خطبة ياقدس لن ننساك ..

حمد بن ابراهيم الحريقي
1444/01/05 - 2022/08/03 08:05AM

الحمدُ للهِ وعدَ المؤمنينَ بالنصرِ والتمكينِ ، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له القويُّ المتين ، وأشهدُ أنمحمداً عبدهُ ورسولهُ , خاتم الأنبياء والمرسلين , صلى الله عليه , وعلى آله الطيبين الطاهرين , وصحابتهالغر الميامين , وسلم تسليماً كثيرا إلى يوم الدين .  أما بعد :

فاتقوا الله عباد الله .. ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) . اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك ..

وتعود النكبةُ والنكسةُ زمنَ التخاذلات ، خلافٌ وجبنٌ وخور وحصار وخلافات .. إنها نكبةُ أرضٍ مباركةٍ بنصِالقرآن ؛ ففيها مسجدٌ إليهِ يُشدُّ الرحالُ , وهو أولى القبلتين , وثالثُ المسجدين ..

مررتُ بالمسجدِ المحزونِ أسألُهُ     هل في المصلى أو المحراب مروانُ

تغيّر المسجدُ المحزون واختلفَت        على المنابر أبرارٌ وعـُدوانُ

فلا الآذانُ آذانٌ في منارتِه                إذا تعــالى ولا الآذان آذانُ

إنه المسجدُ الأقصى : مسرى محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) .

إنه المسجد الأقصى : أم فيه النبي - عليه الصلاة والسلام - بجماعة من الأنبياء ، يقول - عليه الصلاةوالسلام -: " لقد رأيتني في جماعة من الأنبياء , فحانت الصلاة فأممتهم " .

إنه المسجد الأقصى : ثبت ثبوتا قطعيا في السنة أنه أولى القبلتين , فقد حدَّث البراء - رضي الله تعالى عنه- " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبع عشر شهرًا " .

وقد سأل أَبو ذَرٍّ ، قَالَ : قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَرْضِ أَوَّلُ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ . قَالَ : قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمّ أَيُّ ؟ قَالَ : الْمَسْجِدُ الأَقْصَى . قَالَ : قُلْتُ : كَمْ بَيْنَهُمَا ؟ قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثم أَيْنَمَا أَدْرَكْتكَالصَّلاةَ بعدُ فَصَلِّه ، فَإِنَّ الفضل فيه " .

إنه المسجد الأقصى : بني في عهد إبراهيم - عليه السلام - وليس في عهد سليمان - عليه السلام - كمايروّج لذلك ، وسليمان - عليه السلام - إنما كان له شرف إعادة بنائه ، والزيادة عليه وتجديده ، وبين إبراهيموبين سليمان عليهما السلام ألف عام .

إنه المسجد الأقصى : الصلاةُ فيه بخمسمائة صلاة فيما سواه إلا مكة والمدينة ..

أوَ لم أكن مهدَ النبوّاتِ التي *** فتحت نوافذَ حكمةٍ وصوابِ ؟

أَوَلستُ ثالثَ مسجدينِ إليهما *** شدّتْ رِحالُ المسلم الأوّابِ ؟

أوَ لم أكن معراجَ خير مبلّغٍ *** عن ربّه للناس خيرَ كتابِ ؟

إنها فلسطين أرض البركة ؛ إذ تحاط بالبركة ، ألم تقرءوا قول الله ( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَافِيهَا لِلْعَالَمِينَ ) . وقول الله : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّشَيْءٍ عَالِمِينَ ) . وقول الله : ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا) , وقول الله : ( وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ) .

إنها فلسطين الأرض المقدسة بنص القرآن : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىأَدْبَارِكُمْ فَتنقلبوا خاسرين ) .

إنها فلسطينُ من أجلها ذرفتْ عيون ، ولتُرابِها حَنَت القلوبُ ، ومن أجلِهَا شدَّ الرجالُ عزائم الأبطالِ , وأحيوافي نفوسِهم الحماسةَ , وعرفوا معنى الجهاد في سبيل الله ..

نتذكّرُها الآن ونحن نرى مؤامرةً تُحاك ضدّ القدس ممن تآمروا عليه أصلاً منذ ثمانين عاماً .. فهم لميستجيبوا لنداء العقلاء من قادة العالم , وموقف مملكتنا الثابت منذ القدم , بأن فعلهم احتلالٌ للأراضي , وظلمٌ , واغتصاب , منذ المؤسس عبدالعزيز ثم فيصل وجميع قادتنا - رحمهم الله - وها هو وليُّ أمرنا ومليكناخادم الحرمين الشريفين وفقه الله , يؤكّدُ مِراراً , ويوجّهُ النداءَ تكراراً , بأن اقتحامهم للمسجد الأقصى , وتهجير المسلمين من بيوتهم وأراضيهم , هذا ظلمٌ وخطورته كبيرة وفيه تجنيّ على مقدسات المسلمين ولاحول ولا قوة إلا بالله ..

