خَطَرُ الشَّائِعَاتِ وَ الحَذَرَ مِنْ نَشْرِهَا وَتَلَقِّيهَا
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ﴾.وَقَالَﷺ«كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ«مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
الشائعات من وسائل الحروب والتدمير قديماً وحديثاً، وهي من أخطر الأسلحة ومن أقوى وسائل التدمير المعنوي والمادي للأفراد والمجتمعات والشعوب فإن الإشاعات اليوم تنتشر بسرعة فائقة،وذلك بسبب وسائل الاتصالات الحديثة و الهاتف الجوال والقنوات الفضائية والصحف والمجلات،فكم من أخبارٍ كاذبةٍ ومعلوماتٍ خاطئة، واتهاماتٍ باطلة، وإشاعاتٍ مغرضة تُنشَر في هذه الوسائل ضد أفرادٍ أو مجتمعاتٍ أو شعوبٍ أو دول، ومع ذلك تجد الكثير لا يتثبّت ولا يتحرّى الصدق ولا يتأنّى بل يُشارك في نقلها ولا يُدرِك أن ناقل الكذب والمروِّج له، مُعينٌ على الشرّ والعدوان، ناشرٌ للإثم والظلم،وعلى رأس الأسباب التي تحمل أصحابها على نشر الاشاعات الكاذبة الحقد والحسد والعناد والانانية والأطماع وغيرها.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ(15)وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ﴾.ومن الأمور الخطيرة على الأفراد والمجتمعات ،تناقل ونشر الأخبار بأي صفة كانت،وقد تنتشر في وسائل الإعلام المختلفة، من مصادر مجهولة تبث الأراجيف، وتثير الفتن العريضة والشرور المستطيرة دون برهان على صحتها، ولا دليل على صدقها،لذلك يجب على كل مسلم أن يتأنى ويتروى ويتأكد ويتثبت من أي خبر يسمعه او قصة يسمعها أو حديث عن النبيﷺأو كلام عن فلان وعلان أو عن الدولة الفلانية او غيرها و من ثم عرضها على اهل العلم الربانيون أهل الكتاب والسنة فالعلماء ينظرون في المصالح والمفاسد والمقاصد ،فإنه اذا نشرها قد يضر غيره أو يقع في وعيد النبيﷺلمن حدث عنه كذباً أو غير ذلك فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم قبل فوات الأوان.
عِبَادَ اللَّهِ:الإشاعات أشد خطرًا من حرب الإرهاب ومواجهة الأعداء ومن أخطرها في هذا الزمن تلك التي تتناول ولاة أمور المسلمين وفق قواعد مرسومة لتدمير الدول، سياسياً، وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وأخلاقياً، وسلماً، وحرباً كذلك من أخطر الإشاعات تلك التي تشوه أو تزهد في العلماء وتتهمهم بالمداهنة والتزلف،فالاشاعات ذات مقاصد سيئة، وأهداف مغرضة فقد ربى النبيﷺأمته على التبين ، والتأني وحذرهم من الانزلاق في نشر الأخبار حين سماعها،قَالَﷺ«إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فعلى المسلم إذا بلغه عن أخيه شيءٌ سيءٌ أن يكتمه ، وأن لا يشيعه حتى ولو كان صِدقاً ، ولو كان ما نُقِلَ إليه صدق وفيه مضرة على أخيه فإنه يستر أخاه ويناصحُه فيما بينه وبينه ، ولا يُشيع عنه الأخبار السيئة ولو كانت واقعة ، لأن هذا أيضاً يدخل في الغيبة،وعلى الجميع الحذر من السير وراء كل ناعق، والركض وراء كل صيحة، فالله حذرنا من ذلك بقوله:﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:ان اكثر الناس تعرضا للاشاعات الكاذبة، هم الرسل عليهم السلام، والمصلحون والأخيار، وهذا ثابت منذ فجر الانسانية، وإلى ان يرث الله الأرض ومن عليها، فان الصراع بين الخير والشر باق ما بقي الناس في هذه الحياة ومن الأدلة على ذلك ما أشاعه المنافقون في العهد النبوي، عن عائشةرضي الله عنهامن أراجيف كاذبة، ومن اقوال باطلة، قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:خَطَرُ الشَّائِعَاتِ وَ الحَذَرَ مِنْ نَشْرِهَا وَتَلَقِّيهَا وخاصة أيام المحن والبلايا،من تلك المقالات والتغريدات التي تستغلها وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة من ادعاءات كاذبة، ظاهرها الإخلاص للأمة والصدق لقضاياها، وهم يحدثون فتناً أكبر، ومخاطر أعظم، فإن تصديق الاشاعات الزائفة، كثيراً ما يؤدي إلى زوال النعم وحلول النقم،ومن أجلها نعمة الأمن والإيمان والصحة في الأبدان ورخاء العيش واللحمة الوطنية التي ننعم بها بين المواطن والمقيم على حد سواء وولاة الأمور والعلماء،فيجب على علينا تقلي الأخبار من المصادر الموثوقة قَالَ تَعَالَى:﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،اللّهمّ أعِزّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدّين،واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة الناصحة الصادِقة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1703124535_خَطَرُ الشَّائِعَاتِ وَ الحَذَرَ مِنْ نَشْرِهَا وَتَلَقِّيهَا.pdf
تركي العتيبي
خطبة موفقة وزادها جمالاً الادلة من كتاب الله وسنة رسوله
تعديل التعليق