خَطَرُ التَنْظِيْمَاتِ الإِرْهَابِيَّةِ (موافق للتعميم)
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذي مَنَّ علينا بخيرِ الشرائعِ وأَوفاها، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، عزَّ ربًا وجَلَّ إلهًا، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بعثهُ اللهُ بأكملِ المِلَلِ وأزكاها، صلى اللهُ وسلمَ عليهِ ما تعاقبتِ الأيامُ وبلغتْ مُنتهاها، أما بعدُ: فاتّقوا اللهَ حقَّ التقوَى، فهي الذُّخرُ الأبقَى، والطّريقُ الأنقَى.
معاشرَ الإخوةِ المتحابِينَ في اللِه:
إليكمْ قصةً معبِّرةً وردتْ في صحيحِ البخاريِ: ففي زمنِ الصحابيِ الحكيمِ، العالِمِ الراسخِ عبدِ اللِه بنِ عمرَ –رضيَ اللهُ عنهُما- انتقلتِ الخلافةُ لخليفةٍ معينٍ، فتنازعَ الناسُ في مبايعةِ ذلك الخليفةِ. فما كانَ منِ ابنِ عمرَ المربيْ الحصيفِ إلا أن انتبهَ لهذا الخطرِ المُحدِقِ، والخللِ العقديِ المؤرِّقِ، فبدأَ بمنْ حولَه، وأنذَرَ عشيرتَه الأقربينَ، فـ(جَمَعَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ فَقَالَ..: إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، -أَيْ عَلَى شَرْطِ مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ مِنْ بَيْعَةِ الْإِمَامِ- وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، (ثمَّ يقولُ لأولادِهِ) وَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ وَلاَ بَايَعَ فِي هَذَا الأَمْرِ إِلاَّ كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ. أَيْ أَنُّهُ سَيُقَاطِعُهُ، فَلَا يُكَلِّمُهُ)([1]).
قالَ ابنُ حجرٍ –رحمهُ اللهُ تعالى-: (فِيه وُجُوبُ طَاعَةِ الْإِمَامِ الَّذِي انْعَقَدَتْ لَهُ الْبَيْعَةُ، وَالْمَنْعِ مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَارَ فِي حُكْمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْخَلِعُ بِالْفِسْقِ)([2]).
أيُها المسلمونَ في بلادِ الحرمينِ: إنَّ هذا التلاحمَ في بلادِنا بين الراعي والرعيةِ، والممتدِ –بحمدِ اللهِ- قرونًا، إنما سببُه فضلُ اللهِ ورحمتُه، ثم وَقفةُ العلماءِ الراسخين، وهِمةُ الدعاةِ الصادقينِ، ونُصحُ العامةِ ودعواتُهم.
ولقدْ كانَ مما اعتدْنا سمَاعَه من الأدعيةِ على المنابرِ والمحاريبِ قولُ (اللهم احفظْ أمنَنا وولاةَ أمورِنا) وقدْ وجدْنا أثرَ هذا الدعاءِ مترجَماً في حفظِ اللهِ وكلاءَتِهِ لهذهِ البلادِ رغمَ كثرةِ العواديْ من الأعاديْ. وهذا يؤكِدُ لنا أهميةَ مواصلةِ الدعاءِ بحفظِ وصلاحِ ولاتِنا؛ لأن بصلاحِهم تَصْلُحُ الأديانُ والأبدانُ، وتُحفظُ الأعراضُ والأموالُ والعقولُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}[العنكبوت67]
لا وربِّنا إنا بنعمتِكَ مؤمِنونَ، وللباطلِ منكِرونَ. فاللهم ثبِتْنا وزِدْنا.
يا ساكنِي المملكةِ العربيةِ السعوديةِ: لنوقنْ يقينًا لا يخالطُهُ شكٌ أن الأمنَ ليسَ محلَ مُساومةٍ؛ فإنهُ متى ما فُقِدَ فَقَدَتِ الحياةُ برِيقَها، ولنذكرْ نعمةَ اللهِ علينا يومَ أن كانْت جزيرةُ العربِ مسرحًا للغاراتِ والقتلِ والنهبِ: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[القصص57]
قالَ الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمهُ اللهُ-: (بلادُنا اليومَ -وللهِ الحمدُ- مِنْ آمَنِ بلادِ العالمِ، ومنْ أشدِها رغداً وعيشاً. فعلينا أنْ نشكرَ هذهِ النعمةَ، وأن نتعاونَ على البرِ والتقوى، وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، وعلى الدعوةِ إلى اللهِ على بصيرةٍ وتأنٍ وتثبُتٍ، وأن نكونَ إخوةً متآلفينَ)أ.هـ([3]).
ومنْ علامةِ شكرِنا لنعمةِ اللهِ علينا باجتماعِنا على كلمةِ التوحيدِ وهديِ السنةِ، والبيعةِ لإمامِ المسلمين أنْ نعملَ على المحافظةِ على هذا السياجِ المنيعِ، والحصنِ الحصينِ، وأنْ نعملَ بما وصانَا مولانَا حين تلا علينا قرآنًا، فقال -جلَّ إلهً ورحمانًا-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
لأنَّ التفرقَ يُشغِلُ الأمةَ عن مواجهةِ أعدائِها ممنْ يَدورونَ حولَ الأسوارِ، ويتسلَّلونَ بالأبوابِ لِواذًا، أو ذئابٍ خائنةٍ تَنْهَشُ بيننا.
ولنحذَرْ مسلكَ {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[الروم32]
الحمدُ للهِ آمنَّا وأمِنَّا، والصلاةُ والسلامُ على المرسَلِ لنا فضلاً ومَنَّــًا. أما بعدُ:
فيا أيُها المسلمونَ: لا يَسوغُ في مثلِ هذهِ الأحداثِ أنْ يكونَ صوتُ الانتقادِ والتخطئةِ خافتاً، أو على استحياءٍ. ولذلكَ فلنحذرْ منَ التوجُهاتِ المشبوهةِ التغريبيةِ، والتنظيماتِ الإرهابيةِ التخريبيةِ. ومنْها تلكَ التنظيماتُ الخفيةُ الخبيثةُ المسمَّاةُ بالتنظيمِ الإرهابيِ السروريِ، الذيْ يَجْنَحُ منْ طرْفٍ خفيٍ إلى نَزْعِ يدٍ من طاعةٍ، ويَتعاطَفُ معَ المظاهراتِ ضدَ الحكامِ، ويهوِّنُ منْ مكانةِ العلماءِ الراسخينِ.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام55]
فعلينا أنْ نتيقظَ لأنفسِنا وأجيالِنا من أصحابِ كلِ فكرٍ منحرفٍ، أو ممنْ يريدونَ أنْ نتبعَ الشهواتِ. ولنُسلِّحِ الفلذاتِ بسلاحينِ:
• الأولِ: سلاحِ العلمِ الشرعيِ؛ ليَقِيَهم من الشبهاتِ.
• والثاني: سلاحِ العقلِ؛ ليعلوَ على صوتِ العاطفةِ والحماس المنفلتِ.
· فاللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المسلمينَ. وقِهمْ فتنَ الشبهاتِ والشهواتِ.
· اللهم إنا نسألكَ أن تديمَ علينا إيمانَنا وأمنَنا ولُحمتَنا.
· اللهم يا مجيبَ الدعواتِ يا ذا المُلكِ والمَلَكوتِ، احفظْ لنا ملكَنا وأمدَّهُ بالصحةِ في طاعتِك، ومصلحةِ الإسلامِ والمسلمينَ. اللهم أعنهُ على إدارةِ مملكتهِ بوليِ عهدهِ، وبأمرائِه، وبوزرائِه.
· اللهم أمكنْ ولاتَنا من كلِ غادرٍ حاقدٍ على أوطانِنا، وكلِ خائنٍ للهِ ورسولهِ.
· اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المخذولينَ وعصاباتِهِم المتخوِنينَ.
· اللهم أرخِصْ أسعارَنا، وأغزِرْ أمطارَنا، وطيِّبْ أقواتَنا، وارحمْ أمواتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ ديونَنا.
وأقمِ الصلاةَ إنَّ الصلاةَ تَنهَى عنِ الفحشاءِ والمنكرِ،
ولَذِكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعونَ.
([1])صحيح البخاري (7111)
([2])فتح الباري لابن حجر (13/ 71)
([3])لقاءات الباب المفتوح ( رقم اللقاء103 - ص 2).
المرفقات
1634745222_خَطَرُ التَنْظِيْمَاتِ الإِرْهَابِيَّةِ.docx
1634745235_خَطَرُ التَنْظِيْمَاتِ الإِرْهَابِيَّةِ.pdf