إن تذكّرَ القدسِ واجبٌ ؛ لأنها أرضُ الأنبياءِ والمرسلينَ , ومهَبِطُ رسالَتِهم ووحيهم ؛ فعلى أرضِها عاش إبراهيمُ, وإسحاقُ , ويعقوبُ , ويوسفُ , ولوطٌ , وداوودُ , وسليمانَ , وصالحٌ , وزكريا , ويحيى , وعيسى ـ عليهمالسلام ـ وغيرهم كثير .. فكيف ينساها المسلمون ويفرّطون بها , وهي مرتبطةٌ بهم هكذا ؟! فالوقوفُ معهامسؤوليةُ المسلمين جميعاً ؛ لأنها أرضٌ قدّسها الله , وسكنها كثيرٌ من صحابة رسول الله , وآلافُ الأعلاموالعلماء وانتسبوا إليها , وأضاءوا في سمائها بدوراً للعلم , ولمعوا نجوماً للقيم .

هذه ثوابت علمناها ونبتت مع لحم أجسادنا , ورضعتاها لبنًا مزاجه من دمائنا ..

أقولُ والقلبُ يشـــدو في خمائِله

هذا الجمالُ إلى الفردوسِ يَنتَسِبُ .

هذي فلسطينُ يا من ليسَ يعرفـُها

كأن أحجارَها القدسيةَ الشـــُـــهُبُ .

 


من أجل فلسطينَ أراقَ المجاهدونَ عبر التاريخ دِماءَهم , وبذلوا أرواحَهُم رخيصةً في سبيلِ اللهِ .. وتتابعتالتضحيات وعَظُمَ البَذلُ ؛ وهكذا كان خلفاءُ وملوكٌ عبر التاريخ يرون حماية فلسطين ومسجدها الأقصىسببَ نصرٍ وعزةٍ لهم .. لكن المؤامرةُ ازدادت يوماً بعد يوم , والظلمُ يُعلَنُ باستعمارٍ بغيض يُهيئُ لاحتلالٍ , واغتصابٍ للأرض , وتهجير أهلها , وتدنيس مقدساتها .

 


عباد الله : إن فلسطين ومسجدها الأقصى لا يمكن أن ينساها المسلمون ؛ لأن أحداً فرضَ نفسَهُ عليها , أو أعلنعاصمتَها لدولة بغيضة لليهود .. فهناك تجاربُ عظيمة في الزمن القديم والحديث قامت دفاعاً عنها صغاراًوكباراً , علماء وتجار , ملوك ورؤساء , كلّهم أدركوا وأثبتوا بِدِمَائِهم وجِهَادِهِم ومواقفهم ونداءاتهم أنفلسطينَ أرضٌ للإسلام والمسلمين .. لكن البلاء بخورٍ أصابنا , وخونةٍ فيما بيننا , على رأسهم رافضةيظهرون نداءاتٍ كاذبة لنصرة القدس , وهم يخونونها كما خانوا المسلمين عبر التاريخ بالخفاء , وغيرهم منمُدّعي القومية والشعبية والمتطرفين الغالين بالدين كلُّ هؤلاء جميعاً خذلوا فلسطين ..

لا فيلقُ الرجسِ لا جُرذُ الولي ولا   وهمُ الدعاوى ولا من مزق الوطنا

يُحررُ القدسَ بل أهلُ الرباطِ ومنْ    يرون مسرى رسول الله مرتهنا

 


إن الطرف ليرتدُّ حائراً ويتخلّفُ الركبُ صاغراً .. وإن القلب ليحزن , وإن العين لتدمع , ونحن نرى مصير بيتِالمقدس يتلاعبُ به هؤلاء اليهود في هوانٍ وخذلانٍ عجيب - والله المستعان - .. فلم يستطع وعدٌ ولا نكبةٌ ولاهزائمُ ولا تطبيع , أن يُنسيَنا أن فلسطين نبضُ الأمة الذي لم يَهُن ولن يهون بإذن الله , وإذا كانت لديهموعودهم , فإن لدينا وعدٌ لا يُخلَف من ربٍّ عليمٍ خبيرٍ , كما قال ربنا في سورة الإسراء التي فيها المعراجوالأقصى ( فإذا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) . ثم قال : ( فَإِذَاجَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً ) ؛ أي هكذا جمعهم الله بفلسطين لغاية النصر عليهم بحول الله !! .

 


إن الدماء التي أريقت على أرض فلسطين .. وتلك التضحيات وما نراه من مواقف زعمائنا المناصرين تثبت أنالأمة - بإذن الله - ما عقمت , وأن الخير موجود , فلا يأسَ من وعد الله .. لكننا نحذّر من خلاف ومؤامراتوتطبيع يسوّقُه المتخاذلون , ولقضايانا يُميِّعون , ولليهودِ بأخلاقهم يُشابهون , وصاروا أحنَّ على اليهود منأهلهم وجيرانهم ..

فنسأل الله أن يكفينا شرَّ مؤامراتهم سريعاً , ويوفق قادتنا للخير ونصرةِ قضايانا وحمايةِ مقدساتنا ..

أقول ما تسمعون ...

 


==================+

الخطبة الثانية :

الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .

وبعد : إنها – أيها المسلمون - وقفةٌ مع أهمية أرض فلسطين , وبركتها , ومسجدها الأقصى المبارك , نُذكِّرُ بهاواجباً على أعناقنا جميعاً بدعمها , وإغاثة أهلها , وحماية قدسها , وترك التلاوم والتخاذل عنها ؛ فالمأساةُأليمةٌ , والخطبُ جسيمٌ , وما يحدثُ مسؤوليةٌ على كلِّ من رآه أو علمَ به .. ننكره بألسنتنا وعقولنا وقلوبنا , ونغرسُ في أفئدتنا وأولادنا أن هذه الأرض لا يمكن أن ننساها فهي منا ونحن منها .. والتخاذلُ عنها سببٌللعقوبة , ونصرتها أملٌ وبطولة ..

وإن هذه الأمة بتاريخها لا تنتصر بعُدة ولا بعدد ، وإنما انتصرت على الأعداء بقوة الإيمان , وهذا ما لايعلمه الصهاينة العرب .

إن نصر الله قادم رغم كل مؤتمر سلام , ودعوات حاخام , وعهود إجرام ، نصره قادم وإن تداعت الأمم على هذهالأمة من يهود ونصارى وعبدة النار .

وستأتي على الأمة أزمنة نصرها , وزمان يتحقق فيه موعود حديث : " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ،فيقول الشجر والحجر يا مسلم يا عبد الله : هذا يهودي خلفي تعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ".

ولكن وقبل ذلك لقد أعطانا الله سلاحاً عظيما , لا يمكن صدّه ولا ردّه , وهو الدعاء الذي نملكه فلا تبخلوا بهوقدّموه بصدقٍ ورجاء , وليس من عذرٍ لأحد منا اليوم يرى مقدساته تنتهك , وأعداءَ تكالبوا , ويهوداً تسلطوا, ثم لا يرفع يديه بالدعاء ويتعاطف بقلبه والرجاء .. ويتأثر للمصاب وهو يسمع النداء ..

 

يارَبِّ أنتَ جَعلتهمْ  قدَرَاً لنا     حاش اعترَاضَ عَلى قضَائكَ والقدَرْ

لكننا نرْجُوكَ نَصْرَاً عَاجلاً      يَشفي الصُّدُورَ وأنتَ أعْظمُ مَنْ نَصَرْ

والطُفْ بأبناءِ الرِّبَاط وَكُنْ لهُمْ     عَوْناً عَلى طُغيَان أفجَرِ مَنْ فَجَرْ

 


اللهم منزل الكتاب .. ومجري السحاب .. وهازم الأحزاب .. اهزم اليهود وكلَّ من ناصرهم , أو وقف معهم , أووعدَهم وأعطاهم .. اللهم مزق دولتهم , وشتت شملهم , وزلزل أقدامهم , وألق الرعب في قلوبهم , وطهّرالمسجد الأقصى من دنسهم ورجسهم .. وخالف بين كلمتهم , واجعل بأسهم بينهم شديداً , واجعل تدبيرهمتدميراً عليهم .

اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا , وقلة حيلتنا , وهواننا على الناس .. أنت ربُّ المستضعفين فأرنا عجائبنصرك وقوتك وقدرتك على هؤلاء الظالمين .. واكفنا شر من يتآمرون على المسلمين من خونةٍ ومنافقين .. واحمهذه البلاد وحدودها وجنودها وولاة امرها وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .. وكن لأهل فلسطين ناصراًومعيناً , ومؤيداً وظهيراً , هذا وصلوا

المشاهدات 338 | التعليقات 0