خطرُ الجوالاتِ على الأبناءِ والبناتِ 20-1-1446هـ مستفادة من خطبة الشيخ الخنيفر
محمد محمد
خطرُ الجوالاتِ على الأبناءِ والبناتِ 20-1-1446هـ مستفادة من خطبة الشيخ الخنيفر
الحمدُ لله نحمدهُ ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
مما أوصى به الحكماءُ قديمًا أن يُراعيَ الآباءُ والأمهاتُ في تربيةِ أبنائِهم تغيُّرَ الزمنِ واختلافَ الأجيالِ.
وهذه الوصيةُ قيلتْ عندما كان تغيُّرُ الأزمنةِ محدودًا، والاختلافُ بين الأجيالِ يسيرًا، فكيفَ بنا مع هذه الوصيةِ في زمنِنَا الاستثنائيِ، الذي تغيَّرتْ فيه المعالمُ، وتداخلتْ الأممُ بعضُها ببعضٍ، وتسارعتْ المؤثراتُ في المجتمعِ، وتعاظمتْ الـمُغيِّراتُ على الناسِ، فغابَ السؤالُ عن ِالحلالِ والحرامِ، وتلاشى معنى الحياءِ والعيبِ، وصارَ بعضُ أبناءِ الـمسلمينَ وبناتـِهم أقربَ إلى الغربيِ ابنِ القارةِ البعيدةِ، وأغربَ عن ابنِ بلدِهِ، بل عن ابنِ أبيهِ وأمِّه! حتى إذا ظَهَرَ منهم ما يدعو للعجبِ، ويُنبئُ عن الخطرِ في الكلامِ والمظهرِ، قلنا: وا أسفاه! يا حسرتاه! ما الذي غيَّرك؟!
أبنائي الكرامُ: كيف تسللَ إليكمْ رفيقُ السوءِ وأنتمْ داخلَ بيوتِنا وبينَ جُدرانِنا؟! كيفَ استطاعَ أن يَخَرِقَ بناءَ أُسْرَتِنَا ويَنْخَرَ فيه الفسادَ؟! كيفَ هَدَمَ ما بَنَيْنَاه فيكم من الأفكارِ الصالحةِ والأخلاقِ الحسنةِ ؟!
الجوابُ الذي لم ندركْه ولم نستوعبْ خطرَهُ وأثرَهُ، أنَّ الذي فعلَ ذلك كلَّه هو الانفصالُ بين أفرادِ الأسرة ِ في الحياةِ اليومية، والاتصالُ على مصراعيهِ بما هو خارجَ المنزلِ.
يعودُ الأب إلى بيته، فيُحْكِمُ غلقَ بابِ البيتِ خشيةَ قِطٍّ مشرَّدٍ، وفي بيتِه جهازٌ صغيرٌ هو بوابةٌ كُبرى، تَلِجُ منها الضباعُ الضالةُ والكلابُ الـمَسعورةُ، من خلالِ الأجهزةِ الإلكترونيةِ-كالجوالاتِ وغيرِها-في برامجِ التواصلِ الافتراضيِ، وتطبيقاتِ المسلسلاتِ والأفلامِ، وألعابِ الفيديو.
حين ينهمكُ الأبُ أو الأمُّ في اللهوِ، وينشغلانِ بالأعمالِ غيرِ الضروريةِ أو الجوَّالاتِ، أو الأسواقِ أو الأسفارِ، أو الأصدقاءِ أو الاستراحاتِ، ويعكفُ الابنُ أو البنتُ في أثناءِ ذلكَ على هذا الجهازِ المتصلِ بالعوالمِ الخارجيةِ، فلا حدودَ لما يُوصَلُ له، ولا قاعَ لـمَا يُنزَلُ إليه، وهناكَ يكونُ تشرُّبُ الأفكارِ الكُفْريةِ الهدَّامةِ، والأخلاقِ الفاضحةِ السيئةِ، عندما تُعرضُ بأَجملِ أُسلوبٍ، ويـُمْكَثُ عليها أطولَ مدةٍ! فيتطبَّعونَ بها فَيَضِيعُونَ منَّا وهُمْ بينَ أَيدينا!
عندما تتصلُ الأجهزةُ بفضاءِ الإنترنتِ، فَظُنَّ شرًّا! ليس بأبنائِكِ، وإنَّـما بـِما سيستقبلونَ في ذلكَ الفضاءِ الخطيرِ! ويا له من إثمٍ عظيمٍ، وخَطَرٍ كبيرٍ على الأُسرةِ، يقعُ فيه الآباءُ والأمَّهاتُ، ويَضَيعُ بهِ الأبناءُ والبناتُ، وقدْ قالَ النبيُ-عليهِ الصلاةُ والسلامُ-: "كفى بالمرءِ إثمًا أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعولُ".
مجتمعُنا يقومُ على أسرةِ كُلِّ واحدٍ مِنَّا، فإذا صَلَحتْ أسرتي، وصلَحَتْ أسرتُك صَلَحَ المجتمعُ، وإذا فسدتِ الأُسُرُ فَسَدَ المجتمعُ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإنَّ من أعظمِ الأعمالِ الصالحةِ في هذا الزمنِ التربيةَ الصالحةَ للأبناءِ، ولو لم يكنْ للإنسانِ في حياتِهِ سوى هذا الإنجازِ، لكفى بِهِ مشروعًا عظيمًا في الدنيا، واستثمارًا رابحًا في الآخرةِ.
ما أحسنَ وأجملَ أن تُرزقَ أبناءً وبناتًا، فتجتهدَ في تربيتِهم، وتعملَ على إصلاحِهم، فيحققَ اللهُ مسعاكَ، فيكونَ كلُّ برٍّ يعملونَهُ أو يقولونَهَ طيلةَ حياتـِهم في ميزانِ حسناتِكَ، ليسَ ذلك وحسبُ، بل ما يُغرَسُ في أبنائِهم وأبناءِ أبنائِهم إلى ما شاءَ اللهُ يصلُ ثوابُهُ إليكَ، أجورٌ مستمرةٌ مضاعفةٌ كان أساسُها تربيتَك الصالحةَ لهذا الابنِ أو هذه البنتِ، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ*تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
أحسنْ بنا أنْ نعيدَ ترتيبَ مؤسسةِ الأسرةِ، والتأكدَ من سيرِها في الطريقِ الصحيحِ، ولِتكونَ التربيةُ صالحةً فهناك ركائزُ أساسيةٌ يجبُ على الآباءِ والأمهاتِ بذرُها وسقيُها ورعايتُها، ومنها:
تزكيةُ النفوسِ، فإن من أعظمِ صفاتِ الراعي أنْ يزكِّيَ نفوسَ من استرعاه اللهُ إياهم، قالَ اللهُ-تعالى-: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وهذه التزكيةُ مع أنـَّها في داخلِ الإنسانِ فإنَّ سقيَّها من الخارجِ، بـمتابعةِ أعمالِ اليومِ والليلةِ في الأبناءِ والبناتِ، من صلاةٍ وأذكارٍ وأعمالِ بِرًّ، بتعهُّدٍ يوميٍّ، تُكَلِّلُه الحِكمةُ، والموعظةُ الحسنةُ.
ومن بذورِ التربيةِ الصالحةِ: نشرُ الوعيِ، بتعليمِهم الواجبَ من أمورِ الدِّينِ، وتبصيرَهم بالواقعِ وحقائقِ الأمورِ، بالقرآنِ الكريمِ وصحيحِ السُنةِ الهاديينِ للتي هي أقومُ في سائرِ الأمورِ.
والتربيةُ على مكارمِ الأخلاقِ ومن أهمِّهَا المروءةُ والحياءُ والصدقُ، هذه الأخلاقُ التي تُبقي الإنسانَ ذَهَبًا أصيلًا، في زمنِ انتشارِ الناسِ ذي المعادنِ الزائفةِ.
إنَّ هذه الأمورَ العظيمةَ من التربيةِ يمكن تحقيقُها بتكثيفِ التواصلِ بين أفرادِ الأسرةِ، وكثرةِ جلوسِ بعضِهم مع بعضٍ جلوسًا حقيقيًّا فيه الحبُ والحوارُ.
ثم اعلموا أنَّ التربيةَ الصالحةَ يصعبُ تحقُّقها إذا كانَ المربي غيرَ صالحٍ، فكيف بالابنِ أو البنتِ أنْ يسلُكا الطريقَ الصحيحَ، وأَبوه أو أُمه يُـمهِّدان له الطريقَ الخطأَ بأقوالِهم وأَفعالـِهم الخاطئةِ؟!
كيف للابنِ أن يكونَ صادقًا وهو يرى أباه يكذبُ أمامَ عينيْهِ؟ وكيف للبنتِ أنْ تكونَ حَيِيةً متسترةً، وهي ترى أمَّها سافرةً متبرجةً؟
كيفَ يصْلُحُ الأولادُ وهم يرونَ الآباءَ أو الأماتِ فاسدينَ منحرفينَ ضالينَ مضلينَ؟!
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1721882677_خطرُ الجوالاتِ على الأبناءِ والبناتِ 20-1-1446هـ مستفادة من خطبة الشيخ الخنيفر.docx
1721882678_خطرُ الجوالاتِ على الأبناءِ والبناتِ 20-1-1446هـ مستفادة من خطبة الشيخ الخنيفر.pdf