خطبة 8-10-1444هـ ثمرات العيد

محمد آل مداوي
1444/10/07 - 2023/04/27 13:29PM


إنَّ الحَمْدَ لله؛ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُه، ونُؤْمِنُ بِهِ ونَتَوَكَّلُ عَلَيْه، ونُثْنِي عَلَيْهِ الخَيْرَ كُلَّه، وأَشْهَدُ ألَّا إِلَهَ إلَّا الله، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، سُبْحَانَهُ وبِحَمْدِه؛ إِيَّاهُ نَعْبُد، ولَهُ نُصَلِّي ونَسْجُد، وإِلَيهِ نَسْعَى ونَحْفِد، نَرْجُو رَحْمَتَهُ، ونَخْشَى عَذَابَه، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه، وصَفِيُّهُ وخَلِيلُه، اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَيه، وعَلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وأَتْبَاعِهِ إلى يَوْمِ الدِّيْن.. أمَّا بَعْد: فَأُوْصِي نَفْسِي وإيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وجَلّ؛ فَهِيَ زَادُ السَّالِكِين، وعُدَّةُ الذَّاكِرِين، بِهَا تُرْفَعُ الدَّرَجَات، وتُضَاعَفُ الحَسَنَات، وتُمْحَى الذُّنُوبُ والسَّيِّئَات: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

أيُّها المُؤْمِنُون: حَيَاةُ الإِنْسَانِ وأيَّامُهُ: قَصِيرَةٌ مَحْدُودَة، قَلِيلَةٌ مَعْدُودَة.. ومَا أَقْرَبَ الأَمْسَ وأَهْنَاه، حِيْنَ كَانَ النَّاسُ يَتَبَاشَرُونَ بِدُخُولِ رَمَضَان، واليَوْمَ؛ صَارَ تَارِيخًا وأَثَرا، ودَرْسًا وعِبَرًا، وسِجِلًّا مَطْوِيًّا بِالأَعْمَال، يَلْقَاهُ المَرْءُ يَوْمَ النُّشُور: (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ)، فيُقَالُ لَه: (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).

بَلَّغَكُمُ اللهُ تَعَالى، مِنَ الصِّيَامِ والقِيَام، والذِّكْرِ وقِرَاءَةِ القُرْآن؛ مَا يَفْرَحُ بِهِ كُلُّ مُؤْمِن، وقَسَمَ سُبْحَانَهُ في الَّليَالِي المُبَارَكَة؛ مِنَ الرَّحْمَةِ والغُفْرَان؛ مَا يَسْتَبْشِرُ بِهِ كُلُّ مُحْسِن.. فَكَمْ مِنْ تَائِبٍ قُبِلَتْ تَوْبَتُه، وكَمْ مِنْ مُسْتَوْجِبٍ لِلنَّارِ قَدْ أُعْتِقَتْ رَقَبَتُه، فَأَبْشِرُوا بِرَحْمَةِ مَنْ لا يُضِيْعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ).

هَنِيئًا لَكُمْ فَرْحَةَ مَا بَلَّغَكُمْ مِنْ خِتَامِ المَوْسِم، وبُلُوغِ العِيد، شَكَرْتُمُ اللهَ فِيهِ عَلَى مَا أَعْطَاكُم، وكَبَّرْتُمُوهُ عَلَى مَا هَدَاكُم.. فالحَمْدُ للهِ عَلَى فَضْلِهِ وكَرَمِه.

