خطب عن القرآن الكريم

صالح العويد
1432/09/05 - 2011/08/05 07:46AM
الحمدلله والصلاة والسلام على مصطفاه

هذه خطب ألفيتهامناسبة عن القرآن الكريم

الذي أنزل في هذاالشهرالعظيم

أولهاخطبة للخطيب / عبدالرحمن بن محمدالغامدي




ملخص الخطبة
1- تشريف الله لنا أمة الإسلام بإنزال القرآن. 2- معجزة القرآن الظاهرة. 3- القرآن منهاج حياة. 4- مال المسلم مع القرآن وأوامره ونواهيه وأخباره. 6- التحاكم إلى القرآن الكريم. 7- فضل القرآن وتلاوته والتحذير من هجره.
الخطبة الأولى


ثم أما بعد:
يا عباد الله، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله تعالى قد أكرمكم بإنزال القرآن على نبيكم، وخصكم بشرف أعظم كتبه start-icon.gifقَدْ جَاءكُمْ مّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ O يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍend-icon.gif [المائدة 15، 16].
إنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل عند مشتبهات الأمور، وهو الكلام الجزْل، وهو الفصل الذي ليس بالهزل، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يُدرك غورُه، بهرت بلاغتُه العقولَ، وظهرت فصاحته على كل مقول.
كل كلمة منه لها من نفسها طرب، ومن ذاتها عجب، ومن طلعتها غُرّة، ومن بهجتها دُرّة، لاحت عليه بهجة القدرة، ونزل ممن له الأمر فله على كل كلام سلطان وإمرة، بهر تمكنُ فواصله، وحسن ارتباط أواخره بأوائله، وبديعُ إشاراته، وعجيب انتقالاته، من قصص باهرة، إلى مواعظ زاجرة، وأمثال سائرة، وحكم زاهرة، وأدلة على التوحيد ظاهرة، وأمثال بالتنزيه والتحميد سائرة، ومواقع تعجب واعتبار، ومواطن تنزيه واستغفار، إن كان الكلام ترجية ًبسط، وإن كان تخويفا قبض، وإن كان وعدا أبهج، وإن كان وعيدا أزعج، وإن كان دعوة جذب، وإن كان زجراً أرعب، وإن كان موعظة أقلق، وإن كان ترغيباً شوق.
فسبحان من سلكه ينابيع في القلوب، وصرفه بأبدع معنى وأعذب أسلوب، لا يستقصي معانيه فهمُ الخلق، ولا يحيط بوصفه على الإطلاق ذو اللسان الطلق، فالسعيد من صرف همته إليه، ووقف فكره وعزمه عليه، والموفق من وفقه الله لتدبره، واصطفاه للتذكير به وتذكره، فهو يرتع منه في رياض، ويكرع منه في حياض.
أندى على الأكباد من قطر الندى وألذ في الأجفان من سِنَةِ الكرى

