خطبة 27-9-1435 رمضان والدنيا
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
27/9/1435
الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ؛ خَالِقِ الزَّمَانِ، وَمُقَلِّبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مُغْدِقُ الْخَيْرَاتِ، وَكَاشِفُ الْكُرُبَاتِ، وَمُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَقَاضِي الْحَاجَاتِ، لَهُ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي هِبَاتٌ وَعَطَايَا يَسْعَدُ بِهَا مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا فَفَازَ بِهَا، وَيَشْقَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا فَحُرِمَهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ عَرَفَ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا فَلَمْ يَحْفِلْ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا، وَاخْتَارَ الْعُبُودِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ عَلَى الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاخْتِمُوا هَذَا الشَّهْرَ الْكَرِيمَ بِكَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ، وَالدُّعَاءِ بِالْقَبُولِ وَالْغُفْرَانِ؛ فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ اعْتِرَافٌ بِالتَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ، وَإِنَّ الْقَبُولَ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
أَيُّهَا النَّاسُ: قَبْلَ أَيَّامٍ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ كَانَ النَّاسُ يَنْتَظِرُونَ إِعْلَانَ دُخُولِ الشَّهْرِ، وَكَانَتْ أَجْهِزَتُهُمْ لَا تَفْتُرُ عَنِ الرَّنِينِ بِالرَّسَائِلِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ لَيْلَتَهَا، وَأَكْمَلُوا شَعْبَانَ، ثُمَّ دَخَلُوا فِي الصِّيَامِ، وَبَعْدَ يَوْمَيْنِ سَيَتَرَقَّبُ النَّاسُ خُرُوجَ الشَّهْرِ، وَيَتَحَلَّقُونَ حَوْلَ أَجْهِزَتِهِمْ وَقْتَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ؛ لِانْتِظَارِ الْإِعْلَانِ عَنْ نِهَايَةِ الشَّهْرِ.
مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ! وَمَا أَرْخَصَ الدُّنْيَا..! وَمَا رَخَصَتْ إِلَّا لِزَوَالِهَا؛ فَمَنْ عُمِّرُوا فِي نَعِيمِهَا فَوْقَ الْمِئَةِ ذَهَبَتْ أَعْمَارُهُمْ، وَوَسِّدُوا فِي قُبُورِهِمْ، فَعَلَامَ يَحْزَنُ الْمَرْءُ عَلَى فَوْتِ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا وَهِيَ تَفْنَى؟! وَلِمَ يَفْرَحْ بِنَيْلِ شَيْءٍ مِنْهَا وَهُوَ يَزُولُ؟!
وَإِنَّمَا يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُ بِمَوَاسِمِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ لِيَعْمَلَ فِيهَا، وَيَحْزَنُ لِانْقِضَائِهَا؛ لِأَنَّ أَرْبَاحَهُ الْمُضَاعَفَةَ تَتَوَقَّفُ عَقِبَهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ إِلَى أَنْ يَنْقَضِيَ أَجَلُهُ، وَيَسْتَفِيدُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهِ {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].
وَرَمَضَانُ كَالدُّنْيَا بِالنِّسْبةِ لِلْإِنْسَانِ؛ فَكِلَاهُمَا زَمَنٌ، وَكِلَاهُمَا ظَرْفٌ لِلْعَمَلِ، وَكِلَاهُمَا قَدَرٌ؛ فَرَمَضَانُ زَمَنٌ لَهُ بِدَايَةٌ وَنِهَايَةٌ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا، وَرَمَضَانُ ظَرْفٌ لِمَا عَمِلَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا. وَرَمَضَانُ قَدَرٌ قَدَّرَهُ اللهُ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ الْبَشَرُ تَقْدِيمَهُ وَلَا تَأْخِيرَهُ، وَلَا يَمْلِكُونَ قَصْرَهُ وَلَا مَدَّهُ، وَلَا يَمْلِكُونَ زِيَادَتَهُ وَلَا نَقْصَهُ، بَلْ هُوَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا وَعُمْرُ الْإِنْسَانِ فِيهَا {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61].
وَيَدْخُلُ رَمَضَانُ وَظُرُوفُ النَّاسِ فِيهِ مُتَبَايِنَةٌ، وَأَحْوَالُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ، فَفِيهِمُ الْمُتَهَيِّئُ لَهُ وَغَيْرُ الْمُتَهَيِّئِ، وَفِيهِمُ الْفَارِغُ وَالْمَشْغُولُ، وَفِيهِمُ السَّعِيدُ وَالْمَهْمُومُ، وَكَذَلِكَ الدُّنْيَا يَفِدُ الْمَوَالِيدُ إِلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ وَفِيهِمْ مَنْ يُولَدُ فِي قَصْرٍ وَمَنْ يُولَدُ فِي كَهْفٍ، وَفِيهِمْ مَنْ يُولَدُ فِي حَرْبٍ وَمَنْ يُولَدُ فِي سِلْمٍ، وَفِيهِمْ مَنْ يُولَدُ فِي دَارِ كُفْرٍ وَمَنْ يُولَدُ فِي دَارِ إِسْلَامٍ.