عِشْنَا العِيدَ بِمَعَانِيهِ الجَمِيلَة، وبَرَكَاتِهِ العَظِيمَة، يَعْرِفُهَا مَنْ تَأَمَّلَها، وتَأَمَّلَ حِكَمَها.. ومِنْ تِلْكَ الحِكَمِ والأَسْرَار، والبَرَكَاتِ والآثَار: تَحْقِيقُ توْحِيدِ العِبَادَةِ للهِ رَبِّ العَالَمِين؛ فَالذِّكْرُ والتَّكْبِير؛ تَعْظِيمٌ لَهُ سُبْحَانَه، وإِجْلَالٌ لِعَظَمَتِهِ وعِزَّتِه، وجَبَرُوتِهِ وقُوَّتِه، وإِخْبَارٌ بِأَنَّ الرَّبَّ جَلَّ وعَلَا أَكْبَرُ في قَلْبِ المُسْلِمِ مِنْ كُلِّ مَلَذَّاتِ الدُّنْيَا، وهُمُومِهَا ومَخَاوُفِهَا: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).

ومِنْ مَنَافِعِ العِيدِ وعُمُومِ خَيْرَاتِهِ وبَرَكَاتِه: مَا يُصِيْبُ المُسْلِمِينَ في اجْتِمَاعِهِم، مِنْ تَنَزُّلِ رَحْمَةِ اللهِ ورِضَاه، حِينَ يَجْتَمِعُونَ في المَسَاجِدِ والمَجَالِسِ والبُيُوت؛ لِلصَّلَاةِ والذِّكْر، والبِرِّ والزِّيَارَة، وصِلَةِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَل.

ومِنْ ثَمَرَاتِ العِيد: مَا قَرَّتْ بِهِ الأَعْيُنُ، مِنْ مَظَاهِرِ البِرِّ والصِّلَة، واجْتِمَاعِ الأَهْلِ والأَقَارِب، وتَوَاصُلِ الإِخْوَةِ والأَصْحَاب.. ومِنْ أَعْظَمِ مَا يُصْلِحُ المُجْتَمَعَ ويُقَوِّيه: الأُلْفَةُ والاجْتِمَاع، والمُبَادَرَةُ إلى إِفْشَاءِ السَّلَام، والتَّزَاوُرِ والإِكْرَام، والبَهْجَةِ والابْتِسَام؛ فَتَصْفُو القُلُوب، وتَتَطَهَّرُ النُّفُوس، وتَسْتَقِيمُ الأَخْلَاق، ويُرَاغَمُ الشَّيْطَان.. قالَ r: (مَثَلُ المُسْلِمِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ الوَاحِد؛ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والحُمَّى) متفقٌ عليه.

مَنْ عَفَا عَمَّنْ ظَلَمَهُ؛ عَلَا، والعَفْوُ والتَّسَامُحُ مِنْ أَمَارَاتِ النُّبَلَاء، وتَمَامُ فَرْحَةِ العِيدِ بِتَرْكِ الهُجْرَانِ بَيْنَ الإِخْوَة، ونَبْذِ الخِلَافِ بَيْنَ الأَصْحَاب، ونِسْيَانِ الزَّلَّاتِ بَيْنَ الأَرْحَام، وتَصَافِي النُّفُوسِ عَلَى المَحَبَّةِ والرِّضَا.

ومِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ بَرَكَةً وتَوْفِيقا، وأَجْرًا وسَعَادَة: مَنْ كَانَ سَبَبًا لِلصِّلَةِ والتَّسَامُح، والعَفْوِ والتَّصَالُح، بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَة، والأَخْلَاقِ الحَسَنَة، والمُبَادَرَةِ إلى كُلِّ خَير، وأَعْرَضَ عَنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وحُظُوظِ النَّفْس.. عَنْ أبي الدَّردَاءِ t عَنِ النَّبيِّ r قال: (مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ في مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وإنَّ اللهَ يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيء) رواهُ الترمذيُّ وقَال: حديثٌ حسنٌ صحيح.

فَيَا فَوْزَ مَنْ كَانَ في العِيدِ وفي سَائِرِ الأيَّامِ؛ سَبَبًا لِصِلَةِ الأَرْحَام، وحِفْظِ الوُدِّ والوِئَام، هُمْ كَالغَيْثِ في شُمُولِ أَخْلَاقِهِم، وطِيْبِ آثَارِهِم، وكَأنَّ اللهَ أَعْطَاهُمْ مَا أَعْطَى عِيسَى عَليهِ السَّلامُ حِينَ قَال: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنتُ).

الَّلهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّوم: اجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا، واهْدِنَا لأَحْسَنِ الأَخْلَاق، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْت، واصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إلَّا أنت، اللهُمَّ بَارِكْ لنَا في القُرآنِ والسُّنَّة، وانفعْنا بما فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ والحِكْمَة، أَقُولُ قَوْلي هَذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم، ولِسَائرِ المُسلِمينَ والمُسلِمَاتِ من كُلِّ ذنب، فاستغفِروهُ إنَّه كان غفَّارا.

الخطبة الثانية

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وامْتِنَانِه.. أمَّا بَعْدُ عِبَادَ الله:

فَتَعَاهَدُوا رَحِمَكُمُ الله بالرِّعَايَةِ والعِنَايَةِ والنَّمَاء: مَا وَفَّقَكُمُ اللهُ إليهِ في شَهْرِكُم: مِنْ مَعَاني الطَّاعَة، وطَعْمِ الإيمَان، وعِبَادَةِ الرَّحْمَن.. فَإنَّ مِنْ تَوْفِيقِ اللهِ لِلْعَبْدِ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَى الصِّيَامِ والقِيَامِ بَعْدَ رَمَضَان، فَيَصُومُ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْر، أوِ الإثنينِ والخَمِيس، أو سِتًّا مِنْ شَوَّال؛ لِقَوْلِ النبيِّ r: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) رواهُ مسلم، ويَقُومُ مِنَ الَّليْلِ مَا تَيَسَّرَ له، وإن عَجَزَ أو شُغِل؛ فَلَا يَكْسَلْ عَنِ الوِتْر؛ مَعَ المُدَاوَمَةِ عَلَى نَوَافِلِ الصَّلَاة، والإكْثَارِ مِنْ تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ وذِكْرِهِ سُبْحَانَه، وغَيرِهَا مِنَ العِبَادَات والطَّاعَات، مَعَ الإِحْسَانِ إلى الخَلْق، وتَطْهِيرِ القَلْب، وصَلَاحِ السَّرِيرَة.

 

ألَا فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ الله، واعْلَمُوا أنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى شَكُورٌ كَرِيم، يَجْزِي العَامِلَ عَلَى عَمَلِهِ في الدُّنْيَا: سَعَادَةَ القَلْب، وانْشِرَاحَ الصَّدْر، وقُوَّةَ النَّفْس، وقُرَّةَ العَيْن، والعِصْمَةَ مِنَ الشَّيْطَان، وفي الأُخْرَى: الرَّحْمَةَ والعَفْوَ والرِّضْوَان، والفَوْزَ بالجِنَان؛ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

 

ثمّ صلوا وسلموا رحمكم الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ نبيِّنا محمد، فقالَ في محكمِ التّنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا، سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما تحب وترضى، وهيئ لهما البطانة الصالحة، اللهم كن لهم مؤيدا وظهيرا، ومُعينًا ونصيرا، وأسبغ عليهما لباس الصحة والعافية، واجمع بهم كلمة المسلمين يا رب العالمين.

اللهم يا قوي يا عزيز؛ اُنْصُر جنودنا، اللهم اِرْبِطْ على قلوبـهم، وثبِّت أقدامهم، اللهم عافِ جريحهم، واقبل شهيدَهُم، واخلفهم في أهليهم بخير يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ.

(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

سبحان ربك ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

المرفقات

1682591326_خطب شوال (2) ثمرات العيد.docx

1682591328_خطب شوال (2) ثمرات العيد.pdf

1682591328_خطب_شوال_2_ثمرات_العيد_نسخة_الجوال.pdf

المشاهدات 994 | التعليقات 0