خطب عن الإنتخابات البلدية في السعودية

أبو عبد الرحمن
1432/05/12 - 2011/04/16 19:58PM

الخطبة الأولى

تتصارع الاهواء ويتجاذب العقل والعاطفة وتتنازع الرغبات والمقاصد في الإجابة على السؤال الأهم الذي هو موضوع حديث اليوم وهو ، من ننتخب من المرشحين ؟

أيها الأخوة في الله : - إن تجربة الانتخابات بواقعها الحالي تجربة جديدة على مجتمعنا ولذا كان على المسلم أن يحسن التعامل معها وفق المنهج الشرعي الذي اراده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن ثم لا مكان أن يتخبط المسلم أو أن يتعثر أو أن تتنازعه الشبهات والشهوات في ظل بريق هذه الانتخابات وحملاتها ودعاياتها وجاذبيتها ... الخ .

أخوة الإسلام : - أنه بغض النظر عن الدور الذي سيقوم به المرشح بعد الترشيح وبصرف النظر عن صلاحياته ودوره إلا إن أهمية هذه الانتخابات تكمن في أنها تعبر عن هوية المجتمع فيمن يرشحهم ، تعبر عن شخصية المجتمع فيمن يختارهم لتمثيله ، أنها تترجم عن الوجهه الذي يردها المجتمع ... إن هذه الانتخابات لها أكثر من مدلول وأكثر من مؤشر في كشف المجتمع واختياره وإرادته وفيمن يقدمه ويصدره في المقدمة ، ومن ثم جاءت أهمية الاختيار في الترشيح والاسس التي يقوم عليها ترشيح الناخب للمرشح ، وأمر أخر هو أن الترشيح من الناخب للمرشح فيه معني التزكية له والتفويض له من المجتمع ، وفيه معنى الانابة عن المجتمع ، فاذا رشحت أحداً فكأنك تنيبه عن المجتمع وتوكله عنه وتشهد له بأنه الاصلح من المرشحين .

أخوة الإسلام : - هنالك منطلقات وقواعد وثوابت لابد أن يُنطَلق منها في الترشيح لأن الشريعة الاسلامية لم تجعل الأمر سبهللا يرجع إلى الرغبات والأهواء والعواطف . فما هي تلك القواعد والمنطلقات . القاعدة الأولى والمنطلق الأول : - أن تتيقن أن اختيارك للمرشح هو أمانة ومسئولية أمام الله وستحاسب عليها ، ثم هي مسئولية أمام المجتمع الذي يقوى بقوة أمانة أفراده ويضعف بضعف أمانة أفراده .

إن مما ينبغي أن تتذكره دائماً أيها الناخب أن الولايات والمناصب وما يلحق بها هي من الأمانات التي قال الله في شأنها { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } . ثم إن ولي الأمر قد أعطاك – أخي المسلم – هذه الصلاحية وهي صلاحية الانتخاب التي هي أمانة فما أنت صانع فيها ؟ ومن تختار ؟ إنني أهمس في إذنك ليقر في فؤادك أن تتذكر هذه الأحاديث النبوية التي تقشعر منها الجلود وتهتز منها الأفئدة : -

الأول : هو قوله صلى الله عليه وسلم { من ولى رجلا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين} رواه الحاكم في صحيحه .

الثاني : هو قوله صلى الله عليه وسلم { إذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة ، قيل يارسول الله : وما إضاعتها ؟ قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فأنتظر الساعه } . قال شيخ الاسلام : { أجمع المسلمون على معنى هذا } أي على أن اسداء الأمر إلى غير أهله من تضييع الامانة وهو مؤشر على قرب الساعة . أخي المسلم هل بعد هذه الأحاديث وأمثالها يجوز لك أن تنتخب شخصاً لمجرد القرابة أو العطية أو الهدية أو المجاملة أو لمجرد الانتماء القبلي أو الانتماء المكاني أو لمجرد الانتماء في المنهج الدعوى ؟ كلا والله فإن فعلت فأنت خائن .

نقل ابن تيمية رحمه الله كلاماً نسبه إلى الفاروق عمر أنه قال { من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين } . ا.هـ فيجب عليك إذا أن تبحث عن المستحق الأصلح وأن تقدر الأمانة وأن تربأ بنفسك عن الخيانة لأي سبب من الأسباب . القاعدة الثانية والمنطلق

الثاني فيمن ننتخب : - هو أن ينتخب الكفء الأمين . ونتوقف قليلاً عند هذين الشرطين وهما كما ذكر العلماء ركنا الولاية وهما القوى والأمانة الشرط الأول : الأمانة أي أن يكون المرشح الذي تنتخبه أميناً / أميناً في نفسه وفي تمسكه بالإسلام ، أميناً في تصرفاته وأقواله وأعماله وما استحفظ عليه ، أميناً في عدله ، أميناً في الأمر الموكل إليه { إن خير من استأجرت القوى الأمين }. والأمانة كما قال ابن تيمية { ترجع إلى خشية الله ولا يشتري بأياته ثمناً قليلاً وتركَ خشية الناس } ا.هـ . فالأمانة هي الصفة الأولى وهي الصفة الكبرى التي يجب أن يفاضل بين المرشحين على أساسها ولكن من هو صاحب الأمانة ؟

وهنا تأتي الأسئلة الكثيرة : - هل المرشح الذي يأكل الربا ويتعامل بالربا هل هو صاحب أمانة ؟ ! هل المرشح الذي يدوس على ثوابت المجتمع وأعرافه الشرعية هل أو أمين ؟! هل الرشح المستهتر الذي يبحث عن الشهرة والقالة هل هو أمين ؟! استمعوا إلى كلام في غاية التعقل والبصيرة ذكره أمام الحرمين الجويني في كتابه غياث الأمم يقول { من لا يوثق به في باقة بقلٍ كيف يُرى أهلاً للحل والعقد ؟ وكيف ينفذ نصبه على أهل الشرق والغرب ؟ ومن لم يتق الله لم تؤمن غوائله ، ومن لم يصن نفسه لم تنفعه فضائله } ا.هـ

فتأمل أخي المسلم هذا في المرشح الذي يخوض في المحرمات ويخوض في تصرفات بعيدة عن الاخلاق مستهتراً في نفسه لا يشارك المسلمين في صلاة الجماعة ولا في أخلاقهم الإسلامية الفاضلة هل هو أمين يرشحه المجتمع ويختاره ، بل المرشح إذا كان صاحب بدعة وهوى وشبهات وانحرافات أو مخالفاً لأهل السنة والجماعة هل يصلح أن يكون أميناً يختاره المجتمع كلا والله؟

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله { يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين لا قيام للدين ولا للدنيا الا بها ... فالواجب اتخاذ الامارة ديناً وقربا يتقرب بها إلي الله فإن التقرب اليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات } ا.هـ اذا هي الامانة ياعباد الله هي الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فابين أن يحملنها واشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولا ، فأياك أخي المسلم أن تصادر أمانتك أو أن تبيعها لأي مسوغ بأن ترشح غير الأمنا فإن فعلت فأنك خائن لله ولرسوله وللمؤمنين . الصفة الثانية في المرشح والمقياس الثاني في الأختيار هي الكفاءة وهي القوى أي أن يكون المرشح عالماً بما رشح لأجله بأن يكون ذا علم وبصيرة بالأمور وبتدبيرها .. الخ .

وما أعظم القاعدة التي ذكرها شيخ الاسلام ابن تيمية حينما قال { القوة في كل ولاية بحسبها } ثم مثل رحمه الله على هذه القاعدة بقوله : - فالقوة في إمارة الحرب ترجع إلي شجاعة القلب وإلي الخبرة في الحروب والمخادعة فيها والقوة في الحكم بين الناس ترجع إلي العلم بالعدل الذي دل عليه الكتاب والسنة إلي آخر ما ذكره ... فالمقصود أن الكفاءة في كل شئ بحسبه وقد تكون الكفاءة في الشئ الواحد أن يجتمع الشخص أكثر من صفة لتتحقق له الكفاءة في الشئ المرشح فيه أو المولى عليه .

القاعدة الثالثة أو المنطلق الثالث في الاختيار للمرشح وهو محك الاشتباه عند الناس في الاختيار وهو : - أن يوجد مرشح قوى لكفاءته وقدراته العلمية وشخصيته ولكنه ضعيف من حيث الامانة ، وقد يوجد خلاف ذلك بأن يوجد مرشح أمين ورع صالح ولكن ليس عنده القدرات والكفاءة التي عند الآخر ، وصنف ثالث من المرشحين أن توجد فيه كلتا الصفتين على حد سواء ولكنها صفات وسطية أي لم يبرز في أحداها ، وهكذا يتفاوت المرشحون في قدر صفة الامانة والقوة .

والجواب : - أن الحقيقة التي تقال منذ زمن بعيد أن اجتماع الصفتين في شخص واحد بقوة واحدة هو أمر نادر قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله { اجتماع القوة والامانة في الناس قليل ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول " اللهم اشكو اليك جلد الفاجر وعجز الثقة " فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهم ضرراً فيها ثم مثل على ذلك بقوله : يقدم في امارة الحروب الرجل القوى الشجاع لأن الحاجة هنا للقوة والشجاعة ، وإن كانت الحاجة في الولاية إلى الأمانة أشد قدم الأمين مثلُ حفظ الأموال ونحوها ... وقال : إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الفساد قدم الدين ، وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر لخفاء الحكومات قدم العلم – قال – وأكثر العلماء يقدمون ذا الدين ويشير بذلك إلى غير ولاية الحروب وإلا فولاية الحروب هي للرجل القوى الشجاع. ثم قال رحمه الله { فيولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل فإن لم يوجد الأصلح فيختار الأمثل فالامثل في كل منصب بحسبه ... وأعدل الناس في كل قوم أمثلهم . ثم قال رحمه الله { فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره لأجل قرابة بينهما أو ولاء أو عتاقة أو صداقة أو مرافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس : كالعربية والفارسية ... أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضَغَن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهما فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى " يا أيها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا اماناتكم وأنتم تعلمون} القاعد الرابعة والمنطلق الرابع فيمن نختاره : - هو منطلق وصفة تلازم المسلم في كل أمر يحتاج إلى اتخاذ القرار فيه وهي المشورة فأنت أخي المسلم محتاج إلى المشورة فيمن تنتخب .

ولكن من نستشير ؟ إن المتعين على كل واحد من الناخبين استشارة أهل الحل والعقد وهم العلماء وطلاب العلم والحكماء وأصحاب التجارب الذين عرفوا بقوة إيمانهم وإدراكم للأمور .. واستمع إلى ماقاله شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله حيث قال { لا غني لولي الأمر عن المشورة فإن الله تعالى أمر بها نبيه فقال " فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر } وأبو هريرة رضى الله عنه يقول ما رأيت أحداً قط كان أكثر مشورة لاصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأما صفات من يستشارون الذين هم أهل الحل والعقد فقد ذكر الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية أن لهم ثلاث صفات .

الصفة الأولى : العدالة أي أن يكون المستشار عدلاً وهي الاستقامة في الدين والمروة . والصفة الثانية : العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الولاية أو الترشيح . والصفة الثالثة : هي الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف .

اذا فعليك أخي المسلم قبل الانتخاب أن تشاور من يتصف بهذه الصفات وهي العدالة والعلم والرأي والحكمة . وإياك ثم إياك أن تتبع الهوى أو تسير وراء الرغبات أو العواطف أو أن ترشح اناس لا تعرفهم فيدخل عليك الخلل من وجهين : -

الخلل الأول أنك بترشيحك قد شهدت للمرشح بالصلاحية وأنت لاتعرفه فشهدت بما لا تعلم .

والخلل الثاني : أنك بخست الاصلح حقه في الاستفادة من صوتك وهذا خلاف العدل وضعف في الامانة . وإياك أخي المسلم أن تتلقى وأن تستقبل رسائل الجوال بالقبول مع مافيها من خلط وتزكية لاشخاص يريدون أن يمرروا اسماءهم أو أسماء مرشحيهم بدون هدى ، ولكن عليك التثبت من الاكفاء اصحاب الامانة سواء استعنت بالجوال أو بغيره من الاستشارات المباشرة من أهلها .

وهنا يظهر دور العلماء والحكماء وأصحاب التجارب في أن يكونوا عوناً في الاستشارة إذ تتوجب عليهم والحالة هذه لأنه من بيان الأمر ووجوب التبليغ وحفظ المجتمع من أن يدخله الفساد أو النقص وهم شهود والله قد أخذ عليهم العهد { وإذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه } ثم أن العلماء لهم دور في أمور الدنيا وما يصلحها يقول الامام الطبري رحمه الله مبيناً حقيقة العلماء الربانيين يقول { فالربانيون اذا هم عماد الناس في الفقة والعلم وأمور الدين والدنيا } .

إن مشاورة العلماء وأهل الحل والعقد هو هدى السلف الصالح وتعلمون أن عمر جعل الأمر في اختيار الخليفة بعده في ستة نفر وهم علي وعثمان والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن فجعل لهم الخيار في أن يرشحوا الخليفة وهم اكابر الصحابة وأهل الحل والعقد في وقتهم .

قال الطبري يرحمه الله { ولم يكن في أهل الاسلام أحد له من المنزلة في الدين والهجرة والسابقة والعقل والعلم والمعرفة بالسياسة ما للستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم } فهذا يدل على نهج السلف في الاختيار .

يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد { لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتحاضن على الخير أو ليسحتنكم الله جميعاً بعذاب أو ليؤمرن عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لكم } .

نقل القرطبي في تسفيره عن بعض السلف وهو ابن خويز منداد قال { واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما اشكل عليهم من أمور الدين ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، وأمور الناس فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها } ا. هـ .

اذا المشورة للعلماء تدخل في أمور الدين وأمور الدنيا وعمارتها وغير ذلك ولذا تتعين الاستشارة على كل ناخب براءة للذمة واتباع للسنة ولله الأمر من قبل ومن بعد نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأن يولي عليهم خيارهم وأن يكفهم شر شرارهم .... الخ ..



الخطبة الثانية

أما بعد : حقان مهمان لابد من آدائهما في هذه التجليات الانتخابية يتعلق الحق الأول بحق المجتمع على المرشح ، والحق الثاني يتعلق بحق المرشح على المجتمع .

أما الحق الأول : هو حق المجتمع على المرشح فهو ان يراقب الله سبحانه وتعالى في حملته الانتخابية من الانحراف والاسراف والمبالغات ، ذلك أن بعض المرشحين يكفر بالنعمة بالاسراف والتبذير والمظاهر .

ومن جهة ثانية فإن بعض المرشحين يحاول أن يخدع المجتمع ويدغدغ عواطفه بوعود ومبالغات خيالية ، ولعلكم أدركتم واطلعتم على بعض هذه الوعود التي هي من قبيل الوعد الكاذب لأنها وعود خيالية لا يستطيع المرشح تحقيقها عرفاً وعادة ، بل بعضهم يأتي بوعود ليست من صلاحيات المجلس البلدي المنتخب من أجله ولذا فهي مخادعة وكذب ووعد لا يمكن تحقيقة ، وهذا لا يليق أن يصدر من مرشح في مجتمع مسلم ، وهذا من الأنحراف في الحملات الانتخابية وهو أمر يؤثر على أخلاقيات وثوابت المجتمع المسلم الذي يجب على الجميع المحافظة عليه وعدم التغرير بالمجتمع وأفراده .

ولقد أدرك القريبون من الهيئة العليا للانتخابات هذه المبالغات فبينوا خطرها وضررها على المجتمع ونقدوها ، وأقرأ عليكم مقتطفات من محاضرة لأحد أعضاء مجلس الشورى السعودي ممن اتصف هذا المحاضر برجاحة العقل والحكمة وكان قد كلف بمحاضرة عن الانتخابات وإليكم هذه الاسطر من محاضرته التي نشرتها أحدى الصحف اليومية يقول { إن اختصاصات المجالس البلدية واضحة لا تحتمل وعوداً خيالية وبرامج فردوسية أو مشروعات ليست من اختصاصها وإن الاستغراق بمثاليات ووعود بعيدة عن نظام هذه المجالس يضر المرشح نفسه أكثر مما ينفعه لان المواطن سوف يدرك عدم صحة ماوعد به ، ومن جانب آخر فهذا قد يدخل في مسألة التضليل غير المقبول والذي لانرضاه لهؤلاء المرشحين أو منهم ، بل قد يصل إلى المخالفة الشرعية لأن المرشح لن يستطيع الوفاء بعهوده وقد كان العهد عند الله مسئولا ،

أما الأمر الآخر الأوفر ازعاجاً في هذه الانتخابات فهو ما سمعناه وما قرأناه حول شراء الأصوات وبيع الذمم وهذا مؤلم جدا اذا صح ترى كيف يرضى مرشح يأتي للمجلس البلدي أو غيره من خلال طرق غير مشروعة ، ان هذا المرشح الذي قبل وارتضى بهذا الاسلوب الخادع المنافى للامانة سيقبل بخداع من يرشحون وقد يبيع ذمته وهو يمارس عمله إن هذا خيانة للامانة التي وعد الله بأدائها ورتب شديد العقاب على من لا يؤديها كما حملها وإنني أربأ بالناخبين أو المرشحين أن ينزلقوا في هذا الشأن الخطير } ا.هـ . جريدة اليوم عدد 11576.

وأمر آخر يتعلق بالمرشح أن عليه يتقي الله في أن لا يجمع الناس حوله بالعطايا والهدايا أو أن يشتري الذمم والأصوات بأي أسلوب فهذا محرم شرعاً لأنه من الخيانة . وأمر ثالث يتعلق بالمرشح وهو أن يتقي الله في أن لا يحرش بين المسلمين أو بين الحملات الانتخابية أو أن يطعن أو أن يلقي التهم أو يهيج أسباب الفرقة بين أفراد المجتمع إما بالضغط على أفراده للتصويت له أو باحياء القبليات والنعرات الجاهلية ، أو من خلال الضغط على قبيلته أو على من ينتمي معه في الإنتماء المكاني أو المنهج الدعوى فهو أمر يخالف المنهج الشرعي ومن فعل ذلك من المرشحين فهو على خطر في دينه ومروته وسينكشف أمره حاضراً او مستقبلا ، فليتقي الله وأياه أن يبذر ما يفرق به بين المسلمين أو يكدر نفوسهم فإن المسألة لا تتحمل ذلك .

وكل ذنب حصل بسبب ذلك من بذر للفرقة أو شحن للنفوس فإن أثمه على المرشح ويقاس ذلك على مسألة ذكرها الامام الجويني في كتابه الغياثي يقول { فإن فرض تنازع وتمانع بين واليين كان وزر المسلمين مرجوعاً اليه في الخصومات الشاجرة } ص 178

أيها الأخوة في الله : وأما الحق الثاني وهو حق المرشح على المجتمع فهو أن المجتمع عليه أن يتعامل مع هذه الحملات الأنتخابية باخلاقيات المجتمع المسلم وبأدب المجتمع المسلم ومن ذلك أنها اذا ظهرت نتائج الترشيح فلا ينبغي أن يحصل التحقير او الاستهزاء أو التنقيص أو التشهير بمن لم يرشح بل يجب الاعراض عن ذلك والكف عنه ، فلعل الله سبحانه وتعالى أراد به خيراً في عدم ترشيحه فكيف ننقصه والله قد أختار ذلك في علمه الازلي أنه خير له .

ثم أنه قد لا يوفق الفاضل في الترشيح لسبب أو لاخر أو لقوة الدعم للمفضول ، أو ربما أن المجتمع اختار المفضول على الفاضل لسبب رآه عقلاء المجتمع فإن من المستقر من القواعد الشرعية التي ذكرها أهل العلم هي { جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل } والادلة على ذلك كثيرة خاصة أن هذه الانتخابات يعتريها ما يعتري غيرها من أخطاء البشر أو اجتهاداتهم أو قوة الدعم ، ومن ثم فيجب الكف وعدم الخوض في دائرة التنقيص والتشهير والنقض بمن لم يرشح ، ثم إنه بالمشاهدة والتأمل فإن الكثير من المرشحين لكل منهم مزية قد لا توجد في غيره وهذه نظرة لابد أن نتعقلها وأن لا نطرح محاسن من لم يوفق في الترشيح بل ينبغي ان تتسع صدورنا وعقولنا لاستيعاب ذلك وهذه من أدبيات المجتمع المسلم ، وإليكم هذه المقولة الرائعة التي استوقفتني كثيراً وحق لها أن يتأملها المتأمل يقول الامام الجويني في كتابة الغياثي يقول { في كل عقل مزية ولكن اختلاف الاراء مفسدة لامضاء الأمور } ص 87 .
المصدر تنبيه: لم ينسبها المصدر لشخص معين
المشاهدات 26750 | التعليقات 15

المشاركة في الانتخابات من واجبات الفرد المسلم



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾[ آل عمران : 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ً﴾ [النساء : 1] والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين ، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته . وبعد :

ما خلق الله عز وجل الخلق إلا ليوحدوه ويفردوه بالعبادة كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾[الذاريات:56-58] ، وقد بعث الله الرسل وأنزل الكتب، وشرع الشرائع وفرض الجهاد لنحقق العبودية له وحده وتكون كلمته هي العليا: ﴿...حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه ...﴾[الأنفال:39].

أيها الإخوة المؤمنون: لقد أمرنا الله بالسعي والعمل في هذه الحياة لنعمرها بطاعته وعبادته، ونصلح أمورها وشئونها وفق منهجه وهديه، وإن الأمة العاقلة الواعية، هي التي تتخلص من الغثائية واللامبالاة وتسهم في بناء حياتها وتشارك في صنع قرارها، ويكون للفرد فيها حضوره ووجوده، فينطلق مع غيره في بناء الحياة على أسس الحق والخير والعدل ، وتتظافر على ذلك جهود الحكام والمحكومين لإقامة المجتمع الآمن المستقر الذي ينعم بالصحة والكفاية، والعدل والعلم والحرية والازدهار، وحين تصل الأمة لهذا المستوى تكون أمة مهتدية راشدة عاقلة تعيش الحياة الكريمة الحرة، وإن بلادنا منذ قيام الثورة وهي تكافح وتجاهد للخروج من أزماتها فقد قامت الثورة لتخلص الشعب من الاستبداد والطغيان، ولتتيح للأمة ممارسة حقها في اختيار حكامها وممثليها عبر الانتخابات التي تعتبر صورة من صور الاستفتاء والشورى، التي يريد الإسلام للأمة أن تقيم حياتها على أساسها، ولأهمية الشورى أفردت سورة في القرآن الكريم سميت بالشورى، بياناً لمكانتها في الإسلام وأثرها في حياة المسلمين: قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الشورى:38],ومن عظمة هذا الدين الذي جاء به محمد رسول الله r من ربه أنه دين شامل كامل يشمل جوانب الحياة كلها فهو دين التوحيد والوحدة، قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾[البينة:5] ، وقال تعالى: ﴿ َاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾[آل عمران:103]، وقال: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾[ الأنبياء:92].

أيها الإخوة المؤمنون: لقد فرض الله علينا أن نعبده ونطيعه في المسجد والسوق وفي المؤسسات وفي الوزارات وفي الحكم والتعليم وفي الإعلام وفي المال والاقتصاد، وفي التشريع والقضاء، وفي العلاقات والتعامل مع المسلمين وغير المسلمين في السلم والحرب وفي مختلف جوانب الحياة كل ذلك ينبغي أن يكون لله وحده لا شريك له ، يقول الله عز وجل مخاطباً نبيه r وآمراً له بتنفيذ شريعته واتباعها: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[ الجاثية:18].

وقال سبحانه منكراً على من يترك حكمه ويتبع أحكام الجهالة والضلالة: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة:50]، ورسول الله r إمامنا وقدوتنا وأسوتنا الذي فرض الله علينا الإيمان به واتباعه وجعل طاعته سبحانه مرتبطة بطاعة رسوله r فقال في آيات كثيرة: ﴿... وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ...﴾[الأنفال:1] ، وقال: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾[ آل عمران:31-32]، ورسول الله r كان يؤم المسلمين في الصلاة ويقودهم في المعارك، ويجاهد لإعلاء كلمة الله وإقامة دينه، وكان عليه الصلاة والسلام يقضي بينهم ويعلمهم ويرشدهم ويبين لهم أحكام الله في كافة شئون الحياة.

وإن مما أوجبه الله على المسلمين جميعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح لكل مسلم، قال الله عز وجل : ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[ آل عمران: 104] ، وقال: : ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ...﴾[ آل عمران:110] ، وليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلمة تقال باللسان فحسب ولكنه جهاد باليد واللسان والقلب كما قال r : "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"(1).

فعلى أمة التوحيد والإيمان والحكمة السعي والعمل من أجل اختيار الأكفاء الأمناء الأقوياء في الأماكن والمواقع التي يستطيعون من خلالها إقامة المعروف ومحاربة المنكر، وذلك من خلال ما أتيح لهم من فرص مشروعة في المؤسسات الرسمية والشعبية ، فإن هذا هو مقتضى الدين، فقد قال رسول الله r في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(2).

أيها المؤمنون : إن الله افترض علينا الإيمان به وبرسوله ولم يرضَ منا مجرد الإيمان بالقول فحسب بل أمرنا أن نخلص له العبادة وأن نقيم حياتنا كلها وفق مرضاته، إنه سبحانه يريد منا قلوباً خالصة مخلصة له لا مكان لغيره فيها، المال والولد والنفس وكل الدنيا وما فيها ينبغي أن تكون كلها خاضعة لله، إننا نردد في صلواتنا قول ربنا: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الأنعام:162-163] ، إن علينا أن نطبق هذه الآية عملياً في حياتنا ـ على المسلم الذي رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد r نبياً ورسولاً أن يحرر ولاءه لله ولرسوله وللمؤمنين ، فإذا أحب فلا يحب إلا لله، وإذا أبغض فلا يبغض إلا لله وإذا أعطى فلا يعطي إلا لله، وإذا منع فلا يمنع إلا لله، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داؤود وغيره أن رسول الله r قال: "من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان"(3).

وفي الصحيحين عن أنس t قال: قال رسول الله r: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"(4). وقال ابن مسعود t: "لو أن رجلاً قام يعبد الله بين الركن والمقام سبعين سنة لم يبعثه الله إلا مع من أحب".

أيها المؤمنون: إن كل فرد مسئول عن إصلاح مجتمعه والمحافظة على دينه وأخلاقه وقيمه وفضائله، قال تعالى: ﴿... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ...﴾[المائدة:2] وكل فرد مطالب كذلك بمقاومة الباطل وإزالته من حياة المسلمين حسب القدرة والاستطاعة، إن القيام بهذه المسئولية العظيمة لهو دليل الصدق والإيمان، وهي العلامة التي تميز المؤمنين عن غيرهم، فإن من صفات المؤمنين أنهم بشهاداتهم قائمون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كما قال تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾[التوبة:71].

أيها الإخوة المؤمنون: إننا بحاجة ماسة إلى التعاون وتظافر الجهود من أجل التخلص من المنكرات والشرور، لقد انتشرت الجرائم التي تهدد أمن المجتمع كالظلم والرشوة وشهادة الزور وضياع الحقوق وكثرة الفواحش وضياع الأمانة وتفشي الأخلاق الذميمة التي نهى الله ورسوله عنها: كالغش والكذب والغدر والخيانة، وغيرها، والسبب في ذلك يرجع إلى تقاعس الناس وسكوتهم عن الباطل، وتنازلهم عن الحق إلا ما شاء الله، ولن يرفع الله عن الأمة ما تعانيه من المصائب والأزمات ، إلا إذا غيرنا ما بأنفسنا وصدقنا مع ربنا وبذلنا ما في وسعنا من أجل القيام بواجباتنا التي افترضها الله علينا، قال الله تعالى: ﴿... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ...﴾[الرعد:11]، وبما أننا مقدمون على الانتخابات المحلية لاختيار من يمثلنا فيها، فإن من حق الجميع أن يكون مشاركاً إيجابياً وأن يختار من يريد مراقباً في ذلك ربه مؤثراً لمصلحة أمته وبلاده. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾[ المائدة:8].

الخطبة الثانية:

العرب بكل توجهاتهم وأعني حكامهم منزعجون من وصول شارون إلى سدة الحكم في دولة بني صهيون، إذ أن هذا اليهودي الماكر يعيش على أوهام التوسع واكتساح المنطقة وطرد الفلسطينيين بل وبقية العرب من حدود إسرائيل وهذا يجعل حكام العرب في موقف مخزٍ ، فهم الذين استسلموا حين سيقوا جميعاً بالعصا نحو التفاوض وطبل الإعلام العالمي لذلك سنين عدداً.

ثم جاء هذا اليهودي ليتنصل من كل شيء وفي أحسن الأحوال إذا طمع العرب والفلسطينيون بالحل السلمي فلتبدأ المفاوضات من الصفر .. إن حكام اليهود يمشون في حكمهم على خرافات وأساطير كتبهم المحرفة، إن اليهود يعلنون بكل وضوح بأن السلام الذي يتحدثون عنه ينقسم إلى قسمين: قسم منه عابر ومؤقت يقوم على إدراك العرب لقوة إسرائيل وهذا النوع من السلام لن يدوم طويلاً، ويسميه مناحيم بيغن رئيس وزراء الدولة العبرية الهالك : سلام الأربعين، وذلك بسبب خوف العرب وارتباكهم ، والنوع الثاني من أنواع السلام عند اليهود ما يسمونه بالسلام الحقيقي ، فهو الذي سيصاحب إتمام إسرائيل وراثة أرضها بالكامل، ويسبق مجيء المسيح ليسود شعب إسرائيل المجتمع كله وحينها ستعترف الأمم كلها اعترافاً عجيباً بالحقيقة التي تقع على إسرائيل مهمة نشرها في العالم ، رسالة العدل والسلام التي يكون الجبل المقدس رمزها الظاهر. والجبل المقدس هو رمز لهيكل سليمان الذي ينبغي أن يقوم مكان الأقصى وعلى أنقاضه، وهذه بداية رائعة لرسالة العدل والسلام.

هذه هي عقيدة اليهود وهذا نهجهم الذي يسيرون عليه، وقد رأينا الشق الأول أو المرحلة الأولى من السلام المؤقت، سلام المغلوبين ، فاوضنا وتنازلنا ونفذنا وقبضنا الربح النتن منه وما زلنا نقبض في كل يوم الغرور والسراب، إن الخبيث لمن والاه غرار.

وأما السلام الثاني الذي يتحدث عنه اليهود فهو سلام خرافي، يقوم على تنبؤات حاخاماتهم وشياطينهم وإن جيل النصر الآخذ في التشكل والاستعداد قادم بإذن الله وسيواجه الأساطير اليهودية وأباطيل الصهيونية والعلمانية بالحقائق، وإذا جاء الحق فلن يصمد الباطل وحينها سيردد المسلمون قول الله عز وجل: ﴿ وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾[ الإسراء:81]، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾[ الأنبياء: 18]، ﴿ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قُلْ جَاء الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾[سبأ:48-49].

أيها المؤمنون إن هذا الركام الهائل من الباطل الذي يتبناه اليهود ويوهمون العالم بمساندته وحمايته سيسقط حتماً وإن طال به الزمن.

وإن من أسباب سقوطه وزواله معرفة المسلمين لدينهم وتمسكهم به وتطبيقهم لأحكامه والأخذ بأسباب النصر ووسائله من الإيمان الصادق والعمل الصالح وتوحيد الصفوف والإعداد النفسي والمادي للأمة كلها حتى تكون أمة واحدة كما أراد الله لها أن تكون : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[الصف:4]، وعندئذ نستطيع مواجهة قوى الشر والباطل والعدوان مجتمعة تحت راية واحدة، وحينها نكون أهلاً لنصر الله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

تخريج / عبد الحميد أحمد مرشد.

(1) ـ صحيح مسلم. ج1 كتاب الإيمان. باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان. وأن الإيمان يزيد وينقص. وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان. الحديث رقم: 49

(2) ـ صحيح البخاري، ج1 باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصحية: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). الحديث رقم: 57/58 وصحيح مسلم ،ج1 .كتاب الإيمان. باب بيان أن الدين النصيحة. الحديث رقم: 23

(3) ـ سنن أبي داؤود 2/ 632 ، حديث رقم : 4681، وصححه الألباني.

(4) ـ مسلم 1/ 66 ، حديث رقم: 43.