يملأ القلوب بشرا، ويبعث القرائح عبيرا ونشرا، يحيي القلوب بأوراده، ولهذا سماه الله روحا فقال سبحانه: start-icon.gifيُلْقِى ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِend-icon.gif [غافر:15]، فسماه روحا لأنه يؤدي إلى حياة الأبد، ولولا الروح لمات الجسد، فجعل هذا الروح سببا للاقتدار، وعلما على الاعتبار.
عباد الله، إن هذا القرآن أنزل ليكون منهج حياة هي خير حياة وأسعدُها، ومرشداً إلى سبيلٍ هو أقوم سبيل وأنجحُه، يهذبُ النفوس ويزكيها، ويقوِّم الأخلاق ويعليها، يقودُ من اتبعه إلى سعادة الدارين، وينجيه من شقاوة الحياتين، start-icon.gifفَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ O وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاًend-icon.gif [طه:123، 124].
عباد الله، كتاب ربنا بين أيدينا، نزهه ربنا عن الخطأ والزلل، وجعله فصلا في كل زمان ومكان، start-icon.gifلاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍend-icon.gif [فصلت:42]، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه حتى اتسع على أهل الافتكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار، واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم، بما فصل فيه من الأحكام وفرق بين الحلال والحرام، فهو الضياء والنور، وبه النجاة من الغرور، وفيه شفاء لما في الصدور، من تمسك به فقد هُدي، ومن عمل به فقد فاز.
وجعل فيه الهداية لمن شاء من عباده المتقين، start-icon.gifالم O ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَend-icon.gif [البقرة:1، 2].
فسبحان من أنزل أعظم كتاب في أعظمِ شهر في أعظم ليلة هي خير من ألف شهر، start-icon.gifإِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ O وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ O لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍend-icon.gif [القدر:1-3]، start-icon.gifشَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِend-icon.gif [البقرة:185].
وعد الله بحفظه من عبث العابثين، وتحريف الغالين، start-icon.gifإِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَend-icon.gif [الحجر:9]، وإن من أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته، والمواظبة على دراسته، مع القيام بآدابه وشروطه، والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة، والآداب الظاهرة.
وإنما أراد الله من العباد بإنزال كتابه أن يأتمروا بأمره، وينتهوا بنهيه، ويصدِّقوا أخباره، ويوقنوا بما أخبر به من أمور الغيب، ويتخذوا من قصص الأمم الماضية المواعظ والعبر، لا ليتخذوه ظهريا، فيؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض، بل المقصود العمل به وفهم مراميه، start-icon.gifكِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لّيَدَّبَّرُواْ ءايَـٰتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِend-icon.gif [ص:29]، start-icon.gifأَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاend-icon.gif [محمد:24].
ولما كان سلفنا الصالح يعملون بالقرآن ويقومون به علما وعملا، يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويقولون ءامنا به كل من عند ربنا أضحوا سادة العالم، ومنار الهداية للحيارى، فقادوا الناس به إلى ربهم وجنته.
وصح عن النبي salla-icon.gif عند ذكر الفتن أنه قيل له: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب ربكم وسنة نبيكم)).
فاعتصموا ـ عباد الله ـ بالكتاب والسنة، وعليكم بما فيهما من الأوامر والنواهي، ولا تردوا كلام الله لتأويل المتأولين واتباعا لزيغ الزائغين، start-icon.gifهُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاء ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِend-icon.gif [آل عمران:7].
فإذا قال الله سبحانه في النهي: start-icon.gifيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاءend-icon.gif [المائدة:51]، نقول سمعنا وأطعنا، وعلمنا أن ولاية غير الله مثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتا، قال سبحانه: start-icon.gifمَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ ٱلْعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ ٱلْبُيُوتِ لَبَيْتُ ٱلْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَend-icon.gif [العنكبوت:41].
وإذا قال سبحانه في الأمر: start-icon.gifإِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمْ رَاكِعُونَend-icon.gif [المائدة:55]، نقول سمعنا وأطعنا.
وإذا قال سبحانه في الإخبار: start-icon.gifيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ O وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْend-icon.gif [محمد:7، 8]، قلنا اللهم آمنا وأيقنا وصدقنا، ولا مبدل لكلمات الله.
وإذا سمعنا قوله سبحانه في ذكر أفعاله بالأمم المكذبة السالفة: start-icon.gifفَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَend-icon.gif [العنكبوت:40]، قلنا سبحانك اللهم يا عظيم، أجرنا من عذابك، وعلمنا أن هذا هو عاقبة الأمم المكذبة إلى قيام الساعة، قال سبحانه: start-icon.gifدَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَـٰلُهَاend-icon.gif [محمد:10]
وإذا سمعنا قوله سبحانه في إنجاء الله للمؤمنين المتبعين لرسلهم زادنا ذلك اعتزازا بربنا وبديننا وثباتا على منهجنا ولو تسلط المتسلطون وتجبر الجبارون: start-icon.gifوَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ O إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ O وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَend-icon.gif [الصافات:171-173]، start-icon.gifإِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَـٰدُend-icon.gif [غافر:51].
