَنَاح، ويُلِينُ لها السَّمْع، ويُظْهِرُ لها البَشَاشَة، ويُثْنِي عليها في لِبَاسِهَا وزِيْنَتِهَا، ويَكُونُ لهَا كمَا يُحِبُّ أنْ تَكُونَ لَهُ في سَائِرِ الشُّؤون.. فَالحُنُوُّ علَى أَهْلِ البَيت: شُمُوخٌ في الرُّجُولَة، قِيلَ لِعَائِشَةَ رضيَ اللهُ عنها: (مَاذَا كانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللهِ في بَيتِه؟ قالَتْ: كانَ بَشَرًا مِنَ البَشَر؛ يَفْلِي ثَوْبَه، ويَحْلِبُ شَاتَه، ويَخْدِمُ نَفْسَه) رواه أحمد. وفي الحَدِيثِ الصَّحِيح: (والرَّجُلُ رَاعٍ علَى أَهْلِ بَيْتِه، والمَرأَةُ رَاعِيَةٌ علَى بَيتِ زَوْجِهَا ووَلَدِه، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عن رَعِيَّتِه). لا يَنْبَغِي للرَّجُلِ أنْ يُضَيِّعَ مَصَالِحَ أَهْلِه، ولا للمَرأَةِ أنْ تُثْقِلَ كَاهِلَ زَوْجِهَا، ويُكْرَهُ أنْ تَكُونَ أُمُورُ النَّفَقَةِ سَبَبًا في تَهدِيدِ مُسْتَقْبَلِ الأُسْرَة، يقولُ اللهُ U: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً).
وحتَّى تَسْتَقِيمَ العِشْرَةُ بينَ الزَّوْجَين؛ لا بُدَّ مِنْ طَلَبِ المَعَاذِير، وغَضِّ الطَّرْفِ عَنِ الهَفَوَات، والتَّغَافُلِ عَنِ التَّقْصِير، والبُعْدِ عَنِ المُكَابَرَةِ والعِنَاد، فالهُدُوءُ والحِوَار، والعَفْوُ والتَّسَامُح؛ سَبِيلٌ لِتَمَاسُكِ الأُسْرَة، وتَقْوِيَةِ رَوَابِطِهَا. وليسَ الحَلُّ في التَّسَرُّعِ إلى هَدْمِ البَيت، وتَشْتِيتِ الأُسْرَة، وإحْدَاثِ الفُرْقَة.. فالإسلامُ كَرِهَ الطَّلاقَ ونَفَّرَ مِنه، فعن ثوبانَ t أنَّ النبيَّ r قال: (أيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَها طَلاقًا مِنْ غَيِر بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عليها رَائِحَةُ الجنَّة) رواه أبو داود. قالَ ابنُ تَيميَّة رحمهُ الله: "فإنَّ الأصلَ في الطَّلاقِ الحَظْر، وإنَّما أُبِيحَ مِنهُ قَدْرُ الحَاجَة" انتهى كَلامُه. ولهذَا كانَ فَسَادُ الأُسْرَة؛ قُرَّةَ عَينِ الشَّيطَان، فعن جابرٍ t عَنِ النبيِّ r أنه قال: (إنَّ إبلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ علَى المَاءِ، ثم يَبْعَثُ سَرَايَاه، فأَدْنَاهُمْ مِنهُ مَنزِلَةً أَعْظَمُهُم فِتنة؛ يَجِيءُ أَحَدُهم فيَقول: فَعَلْتُ كذَا وكذَا، فيَقُول: مَا صَنَعْتَ شيئًا، ثم يَجِيءُ أَحَدُهُم فيَقُول: مَا تَرَكْتُهُ حتَّى فَرَّقْتُ بينَهُ وبينَ امْرَأتِه؛ فيُدْنِيهِ مِنهُ ويَقُول: نِعْمَ أَنْتَ؛ فَيَلْتَزِمُهُ) رواه مسلم.
أقولُ قولي هذا، وأستغفِرُ اللهَ لي ولكم، فاستغفِروه، فطوبى للمُستغفِرين.
الخطبة الثانية
الحَمْدُ لله، خَلَقَ فسَوَّى، وقَدَّرَ فَهَدَى (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى* مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى) وأشهَدُ ألا إلهَ إلَّا الله وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.. أمَّا بعد: فمَعَ أنَّ الزَّوَاجَ وتَكْوِينَ الأُسْرَة؛ ضَرُورةُ حَيَاة، وجِبِلَّةٌ وفِطْرَةٌ، إلَّا أنَّ الرِّبَاطَ بينَ الأزوَاجِ المُؤمِنين؛ رِبَاطٌ يَمْتَدُّ إلى اليَومِ الآخِر: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ).