الجامع لفتاوى الانتخابات


المشاركة في الانتخابات البلدية
أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً

السؤال
ما رأيكم بالمشاركة في الانتخابات البلدية حيث يرى البعض أنها وافد أجنبي ولذا لا تجوز المشاركة فيها؟

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فيرى بعض الناس أن الانتخابات وافد أجنبي ونظام غربي، أو أنها ستكون شكلية، مما قد يدفع هؤلاء وأولئك إلى عدم تشجيعها، فضلاً عن ممارستها أو الدخول فيها، ويبدو لي أن جميع أولئك مخطئون في ذلك، ووجه ذلك أن الانتخابات هي البوابة الرئيسية لمبدأ الشورى التي أمر الله بها بقوله:"وأمرهم شورى بينهم" والآية عامة للناس كلهم، الحاكم مع الشعب، وأفراد الشعب بعضهم مع بعض، والرئيس مع مرؤسية؛ بل المرأة مع زوجها (فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما) فتأدية خدمات الناس ومصالحهم اليومية أخذاً وعطاءً دفعاً أو منعاً من أوجب الواجبات الشرعية، بل إن خدمة الحيوان وتسهيل طريقه والرأفة به مسؤولية جماعية وقربة إلى الله، قال عمر بن الخطاب (والله لو أن شاة عثرت في أرض العراق لرأيت الله مسائلني عنها يوم القيامة. لماذا لم تمهد لها الطريق يا عمر) فكيف بخدمات الناس ونظافة بيئتهم!؟جاء في مسند الإمام أحمد عندما سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن المعروف قال: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تعطي صلة الحبل ولو أن تعطي شسع النعل ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تنحي الشيء عن طريق الناس يؤذيهم..." يا سبحان الله! هذا في الخدمات الفردية الاختيارية، فكيف بالخدمات العامة الواجبة شرعاً كتعبيد الطرق، وإنارتها وإيصال الخدمات الضرورية من ماء وكهرباء وهاتف، ووسائل نقل لفك الاختناق في المدن، وعمل حدائق ومنتـزهات وميادين عامة ومراقبة الأسواق في المواد الاستهلاكية وإتلاف الفاسد منها. وهذه بعض من صلاحيات مجالس البلديات سواء باشرته البلدية بنفسها، أو اشتركت ونسقَّت مع الجهات الأخرى ذات العلاقة.
وعامة أحكام الإسلام وواجباته يتدارسها الناس ويتشاورون فيها جماعة يؤدونها مجتمعين، ورأي الجماعة خير من رأي الفرد، والشاذ عند المحدثين ما خالف الجماعة، وإن كان ثقة في نفسه. ولئن كانت الانتخابات العامة تأخرت في بلادنا فإن البداءة بانتخابات مجالس البلديات هو عين الصواب؛ لأن التدرج هو سنة الحياة، ونستفيد من تجارب من سبقنا في هذا الميدان. وأعتقد أن هذه التجربة لها أثر إيجابي كبير في نفوس المواطنين عامة فضلاً عن الناخب والمرشح. وأهم ما ينبغي أن يتحلى به المرشح:
(1) الإخلاص لله سبحانه؛ لأن الحب للغير عبادة، فكيف بمباشرتها "أحب لأخيك ما تحبه لنفسك".
(2) حسن الخلق والتفاعل مع المشاريع والمناشط الحيوية التي تخدم الناس مباشرة.
(3) من الولاء للوطن وخدمة المواطنين تقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية، والانتماءات القبلية والمذهبية والمناطقية والعرقية.
(4) لابد أن يتحلى العضو المنتخب عند النقاش بروح الفريق لا بروح الفردية والاستعلاء، وأتمنى لتفعيل هذه المجالس البلدية المنتخبة -لتعطي دليلاً ملموسًا لعموم الشعب –أن تبادر وتباشر أول أعمالها بإنشاء مجمع أو أكثر في كل مدينة ومحافظة؛ ليكون أشبه بالمركز والنادي الدائم لسكان الحي شيبا وشباباً، تمارس فيه جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية والترفيهية، وينتخب أهل الحي من بينهم مجلسًا مصقرًا يقوم بإدارتهم، وتشارك الدولة في ميزانيته المالية للسنوات الثلاث الأولى على الأقل.
إن مشاركة المواطنين -والشباب منهم خاصة- في دخول انتخابات المجالس البلدية سواء كان ناخبًا أو مرشحًا أراه أمراً متعينًا عليهم لإنجاح هذه التجربة في بلادنا، ولا يجوز أن يبقوا سلبيين مع هذه الانتخابات بعد أن تولتها الدولة ودعت إليها، وسيتبع انتخابات المجالس البلدية هذه انتخابات أخرى -بإذن الله- وأمرها موكول إلى مدى نجاح هذه التجربة أو فشلها، فيجب على كل مواطن أن يسرع إلى أخذ بطاقة (ناخب) وينظر في قوائم المرشحين، فليختر منها سبعة أسماء – إن كان في المدينة أو أربعة إن كان في محافظة من المحافظات- وليكن هؤلاء الذين يختارهم أكفأ الموجودين في القائمة وأصلحهم في نظره.
إننا لمتفائلون بنجاح هذه التجربة، وما سيتبعها من انتخابات مقبلة لا تقل عنها أهمية.

وإذا رأيت من الهلال نموه ***أيقنت أن سيصير بدرًا كاملاً

والشكر لكل عامل في هذه الانتخابات كبيرًا كان أو صغيراً أو سعى لتشجيعها والعمل على إنجاحها.
والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه.



المشاركة في الانتخابات البلدية وضوابطها
فضيلة الشيخ أ. د. ناصر بن سليمان العمر

السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
أما بعد: فنسأل الله الكريم أن يعينكم ويسددكم.
ما رأي فضيلتكم في مشروع الانتخابات البلدية، هل تنصح بالتسجيل للانتخاب أم يخشى من المشروع و آثاره، مثل: فتح مبدأ النقد و الرأي الآخر دون ضوابط ، و لا يفعل نظام الشورى والتشاور .
و جزاكم الله خير الجزاء .

الإجابة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ناقش عدد من العلماء مسألة المشاركة في الانتخابات البلدية وتوصلوا إلى جواز المشاركة فيها؛ لأن المصالح المترتبة على ذلك فيما يظهر أكبر من المفاسد المتوقعة؛ ولذلك فإنني أوصي بالمشاركة فيها واختيار من يتصف بالقوة والأمانة؛ لقول الله _تعالى_: " إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " (القصص: من الآية26).
وكذلك لقَطْع الطريق على من يستغل هذه الولايات لأهداف شخصية أو لمآرب أخرى، كما حذَّرَت من ذلك اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز _رحمه الله_ وستنشر فتوى اللجنة الدائمة هذه قريباً.
ومن يطلع على كتاب (السياسة الشرعية) لشيخ الإسلام ابن تيمية _رحمه الله تعالى_ يجد الجواب الكافي الشافي لمثل هذه المسائل المستجدة.
وفتوى شيخنا العلاَّمة عبد الرحمن البراك كافية لمن بحث عن الحق.
والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



انتخابات المجالس البلدية في السعودية
فضيلة الشيخ د . سفر بن عبد الرحمن الحوالي

السؤال
ما هي رؤيتكم حول الانتخابات البلدية في السعودية؟ وما حكم المشاركة فيها، وما هي الضوابط الشرعية لذلك؟

‏ الإجابة
بسم الله الرحمن الرحيم.
فقد ورد إلينا سؤالكم عن رؤيتي حول الانتخابات البلدية في السعودية، وحكم المشاركة فيها، والضوابط الشرعية لذلك ؟
وإني لأشكر لكم جهودكم الملموسة والبارزة على موقعكم في الشبكة الإلكترونية ( المسلم ) في سبيل نشر الخير والسعي فيه _زادكم الله حرصاً وسداداً_ .
الجواب :

الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد :
بعد إطلاعي على نظام هذه الانتخابات وصلاحيات المجلس والمرشحين؛ أرى أنه من الأفضل المشاركة فيها، حيث لم أجد أي محظور شرعي في ذلك ، بل المصلحة موجودة في تولي أهل الأمانة والكفاءة مثل هذه الأعمال التي تمس مباشرة حاجات الناس واهتماماتهم، ولو لم يكن من ذلك إلا تخفيف الفساد، وتقليل سبل إهدار المال العام لكان ذلك كافياً، مع أن للمجالس دوراً إيجابياً واضحاً، فهي خطوة ينبغي اتخاذها لتقوية أسباب الإصلاح وإضعاف عوامل الإفساد، وسوف تؤدي بحكم سنة التطور إلى إصلاح ما هو أعلى منها _بإذن الله_ .
أما الموقف المتجاهل أو الرافض فلا أرى له ميزة ولا ينتج عنه مصلحة.. هذا رأيي مختصراً وقد شرحته في بعض اللقاءات مطولاً، والله الموفق .
سفر الحوالي
4/11/1425هـ



حكم انتخاب أهل الإنحراف
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

السؤال
هل يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من الدوائر، شخصاًً يعتنق الشيوعية، أو يسخر بالدين ، أويعتنق القومية ويعدها ديناً؟


الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم، وبعد:
لا يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى من علم أنه شيوعي، أو يسخر بالدين الإسلامي، أو اعتنق القومية أو عدها ديناً؛ لأنه بانتخابه إياه رضيه ممثلاً له، وأعانه على تولي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعِّين فيه من يشايعه في مبدئه وعقيدته، وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء من يخالفه، وحرمانه من حقوقه أو بعضها، في تلك الدائرة أو غيرها بحكم مركزه، وتبادل المنافع بينه وبين زملائه في الدوائر الأخرى؛ ولما فيه من تشجيعه من استمراره على المبدأ الباطل وتنفيذه ما يريد.
وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



شروط من يجوز انتخابهم للمجالس البلدية
فضيلة الشيخ عبد الرحمن البراك

السؤال
فضيلة الشيخ، انتشر الطرح هذه الأيام لموضوع الانتخابات البلدية، فما رأيكم في المشاركة بالترشيح فيها؟
أفيدونا مأجورين.

الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
مبدأ الانتخاب لتعيين أعضاء مجالس البلدية ونحوها، أو غيرها من الولايات هو من ضروب التقليد والتشبه الدخيلة على المسلمين.
فإن الأصل أن ولي الأمر يجتهد في اختيار الأكفاء الصُّلحاء لولاية أمور الرعية، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والنصح، ولكن إذا طلب من الناس أن ينتخبوا، فينبغي لطلاب العلم وأهل الخير أن يشاركوا باختيار الأصلح في أمور الدين والدنيا من المرشحين؛ حتى لا يستَّبِد الجُهَّال والفُسَّاق وأهل الأهواء باختيار من يوافق أهواءهم، ومن هو على شاكلتهم، ففي مشاركة أهل الخير تكثير للخير وتقليل للشر، بحسب الاستطاعة،وقد قال الله _تعالى_:" فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ "(التغابن: من الآية16).
وقال _عز وجل_: " فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ " (الزلزلة:7).
ومن الحكمة في ذلك:
على المرء أن يسعى إلى الخير جُهْدَه وليس عليه أن تتم المقاصدُ

والله نسأل أن يصلح أحوال المسلمين، وأن يولي على المسلمين خيارهم.
والله أعلم.
المصدر


حوارات مع كتاب وكاتبات (4) : محمد بن عبداللطيف آل الشيخ وخبران باطلان!

سليمان بن صالح الخراشي


كتب الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ مقالا في جريدة الجزيرة اليوم ( 18/1/1426هـ ) بعنوان " شيئ من المرأة والانتخابات البلدية " يدعو فيه إلى مشاركة المرأة في الانتخابات ( ناخبة ومرشحة ) مستدلا على دعواه بخبرين باطلين ؛ لو ثبتا فلا تعلق لهما بما يُطالب به . وقد أحببتُ توضيح ذلك في هذا المقال ؛ لأني وجدتُ تتابع عدد من الكتاب والكاتبات على الاستشهاد بهما في كثير من المواضيع المتعلقة بالمرأة ؛ بمناسبة وبغير مناسبة ! وينقل بعضهم عن بعض ! إلى أن يصل سندهم إلى بعض الكتب المنحرفة ؛ كتحرير المرأة لقاسم أمين ، أو تحرير المرأة في عصر الرسالة لأبي شقة ، أو غيرها من الكتب التي أخذ مؤلفوها على عاتقهم مهمة إخراج المرأة عما أراده الله لها ، مما يناسب طبيعتها وفطرتها ، وإقحامها فيما يظنونه يُفيدها .

فإن كان البعض قد يعذر الدعاة الأولين لهذه الفكرة ممن قد لايتبين لهم ما فيها من إفساد للمرأة وللمجتمع .. فما بال من رأى نتيجة تلك الدعوات والأفكار التغريبية عيانًا على أرض الواقع ؟! فهل جنت المرأة في الدول التي انساقت خلف ذلك عشرات السنين شيئًا يُغري نساء المؤمنين بمتابعة خطواتها ؟! الجواب يعرفه العقلاء ممن يتعظون بمصائب ومشاكل غيرهم .

=======================

يقول آل الشيخ - والتعجب مني - : ( وإذا كان من أهم وظائف (المجالس البلدية) الرقابة على المهام المناطة بالبلديات كمراقبة الأسواق مثلاً، فإن هذه المهام كانت في صدر الإسلام مهمات (حسبوية) ان جاز الاشتقاق، أي من المهام المناطة بالحسبة تحديداً، ومن الثابت ( ! ) تاريخياً أن امرأة (صحابية) اسمها (الشفاء بنت عبدالله العدوية) كان قد ولاها عمر بن الخطاب رضي الله عنه مراقبة أسواق المدينة كما ذكر الإمام ابن حزم -رحمه الله- في (المحلى) . كما ذكر الإمام ابن عبدالبر -رحمه الله- في (الاستيعاب) أن (سمراء بنت نهيك الأسدية) كانت تتولى مراقبة الأسواق و(تأديب) المخالفين. معنى ذلك أننا عندما نسمح للمرأة بعضوية المجالس البلدية فإننا في الواقع لا نتجاوز عاداتنا غير الحضارية فحسب، وإنما نحيي سنة من سنن صدر الإسلام كادت تندثر.
والمرأة في كل المجتمعات هي نصف المجتمع عددياً كما هو معروف، وهي في بلادنا ربما أكثر، وبعد مسيرة تعليمها في المملكة التي تجاوزت الآن أكثر من أربعين سنة، لا يمكن إطلاقاً تهميشها، والمطالبة بإبقائها في البيت لا تبرحه قيد أنملة كما يطالب بذلك بعض المتشددين .. ) .

إلى أن قال في خاتمة مقاله : ( وطالما أننا في المملكة محكومون بالشريعة الإسلامية في كل شؤوننا، وطالما أن الشريعة الغراء لا تمانع من مشاركة المرأة في الشؤون العامة كما شاركت الشفاء بنت عبدالله في الرقابة على سوق المدينة وكما كانت سمراء بنت نهيك أيضاً، فما الذي يمنعنا إذن من التأسي بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونعيد السيرة العمرية؟ ) انتهى .

=======================

قلتُ : على كلامه ثلاثة تعقبات :

أولا : خبر " الشفاء بنت عبدالله " لم يذكر له ابن حزم سندًا أو درجة ، ولذا قال ابن العربي في أحكام القرآن ( 3/1457) عنه : ( لم يصح ، فلا تلفتوا إليه ، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث ) .

وقال الدكتور محمد أبو فارس : ( وما ذكره ابن حزم رحمه الله من أن عمر ولى الشفاء – فلا يصلح حجة في هذا المقام ، فالخبر لم يثبت ؛ فقد ساقه غير مسند وبصيغة التمريض ، وهذه الصيغة لا تؤهل النص ليحتج به ) .

ثم إنه لو صح وثبت فيفهم منه أن عمر اختارها لتقاوم المنكرات المتعلقة بالنساء في السوق وتأمر بالمعروف .

ويؤيد هذا : ماثبت من غيرة عمر رضي الله عنه على نساء المسلمين ؛ ومن ذلك أنه كان سببًا في نزول آية الحجاب - كما عند البخاري - . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم له : ( رأيتني دخلت الجنة .. ورأيت قصرًا بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر . فأردت أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيرتك ) ( أخرجه البخاري ) .

فكيف بعد هذا يُزعم أنه قد جعل امرأة تُخالط الرجال ؛ تأمرهم وتنهاهم !!

ثانيًا : وأما خبر سمراء بنت نهيك فقد ذكره ابن عبدالبر - دون سند - في الاستيعاب بغير النص الذي نقله عنه آل الشيخ ! ونصه في الاستيعاب : ( كانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها ) !

فهو - أولا - خبر دون إسناد ؛ فلا يصح . وثانيًا : لو صح لما كان فيه دليلا لما يريده الكاتب لمن تأمل . إنما يدل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه يشمل الرجال والنساء . وقد حمله البعض لو قيل بصحته على مجتمعات النساء .

ثم يلزم الكاتب ثالثًا أن يأخذ بما جاء فيه من ضرب الآمرين بالمعروف الناس بالسياط !! فهل يقول بهذا آل الشيخ ؟!

( وانظر للزيادة في الخبرين السابقين : رسالة " المرأة والحقوق السياسية في الإسلام " لمجيد أبوحجير ، ورسالة " ولاية المرأة في الفقه الإسلامي " لحافظ أنور ) .

ثالثًا : قوله في خاتمة مقاله : ( فما الذي يمنعنا إذن من التأسي بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونعيد السيرة العمرية؟ ) . أقول : لن يمنعك أحد إذا ما أردت ! بل هذا مما يُسر به المؤمنون أن نقتدي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا سيما من أمر بالاقتداء بهم . مع تذكير الكاتب بما سبق أن عمر رضي الله عنه هو سبب نزول آية الحجاب ، وأنه رضي الله عنه هو أول من سن للأمة تأديب دعاة الفتنة والاختلاف ممن يريدون تفريق صف المؤمنين ، وبث الشبهات بينهم ، وإشغالهم بما يصرفهم عما فيه خيرهم ؛ كما في قصته المشهورة مع ( صبيغ بن عسل ) . ( أخرجها الآجري في الشريعة بسند صحيح ) .

وفق الله الكاتب لما يُحب ويرضى ، وجعله ممن يُسخرون قلمهم وجهدهم في نشر الخير .


أضيف - أيضًا - لإكمال الكلام عن سمراء بنت نهيك - رضي الله عنها - أن الطبراني في الكبير قد ذكر عن يحيى بن أبي سُليم قال : ( رأيت سمراء بنت نهيك عليها درع غليظ وخمار غليظ ، بيدها سوط تؤدب الناس ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ) . ( قال الهيثمي رجاله ثقات ) .

فهذا مما يؤكد بطلان ما ذكره آل الشيخ من أنها ( تتولى مراقبة الأسواق ) !! . إنما كانت تأمر وتنهى بالسوط ! وتلبس الحجاب الكثيف ! دون ذكر للسوق .. فتأمل .

===========

ممن تتابع على ذكر الخبرين السابقين ، وبنى عليهما القصور العوالي ! أحمد زكي يماني في كتابه الأخير عن المرأة ؛ وهو الذي يعترف في إحدى مقابلاته أن ابنته تقرأ القرآن وتعزف العود !! جمعًا بين التراث والمعاصرة !

يقول يماني : ( وقد وصل دور المرأة في المجتمع المدني إلى أعلى المستويات. حين ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشفاء بنت عبد الله المخزوميـة على حسبة السوق. والحسبة. في رأينا. تحمل الصفة القضائية والتنفيذية معاً. كما هي تجسيد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والسوق بمعاييرنا المعاصرة هو المركز الرئيس للنشاط التجاري. فكيف تمارس المرأة المسلمة ذلك النشاط المهم لو كانت حبيسة الدار؟
كما أعطى ابن الخطاب رضي الله عنه سمراء بنت نهيك الأسدية. التي تولت المنصب نفسه على سوق مكة. سوطاً تضرب به من يغش في البيع أو الكيل ، وهي بذلك قد جمعت بين ما يشبه السلطة القضائية وما يشبه السلطة التنفيذية ) !

أرأيت اتباعًا للهوى يفوق هذا ؟! حيث تُترك الآيات والأحاديث الصحيحة ، ثم تُضخم الحكايات والأخبار الباطلة ، وتُجعل هي الأصل والأساس . نعوذ بالله من الهوى واتباعه .

وقال شيخ الأزهر في عصره / محمد الخضر حسين - رحمه الله - : ( وما نُسب لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من أنه ولى امرأة الحسبة ؛ فإنه قول ليس صحيح وموضوع عليه ) . " مقالة بعنوان : موقف الشريعة الإسلامية من المرأة ، جريدة الأهرام ، 27/2/1953 " نقلا من فتاوى وكلمات .. ، للدكتور عبدالرزاق الشايجي ، ص 158 ) . المصدر


الجديد في تعقيب جمال خاشقجي على توهين روايته عن ابن باز

د. سعد بن مطر العتيبي


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد؛
فقد قرأتُ ما جاء في ملحق الدين والحياة جوابًا من الكاتب الإعلامي جمال خاشقجي على مقالي في نفي صحة ما نسبه إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- من القول بأن ولاية بناظير بوتو لرئاسة مجلس الوزراء ليست ولاية عامة! ذلك القول الذي يتعارضُ صراحةً مع ما حرّره الشيخ ابنُ باز -رحمه الله- بنفسه من جواب خطي لمجلة المجتمع -آنذاك- أكَّد فيه أن ولاية مجلس الوزراء ولاية عامة.

وهنا أشكر الكاتب جمال خاشقجي على هذا التفاعل مع الموضوع؛ ومن فوائده أنَّنا اطلعنا على تفاصيل جديدة عن ذلك اللقاء؛ إذْ قرأنا في العدد التالي مداخلة فضيلة الشيخ صالح السحيباني؛ أجزل الله مثوبته، فقد أتحفنا بتفاصيلَ مهمةٍ عن قصة لقائهم بسماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، وهي المداخلة التي جاءت تعقيبًا واستدراكًا على الرواية التي نشرتها جريدةُ الحياة عن الكاتب جمال خاشقجي والرواية التي جاءت في تعقيبه في ملحق الدين والحياة بصحيفة عكاظ.

وهنا أريد أن أقف مع تعقيب الكاتب الإعلامي جمال خاشقجي، ومع مداخلة فضيلة الشيخ صالح السحيباني وقفاتٍ أرجو أن تكون نافعةً ومفيدة لنا جميعًا. وهي كما يلي:

أولاً: مدار النقّاش وصلب الموضوع هو: التحقق من دقة ما نسبه الكاتب جمال خاشقجي إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- من القول بأن ولاية بناظير بوتو لرئاسة مجلس الوزراء ليست ولاية عامة! وذلك في قوله في جريدة الحياة إن الشيخ ابن باز -رحمه الله- قال: "إن الولاية المنهي عنها في الحديث هي الولاية العامة، وولاية بوتو ليست كذلك".

وقد جاء في التعقيب والمداخلة ما يثبت عدم صحة هذا القول عن الشيخ أيضاً، ومما يؤكِّد ذلك ما يلي:

1) جاء في تعقيب الكاتب جمال خاشقجي ما يكشف وقوعَ وهم في نقله عن الشيخ -رحمه الله- ويبدو أن من أسباب ذلك: وجود لَبْس في تصور المسألة السياسية لديه؛ فقد أورد في تعقيبه روايةً تختلف اختلافًا واضحًا عما قاله في جريدة الحياة، فقد جاء في تعقيبه في ملحق الدين والحياة بعكاظ، ما نصّه: "واستفتيته في أمر ولاية بنازير فرد رحمه الله دون تردد (إن رئاسة الوزارة ليست الولاية العظمى)، وإنه على الرغم من تحفظه على ولايتها كامرأة، فإنه لا يجوز الخروج عليها خوفا من الفتنة"؛ وقد أحال في ذلك إلى مقالٍ له نشره قبل بضع سنوات (مع تحفظي على ما ورد في مقاله ذاك، من معلومات وأحكام وأسلوب خطاب). بينما جاء في تصريحه لجريدة الحياة ما نصّه: "وسألته [يعني الشيخ ابن باز رحمه الله] عما إذا كانت ولاية بوتو شرعية، وأنه يتعين على الباكستانيين خلعها، وحاولت دفعه لإصدار فتوى ضدها، لكنه رفض، وقال: إن الولاية المنهي عنها في الحديث هي الولاية العامة، وولاية بوتو ليست كذلك".

ووجه الاختلاف بين الروايتين يكمن في الفرق بين الولايتين: (الولاية العامة) و(الولاية العظمى)، وهو فرق واضح ومعروف عند المتخصصين وغيرهم ممن لهم عناية بالثقافة الإسلامية، وتوضيحا لذلك –بعيدًا عن التعريفات العلمية الأكاديمية– أقول: تعد الولاية العظمى رأس الولايات وأساسها، فهي منصب الرجل الأول في الدولة كالملك في نظام الحكم الملكي والرئيس في النظام الجمهوري مثلا، أما الولايات العامة فهي وإن كانت تشمل الولاية العظمى أو الإمامة العظمى عند الإطلاق، إلا أنها أوسع مدلولا، فإنَّها تطلق على الولايات المتفرعة عن الولاية العظمى مما يتعلق بتدبير شؤون الجميع، كولاية الوزراء مثلا، فالوزير صاحب ولاية عامة في وزارته، مع أن ولاية الوزارة ليست ولاية عظمى، وبعض الباحثين يلحق رئيس الوزراء بمنصب الإمام الأعظم، في الدساتير التي يكون تفويض الرئيس فيها لرئيس الوزراء عامًّا، فيشترط فيه ما يشترط في الإمام الأعظم.

وعلى كل حال؛ فمحل الإشكال في موضوعنا هو إخراج منصب رئاسة الوزراء من (الولاية العامة)، لا رئاسة الوزراء من (الولاية العظمى)؛ والحقيقة أنَّ رئاسة الوزراء من الولاية العامة، وهو ما أثبته الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- في جوابه الذي حرّره مكتوبًا لمجلة المجتمع، والذي نقلت نصّه في المقال الأول.
والتفريق بين منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء موجود أيضا لدى القانونيين، فإنهم يفرقون بين المنصبين، حتى لو كان شخص رئيس الدولة هو نفسه شخص رئيس الوزراء، ولدينا –الآن- في المملكة: نجد أن الملك هو نفسه رئيس مجلس الوزراء؛ ولكنه يتولّى مهام منصب الملك، بصفته ملكًا، ومهام منصب رئيس مجلس الوزراء بصفته رئيسًا لمجلس الوزراء لا بصفته ملكًا؛ وكلها من الولاية العامة.

2) ما جاء في تعقيب الأخ جمال خاشقجي من توضيحٍ لسبب فتوى الشيخ بعدم سحب الثقة من حكومة بوتو، فقد قال في النص الذي أوردته عنه في الفقرة السابقة: "وإنه على الرغم من تحفظه على ولايتها كامرأة، فإنه لا يجوز الخروج عليها خوفًا من الفتنة"، وهو ما بيَّنه أكثر في تأكيد ما ذكرته في سبب منع الشيخ -رحمه الله- للخروج على بناظير بوتو في حال ثبوت الفتوى عنه. فقد قال الأخ جمال في تعقيبه على ما ذكرته بهذا الشأن: "هذا التحليل صحيح، فالشيخ لم يوافق على ولاية بوتو بالشكل المطلق، وفتواه التي نشرت بالمجتمع كانت عن ولاية المرأة بشكل مطلق فكان رده الشرعي المتوقع ولكنه كان واقعيًا، وعندما كان السؤال عن حكم الخروج عليها أو نقض ولايتها والتظاهر ضدها كانت إجابته متفقة أيضا مع النهج السلفي الصحيح بعدم الخروج عليها درءًا للفتنة".

وهنا يكون الأخ جمال قد أوضح أنَّ منع الشيخ للخروج على بوتو ليس لأنه يرى جواز ولاية المرأة، وهو بهذا ينقض ما يفهم من تصريحه لجريدة الحياة بهذا الشأن، وهو ما كان محلا لتعليق كاتب جريدة الحياة على تصريحه. وهذا اضطراب يؤثرُ في دقة ثبوت الرواية.

3) جاء في تعقيب الشيخ صالح كشف لعدد من المسائل المهمة، في نقد رواية الأخ جمال خاشقجي، ومن أهمها: المسألة محل النقاش مع الشيخ -رحمه الله-، فقد بيّن لنا الشيخ صالح أنَّها كانت: سحب الثقة عن حكومة بوتو، لا الخروج على ولايتها؛ وفرق بين الأمرين، فالأول سياسي قانوني، والثاني غير قانوني، والأمر ليس كذلك في مسألة الخروج على الولاية، واستعمال المسائل المتاحة قانونًا الجائزة شرعًا أمرٌ مشروع بخلاف عكسه. وهذه المسألة وما جاء في جواب الشيخ لها من تفاصيل تكشف الفقه السياسي الشرعي للواقعة بظروفها، فالشيخ -رحمه الله- قد صرح بسبب منعه من سحب الثقة، وهو الأمر الذي يفهمه من له معرفة بمنهج الشيخ وتراثه العلمي السياسي.

4) أنَّ الرواية التي رواها الأخ جمال خاشقجي -سلمه الله- كانت غريبة جداً على (مجموعة العلماء؟!) الذين ذكر أنَّهم كانوا معه حينها؛ فقد نفى الشيخ صالح السحيباني علمَه بأي طرح لها فضلاً عن جواب الشيخ عليها، وقد أكَّد هذا النفي رفيقُهما في الذهاب إلى الشيخ المهندس وائل جليدان. وهذا ما يزيد تأكيدَ تعارض تلك الرواية مع فقه الشيخ -رحمه الله-، وهو الأمر الذي حسمه من قبل ما حرَّره سماحة الشيخ –رحمه الله- من جواب خطي يناقض مضمونها؛ فقد جاء في مداخلة فضيلة الشيخ صالح السحيباني -سلمه الله- ما نصّه: "أما بالنسبة للولاية العامة والخاصة فلا أتذكر أن الحديث مع سماحته تعرَّض لذلك، وإن كان من نقاش حول هذه، فأجزم قاطعًا أني لم أسمعه ومن باب التأكد والحرص فقد اتصلت بأخي الأستاذ وائل لعله يتذكر هذا النقاش والحوار في موضوع الولاية فأخبرني بأنه لا يتذكر شيئا من هذا القبيل.
ولعله من المستحسن في هذا الخصوص أن يعود الأستاذ جمال إلى الشريط الذي سجل فيه الحوار مع سماحته آنذاك أو يرجع إلى الأرشيف في جريدة (المسلمون) لعله يعثر على نص الحوار المنشور في الجريدة مع سماحته.".

ابن باز والديمقراطية
ثانياً: ورد في تعقيب الأخ جمال وسؤالات الملحق ما يحسن التعليق عليه، لعموم الفائدة، ولا سيما أنَّه تضمن مسائل ينبغي توضيحُها من وجهة نظر شرعية. وأجملها في قضايا ثلاث:
1) أؤكد ما ذكره الأخ جمال خاشقجي من أنَّ الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- يرفض الديمقراطية كفِكْر، ولكني أريد أن أوضح أنَّ موقف الشيخ -رحمه الله- من الديمقراطية كمنظومة فكرية مرفوضة، يختلف عن موقفه من الانتخابات كآلية مشروعة لاختيار أهل الولاية، إذ لا تلازم بين الأمرين عند عامة فقهائنا. وما يزعمه بعضُ الكتاب من أن العلماء في بلادنا يمنعون الانتخابات مطلقًا كلامٌ غير صحيح، والحديث في بيان ذلك يطول، وإنَّما أردت التنبيه على هذه القضية التي يرددها بعضُ الكتاب في الداخل والخارج، ولو رجعوا إلى فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة العربية السعودية لتأكد لهم بطلانُ هذا الزعم. فقد أفتت اللجنة الدائمة بعدة فتاوى في مشروعية الانتخابات وقيودها وضوابطها، وسبقت بذلك مجمع الفقه الإسلامي.
مصادرة التسامح
2) جاء في خاتمة تعقيب الأخ جمال خاشقجي ما نصّه: "أرجو ألا يقع بعضُنا في فخ مصادرة التسامح الذي تميز به الشيخ -رحمه الله- وفقهه السياسي الذي يغلب المصلحة العامة على هوى الجمهور فنصادر فكره ومنهجه المتسامح لخدمة تيار الغلو الذي ساد وذلك بانتقاء فتاوي الشيخ وتصريحاته التي تخدم غرضهم الذي أتعبنا وأشقانا سامحهم الله وردهم إلى جادة الاعتدال والوسطية".

وهنا أريد أن أعقب بأمرين:
أولهما: أنَّ لفظة (التسامح) من الألفاظ التي تحتمل معنيين:
أ- معنى صحيح يتفق مع ديننا، وهو ما يعرف بالمعنى الشرعي للتسامح، ومداره على حقيقة العدل الإسلامي الذي يجمع بين الصدق في القول والحكمة في الدعوة وعدم الخروج على ثوابت العقيدة وأحكام الشريعة. ومن خصائصه: الرحمة والإحسان والوفاء بالعهود والمواثيق.
ب- معنى فاسد وافد، وهو ما عُرّف به في بعض وثائق التسامح الأجنبية: "التسامح شكل من أشكال التحرر، التحرر من التحيز، والتحرر من العقيدة الجامدة!". وهو المعنى الذي عبّر عنه شاتليه في قوله: "مما يدعو إلى الاغتباط والسرور أننا اقتطفنا ثمرات أعمالنا في كل منطقة من مناطق التبشير، فالأوهام تبدّدت وحل محلها التسامح! والاهتمام الحقيقي بالتعاليم النصرانية.." وهو أيضاً ما عبّرت عنه مخططات مؤتمر كلورادو عام 1978م: "ثبت أنَّ الإسلام أرض وعرة صلبة، وأنّ الطريق مسدود، وأنّ مواجهة الكتاب والسنة لم يأتِ بنتيجة، فلنبدأ الاختراق من الداخل، بمعنى: عدم مواجهة القرآن، بل اختراقه! ولنبحث عن المصطلحات المشتركة بين الإسلام والمسيحية"، وذكروا لذلك عدة أمثلة.

وإنَّ مما دعاني للتذكير بهذا التقسيم للمعنى المحتمل للحق والباطل، ما نشاهده من استعمال لكلمة التسامح في غير موضعها، وما نراه من تفسير لها بغير معناها الشرعي؛ فعلينا أن نوضح المراد من الكلمات التي قد تُخترق بها ثوابتُ الأمة، والتنبيه على خطورة المعاني الفاسدة، كما هو النهج الشرعي في التعامل معها، كما في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا} [البقرة: 104] مع أن مؤدى الكلمتين في الأصل واحد، لكن لما استعملها اليهودُ استعمالاً فاسدًا، أمر الله تعالى المؤمنين بالعدول عنها.
ومما يلطف ذكره أن الأمم المتحدة قد استعملت في عنونة بعض مطبوعاتها حول التسامح عبارة (ما هو إلا العدل)! ونقول: العدل شريعة الله، والتسامح هو العدل والوسطية فيها.