وإذا سمعنا في القرآن حكاية عاقبة الكافرين وأنهم في الجحيم والعذاب الأليم زجرنا ذلك عن أفعالهم ومقارفة قبائحهم: start-icon.gifأَذٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ mid-icon.gif إِنَّا جَعَلْنَـٰهَا فِتْنَةً لّلظَّـٰلِمِينَ mid-icon.gif إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ mid-icon.gif طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ mid-icon.gif فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ mid-icon.gif ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ mid-icon.gif ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ mid-icon.gif إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ mid-icon.gif فَهُمْ عَلَىٰ ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ mid-icon.gif وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلاْوَّلِينَ mid-icon.gif وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ mid-icon.gif فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَend-icon.gif [الصافات:62-73].
وإذا سمعنا في القرآن حكاية عاقبة المؤمنين المصدقين وأنهم في النعيم المقيم علقنا ذلك بالرغبة في الجنة، والشوق إلى لقاء الرب تعالى، فكان داعيا لإصلاح العمل، وقوة الرجاء، والبعد عن طريق البعداء: start-icon.gifوَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ mid-icon.gif إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ mid-icon.gif أُوْلَـئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ mid-icon.gif فَوٰكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ mid-icon.gif فِى جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ mid-icon.gif عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ mid-icon.gif يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ mid-icon.gif بَيْضَاء لَذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ mid-icon.gif لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ mid-icon.gif وَعِندَهُمْ قَـٰصِرٰتُ ٱلطَّرْفِ عِينٌ mid-icon.gif كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌend-icon.gif [الصافات:39-49].
الله أكبر، عباد الله، start-icon.gifتَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراًend-icon.gif [الفرقان:1].
القرآن منهج حياة، ودستور ونظام، شريعة الله إلى أهل الأرض، قضى ألا يحتكموا إلا إليها، وألا يؤمنوا إلا بما وافقه، وأن يعرضوا عن زبالات أذهان الناس من الشرق أو الغرب، إن الحاكمية لله وحده، فهو الحكم العدل، start-icon.gifأَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَend-icon.gif [الغامدي:50]، قال سبحانه: start-icon.gifأَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً mid-icon.gif وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً mid-icon.gif فَكَيْفَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً mid-icon.gif أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاًend-icon.gif [النساء:60-63]، إلى أن قال سبحانه: start-icon.gifفَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماًend-icon.gif [النساء:65]، فلا بد من التحاكم إلى الرسول، والرضا بحكم الرسول، والتسليم لحكم الرسول، حتى يتحقق الإيمان، وإلا فلا وربك لا يؤمنون.
عباد الله، يا مسلمون، يا أمم الأرض، يا من ينشدون السعادة ويرجون النجاة، كتاب الله بين أيدينا كلامه ونوره ورحمته شفاؤه، من أراد الهدى فبالقرآن: start-icon.gifإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًاend-icon.gif [الإسراء:9]، من أراد الغنى فبالقرآن قال salla-icon.gif: ((أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل؟!)). وهذا ـ والله ـ هو الربح والغنى عباد الله.
ومن أراد مضاعفة الأجور فبالقرآن قال salla-icon.gif: ((من قرأ حرفا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
ومن أراد الشفاعة فبالقرآن قال salla-icon.gif: ((يأتي القرآن شفيعا لأصحابه، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهم)).
ومن أراد الشفاء ففي القرآن قال سبحانه: start-icon.gifقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ هُدًى وَشِفَاء وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِى ءاذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَـئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍend-icon.gif [فصلت:44].
وبالجملة من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن، ومن أراد الشر كله فبالإعراض عنه، start-icon.gifفَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ mid-icon.gif وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ mid-icon.gif قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً mid-icon.gif قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰend-icon.gif [طه:123-126].
فيا من يشتكون من عدم استقرار البيوت عليكم بالقرآن، ويا من يشتكون من القلق والوساوس عليكم بالقرآن، وما من يشتكون من ضعف الإيمان عليكم بالقرآن.
عباد الله، أحيوا بالقرآن ليلكم، استعذبوا ألفاظه، وتأملوا إتقانه، قوموا به مع القائمين، اصبروا أنفسكم على صلاة التراويح والقيام، ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) [البخاري ومسلم].
فلا تستطل ـ ياعبدالله ـ ساعةً تقفها بين يدي مولاك، وجاهد هواك، فإن المأسور من أسره هواه، والمحروم من أبعده مولاه، والجهاد طريق الفلاح، start-icon.gifوَٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَend-icon.gif [العنكبوت:69].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....