وَلِذَا فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَنْعَمَ عَلَى الْعَبْدِ بِأَنْ أَوْجَدَهُ فِي دَارِ إِسْلَامٍ، وَدَارِ أَمْنٍ وَرَخَاءٍ كَانَ ذَلِكَ نِعْمَةً عَظِيمَةً تَسْتَوْجِبُ مِنْهُ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ للهِ تَعَالَى، وَتَمَامَ الشُّكْرِ، فَإِذَا أَدْرَكَ رَمَضَانَ وَهُوَ فِي أَمْنٍ وَصِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي مَنْ كَفَرَهَا فَضَيَّعَ رَمَضَانَ فِي اللَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا.
إِنَّ فِي رَمَضَانَ عِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ.. فِي بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ.. وَفِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ.. وَفِي اخْتِلَافِ عَمَلِ النَّاسِ فِيهِ.. بَيْنَ صَائِمٍ وَمُفْطِرٍ، وَقَائِمٍ وَنَائِمٍ، وَقَارِئٍ وَلَاهٍ، وَجَادٍّ وَعَابِثٍ.. عَاشُوا الشَّهْرَ نَفْسَهُ، وَقَضَوُا الْوَقْتَ عَيْنَهُ، وَلَكِنْ شَتَّانَ بَيْنَهُمَا {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
إِنَّ أُنَاسًا جَدُّوا وَاجْتَهَدُوا وَتَعِبُوا فِي رَمَضَانَ، وَمَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ زُورَ الْمَجَالِسِ، وَفُضُولَ الْمُخَالَطَةِ، وَلَغْوَ الْكَلَامِ، وَحَبَسُوهَا عَلَى صَالِحِ الْأَعْمَالِ..
وَإِنَّ أُنَاسًا آخَرِينَ.. مَا تَرَكُوا فِي رَمَضَانَ بَابًا مِنَ التَّرْفِيهِ إِلَّا أَتَوْهُ، وَلَا مَجْلِسًا لِلَّغْوِ وَالزُّورِ وَالْإِثْمِ إِلَّا حَضَرُوهُ، وَلَا طَرِيقًا لِاكْتِسَابِ الْآثَامِ إِلَّا سَلَكُوهُ.. ثُمَّ مَاذَا بَعْدُ؟!
مَضَى رَمَضَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَلَيْلَةً بِلَيْلَةٍ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ.. وَبَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ يُخْتَمُ عَمَلُ رَمَضَانَ، وَلَا تُفَضُّ صَحِيفَتُهُ إِلَّا يَوْمَ الْحِسَابِ لِيَرَى كُلُّ عَامِلٍ مَا عَمِلَ، فَإِمَّا وَجَدَ خَيْرًا يَسُرُّه وَيَنْفَعُهُ، وَإِمَّا وَجَدَ شَرًّا يَسُوءُهُ وَيَضُرُّهُ.
لَا تَبْقَى مَشَقَّةُ الطَّاعَةِ، وَلَا لَذَّةُ الْمَعْصِيَةِ، يَزُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهِ، وَيَبْقَى الْأَثَرُ وَالنَّتِيجَةُ، وَتُكْتَبُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ.
وَهَكَذَا الدُّنْيَا الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا الْإِنْسَانُ عُمُرَهُ كُلَّهُ، فَإِمَّا قَضَى حَيَاتَهُ فِيمَا يُرْضِي اللهَ تَعَالَى، فَيُقْدِمُ عَلَى اللهِ تَعَالَى حِينَ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مُسْتَبْشِرًا بِعَمَلِهِ، مُسْتَرِيحًا مِنْ كَدَرِ الدُّنْيَا وَوَصَبِهَا. وَإِمَّا قَضَى عُمُرَهُ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ تَعَالَى، فَيُقْدِمُ عَلَى اللهِ تَعَالَى بِجَرِيرَتِهِ، قَدْ سَاءَهُ عَمَلُهُ، وَكَرِهَ لِقَاءَ رَبِّهِ؛ لِمَا يَنْتَظِرُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ وَأَلِيمِ الْعِقَابِ. وَقَدْ مَرَّ النَبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: «مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا المُسْتَرِيحُ وَالمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: «العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالعَبْدُ الفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العِبَادُ وَالبِلاَدُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَرَأَيْتُمْ رَمَضَانَ الرَّاحِلَ.. وَكَيْفَ رَحَلَ؟ فِي غَمْضَةٍ وَأُخْتِهَا.. وَاللهِ سَنَرْحَلُ عَنِ الدُّنْيَا كَمَا رَحَلَ رَمَضَانُ عَنَّا، وَوَاللهِ سَتَزُولُ الدًُّنْيَا كَأَنْ لَمْ تَكُنْ كَمَا ذَهَبَ رَمَضَانُ وَكَأَنْ لَمْ يَكُنْ.. {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 112- 113].