وثانيهما: أنَّ التسامح لا يعني بحال من الأحوال التساهل في نقل الفتاوى عن العلماء، ولا السكوت عن بيان الخطأ في نقلها، مهما كانت النيات. ولا يتعارض هذا مع الأصل في حمل المسلم على المحمل اللائق به. فالسكوت على الخطأ شيء والتسامح مع المخالف في الرأي السائغ شيء.

الانتقائية مع العلماء
3) نبّه الأخ جمال خاشقجي -في جوابه- على موضوع مهم، كشف فيه النقاب عن سوء تعامل فئة الغلو مع فتاوى العلماء، التي تقوم على الانتقائية؛ ومع تأكيدي لما قاله أضيف: إن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل وجدنا منهم من يحكم على العلماء ويصفهم بما لا يليق بهم..
وكم كنت أتمنى أن يكون الأخ جمال خاشقجي أكثر إنصافًا وشجاعة، فلا ينسى الفئة المقابلة في الفكر: فئة الجفاء التي تسير في ذات الطريقة الممقوتة، فتنتقي من فتاوى العلماء ما يناسب خططها وأغراضها التي أساءت كثيرًا لسياسات الوطن وأنظمته ومؤسساته الشرعية وشوهتها أمام العالم، تلك الفئة التي تُشغِّب على الفتاوى الشرعية التي لا تخدم جفاءها، وإن كانت صادرة من العلماء الذين تنتقي بعض فتاويهم، وقد وجدنا من فئة الجفاء من يُحرّف فتاوى العلماء مع التعمدّ عن قصدٍ لا عن سوء فهم، وقد رددت على بعضهم من قبل.

كتب عن ولاية المرأة
4) فيما يخص موضوع ولاية المرأة لم أتحدث عن وجهة نظرٍ تخصني؛ ومن ثم فإنني أحيل إلى بعض الرسائل العلمية المحكمة التي تكشف الحقائق وتبين مواطن الإجماع في المسألة، وتحرِّر أقوال الفقهاء فيها، وتناقش الأدلة التي تطرح من كل فريق بأسلوب موضوعي، ووفق منهج علمي، بعيدًا عن اللغط الإعلامي والمغالطات الصحفية التي لا يجيزها المنهج العلمي. فمن تلك الرسائل العلمية المطبوعة، التي فيها مناقشة لما يردِّده بعض الكتّاب حول موضوع ولاية المرأة وحقوقها السياسية:

- ولاية المرأة في الفقه الإسلامي، لحافظ محمد أنور، وهي رسالة علمية بإشراف الشيخ الدكتور صالح السدلان. تقع في أكثر من ثمانمائة صفحة.
- المرأة والحقوق السياسية في الإسلام. للدكتور مجيد محمود أبو حجير. وقد حكمها كل من الأستاذ العلامة فتحي الدريني، والأستاذ محمد عثمان شبير.

هذا ما رأيتُ التعقيب به ختمًا لما طرحته من قبل وجوابًا على ما جاء من تعقيب، ابتغاء الوصول للحقيقة، وبيان فقه السياسة في هذه الشريعة، والله الموفق.




نسخة أوضح من الخطاب jpg ـ jpg



ابن باز لا يرى جواز تولية بناظير بوتو خلافا لما زعمه بعض الكتاب المصدر


قراءة في لقاء العواجي وآل زلفة

سعيد بن محمد آل ثابت


تم هذا اللقاء بفضل الله في اليوم المحدد الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول لعام واحد وثلاثين وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام,وكان لي مع هذا اللقاء قراءة أُدلي بها,بعد الاستعانة بالله –جل وعلا-:
- ظهر الانقطاع والخلل في البث,والذي أثار حفيظة المشاهدين,والتخوف في عدم بث اللقاء لمآرب أخرى,ولكن ظهر البث وإن كان منقطعاً أحياناً.
- يبدو أن الضيفين يتكلمون باسم التيارين الإسلامي والليبرالي,و إن كان أرباب التيارين ليسوا باتفاق سواء مع واجهاتهم هذا اليوم,فالعواجي له بعض الآراء الأخيرة ويشوبها شيء من التقلب مما جعل بني قومه يعارضونه إلى حد ما,وكذا آل زلفة والذي قد نال من بني قومه كذلك لاسيما في مقال علي الموسى ثعبان في مجلس الشورى.
- قدم قاسم آل زلفة لكبر سنه,ورحب الجميع بذلك,وكان السرور ظاهر على سحنات آل زلفة بهذا الرأي.
- بدأ آل زلفة بإنكار التقسيم الموجود في السعودية,وأنه لا يوجد تيار إسلامي وتيار ليبرالي,الجميع على حد زعمه مسلمين,وما أن أدلى بهذا الرأي حتى أظهر خبيئته وهو أنه شرع بالحديث هم ونحن,وقام باستئناف التقسيم قبل أن ينطق العواجي.وقد نبهه قاسم لهذا.
- كان قاسم قد ذكر مطالبة العواجي منذ سنوات وهو يتمنى فيها اللقاء بآل زلفة لكشف اللبس ,وقال ها نحن حققنا لك الرغبة,مما يدلل أن اختيار الضيفين لم يكن عبثاً.
- أدلى العواجي بدلوه بعد أن حمد الله على معافاته من اللبرلة والعلمنة,وذكر الحديث:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به",والذي سنده فيه ضعف ولكن هناك شواهد له أعظما نص الآية القرآنية.." أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ على عِلْمٍ.."الآية.
- ظهرت سياسة آل زلفة ونيته منذ بداية اللقاء في استخدام المقاطعة في النقاط الحساسة,والتهكم والاستهزاء بالنتاج الأصيل والأمثلة التوضيحية عند العواجي,وكأنه قد أخذ درساً من لقاء القرني وخاشقجي ...وكان العواجي متمسكاً بآداب الحوار,و قد أظهر غضبته وأنه يحترم شيبة آل زلفة,ثم طلب من آل زلفة الاستفادة من سنينه في الشورى,وكان قاسم يتلاطف مع آل زلفة في إسكاته ولم نر الحدة منه مع آل زلفة (والتي رأيناها في بعض لقاءاته مع الإسلاميين) حيث أنه خالف قوانين اللقاء كما اعترف قاسم.
- العواجي كانت سمته أن يبرز دور الملك المؤسس-رحمه الله-,واهتمامه بالدين والتشريع,وكذلك اهتمام المؤسس بالعلماء,وكان آل زلفة ينكر دور العلماء ببجاحة لا تليق بمحاور مع خصمه مهما بلغ الخلاف,وقد صرح أن دور العلماء أقل دور وهذا يظهر أنه يؤيد التقسيم ,وإلا لما استقلهم..سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
- أكد العواجي وجود التيارين,والفرق بينهما,ومن الفروق عبر أزمنة ملوك المملكة أن المفتي في عهد المؤسس ,وعهد الملك سعود والملك فيصل-رحمهم الله-له مكانه,وقدضعفت قيمته في هذا العصر الذي ظهر ضعف مكانة العلماء مما يجعل صحفيون أن يقصوا عضو هيئة كبار العلماء,وذلك على حد زعمه,وكان الرد هو تمرد آل زلفة على هذه النقطة بالتهكم والسخرية من حديث العواجي,وشخصن الموضوع في العواجي وأهوائه ومن مثله,وشر البلية أنه اتهم العلماء بأنهم هم الذين يُحركون من الخارج.وكان متشدداً في إقصاء العلماء والإسلاميين من أنهم مع عجلة التنمية,ثم أردف أن من كان سر النهضة التنموية هي الصحافة المحلية,وكأنه هنا يفتئت على نفسه أنه لا يحب التقسيم,وأنه يرى أن الإسلام هو سر الحضارة والتنمية وإثبات حفوق الأفراد.
- العواجي قال أنه يتفق مع آل زلفة في إثباته الفطرة الإسلامية التي يُفطر الإنسان عليها,ولكن قال أن أبواه يهودانه أو يمجسانه,وهنا يدلف العواجي بتسميته للصحافة(الإباك المحلي),وعرض في حديثه أنها لا تصدر إلا مايروق لليبراليتها وأدلى بتسمية أحد الصحفيين لقضية منعهم ظهور أخبار الإسلاميين بأن المطبخ الصحفي منع ذلك.
- اعترف العواجي أنه أول من مد يده لليبراليين,وأنه لقي ما لقي من الإسلاميين في ذلك,وقال أنه وجد من الليبراليين من هو أفضل من بعض الإسلاميين,وقد وجد بعض الليبراليين بأوصاف لولا أن ديننا يمنعنا من التفحش والبذاءة في المصطلحات لجاز أن يسميهم بها.وأنا أقول قول الأولين أن المنهج والحق يعرفنا بأهله,وإن بدر من أهله السوء فالمنهج المرجع في ذلك.
- آل زلفة يتهكم كعادته بالعواجي وكان السبب هنا إدلاف العواجي بما روى له أحد أقربائه بموقف الملك المؤسس مع أبنائه في صلاة الفجر,وحرصه عليهم,وكان آل زلفة يستضعف هذا النموذج بحجة أنه أساس عند كل مسلم(على حد زعمه),ومن ثم وجه اتهاماً خطيراً للعواجي من خلال ما قاله العواجي من هذه الرواية وغيرها من الحديث السابق في ملوك المملكة وكان هذا الاتهام مبلوراً في أن العواجي يقول بانحراف الدولة الحالية.وكان رد العواجي واضحاً حين ذكر بعض القرارات الرسمية من الجهات المسؤولة في الدولة في القضايا التي يثيرها الليبراليون ,ومنها موقف الأمير نايف من صحيفة الوطن والفكر الدخيل,وكذا الأمير سلمان في ثنائه على الدكتور سفر الحوالي في كتابه(العلمانية).
- آل زلفة ينادي بقيادة المرأة من جديد ,وأنها الآن أمس حاجة من السابق,وقال أن الجنود البواسل والذين شاركوا في صد العدوان الحوثي تركوا نساءهم وذراريهم دون عائل سوى السائق الأجنبي,وقال أليس هذا اختلاطاَ؟ واتهم العواجي أنه يفتي ببعض ما هو واقع به,وأنه يظهر مع المذيعات,وكان رد العواجي عن نفسه أنه ليس مفتياً ,وهو ما كان حجة فيما يصدر من العواجي,وعن القيادة ذكر العواجي أنه لايعارض ذلك بضوابط.ونحن نقول أن من يحكم في ذلك أهل الحل والعقد,وإن أعطيت القوس غير باريها ضاع الهدف,وانساب الصيد... اللهم احفظا لنا ديننا وعلمائنا..
- آل زلفة يتهم التيار الإسلامي بأن قضيته المرأة,وهذه فرية مضحكة,وحيث قال نريد حوارات ننهي منها قضية المرأة لأنها لو حسمت لانتهينا من قضايانا,وقال أنكم قد تقولون:"أخرجوا المرأة من جزيرة العرب".ونحن نعلم من الذين جعلوا من المرأة هما لهم وطالبوا بحريتها المزعمة,ولا ريب أنهم دعاة تغريب,وتضليل.
- الانتخابات كانت نقطة مقيتة لآل زلفة حيث ذكرها العواجي وقال كنتم تطالبون بها,ولما ظهرت نتائج الانتخابات البلدية,وقد تصدر الأسماء الإسلاميون انخرست أقلامكم وألسنتكم...و بالفعل نحن نرى أن مجتمعنا ولله الفضل يمقت هؤلاء وأفكارهم الدخيلة مهما أدخلوا السم في العسل,وإن كان هناك أتباع لهم فهم لا يشكلون أي نسبة في مجتمعنا.
- المداخلات كانت اثنتان مرتب لها,والثالثة تحت طلب من المداخل,وكانت الأولى من الكاتب الميمان أضاف أنه يقول بالتقسيم ووجوده,وقد كان يملأ حديثه بكلام عقلي أوقعه في مخالفة نفسه بعض الشيء,ومن ذلك أنه يقول بوجود ضبابية عند أبنائه وأحفاده من الموقف الديني,ومن ثم يرد على العواجي أن الإسلام من عهد الرسول-عليه الصلاة والسلام-,وليس من عهد المؤسس,وقد أيده العواجي ولكنه قال أن المقصود في حديثنا عن المملكة والتيارات الحالية.
- مداخلة الطريفي كانت رائعة حين أتى بالدليل والبيان,وقال أن الليبراليين(المنافقون)ينحون كلام الله,وينظرون للأمور نظرة مادية,وأن انتماءهم للدولة والوطن ليست وطنية,وإنما من أجل الانتماء العرقي,وقال أنهم يُعرفون في سياق حديثهم,قال تعالى:" ولتعرفنهم في لحن القول".
- كانت المداخلة الأخيرة من القرشي حيث أضاف أنه لا يخلو مجتمع من خلاف,وساق شيء من العهد النبوي,وقال أننا في حاجة إلى القدرة على إدارة الخلاف,وهو ما الفرق بين العرب والغرب.
- كان العواجي يردد أنه يريد الحق ولو على لسان آل زلفة,وكان يذكر بأن المخالفات التي يقع فيها الليبرالية وهي عقدية لا يُلتفت فيها,بينما الإسلاميين تُضخم مقولاتهم ويُنظر لها من أسوء الأبواب,وذكر ما انهالت به الصحافة على الشيخ البراك مؤخراً,واللحيدان والشثري سلفاً.
- آل زلفة يستبشر بالمبتعثين,وأنهم رواد التنمية القادمة,وكان يرجو ألا يمكن الإسلاميين من القيادة أبداً (وهو يرد على نفسه حين قال كلنا إسلاميون)...بينما العواجي قال الإسلاميون يتبوؤون مقاعد الإصلاح,ولهم المكانة الاجتماعية,وذلك لأنهم واجهة كل حاجة اجتماعية من مبرات وجمعيات خيرية,ومن إصلاح ودعم لمسيرة الأسر والعلم.
- كانت النتيجة للاستفتاء متوقعة وهي 5% بنعم,و5% ب(إلى حد ما),بينما نجد 90% تقول بأنه لا يمكن أن يكون هناك التقاء للعمل الإصلاحي بين التيارين.وكانت الفاجعة عند آل زلفة وشكك في مصداقية الاستفتاء,ومن هو الذي وراءه....في حين العواجي طلب من آل زلفة أن يكون المشرف على الاستفتاء هو آل زلفة ,وهنا كان قاسم غائباً حيث لم يدافع عن برنامجه واستفتاء الحلقة ولم يكشف الملابسات التي أثارها آل زلفة.
- اختتم العواجي بختام فيه تهكم بعد أن قال هؤلاء لايفقهون الأدلة,وإنما يفقهون ما تعرفه عقولهم,وقال هناك استفتاء غربي (قال عنه صحيح البخاري عند الليبراليين) أظهر ضرر الاختلاط في التعليم,وذكر توصيات الاستفتاء في ذلك.
- أخيراً كان اهتراء بنيان الليبرالية واضح في هذا اللقاء,ولكن متى تنقشع هذه الغمامة التي ما كان سبب لتراكمها سوى ما كان من تسودهم منبر الصحافة,واختناق بعضنا بالجزئيات..بالفعل يظهر لنا أنهم همج رعاع من المهم أن ننشغل بما نحن مطالبين به من الشارع –جل وعلا-,وهؤلاء قربت كبوتهم لا أقامها الله.


مشاهدات وقراءة
سعيد بن محمد آل ثابت
[email protected] المصدر


ا

لانتخابات المعاصرة في ضوء الأدلة الجزئية والقواعد الكلية
د. سعد بن مطر العتيبي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.. أما بعد:
فإنَّ مسألة الانتخابات العامَّة[1] والمشاركة في المجالس النيابية - (البرلمانات) - من مسائل السياسة الشرعيَّة؛ وقد سبق أن أشرت إلى ذلك في جواب سابق.

ولمَّا لم تذكر – أخي قنديل - نوع الانتخابات التي تسأل عنها: هل هي انتخاب لمسلم أو كافر، أو هي انتخاباتٌ تُجرى في بلد من بلاد المسلمين أو في بلاد أهل الكُفْرِ – مثلاً -؟ فسأفْتَرِضُ أنَّها انتخاباتٌ في بلدٍ مِنْ بِلادِ المُسلمين – سواء كان الغالبُ فيها الحكم بالشريعة الإسلامية أو بالقوانين الوضعية - كما يظهر من واقع بيانات السؤال.

وعلى كل حال؛ فيمكن وضع الجواب في النقاط التالية:
أولاً: الأصل أنَّ ولِيَّ الأمر يَجتهد في اختيار الأَكْفاء الصُّلحاء لولاية أمورِ الرعيَّة، مِمَّن يتَّصِفُونَ بالقُوَّة والأمانة، ويستشير في ذلك أهل الخبرة والنصح، ويَجتَهِدُ في تولية الأصلح والأمثل.