الخطبة الثانية


الحمد لله الذي زين أولياءه بزينة الإيمان، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
وبعد:
فيا عباد الله، قال رسولنا salla-icon.gif: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) ، وقال salla-icon.gif: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وقال salla-icon.gif: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها))، وقال salla-icon.gif: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها حلو، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، والمنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر)).
عباد الله، احذروا من هجر القرآن، فإن النبي salla-icon.gif يأتي يوم القيامة يحاج قومه كما أخبر الله تعالى بقوله: start-icon.gifوَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراًend-icon.gif [الفرقان:30].
وإن هجر القرآن يكون هجر تلاوة، وهجر تدبر وتفكر، وهجر سماع، وهجر عمل. فاستعيذوا بالله من أنواع الهجر كلها.
عباد الله، إن أمامكم العمر كله، وأنتم في شهر الخير والبركات، فاغتنموا ـ عباد الله ـ فرصة العمر فاهتبلوها، وإياكم والغرور بالدنيا فإنكم تاركوها، واحرصوا على تعليم من ولاكم الله أمرهم، فعلموهم القرآن حتى يحمدوكم عند الكبر، ويكونوا صالحين فيدعوا لكم عند زوال الأقدام عن الدنيا.
المشاهدات 52623 | التعليقات 4