وإذَا اُضْطُرَّ الزَّوْجَان -بعدَ اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الحُلُولِ- إلى الُّلجُوءِ إلى الطَّلَاقِ الحَلّ؛ فلَا بُدَّ أنْ يَسْبِقَهُ مُمَهِّدَاتٌ وخُطُوَات؛ مِنَ التَّرَوِّي والمُرَاجَعَةِ والإصْلَاح، وإذَا لم يُفِدْ ذَلِكَ كلُّه، وصَارَ التَّوَجُّهُ إلى الطَّلاق؛ فيَكُونُ وِفْقَ الوَجْهِ الشَّرْعِيّ، ويَكونُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا طَلْقَةً وَاحِدَةً. فإذَا انْتَهَتِ العِدَّةُ وتَمَّ الفِرَاق؛ فَلْيَكُنْ تَسْرِيحًا بإحْسَانٍ، دُونَ التَّجْرِيحِ والقَسْوَة، ودُونَ الإسَاءَةِ والإضْرَارِ بالزَّوجَةِ والأوْلَاد، (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ).
وكَثْرَةُ الطَّلاقِ والتَّسَاهُلُ في إيْقَاعِهِ والتَّلَفُّظِ به؛ جَهْلٌ بأَحْكَامِ الشَّرعِ وحِكَمِه، وعَدَمُ اسْتِشْعَارٍ لعَوَاقِبِ الطَّلَاقِ وأَضْرَارِه، ومِنْ أَسْبَابِه: النَّظْرَةُ المَادِّيَّةُ للحيَاة، وطَلَبُ الحُرِّيَّةِ المَزعُومَة، والاسْتِجَابَةُ لِتَخْبِيْبِ المُخَبِّبِينَ والمُخَبِّبَاتِ في وَسَائلِ التَّوَاصُلِ وغَيرِها.. وعَقْدُ المُقَارَنَاتِ مَعَ أَسْفَارِهِمْ وأَمْوَالِهِم، أو مَدُّ النَّظَرِ إلى الزَّائِفِينَ والزَّائفَات، والاغْتِرَارُ بحيَاتِهِمُ الكَاذِبَة.. ممَّا يُوجِبُ علَى الجَمِيعِ: تقوَى الله، وخَوْفَهُ ومُرَاقَبَتَه، وحِفْظَ العَهْد، وإصْلاحَ ذَاتِ البَيْن، والقِيامَ بالحُقُوق، وحُسْنَ العِشْرَة، والتَّعَاوُنَ على البِرِّ والتقوَى، ومُرَاقَبَةَ اللهِ في الذُّرِّيَّة.. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
عِبادَ الله: في مِثْلِ هَذهِ الأيَّام؛ تنتَشِرُ بعضُ الأَمْرَاضِ المَوسِميَّة (كـ الإنْفِلْوَنْزا)، ووِزَارَةُ الصِّحَّةِ في بِلادِنا المُبارَكةِ تَقُومُ مَشْكُورةً بِحَمْلَةِ تَطْعِيمٍ للوقايَةِ مِنْ تِلكَ الأمرَاض، وخَاصَّةً لدَى الفِئَاتِ الأكثَرِ عُرضَةً للخَطَر؛ كالأطفَالِ وكِبَارِ السِّن والمُصابِينَ بالأمرَاضِ المُزمِنَة.. فَيَنْبَغِي علينا الحِرْصُ على أَخْذِ اللِّقَاحِ؛ عَمَلاً بِالأسْبَابِ التي تُقِرُّهَا شَرِيعَتُنَا وَتَأْمُرُ بِها.
اللهمَّ يا حَيُّ يا قيُّوم، يا ذَا الجَلالِ والإكرام، عافِنَا في دِينِنَا ودُنيَانا، وأَصْلِحْ لنا نِيَّاتِنا وذُريَّاتِنا، وأزوَاجِنَا وأوْلَادِنا، واجعَلْ بُيُوتَنَا عَامِرَةً بذِكْرِك، وأَدِمْ عليها الأمنَ والسَّكِينَة، والرِّضا والطمأنينَة، (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وانصر عبادك المؤمنين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا، وسائرَ بلاد المسلمين.. اللهم مَنْ أرادَنا وبيوتَنا وشبابَنا وبناتِنا ومجتمعَنا بسوءٍ؛ اللهمَّ اكْفِنَا شرَّه، واهتِكْ سِترَه، وأَدِرْ عليهِ دائرةَ السَّوءِ يا ربَ العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيقِ إمامَنا وولي أمرنا، اللهم وفّق خادمَ الحرمينِ الشريفين ووليَّ عهده لهداك، واجعلْ أعمالهما في رضاك، اللهم أعزَّ بهم دينَك، وأعل بهم كلمتك، واجمع بهم كلمة المسلمينَ يا رب العالمين.
اللهم أنتَ الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزلْ علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا غدقًا، نافعًا غيرَ ضار، اللهم سُقيا رحمة، لا سقيا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهُمَّ إنَّا نستغفِرُكَ إنك كنتَ غفَّارًا؛ فأرسِلِ السَّمَاءَ علينا مدرارًا.. برحمتك يا أرحم الراحمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)،
اللهم صَلِّ على نَبِيِّنَا محمدٍ وعلى آلهِ وأزواجه، وصحَابَتِهِ وأتبَاعِه بإحسَانٍ إلى يَومِ الدين، وسَلِّمْ تسليمًا كثيرا.
المرفقات
1668657452_خطر الطلاق الانفلونزا الموسمية.docx
1668657452_خطر الطلاق والانفلونزا الموسمية.pdf
1668657452_نسخة جوال.pdf