خطبــــــــــة الاستسقــــــــــــاء ليوم الخميس ( 1438/4/28 هـ )

محمد بن سليمان المهوس
1438/04/26 - 2017/01/24 21:52PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بُعْدُ : فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ :
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ، فَهِيَ وَصِيَّتُهُ جَلَّ وَعَلَا لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ،كَمَا قَالَ رَبُّ الْعَالَمِينَ: ((وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ)) فَبِالتَّقْوَى تُسْتَنْزَلُ الْبَرَكَاتِ ، وَتَجْلَبُ الرَّحَمَاتُ ،وَتُفْرَجُ الْكُرُبَاتِ ، وَتُسْتَدْفَعُ الْعُقُوبَاتِ ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا))
عِبَادَ اللَّهِ : لَقَدْ مَضَى مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ مَعَ عِبَادِهِ وَأَوْلِيَائِهِ ؛ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ بِنُزُولِ بَعْضِ مَا يَكْرَهُونَ فِي حَيَاتِهِمْ ؛ فِي أَمْنِهِمْ وَفِي عَيْشِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَصِحَّتِهِمْ وَاجْتِمَاعِهِمْ بِأَحِبَّتِهِمْ ، كَمَا مَضَى مِنْ سُنَّتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي بَلَائِهِ لَهُمْ كُلَّمَا زَادَ إِيمَانُهُمْ ، وَارْتَفَعَتْ عِنْدَهُ مَنْزِلَتُهُمْ، فَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: ((الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ)) صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ
وَفِي الْمُقَابِلِ فَقَدَ يُعَاقِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ غَفَلَ عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ )) فَمَهْمَا بَلَغَ مِنْ الْغِنَى وَالْجَاهِ وَالْحَسَبِ وَالنَّسَبِ فَحَيَاتُهُ فِي ضَنْكٍ وَضِيقٍ وَمَشَقَّةٍ ، بِخِلَافِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا ،فَحَيَاتُهُ طَيِّبَةٌ، وَسَعَادَتُهُ فِي الدُّنْيَا لَا تُوصَفُ، وَقَدْ لَا يَمْلِكُ قُوُةَ يَوْمِهِ، وَلَا يُعْرَفُ بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ ، مَعَ حَيَاتِهِ الطَيِّبَةِ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ لِقَاءِ رَبِّهِ ،كَمَا قَالَ تَعَالَى ((مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))
وَكُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ عَنْ اللَّهِ، وَزَادَتِ الْمَعْصِيَةُ ،وَبَلَغَتْ حَدَّ الْمُجَاهَرَةِ فِيهَا زِيِدَ فِي الْعُقُوبَةِ ؛وَإِنْ مِنْ أَكْثَرِ مَا يُبْتَلَى بِهِ الْمُؤْمِنُونَ وَيُعَاقَبُ بِهِ الْعُصَاةُ فِي كُلِّ الْعُصُورِ، هُوَ حِرْمَانُهُمْ مِنْ خَيْرَاتِ السَّمَاءِ وَبَرَكَاتِهَا ، وَفِي هَذَا الْأَمْرِ يُبَيِّنُ جَلَّ وَعَلَا حَقِيقَةً مُفَادُهَا: أَنَّ الْغَفْلَةَ وَالْإِعْرَاضَ عَنْ اللَّهِ سَبَبٌ فِي الْحِرْمَانِ مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، كَمَا قاَلَ تَعَالَى (( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَتُوبُوا إِلَيْهِ ، وَتَنَاصَحُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَاحْرِصُوا عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ ، وَصَوْنِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ مِنْ أَنْ تُخَلْخِلَهُ وَتُقَوِّضَهُ الْبِدَعُ وَالْخَرَافَاتُ ، وَالْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتُ ، وَحِمَايَتِهِ مِنْ أَمْوَاجِ الشَّرِّ الْهَائِجَةِ، وَآثَارِ الْفِتَنِ الْمَائِجَةِ ، وَتَحْذِيرِهِ مَزَالِقَ الشُّقُوقِ ، وَدَرَكَاتِ الْهُبُوطِ .
وَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهَ أَنَّ هَذِهِ الشَّدَائِدَ وَالْفِتَنَ وَالْأِحَنَ وَقِلَّةَ الْأَمْطَارِ وَغَيْرَهَا ،وَالَّتِي نَعِيشُ مَعَهَا فِي بِلَادِنَا مِنَ الِابْتِلَاءَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ الَّتِي لَا تَرْفَعُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ ،وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا وَآوَانَا ، وَمِنْ كُلِّ نِعْمَةٍ وَمِنَّةٍ أَعْطَانَا ؛ سَاقَ إِلَيْنَا الْأَرْزَاقَ، وَنَحْنُ أَجِنَّةٍ فِي بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ ، وَأَخْرَجْنَا مِنْ تِلْكَ الْمَضَائِقِ وَالظُّلُمَاتِ ((وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )) فَانْكَسِرُوا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ ، وَاسْتَشْعِرُوا عَظَمَةَ رَبِّكُمْ وَشَدِيدَ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهِ فِي جَلْبِ النِّعَمِ وَدَفْعِ الْفِتَنِ وَالنِّقَمِ ، وَلَيْسَ لَنَا إِذَا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ ،وَقَلَّتِ الْأَمْطَارُ إِلَّا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَى كَمَا قَالَ تَعَالَى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)) (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ)) (( أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ))
فَارْفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ ، وَادْعُوا وَأَمِّلُوا وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ.
اَللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءِ ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءِ ، أَنْزِلَ عَلَيْنَا الْغَيْث وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِن الْقَانِطِيِنَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْ قُلُوبَنَا بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ ، وَبِلَادَنَا بِالْخَيْرَاتِ وَالْأَمْطَارِ وَالْغَيْثِ الْعَمِيمِ ، اللَّهُمَّ إِنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكَ ، فَلَا تَمْنَعْ عَنَّا بِذُنُوبِنَا فَضْلَكَ ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا ، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً، اَللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا سَحَّا طَبَقًا وَاسِعًا مُجَلِّلًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ ، اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتِ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا غَيْثًا مُبَارَكًا ، تُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ ، وَتَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ ، وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ والباد ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ ، وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْقَحْطَ وَالْجَفَافَ وَالْجُوعَ وَالْجَهْدَ ، وَاكْشِفْ مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبَلَايَا ، فَإِنَّ بِهِمْ مِنْ الْجَهْدِ مَا لَا يَكْشِفُهُ إِلَّا أَنْتَ ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ الضُّرَّ عَنْ الْمُتَضَرِّرِينَ ، وَالْكَرْبَ عَنْ الْمَكْرُوبِينَ ، وَأَسْبِغِ النِّعَمَ عَلَى عِبَادِكَ أَجْمَعِينَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومٍ ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / لَقَدْ كَانَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ أَنْ يَقْلِبَ رِدَاءَهُ ، فَاقْلِبُوا أَرْدِيَتَكُمْ اقْتِدَاءً بِسُنَّةِ نَبِيِّكِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَفَاؤُلًا أَنْ يَقْلِبَ اللَّهُ حَالَكُمْ مِنْ الشِّدَّةِ إِلَى الرَّخَاءِ ، وَمِنْ الْقَحْطِ إِلَى الْغَيْثِ ، وَأَلِحُّوا عَلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ.
رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمِ ، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمِ ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات

الاستسقاء.doc

الاستسقاء.doc

المشاهدات 1239 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا