خطبتي عيد الفطر المبارك لعام 1446

الشيخ محمد بن حسن القاضي
1446/09/24 - 2025/03/24 04:51AM
 
*الخطبة الأولى*
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سره وجهره، يسمع صريف القلم عند خط سطره، ويرى دبيب النمل في فيافي قفره، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره، أحمده على حلو الأمر ومره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث إلى الخلق في بره وبحره، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما جاد السحاب بقطره.
أما بعد:
فإن يومكم هذا، يوم عظيم، وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام؛ تعلن فيه النتائج وتوزع فيه الجوائز، في هذا اليوم يفوز المجتهدون، ويخسر المتكاسلون، ويفرح الفائزون، ويحزن الخاسرون، فليت شعري من المقبول منا فنهنيه، ومن المطرود منا فنعزيه؟
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
معاشر المسلمين: إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية والجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين كثيرة جداً، منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في يوم القيامة، ومن ذلك:
مغفرة الذنوب: فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه, ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». فهنيئاً لمن صام شهر رمضان إيمانا بفرضيته واحتساباً للأجر من الله تعالى، وهنيئا لمن قام في جميع ليالي رمضان مع الإمام حتى ينصرف إيماناً بمشروعيته واستحبابه وسنيته، واحتساباً للأجر من الله تعالى، هنيئا والله له بمغفرة ما مضى من ذنوبه الصغائر.
وروى الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلواتُ الخمس، والجمعةُ إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ إذا اجتُنِبَت الكبائرُ» فهنيئا لك أيها المسلم الكريم بهذه المغفرة من الرَّب الرحيم، فالمسلم يصوم ويقوم ويتحرى ليلة القدر كل ذلك طلبا لمغفرة الله تعالى , وخوفا من ناره وعذابه.
ومن الجوائز الجزلة للصائمين: الوقاية من النار؛ فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : «من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا»
وروى ابن خزيمة في صحيحه بسند صححه الألباني عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «الصيام جنة من النار، كجنة أحدكم من القتال»
وروى الإمام أحمد بإسناد حسنه الألباني، عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جنة يستجن بها العبد من النار».
ومن الجوائز الربانية والكرامات الإلهية للصائمين: الفرح والسعادة التي تغمر قلوب الصائمين: فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه).
فقوله صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان يفرحهما, الأولى: في الدنيا: إذا أفطر من كل يوم فرح بأنَّ الله أعانه على إتمام صيام يومه, وأباح له الأكل والشرب، ويفرح عند إتمامه صيام شهر رمضان بأنَّ الله أعانه ووفقه لصيام شهر رمضان، والثانية: في الآخرة: إذا لقي ربه فرح بصومه عندما يرى الأجر والثواب.
قال ابن رجب رحمه الله: (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا).
يفرح المؤمن وحُقَّ له أن يفرح كيف لا يفرح بفضل الله وبرحمته والله جلَّ وعلا يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون} [سورة يونس:58] جماهير المفسرين على أن قوله بفضل الله أي بالإسلام وعلى أن قوله وبرحمته هو القرآن، فهذا هو الفرح المشروع المحمود أن يفرح بفضل الله ورحمته بأن وفقه للصيام والقيام ويتضرع إلى الملك العلام بأن يتقبل منه الصيام والقيام، وأن يوفقه للمواصلة على الأعمال الصالحة طوال العام، ولا يفرح فرحا ممنوعا مذموماً وذلك باللهو واللعب والغفلة عن العبادة والانقطاع عن الطاعة فهذا فرح مذموم وقد قال الله في شأنه: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِين} [سورة القصص:76]
ومن الجوائز الكبرى والكرامات العظمى للصائمين أن يشفع فيهم الصيام فقد روى الإمام أحمد وغيره بسند صححه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي رب: منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه, ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه, قال فيشفعان». فيقبل الله شفاعتهما فيك.
ومن الجوائز الإلهية والكرامات الربانية للصائمين أن جعل الله لهم باباً خاصًّا من أبواب الجنة يدخلون منه لا يدخل منه أحد غيرهم، ألا وهو باب الريان، فقد روى البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد»
قال القرطبي رحمه الله: «وسمِّي هذا الباب بهذا الاسم: لأنه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، واكتفي بذكر الرِّي عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه».
ألا وإنَّ أجزل الجوائز الربانية وأكرم الكرامات الإلهية التي يتفضل بها على عباده ويكرم بها أولياءه، هي دخول الجنة وما أدراك ما الجنة؛ إنها لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ملاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ألا فهل من مشمر إليها، وراغب فيها، وطالب لها، فهي ورب الكعبة نور يتلألأ وقصر مشيد وأنهار جارية أشجار وافرة، وثمرات ناضجة، وحلل كثيرةـ ومقام كريم، ونعيم مقيم.
روى الإمام أحمد والترمذي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة غرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها»، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»
فهذه جائزتك أيها الصائم، وهذه هديتك من ربك سبحانه وتعالى، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل لا يتغوطون، ولا يبولون، ولا يمتخطون، ولا يبصقون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، أخلاقهم على خلق رجل واحد على طول أبيهم آدم ستون ذراعا»
هنيئا لك أيها الصائم فأنت صابر ولا يعلم ما يستحقه الصابر من الثواب إلا الله الملك الوهاب؛ فيعطى ثوابا بغير حساب قال تعالى: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب} [سورة الزمر:10]
وجزاء الصابرين الجنة، قال تعالى: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [سورة الإنسان:12]
*بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم*
*الخطبة الثانية*
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أما بعد:
أيها الصائمون! تذكروا حينما يقال لكم وأنتم في الجنة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة} [سورة الحاقة:24] قال مجاهد: الأيام الخالية هي أيام الصيام، أي: كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله).
تذكروا أيها الناس عندما تحشرون إلى الله وتأتون إلى أبواب الجنة فتدخلون من باب الريان، وعندما تضعون أقدامكم عند باب الجنة تستقبلكم ملائكة الله الكرام يرحبون بكم ويسلمون عليكم قائلين لكم {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار} [سورة الرعد:24]
هنيئا لك يا مسلم عندما تطأ برجلك الجنة، وتصبح من أهلها وسكانها، تلك الجنة التي أعد الله فيها لعباده الصالحين ما لا يخطر ببال ولم يدر في خيال، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرءوا إن شئتم فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين»
قال ابن كثير رحمه الله: (أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لَمَّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل).
أيها المسلم: ستدخل الجنة وتتجه إلى منزلك تعرفه بدون أن يخبرك به أحد أما قرأت قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم} [سورة محمد:6]
 قال القرطبي رحمه الله: (أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم)
أيها الصائم يا من ظمئت وعطشت في الدنيا ستشرب من أنهار الجنة قال تعالى {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُم} [سورة محمد:15]
أيها المسلمون: اعلموا أن هذا النعيم هو لأهل التوحيد والسنة؛ فحققوا توحيد ربكم، والزموا سنة نبيكم، واحذروا من الإشراك به ومن الاعتقاد في غيره، ومن الذهاب إلى السحرة والمشعوذين ، ومن البدع والمخالفات، واتقوا الله في الصلاة حافظوا علىها وأدّوها مع الجماعة وواصلوا عليها، وعليكم ببر آبائكم وأمهاتكم، وصلة أرحامكم والإحسان إلى جيرانكم. وواصلوا في عبادة ربكم واحذروا من والكسل وأقبلوا على الله بصالح العمل وأتبعوا صيام رمضان بصيام ستة أيام من شوال كما دعاكم إلى ذلك نبيكم عليه الصلاة والسلام.
أيها المسلمون: استشعروا وأنتم في فرحة العيد حال إخوانكم في فلسطين عامة وفي غزة خاصة الذين تسلط عليهم أعداء الإسلام من اليهود الغاصبين والنصارى الماكرين فحتلوا بلادهم وهدموا ديارهم وقتلوا أطفالهم واستباحوا نساءهم فدعوا لهم بالنصر والتمكين، ولا تنسوا أن لكم إخوانا في بلدكم قد أضناهم الفقر وجرى عليهم ما جرى بسبب الفتن الحاصلة والمصائب النازلة فألله الله في مد يد العون لهم وإدخال الفرحة والسرور عليهم، واحذروا من الغفلة وسماع الأغاني وترك الصلوات والعجلة في قيادة السيارات والمترات، واللعب بالألعاب النارية والقوارح والطمش.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم عليك بأمريكا ومن معها، اللهم عليك بدولة اليهود، اللهم اجعلها غنيمة للإسلام والمسلمين، اللهم دمر ملكهم، وزلزل عروشهم، واخذهم من فوقهم ومن تحتهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين، اللهم أصلح أحوالنا، ويسر بفتح الطرق والمنافذ والمطارات، اللهم كن للأيتام والأرامل والضعفاء والنازحين والمشردين، اللهم أطعم جائعهم وأمّن خائفهم يا رب العالمين.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا، واجعلنا من الفائزين والمقبولين، يا أكرم الأكرمين.
ونقول لكم عيدكم مبارك وتقبل الله منّا ومنكم صالح الأعمال والحمد لله رب العالمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
المرفقات

1742781081_جوائز_الصائمين_خطبتي_عيد_الفطر_1446هـ_معدَّة_٠٢٣٨٤٠.pdf

المشاهدات 101 | التعليقات 0