ثانيًا: يجب التفريق بين (الديمقراطية) التي هي منظومة فكرية مناقضة للإسلام في حقيقتها وفلسفتِها، وبين الانتخابات التِي هي من أشهر آلياتها، حتى ظنَّ بعضُ النَّاس أنَّها هي هي؛ بينما الانتخابات آلية ووسيلة لا فكر ومنهج.

ثالثًا: الأصل مشروعية الانتخابات التي لا محذور فيه شرعًا، واختيار مَن هو أهل للاختيار من خلالها.

وجوابًا على سؤالك عن الأدلَّة على ذلك من الكتاب والسنة النبوية وسنة الخلفاء الراشدين؛ أذكر لك منها ما يلي:
1- قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]؛ فإذا كانت الانتخابات موصلة لأهل الخير إلى موقع التأثير في القرار بما يقتضيه الشرع؛ فانتخابُهم من التعاون على البرِّ والتقوى.

2- ما جاء في حديث بيعة العقبة الثانية، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((أخرجوا إليَّ اثْنَي عشر نقيبًا منكم، يكونون على قومهم))؛ فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، منهم تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس؛ رواهُ ابْنُ إسحاق، وقال الهيثمي: "رجالُه رجال الصحيح غير ابن إسحاق، وقد صرَّح بالسماع"؛ (مجمع الزوائد: 6/44-45)؛ وصحَّحه الشيخ ناصر الدين الألباني؛ كما في تعليقه على (فقه السيرة للغزالي: 150).

فقوله صلَّى الله عليه وسلم: ((أخرجوا إلي اثني عشر...)) طلب ترشيح اثني عشر نائبًا لهم وممثلاً عنهم، وهذه حقيقة الانتخاب، بغض النظر عن طريقته وآليته.

3- قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرج ثلاثة في سفر؛ فليؤمِّروا عليهم أحدهم))، رواه أحمد وأبو داود، وهو حديث محتجٌّ به، وصحَّحه جمع من أهل العلم.

وتأمير الجمع لأحدهم: إما أن يكون باتفاقهم عليه أو اختيار وقبول أكثرهم لإمرته عليهم، والاختيار حقيقة الانتخاب - كما تقدَّم.

وقد تَرْجَمَ مجد الدين بن تيمية - رحمه الله - هذا الحديث في كتابه القيم "منتقى الأخبار" بـ: "باب وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة وغيرها"، وقال حفيده أبو العبَّاس بن تيمية – رحمه الله - في كتابه القيم "السياسة الشرعية": "فأوجب صلى الله عليه وسلم تأميرَ الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر؛ تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع"؛ (طبعة مؤسسة الشيخ محمد العثيمين، وبحاشيتها تعليق الشيخ محمد العثيمين: 449).
ويدخل في ذلك جميع مؤسسات المجتمع الأهلي، والنقابات وغيرها من التجمعات المعروفة في هذا العصر - فلأعضائها اختيارُ قياداتِها وفق الأنظمة والقوانين المعمول بها، مما ليس فيه مخالفة للشرع.

قال شيخنا عبدالله بن قعود - رحمه الله - معلقًا على قول أبي العبَّاس بن تيمية - رحمه الله -: "ويدخل في ذلك الجماعات التي تنظِّم أمورها، شريطة ألاَّ يتوجَّب الولاء لها دون غيرها؛ بحيثُ تتبرَّأ من غيرها، ولا عندي في هذا إشكال؛ وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأل الوفود عن رئيسهم والنقباء وغيرها، وكلام الشيخ هنا صريح في هذا"؛ انتهى.

وفي هذا المعنى:
قال الشوكاني: "وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة فصاعدًا أن يؤمِّروا عليهم أحدهم؛ لأنَّ في ذلك السلامة من الخلاف الذي يؤدي إلى التلف، فمع عدم التأمير يستبدُّ كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه؛ فيهلكون، ومع التأمير يقل الاختلاف وتجتمع الكلمة، وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون - فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار، ويحتاجون لدفع التظالم، وفصل التخاصم أولى وأحرى؛ وفي ذلك دليل لقول من قال: إنه يجب على المسلمين نصب الأئمة والولاة والحكام".

4- أنَّ عمر - رضي الله عنه - سمَّى ستة نفرٍ من كبار الصحابة رضي عنهم؛ هم: عثمان بن عفَّان، وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقَّاص، وعبدالرحمن بن عوف؛ فجعل الخلافة شورى بينهم، يتشاورون فيمن تعقد له الخلافة منهم، في قوله: "إني لا أعلمُ أحدًا أحقَّ بِهذا الأمر من هؤلاء النَّفَرِ، الَّذينَ تُوُفِّي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلم - وهو عَنْهُم راضٍ؛ فمنِ استخلفوا بعدي فهو الخليفة؛ فاسمعوا له وأطيعوا))؛ رواه البخاري (ح 1392).

وهذا سنَّة خليفة راشد، جمع فيها بين أسلوب وآلية (العهد)، التي هي سنَّة الخليفة الراشد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حين عهد إلى عمر - رضي الله عنه - بالخلافة، وبين أسلوب ترك الاختيار للأمَّة بتفويض الأمر للمسلمين، التي سنَّها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكلٌّ سنّة؛ فهي أساليب وآليات تتغير، والثابت هو الغاية منها، وهو وجوب تولية الأصلح قدر الاستطاعة.

وقد جاء في بعض الروايات: إنَّ أهل الشورى لمَّا جعلوا الأمر إلى عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: "نَهض يستشير النَّاس فيهما، ويجمع رأي المسلمين برأي رؤوس النَّاس وأجنادهم، جميعًا وأشتاتًا، مثنى وفرادى ومجتمعين، سرًّا وجهرًا، حتى خلص إلى النساء المخدَّرات في حجابِهنَّ، وحتَّى سألَ الولدان في المَكاتب، وحتَّى سأل مَنْ يَرِد مِنَ الرُّكبان والأعراب إلى المدينة، في مدَّة ثلاثةِ أيَّامٍ بلياليها؛ فَلَمْ يَجِدِ اثنيْنِ يَختلفان في تَقديم عُثمان بن عفَّان، إلا ما يُنقل عن عمَّار والمقداد أنَّهما أشارا بعليِّ بن أبي طالب؛ فسعى في ذلك عبدالرحمن ثلاثة أيام بلياليهن، لا يِغتمِضُ بكثيرِ نومٍ، إلا صلاةً ودعاءً واستخارةً، وسؤالاً من ذوي الرأي وغيرهم، فلم يَجد أحدًا يعدِلُ بِعُثمان بْنِ عفَّان - رضي الله عنه -"؛ هكذا أوردها ابن كثير في "البداية والنهاية" (10/211)، وفيها تفاصيل أشبه شيءٍ بالانتخاب، ولم يتعقبها.

وثمة أدلة أخرى وفتاوى وتطبيقات عملية من العلماء المعاصرين؛ كالانتخابات في نظام المجمع الفقهي بمكة المكرمة – مثلاً - وقد تحدثتُ عنها من قبل في سلسة "أضواء على السياسة الشرعية" في موقع (المسلم)، غير أني هنا اكتفيت بما يجيب على سؤالك، ولا سيَّما مع سعة الموضوع.

رابعًا: لا يجوز قبول ترشح شخصٍ ليس أهلاً للولاية الشرعية؛ فإن وُجد فلا يجوز انتخابه مع وجود من هو أصلح للمسلمين منه؛ وقد أكَّدتْ ذلك في شأن الانتخابات اللجنةُ الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية؛ فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (23/404-405) ما نصُّه:

"س: هل يجوز للمسلم أن ينتخب للمجالس البلدية أو غيرها من الدوائر شخصًا يعتنق الشيوعية، أو يسخر بالدِّين ويعتنق القومية ويعتبرها دينًا؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يَنتخِبَ للمجالس البلدية أو الدوائر الأخرى مَنْ علم أنه شيوعي، أو يسخر بالدين الإسلامي، أو اعتنق القومية، أو اعتبرها دينًا؛ لأنَّه بانتخابه إياه رضِيَه ممثِّلاً له، وأعانه على تولِّي مركز يتمكن من الإفساد فيه، ويعين فيه مَنْ يشايعه في مبدئه وعقيدته، وقد يستغل ذلك المركز في إيذاء مَنْ يخالفه وحرمانه من حقوقه أو بعضها في تلك الدائرة أو غيرها بحكم مركزه، وتبادل المنافع بينه وبين زملائه في الدوائر الأخرى، ولما فيه من تشجيعه؛ من استمراره على المبدأ الباطل، وتنفيذه ما يريد".
وقد وقَّع هذه الفتوى كلٌّ من: الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيسًا، والشيخ عبدالرزاق عفيفي نائبًا للرئيس، والشيخ عبدالله بن قعود عضوًا، والشيخ عبدالله بن غديان عضوًا.

خامسًا: الانتخابات بالصيغ الموجودة اليوم آلية تتضمن مجموعة من الأفكار الوافدة، فيها ما هو مقبول وفيها ما هو مردود؛ وهي بذلك لا يجوز أن تدون في نظام سياسي إسلامي دون أن يُستبعد منها ما ليس مشروعًا؛ كالمُخالفات الظاهرة في شروط المترشحين لها – مثلاً - فهي لا تتضمن الحدَّ الأدنى من الشروط الشرعية فيمَنْ تجوز توليته؛ فشرطها المشهور في قوانين الانتخابات النيابية: أن يكون المترشح ممَّن يقرأ ويكتب! بينما الولاية الشرعية تتطلب شرطين رئيسين هما: القوة في الولاية؛ عِلمًا بأحكامها، وقدرةً على تنفيذها، والأمانة في القيام بها، وهي المذكورة في مثل قول الله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26]، وقوله سبحانه في مؤهلات قيادة طالوت: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ}، بعد أن قالوا: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ} [البقرة: 247].

ولكن إذا عُدم النظام الشرعي للانتخاب بشروطه الشرعية، وطلب من الناس أن ينتخبوا أهلاً لولاية ما - فإنَّ الانتخابات حينئذٍ تكون الخيار الممكن لتولية الأصلح، ومن ثمَّ لا ينبغي التأخُّر عنها، ما لم يُفْتِ أهْلُ العلم بِمقاطعتها لكونها صوريَّة – مثلاً -! أو لكون جميع المرشحين فيها على درجة واحدة من الشرِّ، أو لعدم قبول إشراف قضائي عليها، أو لغير ذلك من الأسباب التي تقتضي الحكمَ بمقاطعتها.

وقد سُئلت اللجنة الدائمة عن حكم الانتخاب والترشيح في بلد تحكم بغير شريعة الله؛ فأجابت اللجنة ببيانِ الأصل في المسألة المسؤول عنها، ثم بيان الحكم الاستثنائي المبني على أسس السياسة الشرعية؛ فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (23/406-407) ما نصُّه:

"س: هل يجوز التصويت في الانتخابات والترشيح لها، مع العلم أن بلادنا تحكم بغير ما أنزل الله؟
ج: لا يجوز للمسلم أن يرشح نفسه رجاءَ أن ينتظم في سلك حكومة تحكم بغير ما أنزل الله، وتعمل بغير شريعة الإسلام؛ فلا يجوز لمسلم أن ينتخبه أو غيره ممن يعملون في هذه الحكومة، إلا إذا كان من رشَّح نفسه من المسلمين ومَنْ ينتخبون يرجون بالدخول في ذلك أن يصلوا بذلك إلى تحويل الحكم إلى العمل بشريعة الإسلام، واتَّخذوا ذلك وسيلةً إلى التغلب على نظام الحكم، على ألا يعمل مَنْ يرشح نفسه بعد تَمام الدخول إلا في مناصب لا تتنافى مع الشريعة الإسلامية".

وقد وقع هذه الفتوى كلٌّ من: الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيسًا، والشيخ عبدالرزاق عفيفي نائبًا للرئيس، والشيخ عبدالله بن قعود عضوًا، والشيخ عبدالله بن غديان عضوًا.

وهذا الحكم في هذه الصورة حكم استثنائي، يُبنى على قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي في جُملتها تجمع صورًا مما يعرف في أصول الفقه بالاستحسان بالمصلحة والاستحسان بالضرورة؛ ولا شكَّ أن الانتخابات المتاحة اليوم تحوي في جملتها كثيرًا من المصالح من خلال جلبِ كثيرٍ من المنافع ودرء كثير من المفاسد، ومن أهم المصالح الكبيرة ممكنة التحقيق من خلال مشاركة الصالحين المصلحين - من خلال آلية الانتخاب المتاحة - التي يطمح إليها المجيزون في حالٍ تقتضي الجواز في انتخابات نيابية – مثلاً - يُؤمَّل تحقيقها من المرشحين الصادقين أهل المبادئ، الذين يُظن بهم الثبات على مبادئ الإسلام وعدم الحيدة عنها - ما يلي:

1 – التمكن من إعلان المواقف الشرعية في كل قضية تُطرح في تلك المجالس، وبيان الحكم الشرعي فيها، ومن ذلك: الاعتراض على مشاريع القوانين المخالفة للشرع، وهذا من إنكار المنكر بوسيلته المستطاعة؛ فهو صورة من صور القيام بواجب النهي عن المنكر؛ فهو من الحسبة المتفق على مشروعيتها، وأدلتها أدلة له.

2 – التمكن من تقديم مشاريع أنظمة وقوانين شرعية لا تخالف الشريعة الإسلامية، والإسهام في تغيير أو تعديل القوانين المخالفة للشرع؛ وهي صورة من صور القيام بواجب الأمر بالمعروف؛ فهو من الحسبة المتفق على مشروعيتها.

3 - محاربة الفساد والمفسدين، ورفع الظلم أو تخفيفه حسب القدرة؛ بالقلب أو اللسان أو اليد؛ ومن ذلك: إحباط المشاريع المحرمة، ومنع الفساد والرشوة والصفقات المحرمة، وكشف زيفها أمام النَّاس، لإصلاح ما أفسده الإعلام وأثَّر به على الرأي العام؛ وهو من عمل المصلحين، ومن نصرة المظلوم؛ وهي أمور متفق على مشروعيتها، وأدلة مشروعيتها.

4 - دعم الخير وأهله، ومحاربة الشر وأهله، على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية، بحكم الوجاهة والاعتراف الرسمي بالشخصية المنتخبة.

5- تحقيق الحرية لعمل بعض الدعاة من خلال الحصانة النيابية (البرلمانية)، وتخفيف القيود المفروضة على تحرك الدعاة عمومًا، فلا يتعرضون للإجراءات التعسفية تحت مبررات الإرهاب - كما يحدث - وكشف ما يحاك في الخفاء ضد الدعوة والدعاة، والعمل على إفشال ذلك.

6 - إعادة الثقة بالإسلام والمسلمين، بتقديم النموذج القوي الأمين للناس والمجتمع، وإثبات أن الإسلام دين كامل شامل، قادر على تنظيم حياة الناس الخاصة والعامة عمليًّا، لا كلامًا نظريًّا فقط، ولا يكون ذلك إلا من خلال المشاركة الفعالة للدعاة في هذه المجالس لإحقاق الحق وإبطال الباطل.

7- دفع شر البديل عن المصلحين إذا هي تركت الساحة لهم، الذين سيسخِّرون كل إمكانياتهم لمحاربة الحركات الإسلامية.

8 - محاسبة الوزراء واستجوابهم؛ بل وطلب سحب الثقة منهم؛ لأن كل وزير مسؤول أمام المجلس عن عمل وزارته.

9- إقامة الحجة على أعضاء المجالس وأعيان النَّاس، وعلى الحكومات، من خلال تقديم مشاريع الأنظمة والقوانين الشرعية، وطلب إقرارها؛ ليحكم النَّاس بشرع ربهم.

10- التمكن من تدريب القيادات الإسلامية الصالحة للعمل السياسي الواقعي؛ ليكتشفوا العوائق التي قد تحول دون تطبيق بعض الأحكام، والسعي في إيجاد الحلول الشرعية لها؛ ولا سيَّما أنَّ العمل الميداني ليس كالعلم التنظيري.

11- التمكن من الوصول لصاحب القرار في الدولة بقوة المنصب النيابي، وبيان الحقائق له، بعيدًا عن أي تزييف، وهو ما قد لا يتيسر للعالم والداعية الصالح الناصح؛ وكم في تواصل الأخيار مع أصحاب القرارات من خير، وبيان لكثير من التلبيس الذي قد ينطلي على القيادات التي تحتكرها في الغالب فئات إقصائية ذات ولاءات أجنبية، تحسِّن الباطل، وتقبِّح الصحيح.

12- أن المشاركة السياسية المتاحة تقلِّل من حدَّة التصادم بين الحكومات والمصلحين العدول؛ حيث إن وجود قنوات اتصال من هذا النوع تحبط الكثير من الوشايات الكاذبة والتقارير المغرضة، التي قلَّ أن توجد من غير دعمٍ أجنبيٍّ؛ وتقليل حدَّة المواجهة مطلب شرعي، ولا سيَّما أنَّ التجربة المعاصرة وغيرها تثبت أن المواجهة الداخلية تولِّد كثيرًا من التصرفات الخاطئة الخطيرة، سواء كان ذلك من جهة الحكومات؛ باستخدام سلطتها في قمع المصلحين، أو من جهة تصرفات بعض المصلحين المتعجلين أو أتباعهم، ممن قد لا يقدِّرون المصالح والمفاسد تقديرًا شرعيًّا يخرجون منه بحكم شرعي من جهة التأصيل، ومن جهة تحقيق مناطه في الواقعة.

وهذه مصالح مأخوذة من واقع الحياة، ومستفاد إمكان تحقيقها من قوانين المجالس النيابية ذاتها وآليات تنفيذه في الجملة، بحسب كل بلد وقوانينه.

سادسًا: قيام كثير من المجالس النيابية على القوانين الوضعية لا يسوِّغ الإعراض عنها؛ فإنَّ من يشارك فيه من أهل الخير والصلاح والإصلاح إنما جاؤوا لإزالة الباطل المنبثق من القوانين الوضعية أو تخفيفه؛ وكلاهما مطلب شرعي؛ ولو لم يكن إلا إنكار ذلك المنكر علنًا، والكشف عن بطلانه وبيان مخالفته لعموم النَّاس – لكفى.

ومع أنَّ الأصل في القوانين الوضعية البطلان - إلا أن هذا لا يعني أن كل التنظيمات والقوانين – أو ما يسمى بـ (التشريعات) - مضاد للشرع؛ فهي على أحوال:
منها المخالف - وهو الغالب - ككثير من مواد القوانين الجنائية والجزائية؛ ومنها ما يوافق الشرع لوجود نص شرعي يؤيده، كما في كثير من مسائل ما يعرف بالأحوال الشخصية؛ ومنها ما لا يخالف الشرع؛ بعدم معارضته لنص أو قاعدة كلية شرعية؛ كعامة التنظيمات المتعلقة بالمصالح العامة، من مثل: عامة قوانين البناء، والسير، وتنظيمات المرور.. ونحوها، والقاعدة في هذا: أن الحكم الشرعي هو ما وافق الشرع، أو لم يخالفه؛ ولو كان من نظَّمه أو قنَّنه غير مسلم، وكون المسألة في حد ذاتها شرعية لا يعني أن المقنِّن أو المنظِّم يكون مأجورًا أو مأزورًا؛ إذ يبقى ذلك متعلقًا بقصد المنظِّم، إن كان قاصدًا تحكيم الشرع أو خلافه.

ثم إنَّ المصالح المشروعة تشمل جلب المصلحة؛ بمعنى: المنفعة، وقد يعبَّر عنها بالضروريات ومتمِّماتها، ودرء المفسدة - بوصفه مصلحة من جهة المآل (النظرة المستقبليَّة) – وقد يعبَّر عنها بالحاجيات ومتمِّماتِها؛ وإذا تعارضت المصالح والمفاسد؛ أُعملت قواعد الموازنة بينها، وهي قواعد تكشف عن عظمة هذه الشريعة الربانية؛ وللشيخ أبي العباس بن تيمية - رحمه الله - تأصيل عظيم في هذه المسألة؛ ومن عبارته في ذلك: "لو كانت الولاية غير واجبة، وهي مشتملة على ظلم، ومَنْ تولاها أقام الظلم، حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها ودفع أكثره باحتمال أيسره - كان ذلك حسنًا مع هذه النية، وكان فعله لما يفعله من السيئة بنية دفع ما هو أشد منها جيدًا"؛ "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (20/55).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية، في حكم الانخراط في الأحزاب السياسية، ومن بين الأحزاب السياسية إما تابعة لروسيا أو تابعة لأمريكا، أمثال: حزب التقدم والاشتراكية، و حزب الديمقراطية - ما نصه:
"الجواب: الحمد لله... مَنْ كان لديه بصيرة في الإسلام، وقوة إيمان، وحصانة إسلامية، وبُعد نظر في العواقب، وفصاحة لسان، ويقوى مع ذلك على أن يؤثر في مجرى الحزب فيوجهه توجيهًا إسلاميًّا - فله أن يخالط هذه الأحزاب، أو يخالط أرجاهم لقبول الحق؛ عسى أن ينفع الله به، ويهدي على يديه مَنْ يشاء؛ فيترك تيار السياسات المنحرفة إلى سياسة شرعية عادلة ينتظم بها شمل الأمة؛ فتسلك قصد السبيل، والصراط المستقيم، لكن لا يلتزم مبادئهم المنحرفة.

ومَنْ ليس عنده ذلك الإيمان ولا تلك الحصانة، ويخشى عليه أن يتأثر ولا يؤثِّر؛ فليعتزل تلك الأحزاب اتقاءً للفتنة، ومحافظةً على دينه أن يصيبه منه ما أصابهم، ويُبتلَى بما ابتُلوا به الانحراف والفساد"؛ "فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (12/384).

بل ترى اللجنة الدائمة أن: "من أمِن على نفسه من الفتنة في دينه، وكان حفيظًا عليمًا يرجو الإصلاح لغيره، وأن يتعدى نفعه إلى من سواه، وألا يعين على باطل - جاز له العمل في الدول الكافرة، ومن هؤلاء يوسف - عليه الصلاة والسلام - وإلا لم يجز"؛ "فتاوى اللجنة" (2/75).

كما أجابت اللجنة على سؤال عن حكم مشاركة المسلم للنصراني في العمل السياسي والاجتماعي بما يلي:
"تجوز مشاركة المسلم للنصراني فيما لا يخالف شرائع الإسلام"؛ "فتاوى اللجنة" (1/547).
وعلى كلٍ؛ فهذه المسألة من المسائل التي يختلف فيها الحكم زمانًا ومكانًا وحالاً، من جهة مدى تحقيقها للمصالح المشروعة؛ فلا يقال بمشروعيتها في كل حال وزمان ومكان؛ فقد تقتضي الحال القول بوجوبه، إذا كان من باب: (مَنْ لا يتم الواجب به؛ فهو واجب)، كما يرى بعض علماء العصر؛ كالعلامة الشيخ عبدالكريم زيدان حفظه الله؛ وقد تقتضي الحال أن تكون مقاطعة الانتخابات مشروعة في وقت وزمان وحال أخرى.

وخلاصة القول:
ينبغي على الإخوة الذين لديهم القدرة على ممارسة هذا العمل استشارة أهل العلم والفضل - ولا سيَّما من أهل البلد الذي هم فيه - فيما يرونه من صلاحيتهم له قبل الترشح، وما يلزمهم القيام به من عمل بعد ذلك، ووضع آليات شرعية كافية لتحقيق المصالح الشرعية المرتجى تحقيقها؛ وأمن مزالق هذا العمل بالبعد عن العمل الفردي في مثل هذا الشأن الذي يتطلب قدرًا غير عاديٍّ من الوعي والحذر، والإعداد الكافي والمقنع لكل مشروع يطرح أو يرفض؛ وعلى كلٍ: ((إنما الأعمال بالنيات)).

هذا ما تيسَّر بيانه جوابًا على سؤالك،، والله تعالى أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] هذا جواب موسع لسؤال ورد إلى موقع (المسلم) رأينا من المناسب نشره في هذه الزاوية ليستفيد منه الجميع.



المسؤولية الاجتماعية

بمناسبة الانتخابات البلدية

(خطبة الجمعة الموافق 11/05/1432 بجامع العفالق)


الحمد لله الذي يأمر بالتقوى و البر, و ينهى عن الفساد و الشر, ثم يحصي الأعمال و الأثر

و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, أنزل المطر ز سقى البر و الحضر, و اشهد أن محمدا عبده و رسوله, النبي الأغر, سيد البشر, الشافع المشفع في المحشر.

أما بعد فاتقوا الله

أيها المسلمون:

ليس بجديد على المسلم أن يُحدّث عن شيء اسمه المسؤولية الاجتماعية, التي يعرفها البعض على أنها (الالتزام الذاتي والفعلي للفرد تجاه الجماعة)( الجبوري) , فالمسلم و من خلال بنائه العقدي و المعرفي بشكل عام تربى على أن يخاطب من خلال المجتمع فالله يناديه كفرد في مجتمع لا فرد مستقل, و انظر إذا أردت أوامر المولى جل جلاله بماذا تفتتح:

{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)}

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)}

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩ (77)}

أيها المسلمون: لقد أمرنا ربنا أن نتعاون على كل خير مبارك فيه عز للإسلام و أهله و على كل ما فيه نفع للمسلمين يقول الله سبحانه:



{ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}



.و في تفسير القرطبي ,قال الماوردي : ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له ; لأن في التقوى رضا الله تعالى , وفي البر رضا الناس , ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته , وقال ابن خويز منداد في أحكامه : والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ; فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم , ويعينهم الغني بماله , والشجاع بشجاعته في سبيل الله , وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم ) ,



بل إن من أوجه المسؤولية الاجتماعية ما لو تركه المجتمع استحق اللعن و العياذ بالله ألا و هي الدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و في ذلك ينبه الله عباده بقوله:



{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78)

كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)}



و انظر يا رعاك الله كيف أن بعض هذه الأنواع من التعاون لا بد من القيام بها حتى لو كانت المخاطرة بالنفس و المال أنظر إلى المسؤولية التي وضعها الله على المجتمع في الإصلاح بين الطائفتين المتقاتلتين من المسلمين و ذلك في قوله تعالى:

{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}

ثم عقب سبحانه بما يفيد أن هذا من حقوق الأخوة :

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

فلا تقف المسؤولية بوقف القتال بل بالإصلاح بين من تقاتل و سالت الدماء بينهما و ازهقت الأرواح و هو لعمرك عمل غير يسير.



إذا تصورنا هذا عرفنا أهمية المسؤولية الاجتماعية و التعاون بين المسلمين, فهي قيمة عظيمة و مكرمة عالية و خلة رفيعة بل و عبادة كريمة.

بل إن الرسول عليه السلام صور لنا أن المجتمع المسلم كقوم يركبون سفينة واحدة فعليهم أن يحافظوا على سلامة مجتمعهم و يحصلوا كل ما ينفعهم و يدرؤوا كل ما يضرهم , و إلا فإن الكارثة ستحل بالجميع لا فرق بين مخلص و متخاذل أو عامل و متكاسل:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا (تقاسموا الأماكن ) على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها (أي أنها تتكون من طابقين) فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا

أيها المسلمون ماذا يمكن لنا ان نستنتج من هذا المثل الذي ضربه لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم؟

إنه فضل التعاون بين أفراد المجتمع وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة وهذا واضح في أن أصحاب المكان العلوي لو أعطوا من أنفسهم قليلاً ووضعوا أيديهم بأيدي أخوانهم أصحاب المكان السفلي وساعدوهم في غرف الماء من البحر وتعاونوا معهم في ذلك لما فكر أصحاب المكان السفلي في خرق السفينة.

وتذكر لنا كتاب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب للمسلمين أروع الأمثلة في التعاون و التكاتف فقد تعاون مع الصحابة في بناء المسجد وحفر الخندق وقد ضرب الجميع أروع الأمثلة الدالة على التفاني والتعاون لأجل مصلحة المسلمين .

و تأمل أيها المسلم كيف أن المسؤولية على المجتمع المسلم تقع عليه من حقن الدماء بين المسلمين و حفظ أمن و سلامة المجتمع إلى أيسر الأمور و هو أن تبعد ما يؤذي المسلمين من الطرقات,فليس في الدين شيء يحتقر فكل عمل بأجره,

بل عد هذا الأمر من الإيمان: قال صلى الله عليه وسلم:{ الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان} رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد أريت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) . رواه مسلم (127). وفي رواية : ( مر رجل بغصن شجرة على ظهر طريق فقال : والله لأنحين هذا عنِ المسلمين لا يؤذيهم ، فأدخل الجنة )(128( ..

و تكريسا لمفهوم النفع العام و الذي يشار إليه اليوم بالمسؤولية الاجتماعية:

يقول عليه الصلاة والسلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) حيث عمم المسؤولية لأفراد المجتمع.ويقول عليه الصلاة والسلام: (خير الناس أنفعهم للناس(..انتهت الخطبة الأولى.

الخطبة الثانية:
أيها المسلمون:

إنكم اليوم تعيشون فترة مهمة لها ما بعدها إن فترة تسجيل الناخبين في المراكز المختلفة التابعة للانتخابات البلدية كل في دائرته التي يسكن فيها,

أيها المسلمون : ليس منكم هنا من أستثنيه من المسؤولية العظيمة التي نواجهها اليوم و المسلم (كيّسٌ فطن) كلكم مسؤول سواء من كان له حق التصويت أو من ليس له حق في التصويت, فمن كان له حق التصويت عليه أن يبادر بمجرد فتح المركز الذي في دائرته التي يتبع لها فيذهب و يسجل اسمه و يدعو من له أمر عليهم من الأولاد أو الأصدقاء أو زملاء العمل أو الجيران ممن يصلون معه في المسجد, و هكذا.

أما من ليس له حق التصويت فعليه أن يعين الآخرين و يرشدهم بل حتى يوصلهم إلى مراكز التصويت و يشعرهم بأهمية الأمر و أن الأمر يتعدى المصالح الشخصية الضيقة إلى المصالح العامة التي تنفع كل من في البلاد, و من كان مثقفا مطلعا مدركا للأمور عليه أن يبين للناس أهمية الأمر, أيها المسلمون: إني أعلنها صريحة هنا فأقول كل من استطاع أن يسجل في قوائم الناخبين و لم يسجل و كل من يستطيع أن يشارك في الانتخاب بالتصويت و لم يصوت فهو متخاذل عن خدمة مجتمعه المسلم مقصر في القيام بحق المسلمين كائنا من كان و أدين لله بهذا الاعتقاد و أطلب من الله الأجر فيما أقول, يقول بعض السلف (كلكم على ثغرة فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلكم) عباد الله إني اكرر قول المصطفى عليه الصلاة و السلام: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) فافهم أيها الذكي دورك الكبير و إياك إياك من رفقة السوء و دعاة الكسل و السلبية الذين لا يعملون و لا يحبون أن يروا من يعمل فيتميز عليهم, فالمصلحة عامة فإياك أن تخذل المسلمين في موقف يحب الله أن يراك و أنت تنصرهم و تقويهم. و تذكروا قول الله جل جلاله {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} و في تفسير الجلالين: فسرها بصلة الرحم و مكارم الأخلاق. و اعلموا أن القيام بالمسؤولية تجاه مجتمعك من مكارمها, بارك الله فيكم

[URL="http://http://alafaleq.com/articles.php?show_article=97"]المصدر[/URL]


[font="]وسئل العلامة الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله السؤال التالي:[/font]

[font="][font="][/font][/font]


[font="]سؤال: أقرت الدولة مؤخرا انتخابات بمشاركة المواطنين لاختيار مرشحين للمجالس البلدية، وتتيح هذه الانتخابات للمواطنين فرصة المشاركة في صناعة القرار من خلال اختيار الأصلح من المرشحين ذوي الكفاءة والخبرة لإدارة الخدمات البلدية في مقر إقامتهم، وتبرز أهمية هذه الانتخابات في كونها تسهم في جعل المواطن في موقع المسؤولية المشتركة مع الجهات الرسمية، وبالتالي توسيع مشاركته في اتخاذ القرار وإدارة شؤونه المحلية فهي بذلك تشكل مجالا للشورى تنفيذاً لقول الله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) فكيف يرى فضيلتكم المشاركة في هذه الانتخابات بالتسجيل أو الترشيح؟
[/font]


[font="][font="][/font][/font]


[font="]نص الجواب: نظراً لأهمية هذه الانتخابات وآثارها المنتظرة في تحسين وضع البلاد، واختيار ما له أهمية ومصلحة في البلاد والعباد، فإننا نرى أهمية المشاركة في هذه الانتخابات، واختيار الأفضل من المرشحين من أهل الخبرة والمعرفة والصلاحية، لخدمة المشاريع البلدية، ورجاء أن يكون المرشحون من أهل الصلاح والإصلاح، والعمل فيما يكون سببا في الاستقامة واختيار ما يناسب البلاد، واختيار الأشخاص الصالحين المصلحين، ممن يرجون الله والدار الآخرة، وينصحون لولاة الأمر وللمواطنين، فمتى تقدم أهل الخبرة وأهل المعرفة وأهل الاستقامة لاختيار من لهم صلاح ومعرفة، فإن ذلك خير في الحال والمآل والله أعلم.[/font]

[font="][font="][/font][/font]


[font="]وقال د. علي بن عمر بادحدح في مقاله المعنون: «الانتخابات البلدية».. رؤى وأفكار: الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد: فإن الانتخابات البلدية التي أعلن عنها في المملكة العربية السعودية تجربة جديدة، وهي أول خطوة منتظرة منذ أمد طويل؛ ولذا فإن الانتخابات البلدية خطوة إلى الأمام وإن بدت قصيرة والمشاركة في هذه الانتخابات ستكون تشجيعًا لهذا الاتجاه ودفعًا لمواصلة المسيرة نحو المزيد. [font="][/font][/font]

[font="] [/font]

[font="]ومن المتفق عليه أن الدخول في هذه التجربة له فوائد ومكاسب عديدة، ينبغي استثمارها والإفادة منها في سبيل النهوض بالمجتمع السعودي، وانفتاحه السياسي تدريجيًا، وتحقيق المنافع والمصالح المتدرجة في هذا الشأن، وإن المشاركة من قبل التيار الإسلامي لها فوائد حتى وإن لم يتحقق الفوز بالانتخابات، بل المشاركة نافعة حتى وإن غلب الظن عدم تحقيق الفوز أو كانت هناك محدودية في فائدة المجالس البلدية في حالة الفوز. [font="][/font][/font]

[font="]ومن هذه الفوائد والمكاسب:
[/font]


[font="][font="][/font][/font]


[font="]1- المشاركة في الانتخابات توفر فرصة الاحتكاك والتواصل والتعاون مع الإدارات والشخصيات الحكومية بشكل مكثف ومباشر. [font="][/font][/font]

[font="]2- المشاركة في الانتخابات توسع شريحة المشاركين، وتتيح مجالاً أوسع للتعامل مع شرائح المجتمع المختلفة للتعرف على حاجاتهم وهمومهم. [font="][/font][/font]

[font="]3- المشاركة في الانتخابات يتحقق منها اكتساب خبرة في ميدان العمل العام والميدان الانتخابي بشتى آلياته المتاحة بصورة خاصة، وهي خبرة لازمة في بلد تجرى فيه الانتخابات لأول مرة. [font="][/font][/font]

[font="]4- أن المشاركة في الانتخابات قد تؤدي إلى الفوز وممارسة الدور المنشود في خدمة المجتمع وتطويره، والانفتاح الإيجابي ووصول الأخيار الذي سيكون له أثر في الإصلاح المنشود، وسد أبواب الفساد والمحسوبية. [font="][/font][/font]

[font="]5- أن مجرد المشاركة سيؤدي إلى الكثير من المصالح؛ ومنها: استثمار الطاقات، وتوعية المجتمع، والإسهام في حل مشكلاته. كل هذا وغيره من المنافع المتوقعة يستوجب بذل الجهد للإفادة من هذه التجربة الجديدة.
[/font]


[font="][font="][/font][/font]


[font="]وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.[/font]

[font="][/font]


الانتخابات البلدية - خطبة الجمعة 25/5/1432هـ


الانتخابات البلدية



إخواني الأحبة : يبدأ اليوم بعون الله وتوفيقه تسجيل الناخبين في الانتخابات البلدية .
والانتخابات آلية يسعى بها الناس إلى اختيار من يرونه الأمثلَ لولاياتٍ محددة ، وهم بذلك يعتبرون صوت الأغلبية عاملاً مرجحاً في هذا الاختيار ..
والمقصود هنا التصويت على اختيار المسؤول ، وليس التصويت على سن التشريعات كما هو في الحكم الديمقراطي ، وشتان بين هذا وذاك ، فإن رأي الأغلبية عنصر يمكن أن يسترشد به صاحب القرار فيما يسوغ فيه الاجتهاد البشري ، ولقد أعمله النبي صلى الله عليه وسلم - مثلاً - في خروجه لأحد حينما نزل عن رأيه ورأي أبي بكر إلى رأي أغلب الصحابة ، لكنه لم يعتبره بأبي هو وأمي قط في كل شأن كان فيه التوجيه الرباني حاضراً.

أيها الكرام .. إن هذا الاختيار الذي وكل إلينا نحن المواطنين سلاح ذو حدين ، إن أحسنا أداءه كان نافعاً وإيجابياً ، وإن أسأنا عاد بالوبال علينا وعلى مجتمعنا الحبيب.
إيها الكرام : يجب أن ندرك جميعاً أننا هنا إزاء واجبين . وهذا ينطبق على ما نحن بصدده من مناسبة الانتخابات البلدية ، وعلى ما يشابهها من فرص إصلاحية نتطلع إلى المزيد منها ، طالما أنها لا تتصادم مع شريعتنا الغراء ولا تتعارض مع أحكامها وتوجيهاتها السامية الكريمة ، وهي تعمل على تفعيل مبدأ إصلاحي في غاية الأهمية : ألا وهو تنصيب الأكفأ واختيار الأولى .
إنهما واجبان تجدر الإشارة إليهما :
فأما الواجب الأول فهو واجب كفائي ، يتجسد في حرص المسلم على أن يستثمر صوته الذي أتيح له .. وهو جزء من واجب الإصلاح المنشود ، والذي ينبغي ألا يتقاعس عنه المسلم الحريص على تحقيق المصالح في نفسه ومجتمعه ، إنه واجب جماعي على أولئك الذين يحرصون على الوصول إلى ما هو أصلح ، وينشدون لمجتمعهم الذي يحبونه ما هو خير وأنفع في أمور دينه وديناه.
وأما الواجب الثاني :
فهو أن يكون الاختيار للأكفأِ والأمثلِ والأصلح .. بعيداً عن كل الاعتبارات العنصرية أو الشخصية .. فهاهنا لا قبلية ولا مناطقية ولاحزبية فضلاً عن المصالح الشخصية أو المنافع المادية التي تعني بيع الأمانة وشهادة الزور . إن هذا الصوت المتاح أمانة يقدّمه المنتخِبُ لمن يرى أنه الأصلحُ في هذه المسؤولية تحديداً.
إخواني الكرام : إن اختيار الأصلحِ في المسؤوليات ، والسعيَ إلى تعيين الأكفأِ ؛ واجب شرعي لا يجوز التفريط فيه بغاية المستطاع..
ألا وإن في تضييع ذلك مفاسدُ عظيمة على الأفراد والمجتمع ، كما في رعايته والحفاظ عليه – أعني اختيار الأصلح - : في رعايته والحفاظ عليه حفظاً لحقوق الناس ، وأداء للأمانات ، ووصولا إلى ما هو أمثل ، من مصالح المجتمع الدينية والدنيوية . وهل عانت كثير من المجتمعات والشعوب إلا من تولي من ليس بأهل في المواقع المختلفة التي ترتبط بها مصالحهم وأمور معاشهم ؟ سواءً كان ذلك من أمور الدين أو أمور الدنيا.
لقد خاطب الله تعالى عباده آمراً إياهم أمراً جازماً بأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها .. قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }، وإن من أعظم أداء الأمانات التي تترتب عليها المصالح الكبرى هو اختيار الأكفأِ في الولايات المختلفة.
قال الإمام السعدي تعليقاً على هذه الآية : " فالأمانات يدخل فيها أشياءُ كثيرة ، من أجَلِّها: الولاياتُ الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، الدينيةُ والدنيوية ، فقد أمر الله أن تؤدى الأمانات إلى أهلها بأن يجعل فيها الأكْفاء لها، وكل ولاية لها أكْفاءُ مخصوصون. فهذا الطريق الذي أمر الله به في الولايات: من أصلح الطرق لصلاح جميع الأحوال، فإن صلاح الأمور بصلاح المتولين والرؤساء فيها والمدبرين لها والعاملين عليها، فيجب تولية الأمثل فالأمثل { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }، [ القصص: 26 ]، فصلاح المتولين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الأمة ، وضده بضده [القواعد الحسان 1/98-99].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية بعد أن أورد قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} – قال : " وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل: فهذان جماع السياسة العادلة والولاية الصالحة " ثم قال : "إذا عرف هذا ، فليس عليه أن يستعمل (أي أن يولّي صاحب الصلاحية) ، فليس عليه أن يستعملَ إلا أصلحَ الموجود .. فيختار الأمثل فالأمثل في كل منصب بحسبه.
أخي المسلم ، لقد حسمت الشريعة الغراء معايير الكفاءة فيمن يُختارون للولايات المختلفة صغيرة كانت أم كبيرة ، إنهما معياران رئيسان نص عليهما كتاب الله تعالى ، وحلفت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعمالهما في كل المجالات.
فأما المعيار الأول : فهو الأمانة ، وأما الثاني : فهو القوة ، قال تعالى : { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }.
وهاهو يوسف عليه السلام يصف نفسه في موطن الترشح للولاية: { إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } ، أي حفيظ الأمانة، عليم القوة.
إن المعيار الأول إخواني الكرام هي الأمانة: وهي تعني مراقبةَ ذلك المتولي لله تعالى فيما تولاه ، وحرصَه على تحقيق المصالح العامة أداء للواجب وقياماً بحقوق الآخرين ، هي تعني –كذلك- إدراكَه بأنه مؤتمن على الأموال العامة التي هي أموال المسلمين.
إن هذه الأمانة تعني أيضاً استشعاره للمسؤولية التي سوف يسأله الله تعالى عنها يوم القيامة، هل برّ وصدق ، أم غش وضيّع ؟ وأن عليه أن يبذل وسعه في الاجتهاد لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح العامة التي ينتظرها الناس ، وإلا كان من المفرطين .. كل هذا إيها الكرام من الأمانة التي يجب أن يولّى من يرعاها في منصبه وولايته ، وأن يُحذر أشد الحذر ممن لا يقيم لها وزناً.
أما المعيار الثاني فهو القوة : وهي تعني القدرة على القيام بهذه المسؤولية وما تتطلبه هذه القدرة من علم أو مهارة أو صفات ، ولذا فإن هذه القوة تطلب بحسب نوع تلك الولاية ومجالها، فقوة الطبيب مثلاً تكون في قدرته على تشخيص الأمراض، ووصف العلاج المناسب للداء ، وقوة المهندس في قدرته على التخطيط والأداء الهندسي ، وقوة الإداري تتجلى في حسن إدارته للفريق وتحقيق الأهداف من خلالهم بنجاح ، وقوة المدرس في علمه وفي قدرته على إيصال المعلومة إلى طلابه، وقوة العالم في سعة علمه وفي قوة استنباطه وفي وعيه بأحوال الناس وواقعهم وهكذا فالقوة بحسبها في كل مجال.
قال ابن تيمية : " وينبغي أن يعرف الأصلح في كل منصب ، فإن الولاية لها ركنان : القوة والأمانة " ثم قال : " واجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ، ولهذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول : اللهم أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة . فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها " أي أن الواجب هو بذل الجهد في اختيار أمثلِ من يتوافر فيه هذان الأمران ، في كل ولاية بحسب متطلباتها وطبيعتها.
وقال الإمام السعدي في تعليقه على قوله تعالى { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } – قال : " هذان الوصفان بهما تمام الأعمال كلِّها ، فكل عمل من الولايات أو من الخدمات أو من الصناعات ، أو من الأعمال التي القصد منها الحفظ والمراقبة على العمال والأعمال: إذا جمع الإنسان الوصفين: أن يكون قويا على ذلك العمل .. وأن يكون مؤتمنا عليه ، تم ذلك العمل وحصل مقصوده وثمرته، والخلل والنقص سببه الإخلال بهما أو بأحدهما ". [تفسير اللطيف المنان 1/401]
المهم هاهنا أيها الكرام أن توجد الآليات الكفيلة باختيار من تنطبق عليهم الكفاءة بشقيها المذكورين، وأن يكون الاعتبار لكلا الأمرين حاضراً : الأمانة والقوة ، وإلا حصلت المخالفة الشرعية، ووقع الخلل وتضرر الناس والمجتمع.
أقول قولي هذا وأستغفر الله من كل زلل أو خطيئة.
الخطبة الثانية
إن الحديث عن معياري الكفاءة ليحتاج إلى مزيد بسط وتوضيح وتجلية ، والمهم هاهنا أن نستحضر جميعاً واجبنا الشرعي في المساهمة الفاعلة لاختيار الأكفأ كلما أتيحت لنا الفرصة ، فإن ضيعنا ما أتيح لنا كنا في موضع الملامة .
إيها الأحبة .. إن مأمول المسلم الواعي من الإصلاح المجتمعيِّ كبير ، فالمجتمع المسلم ينشده الجميع مجتمعاً نموذجياً تنعكس عليه معالم الرقي الشرعي ، وتتجلى فيه مظاهر حضارة الإسلام الرفيعة ، فلنكن إيجابيين مع كل خطوة تتجه إلى الإصلاح ، آملين أن يوفق الجميع – الراعي والرعية - في بلادنا الحبيبة وفي سائر بلاد المسلمين لمزيد مما هو أصلح في أمر الدين والدنيا .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ...


المصدر


خطباء يدعون للمشاركة في الانتخابات

ومواطنون يقترحون إعلان المرشحين





الهفوف: عدنان الغزال 2011-04-29 3:23 AM


تسبب انخفاض إقبال المواطنين بالمنطقة الشرقية على قيد أسمائهم في سجلات الناخبين استعدادا للانتخابات البلدية المقبلة، في ظهور حالة من الترقب، صاحبها دعوة أئمة المساجد للمواطنين للمشاركة في انتخابات المجلس البلدي وضرورة إدراج أسمائهم في السجلات، كما طالب مواطنون المسؤولين بوزارة الشؤون البلدية والقروية عن انتخابات المجالس البلدية بالنظر في مقترحهم، والمتضمن إعلان قائمة المرشحين النهائية للمتقدمين للمجالس البلدية، في الوقت الحالي، مؤكدين أن تلك الخطوة من شأنها تشجيع المواطنين على تقييد أسمائهم كناخبين.
وقالوا إن عددا من المواطنين لم يقيدوا أسماءهم في سجلات الناخبين حتى الآن، أو لم يقوموا بتحديث بياناتهم، أو تعديل مقار دوائرهم الانتخابية لعدم معرفتهم بالمرشح الذي سيصوتون له، وقالوا " لو علم الناخبون أسماء المرشحين لتضاعف عدد الناخبين عن الأرقام الحالية".

وأشار المواطنون هاني القطيفي، وحسن الحجي، وعلي الشواكر إلى أن هذا المقترح في حال تطبيقه، سيحفز الكثير على تقييد أسمائهم كناخبين في الدائرة التي ينتمي إليها المرشح، مشيدين بخطوة الوزارة في تطبيق العمل خلال الدورة الجديدة بنظام الدوائر المغلقة، بحيث يسمح التصويت للمرشح من قبل ناخبي دائرته الانتخابية فقط، وجعل التنافس بين المرشحين على مستوى الدائرة الانتخابية الواحدة، موضحين أن من الظلم أن يمثل الدائرة الانتخابية مرشح غير معروف في دائرته وليس له دور اجتماعي ملموس فيها، و لكن فوزه جاء بدعم من ناخبين في دوائر أخرى.

وقال إمام وخطيب جامع آل ثاني في الهفوف الشيخ أحمد البوعلي، في خطبه إن الانتخابات البلدية هي رسم لملامح المستقبل، ومشاركة صريحة لصناعة القرار باعتبارها إتاحة المشاركة للمواطن في إدارة الخدمات البلدية ومراقبة الأداء. والمجالس البلدية تجعل المواطن شريكا للبلدية في تحمل المسؤولية، وأداء الواجب تجاه الشأن البلدي مما يحقق المصلحة العامة للوطن والمواطن.

وأكد الخطيب تركي عايض في خطبه أن المجالس البلدية هي صوت المواطن لدى الجهة الخدمية، ونظام لسلطة تقريرية ومراقبة على الخدمات المختلفة والتي ستضع أعين المواطن على مكامن التطوير، إضافة إلى تلمس الاحتياجات الخاصة بالمواطنين في مختلف المدن والقرى.

إلى ذلك، بيّن أمين الأحساء رئيس اللجنة المحلية لانتخابات مجلس بلدي الأحساء المهندس فهد بن محمد الجبير لـ "الوطن" أمس، أنه لا يجوز لأعضاء اللجان الانتخابية الترشح لعضوية أي من المجالس البلدية بحكم عملهم في تلك اللجان، ويجوز لمن تنطبق عليهم شروط الناخب قيد أسمائهم في جدول قيد الناخبين والتصويت يوم الاقتراع، موضحا أنه يحق لأي ناخب الاعتراض على قيد أي ناخب اتضح له عدم توفر أي من شروط الناخب المقررة نظاماً.

وأوضح عضو اللجنة المحلية لانتخابات مجلس بلدي الأحساء وكيل الأمانة للمشاريع والتعمير المهندس عادل بن محمد الملحم، أن التعاون بين الجهات الحكومية والاجتماعية والدينية أمر نبيل في توصيل معاني الانتخابات البلدية لكافة المواطنين ودعوتهم لتسجيل قيد الناخبين، إضافة إلى إيصال رسائل تثقيفية حول التنظيم والآليات. وقدم الملحم شكره لكافة الجهات المتعاونة، مؤكداً أن اللجنة المحلية للانتخابات البلدية ترحب بأي تعاون توعوي شريطة أن يكون بإطار رسمي منظم.

المصدر