إِنَّنَا رَاحِلُونَ عَنِ الدُّنْيَا كَمَا يَرْحَلُ رَمَضَانُ، فَلْنَجْعَلْ حَيَاتَنَا كُلَّهَا رَمَضَانَ، فَمَنْ أَحْسَنَ فِي رَمَضَانَ فَلْيُكْمِلْ إِحْسَانَهُ بَعْدَهُ، وَمَنْ أَسَاءَ فِي رَمَضَانَ فَلْيَأْخُذْ عِبْرَةً مِنْ مُرُورِ أَيَّامِهِ، وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهِ؛ لِيَعْلَمَ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تُسَاوِي مَنْ يَعْمَلُ لَهَا، وَيَشْقَى لِأَجْلِهَا، وَيُضَيِّعُ آخِرَتَهُ بِسَبَبِهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
إِنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بِرَمَضَانَ فِي بِدَايَتِهِ وَنِهَايَتِهِ، وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهِ، وَاخْتِلَافِ عَمَلِ النَّاسِ فِيهِ؛ فَلَنْ يَعْتَبِرَ بِتَقَدُّمِ عُمُرِهِ، وَإِدْبَارِهِ عَنِ الدُّنْيَا، وَإِقْبَالِهِ عَلَى الْآخِرَةِ، وَسَيَعِيشُ غَفْلَةً مُطْبِقَةً عَلَى قَلْبِهِ إِلَى أَنْ يَحْضُرَهُ أَجَلُهُ وَهُوَ لَمْ يَسْتَعِدَّ لِلرَّحِيلِ، فَيَنْدَمُ وَلَاتَ حِينَ مَنْدَمٍ.
لِتَكُنْ حَيَاتُنَا كُلُّهَا رَمَضَانَ.. لِنَجْعَلْ مِنْ بَقِيَّةِ أَعْمَارِنَا رَمَضَانَ، فِي الْإِقْبَالِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَالْتِزَامِ طَاعَتِهِ، وَالْبُعْدِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَتَنْوِيعِ الْعِبَادَاتِ، وَاسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ فِي الطَّاعَاتِ؛ فَإِنَّ مَنْ جَعَلَ دُنْيَاهُ كُلَّهَا رَمَضَانَ لَمْ يَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِنْ جَاءَهُ، وَلَمْ يَأْسَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا فَاتَهُ، وَفَرِحَ بِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ دُنْيَاهُ مَيْدَانًا لِمَرْضَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، قَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْمُزَنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْفَعَكَ صَلَاتُكَ فَقُلْ: لَعَلِّي لَا أُصَلِّي غَيْرَهَا».
وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- لَا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ بَكَى، وَقَالَ: «أَخَافُ أَلَّا أَعُودَ إِلَيْهِ».
وَقَالَ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: «مَا نِمْتُ يَوْمًا قَطُّ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي أَنِّي أَسْتَيْقِظُ مِنْهُ».
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 205-207].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ...
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَامْلَئُوا قُلُوبَكُمْ بِتَعْظِيمِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ، وَرَجَاءِ رَحْمَتِهِ، وَالْخَوْفِ مِنْ عَذَابِهِ؛ فَإِنَّ رَبَّكُمْ عِنْدَ ظَنِّ عِبَادِهِ بِهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَجْعَلْ حَيَاتَنَا كُلَّهَا رَمَضَانَ، وَلْنُحْسِنْ خِتَامَ هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَلَعَلَّنَا لَا نُدْرِكُ أَمْثَالَهَا، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ، وَلْنَسْأَلِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَفْوَ وَالْقَبُولَ وَالغُفْرَانَ.
وَقَدْ فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي خِتَامِ شَهْرِنَا زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَهِيَ زَكَاةُ أَبْدَانِنَا بِأَنْ أَبْقَانَا اللهُ تَعَالَى حَوْلًا كَامِلًا، وَهِيَ تُرَقِّعُ مَا تَخَرَّقَ مِنْ صِيَامِنَا، وَتَنْفَعُ الْمَسَاكِينَ مِنْ إِخْوَانِنَا؛ كَمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَمِقْدَارُهَا صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، تُؤَدَّى قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ؛ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، رَوَى ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما- قَال: «فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلَاةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ..
المرفقات
501.doc
502.doc
رمضان والدنيا.doc
رمضان والدنيا.doc
رمضان والدنيا مشكولة.doc
رمضان والدنيا مشكولة.doc
المشاهدات 5538 | التعليقات 8
حفظك الله وجعلها في موازين حسناتك
بيض الله وجهك خطبة كافية شافية لاحرمك الله اجرها
خطبة مباركة بارك الله بعلمكم يا شيخ إبراهيم،،
نفع الله بكم يا شيخ إبراهيم..
وأنبه إلى وجود تكرار غير مقصود على ما يظهر..
"وَاخْتَارَ الْعُبُودِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ عَلَى الْمُلْكِ وَالنُّبُوَّةِ"
جزاك ربي الجنة وتقبل الله منا ومنك شيخي الفاضل
جزاكم الله تعالى خيرا أيها الأكارم على المرور والتعليق..
وليصس في الخطبة تكرار وما ذكرته مأخوذ من حديث التخيير..
خطبة رائعة وموفقه شيخ ابراهيم ..
نفع الله بك وبارك فيك وفي علمك وقلمك وخطبك ..
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق