خطبة ( يوم الحشر ووصفه)

خالد الشايع
1442/02/15 - 2020/10/02 05:42AM

                1

 

الخطبة الأولى 15/2/1442 الحشر

الحمد لله الحكيم الكريم العلي العظيم السميع العليم الرءوف الرحيم الذي اسبغ على عباده النعمة وكتب على نفسه الرحمة وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تغلب غضبه فهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها كما هو أشد فرحا بتوبة التائب إليه من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة إذا وجدها واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له رب العالمين وارحم الراحمين الذي تعرف إلى خلقه بصفاته وأسمائه وتحبب إليهم بإحسانه وآلائه واشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختم به   النبيين أرسله رحمة للعالمين وبعثه بالحنيفية السمحة والدين المهيمن على كل دين فوضع به الآصار والأغلال وأغنى بشريعته عن طرق المكر والاحتكار صلى الله عليه ما تعاقب الليل والنهار وعلى الآل والصحب والأصهار وسلم تسليما كثيرا .

أما بعد فيا معاشر المسلمين :

إن من عقيدة المسلمين التي يجب أن ترسخ في قلوبنا أجمعين عقيدة الإيمان بالغيب ويقصد به كل ما أخبر الله به في كتابه أو على لسان رسوله من الأمور التي تغيب عن الأنظار ولا تدرك بالحس .

ويتمثل هذا في الركن الخامس من أركان الإيمان ألا وهو الأيمان باليوم الآخر ، ولقد أثنى الله تبارك وتعالى على المؤمنين بالغيب كما قال تعالى ( الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )

فهم يؤمنون بالله حال كونهم مع الناس وحال انفرادهم عن رؤية الأبصار ، كما أنهم يؤمنون بكل غيب لم تدركه أبصارهم أو تبلغه عقولهم .

معاشر المسلمين : إن من أعظم ما يجب على العبد أن يؤمن به من الأمور الغيبية هو الأيمان باليوم الآخر جملة وتفصيلا فنؤمن بكل ما هو واقع بعد الموت حتى ينتهي الناس إلى مستقر هم الأخير ( الجنة أوالنار ) .

ولعلنا نمر سريعا حشر الناس من قبور هم إلى أرض المحشر حفاة عراة غرلا بهما .

وحتى نتصور الموقف تماما لنعلم أن النفخ في الصور يقع مرتين الأولى وهي نفخة الفزع والصعق والثانية نفخة البعث والنشور كما قال تعالى (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون )

وبين تلك النفختين أربعون قيل يوما وقيل شهرا وقيل سنة كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t قال r ( ما بين النفختين أربعون ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل و ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد و هو  :  عجب الذنب منه خلق و منه يركب يوم القيامة  )

وأخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن عمر t قال r (ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا و رفع ليتا و أول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق و يصعق الناس ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فينبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم  ؟  يقال  :  يا أيها الناس  !  هلم إلى ربكم )

فعندئذ يهب الناس من قبورهم فزعين إلا من كتب الله له الأمن جعلنا الله وإياكم منهم بمنه وكرمه .وتحشر الملائكة الناسَ إلى أرض المحشر وهي بحمص الشام ، وفيها يجتمع الناس على صعيد واحد ، ويشتد عليهم الموقف ويمكثون الزمن الطويل وهم ينتظرون فصل القضاء حتى يتمنى الكفار لو يؤمر بهم إلى النار ويخلصون من ذلك الموقف .