الخطبة الثانية

للخطيب / عبدالله المعيدي
ملخص الخطبة
1- الاشتياق لكتاب الله تعالى. 2- فضل القرآن الكريم. 3- آداب قراءة القرآن. 4- تدبر القرآن والوقوف مع وعده ووعيده سبيل للنجاة. 5- التحذير من هذِّ القرآن. 6- حال السلف مع كتاب الله. 7- أنواع هجر القرآن.
الخطبة الأولى

فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، فتقوى الله بإذن الله كفايةُ كلِّ هم، وزادك من كلِّ غم، ومن اتقى الله جعل له من كل همٍ فرجًا ومن كل ضِيق مخرجًا.
أيها الناس، إن المتطلّع في واقع كثير من الناس وَسْط أجواء المتغيرات المتكاثرة والرُّكام الهائلِ من المصائب والبلايا والنوازل والرزايا لَيَلحظ بوضوحٍ أن كثيرًا من النفوس المسلمة توّاقة إلى تحصيل ما يُثبِّت قلوبها، وإلى النهل مما تُطفئ به ظَمأَها وتَسقي به زرعها وتجلو به صدَأَها، وإن ذلك كله موجود في كتاب ربها.
أيها المسلمون، شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن، القرآن الذي لا تنطفئ مصابيحه، والسراج الذي لا يخبو توقُده، والمنهاج الذي لا يَضِل ناهجه، والعزُّ الذي لا يُهزم أنصاره.
القرآن ـ عباد الله ـ هو في الحقيقة بمثابة الروح للجسد والنور للهداية، فمن لم يقرأ القرآن ولم يعمل به فما هو بحيّ وإن تكلّم أو عمل أو غدا أو راح، بل هو ميت الأحياء، ومن لم يعمل به ضل وما اهتدى وإن طار في السماء أو غاص في الماء، start-icon.gifأَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَـٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِى ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مّنْهَاend-icon.gif [الأنعام: 122].
نعم يا عباد الله، القرآن روضة الصائمين، وسلوة الطائعين، ودليل السالكين، ولذة قلوب المتقين، إنه كلام رب العالمين، المنزّل على سيد المرسلين، بلسان عربيٍ مبين، هدى للمتقين، ونورًا للمؤمنين، ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)).
والقرآن في رمضان له مذاق خاص، فهو روضة الصائمين، وحداء القائمين، ولَهَج القانتين العابدين، القرآن أعظم نديم وأنيس، وخير جليس، هو حلاوةٌ وجمال، وعزٌ وكمال، القرآن محضُ سعادة الإنسان، ومديم الخير والبركة والإحسان، فيه الأجر العظيم والخير الكبير، وفي الحديث: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: start-icon.gifالمend-icon.gif حرف، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرف)).
عباد الله، وللقرآن آدابٌ عند قراءته، فمن ذلك:
أولاً: الإخلاص، فيجب على قارئ القرآن أن يُخلص في قراءته ويبتغي بذلك وجه الله، وفي الصحيح: ((إن أولَ من يُقضى عليه يوم القيامة ثلاثة))، وذكر منهم: ((ورجل تعلّم العلم وعلّمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمتُ العلم وعلّمْتُه وقرأْتُ فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمتَ ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ، فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقِيَ في النار)).
ثانيًا: ينبغي لقارئ القرآن أن يتنظف ويتطهر ويستاك.
ثالثًا: أن يبدأ القارئ قراءته بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وذلك لأنها طهارة للفم من اللغو والرفث، start-icon.gifفَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِend-icon.gif [النحل: 98]، أما إذا كان القارئ سيقرأ سورة من بدايتها فليقل بعد الاستعاذة: بسم الله الرحمن الرحيم.
رابعًا: أن يُحسِّن القارئ صوته بقراءة القرآن.
خامسًا: التخشع أثناء القراءة والتدبر لما يقرأ الإنسان، فلا ينبغي للقارئ أن يقرأ كتاب ربه وهو على حال لا تدل على خشوعه أو تأثره، أو كأنه يقرأ صحيفة أو مجلة، start-icon.gifكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِend-icon.gif [ص: 29]، وقال تعالى: start-icon.gifلَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِend-icon.gif [الحشر: 21]. وإذا كانت هذه حال الصخور الصماء؛ تخشع وتتصدع لو أُنزل عليها القرآن، فقل لي بربك يا محبُّ: ما حال قلوبنا مع كتاب ربنا؟!
كم مرة قرأنا القرآن في رمضان؟! وكم سمعنا فيه من حِكَم ومواعظ وعبر؟! ألم نقرأ صيحة عاد وصاعقة ثمود وخسف قوم لوط؟! ألم نقرأ الحاقة والزلزلة والقارعة وإذا الشمس كورت؟! فيا سبحان الله! ما هذا الرَّانُ الذي على القلوب؟! start-icon.gifأَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًاend-icon.gif [النساء: 82].
أفقُّدَّتْ قلوبنا بعد ذلك من حَجَر؟! ألا فليت شعري أين القلب الذي يخشع والعين التي تدمع؟! فلله كم صار بعضُها للغفلة مرتعا وللأنس والقربة خرابًا بلقعا! وحينئذٍ لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة، ولا الكبير فينا يلتحق بالصفوة، بل قد فرطنا في كتاب ربنا في الخلوة والجَلْوَة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
يا صائمون، القرآن عزُّكم وشرفكم، فاقرؤوه حق قراءته؛ تغنموا وتسعدوا وتفوزوا بالثواب الكبير والنعيم المقيم، start-icon.gifلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَend-icon.gif [الأنبياء: 10]، ولما تركت الأمة العمل بالقرآن أصابها الذل والهوان.
فعلى المسلم أن يقرأ القرآن ويستحضر أن القرآن يخاطبه، وأنه المقصود بالخطاب، ويقرأ بتلاوة مجوَّدة، ففي صحيح البخاري ومسلم وبوّب له بعض شُرَّاح صحيح مسلم: "باب: ترتيل القراءة واجتناب الهذيان" عن عبد الله بن مسعود radia-icon.gif أنّ رجلاً قال له: إني أقرأُ المُفصَّل في ركعة واحدة، فقال عبد الله: (هذًّا كهَذِّ الشِّعْر؟! إنَّ أقوامًا يقرؤُون القرآن لا يُجاوز تَراقِيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرَسَخَ فيه نفع)، وذكر شعبة رحمه الله أن أبا جمرة قال لابن عباس: إني رجلٌ سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: (لأَن أقرأ سورة واحدة أحبُّ إليَّ من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت فاعلاً ولا بد فاقرأ قراءةً تُسمِعهَا أُذنيك ويعيها قلبك)، قال النبي salla-icon.gif: ((لا يفقهُ مَن قرأ القرآن في أقلَّ من ثلاث)). وذكر ابن رجب رحمه الله أنّ هذا النهيّ في غير الأوقاتِ الفاضلةِ كرمضان.
وهنا أمرٌ لا بد من التنبيه عليه، ألا وهو أن لاّ يكون همُّ المؤمن في قراءة القرآن تكثير الختمات، بل ينبغي للمسلم الموفق أن لا يجفو فيمضي عليه الشهر ولم يختم كتاب الله، وأن لاّ يغلو فيتعدى هدي النبي salla-icon.gif.
فاحرص ـ يا عبد الله ـ على تدبُّر القرآن، فإن الغاية من إنزال القرآن هو تدبره والعمل به، قال الحسن البصري رحمه الله: "نزل القرآن ليُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا".


small-white-h-line.gif
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، لقد شرَّفكم الله تبارك تعالى بهذا الكتاب المبارك، فتدبروا آياته، وتفكّرُوا في بيِّناته، وقِفُوا عند عِظاته، وإياكم والهذَّ والبذّ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له: إني لأقرأُ المفصَّل في ركعة، فقال ابن مسعود: (هذًّا كهذّ الشِّعْر؟! إن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع) أخرجه مسلم، وقال radia-icon.gif: (لا تهذُّوا القرآن هذَّ الشِّعْر، ولا تَنثُروه نثر الدّقْل، قِفُوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم آخر السورة).
أيها المسلمون، لقد كان السلف الكرام عليهم من الله الرضوان يكثرون من ختم القرآن، فإذا جاء رمضان ازدادوا من ذلك لشرف الزمان، وكان جبريل عليه السلام يلقى رسول الله salla-icon.gif في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن. متفق عليه. وفي آخر عام من حياة سيد الأنام salla-icon.gif عارضه جبريل القرآن مرتين على التمام.
ولما نزل بعبد الله بن إدريس رحمه الله تعالى الموت بكت ابنته، فقال لها: "لا تبكي يا بنيه، فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة"، فما أروعه من جيل، وما أرشده من سبيل.
أمة الإسلام، هذا كتاب الله يُتلى بين أظهركم ويُسمع، لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدّع، فهل سرنا على منهاجه المطهَّر؟! هل طبقناه في كل ورودٍ وصدر؟! هل حكَّمْناه فيما بَطَنَ من أُمورنا وما ظهر؟! إن كل شأنٍ كبيرٍ أو صغيرٍ وكل إحداث أو تغيير يتناقض مع الكتاب والسنة فهو وبال على صاحبه وحسرة على جالبه وشرٌّ على طالبه، إياك إياك يا عبد الله ـ أن تكون ممن يقرأُ القرآن والقرآن يلعنه.
بعض الناس تجده يقرأ: start-icon.gifلَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَend-icon.gif [آل عمران: 61] وهو يكذب، وبعضهم يقرأ: start-icon.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَاend-icon.gif [البقرة: 278] وهو يأكل الربا.
ثم إياك إياك وهجران القرآن والإعراض عن قراءته وتدبره والعمل به، يقول ابن القيم: "هجران القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، والثاني: هجرُ العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه وإن قرأه وآمن به، والثالث: هجر تحكِيمهِ والتحاكم إليه في أُصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين وأن أدلته لفظية لا تحصِّل العلم، والرابع: هجر تدبره وتفهُّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منا، والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره ويهجر التداوي به، وكل هذا داخل في قوله: start-icon.gifوَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًاend-icon.gif [الفرقان: 30]، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض".
وهنا أمر أودُّ أن أُنبه عليه وأحثّ النفس وإياكم به؛ ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة))، أجرٌ عظيمٌ وموسمٌ فضيل، وثوابٌ جزيلٌ وربٌ كريم، أبواب الخير مُشْرعة، والبقية عليك ـ يا عبد الله ـ لإكمال المشوار، ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة)).
وفضيلة هذه العمرة في جميع أيام الشهر، وليست قاصرة على العمرة في العشر الأواخر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه...


الخطبة الثالثة
للخطيب / منصورالغامدي


ملخص الخطبة
- منزلة القرآن وفضله على الأمة والبشرية – أمثلة لتأثّر العرب ببلاغة القرآن - تأثر الصحابة بالقرآن وأثره فيهم – لمن يَمنح القرآن كنوزه وأسراره – حال كثير من الناس مع القرآن وهجرهم له وصور ذلك
الخطبة الأولى

أما بعد:
فيا أيها الاخوة الكرام، إن القرآن العظيم هو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، بل جعل هذه الأمة تبلغ ذروة الفضائل والمجد، إنه الأصل الذي يرجع إليه، والنبع الذي تتفجر منه عيون الإيمان وليقين، وفيه ترد يقين النفوس، ولذة عيون المتدبرين، وملاذ قلوب المنكسرين وبماذا يمكن أن تصفه عيون الشعر مهما أوتي أصحابها من بيان وإبداع، إذ هو كلام الله المنزلْ، تكلم به حقيقة ـ سبحانه ـ، وهو صراطه المستقيم، وحبل الله المتين.
أيها الاخوة الكرام، شهدت الأرض ميلادا عظيما بنزول القرآن على محمد salla-icon.gif إذ شع نوره عليها، وأورقت أغصانها، وسرت الحياة الطيبة في عروقها، أما السماء فكان لها شأن آخر، لقد ملئت حرسا شديدا وشهبا، ولما لم يعد الجن قادرين على استراق السمع كما كانوا من قبل بسبب كثرة الشهب في السماء والرمي بها، ظن الإنس والجن أن ذلك مؤذن بخراب العالم أو هلاك أهل السماء، ولكن الصحيح أن الله أراد بأهل الأرض رشدا، نعم لقد أراد بهم رشدا في أن يعرفهم العقيدة والتوحيد، وأن لا إله إلا هو ـ سبحانه ـ، التي تعني نزع السلطان الذي يزاوله الكهان، ومشيخة القبائل، والأمراء والحكام على الناس ورده كله إلى الله، والتي تعني التأثير على القلوب والشعائر، وواقعيات الحياة، والتأثير في المال، والأرواح والأبدان، لتعود كلها مكومة بشريعة من عند الله.
ونزل القرآن على العرب فرأوا أنهم أمام هيبة رائعة وروعة مخوفة وخوف تقشعر منه الأبدان، فأحسوا ـ وهم الفصحاء ـ أنهم ضعفاء أمام هذا الكمال العظيم، فاستسلموا لبلاغته، وتعلقت قلوبهم به وارتبطت نفوسهم بإعجازه.
هذا الطفيل بن عمرو الدوسي radia-icon.gif جاء إلى مكة، فلم يزل كفار قريش يقولون: إن محمدا فرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله كالسحر وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه، ولا تسمعن منه شيئا، قال الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني كرسفا خوفا أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن اسمعه، فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله salla-icon.gif قائم يصلي عند الكعبة فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن أسمع بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني رجل لبيب شاعر، وما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقوله، فإن كان الذي يقوله حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، فلما سمع القرآن من النبي salla-icon.gif غضا طريا قال: (والله ما سمعت قولا قط أحسن منه، ولا أمرا أعدل منه)، ولقد أثرت كلمات القرآن في نفسه، وسرت إلى عقله وقلبه همسات دافئة هادئة تحمل هداية القرآن.
وهنا رجل آخر كان جبارا في الجاهلية شديدا على المسلمين المستضعفين يومئذ، فلما سمع قول الله ـ تعالى ـ: start-icon.gif طه % مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءانَ لِتَشْقَىٰend-icon.gifإلى قوله: start-icon.gifإِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِىend-icon.gif، كسرت تلك الآيات أعواد الشرك في قلبه، وأذابت صخور الجاهلية، وقال: ما ينبغي لمن يقول هذا أن يعبد معه غيره، فأصبح ذاك الرجل إذا سار من فج سار الشيطان من فج آخر، إنه الفاروق عمر بن الخطاب radia-icon.gif، الذي قال: اعلموا أن هذا القرآن ينبوع الهدى وزهرة العلم، وهو أحدث الكتب عهدا بالرحمن، به يفتح الله أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، ألا وإن قراءة القرآن مع الصلاة كنز مكنون وخير موضوع، فاستكثروا منه ما استطعتم، فإن الصلاة كنز مكنون، والزكاة برهان، والصبر ضياء، والصوم جنة، والقرآن حجة لكم أو عليكم فاكرموا القرآن ولا تهينوه، فإن الله مكرم من أكرمه ومهين من أهانه.
أيها المسلمون، لقد خرج القرآن جيلا مميزا في تاريخ الإسلام كله وفي تاريخ البشرية جميعه، هو جيل الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ، هذا العدد الضخم الذي لم يتجمع مثله بعده في مكان واحدا، وليس السبب في تجمعه لأن الرسول salla-icon.gif بينهم كما يضنه البعض، وإلا لانتهت الرسالة، والدعوة بموته salla-icon.gif، ولكن ثمة سبب آخر هو أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ استقوا من نبع القرآن، وتكيفوا به، وتخرجوا عليه، على الرغم من وجود الثقافات المختلفة في ذلك العصر، وسبب آخر جعل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يبلغون ما بلغوا من الفضائل والرفعة، هو أنهم لم يكونوا يقرؤون القرآن بقصد الثقافة والاطلاع، ولا يقصد التذوق والمتاع، إنما كانوا يتلقون القرآن للعمل به في أنفسهم وفي مجتمعهم الذي يعيشون فيه، كما يتلقى الجندي الأمر في الميدان.
إن هذا القرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح، روح المعرفة المنشئة للعمل، ومن الأمثلة على ذلك آية تحريم الخمر، حينما نزلت جرى رجل في سكك المدينة يعلن: "ألا إن الخمر قد حرمت"، فالذي كان في يده شيء من الخمر رماه، والذي كان في فمه شربة مجها، والذي كان عنده في أوان أراقها، استجابة لأمر الله ـ تعالى ـ: start-icon.gifإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًاend-icon.gif.
أيها الاخوة الكرام، إننا ـ ونحن نقرأ كلام الله سبحانه ـ نمر كثيرا على صفات منزل هذا القرآن وأسمائه وهو رب العالمين، فما هو أثر هذه الصفات والأسماء على القلوب الحية؟
إنك وأنت تقرأ آيات يتجلى فيها الرب في جلباب الهيبة والعظمة والجلال كما في قوله ـ تعالى ـ: start-icon.gifٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ mid-icon.gifلَهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ mid-icon.gifوَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسّرَّ وَأَخْفَى mid-icon.gifٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلاْسْمَاء ٱلْحُسْنَىٰend-icon.gif، فإن الأعناق تخضع، والنفوس تنكسر، والأصوات تخشع، والكبر يذوب كما يذوب الملح في الماء.
وإذا تجلى ـ سبحانه ـ بصفات الرحمة واللطف والبر والإحسان كما في قوله ـ تعالى ـ: start-icon.gifنَبّىء عِبَادِى أَنّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُend-icon.gifوقوله: start-icon.gifٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِend-icon.gif، حينها تنبعث قوة الرجاء من العبد، وينبسط أمله، ويسير إلى ربه وحادي الرجاء يحدو ركاب سيره، وكلما قوي الرجاء حد في العمل.
وإذا تجلى الله بصفات العدل والانتقام والغضب والسخط والعقوبة، انقمعت النفس الأمارة، وتطلعت أو ضعفت قواها من الشهوة والغضب واللهو واللعب والحرص على المحرمات.
وإذا تجلى بصفات الكفاية والحسب، والقيام بمصالح العباد، وسوق أرزاقهم إليهم، ودفع المصائب عنهم، ونصرة لأوليائه، وحمايته لهم كما في قوله ـ تعالى ـ: start-icon.gifأَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُend-icon.gifوقوله: start-icon.gifثُمَّ نُنَجّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْend-icon.gifوغيرها من الآيات، فإنه تنبعث من العبد قوة التوكل عليه، والتفويض إليه، والرضا به في كل ما يجريه على عبده، ويقيمه فيه. هذا بعض ما في هذا الكتاب العظيم المملوء حكمة وهدى ونورا وبركة وشفاء.
أقول قولي هذا...



small-white-h-line.gif
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، لا تأخذه سنة ولا نوم، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الذي أوتي السبع المثاني والقرآن العظيم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين صلى الله عليهم وسلم تسليما كثيرا.
أيها المؤمنون، إن حال كثير من الناس في هذا الزمان مع القرآن بخلاء جدا، إنه ربما يمر الأسبوع على بعضهم أو الشهر وهم لم يقرأوا سطرا واحدا من القرآن، ولربما يمضي على بعضهم شهور لم يقرأ فيها القرآن، نعوذ بالله من الخذلان، لقد شكا النبي salla-icon.gif إلى ربه من هجر القرآن: start-icon.gifوَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبّ إِنَّ قَوْمِى ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْءاَنَ مَهْجُوراًend-icon.gifوالهجر للقران أنواع:
أولا: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه، فتجد بعضهم يستمع إلى إذاعات الدنيا، ويستمع إلى ما حرم الله من لهو الحديث، وإذا مر بسمعه القرآن أغلق الجهاز أو المذياع، نعوذ بالله من ذلك.
ثانيا: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، حيث يلجأ بعض الناس إلى تحكيم القوانين، أو تحكيم أعراف القبائل في النزاعات والخصومات.
ثالثا: كهجر تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد الله ـ سبحانه ـ به منه.
رابعا: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها، فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التداوي به.
خامسا: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به.
أيها الأخ الكريم، ومن العمل به اتباع أمره بالإنفاق في سبيل الله، وقد وعدنا وهو الذي لا يخلف وعده بأن يخلف علينا، قال ـ تعالى ـ: start-icon.gifوَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُend-icon.gifوقال ـ تعالى ـ: start-icon.gifمَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةًend-icon.gif،وعن أبي كبشة الأنماري radia-icon.gif أنه سمع رسول الله salla-icon.gif يقول: ((ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه، قال: ما نقص مال عبد من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله عزا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه أحد باب فقر ـ أو كلمة نحوها ـ))[1] وقال salla-icon.gif: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أيسر منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة))[2]، ووعظ النبي salla-icon.gif الناس فقال: ((أيها الناس تصدقوا ومر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار))[3]، والصدقة دليل على صدق إيمان العبد ولذلك قال salla-icon.gif: ((والصدقة برهان))[4].
أيها الأخوة الكرام، هذه جمعية تحفيظ القرآن الكريم التي لها نشاط مميز في تعليم القرآن الكريم لكافة أعمار المجتمع، مع اختلاف مستوياتهم التعليمية، وقد اضطلعت بهذه المهمة العظيمة وهي تعمل ليل نهار وتضاعف من جهودها أيام الإجازات، كما أن لها مشاريع ضخمة مستقبلة تهدف إلى خدمة كتاب الله، ولا شك أنهم ماجورون على ذلك ـ إن شاء الله ـ وقد كفتنا هذا الجهد العظيم، وتطلب منا طلبا متواضعا هو أن ندعم مسيرتها، ونخدم كتاب ربنا، وننصر دين نبينا salla-icon.gif، وقال salla-icon.gif: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر))[5].
فأدخل يدك في جيبك وأخرج ما تجود به نفسك الطيبة، وتذكر أن الله يراك وأنت تنفق لخدمة كتابه العظيم، فيا له من تشريف وتكريم لنا.
اللهم أعط منفقا خلفا، اللهم أعط منفقا خلفا.
ألا وصلوا وسلموا...


أسأل الله أن يجعلني وإياكم وأحبابنا من أهل

القرآن الذين هم أهل الله وخاصته


جزاكم الله خير