أخرج البخاري ومسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة t قال r ( أنا سيد الناس يوم القيامة و هل تدرون مم ذلك  ؟  يجمع الله الأولين و الآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي و ينفذهم البصر و تدنو الشمس منهم فيبلغ الناس من الغم و الكرب ما لا يطيقون و لا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض  :  ألا ترون ما قد بلغكم  ؟  ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم  ؟  فيقول بعض الناس لبعض  :  ائتوا آدم فيأتون آدم فيقولون  :  يا آدم أنت أبونا أنت أبو البشر خلقك الله بيده و نفخ فيك من روحه و أمر الملائكة فسجدوا لك اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  فيقول لهم آدم  :  إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله و إنه نهاني عن الشجرة فعصيته نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى نوح ; فيأتون نوحا فيقولون  :  أنت أول الرسل إلى أهل الأرض و سماك الله  {  عبدا شكورا  }  اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  فيقول لهم نوح  :  إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله و إنه قد كانت لي دعوة دعوت بها على قومي نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى إبراهيم ; فيأتون إبراهيم فيقولون  :  يا إبراهيم  ؟  أنت نبي الله و خليله من أهل الأرض اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  فيقول لهم إبراهيم  :  إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله و إني قد كنت كذبت ثلاث كذبات نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى ; فيأتون موسى فيقولون  :  يا موسى  !  أنت رسول الله فضلك الله برسالاته و بكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  فيقول  :  إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله و إني قتلت نفسا لم أومر بقتلها نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى ; فيأتون عيسى  !  فيقولون  :  يا عيسى أنت رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روح منه و كلمت الناس في المهد اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  فيقول لهم عيسى  :  إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد ; فيأتوني فيقولون  :  يا محمد  !  أنت رسول الله و خاتم الأنبياء و غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه  ؟  ألا ترى ما قد بلغنا  ؟  ; فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدا لربي ثم يفتح الله علي و يلهمني من محامده و حسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ثم يقال  :  يا محمد  !  ارفع رأسك سل تعط و اشفع تشفع فأرفع رأسي فأقول  :  يا رب  !  أمتي أمتي فيقال  :  يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة و هم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب و الذي نفسي بيده إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة و هجر أو كما بين مكة و بصرى ) .

 اللهم استرنا فوق الأرض واسترنا تحت الأرض واسترنا يوم العرض يا أرحم الراحمين ‌

           الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين إله الأولين والآخرين وناصر المستضعفين وهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ، وأشهد أن لا إله الله الإله الحق المبين وأشهد أن محمد عبده ورسوله ومصطفاه وخليله وخيرته من خلقه بلغ الأمانة وأدى الرسالة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلى الله ……)

أما بعد معاشر المسلمين :

إذا علم العبد أنه سيقف في موقف الحشر بين يدي الله تعالى فما الواجب المتحتم عليه تجاه هذه العلم ، إن الناس في ذلك الموقف لا ينجيهم بعد رحمة الله تعالى إلا الأعمال الصالحة التي كانوا يعملونها في دنياهم فكلما زاد عمله الصالح كلما زاد أمنه وطمأنينته قال تعالى ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم إولئك لهم الأمن وهم مهتدون )

وكلما نقص عمله الصالح وزادت خطيئته كلما نقص أمنه وزاد خوفه وهلعه

والآيات في ذلك كثيرة جدا ، وأما الظالمون أهل الذنوب والمعاصي فاسمع ما قيل فيهم :

قال تعالى ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا )

وقال الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس )

وقال تعالى ( وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع)

إلى غير ذلك من الآيات .

و أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال يحشر الناس على ثلاث طرائق  :  راغبين راهبين و اثنان على بعير و ثلاثة على بعير و أربعة على بعير و عشرة على بعير و يحشر بقيتهم النار لتقيل معهم حيث قالوا و تبيت معهم حيث باتوا و تصبح معهم حيث أصبحوا و تمسي معهم حيث أمسوا  . 

عباد الله سؤال موجه من رب العالمين إلى الناس أجمعين ( أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة )

ألا فلنعد لذلك الموقف العصيب عدته فإن الموقف عظيم جدا لا تكاد العقول أن تدركه واسمع إلى ما أخرجه   مسلم في صحيحه من حديث عائشة t قال r : يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا – قالت عائشة : يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض – قال r الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض.

عباد الله : لقد أنذر المولى جل وعلا يوم الحشر في أكثر من آية كما قال جل وعلا : (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين )

اللهم اجعلنا ممن وفقته فاستعد لما أمامه وممن استغفرك فغفرت له ذنوبه وإجرامه وممن تاب فتبت عليه قبل حصول الندامة .

اللهم وفقنا لهداك واجعل عملنا في رضاك .

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ….

اللهم وفق الآمرين بالمعروف ….

اللهم مكن لهم في الأرض واجعل ولات الأمر عون لهم وحربا على أعداءهم .

اللهم انج المستضعفين …

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين…..

سبحان ربك رب العزة ……

 

 

المشاهدات 1210 | التعليقات 0