خطبة : ( ويتفكرون في خلق السماوات والأرض )
عبدالله البصري
1434/06/29 - 2013/05/09 20:28PM
ويتفكرون في خلق السماوات والأرض 30 / 6 / 1434
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " وَمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعقِلُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، في الأَيَّامِ الَّتي تَعقُبُ نُزُولَ الغَيثِ وَتَتَابُعِ هُطُولِ المَطَرِ ، وَخَاصَّةً عِندَ اعتِدَالِ الجَوِّ وَتَوَسُّطِ الحَرَارَةِ ، يَحلُو لِلنَّاسِ السَّيرُ في الأَرضِ وَالانتِشَارُ في الأَرجَاءِ ، فَيَمشُونَ في مَنَاكِبِهَا فَرِحِينَ مُستَبشِرِينَ ، يَنظُرُونَ إِلى آثَارِ رَحمَةِ اللهِ وَيُمَتِّعُونَ أَبصَارَهُم بما يَرَونَ مِن فَضلِهِ ، وَيُرِيحُونَ أَنفُسَهُم بما نَالُوهُ مِن خِصبٍ بَعدَ الجَدبِ وَرَخَاءٍ بَعدَ الشِّدَّةِ . غَيرَ أَنَّ لِلعُقَلاءِ هُنَالِكَ شَأنًا آخَرَ غَيرَ التَّمشِيَةِ وَالتَّسلِيَةِ ، فَهُم يَسِيرُون في الأَرضِ لِيَنظُرُوا وَيَتَفَكَّرُوا ، وَيَتَأَمَّلُونَ مَا حَولَهُم لِيَعتَبِرُوا وَيَتَذَكَّرُوا ، مُمتَثِلِينَ أَمرَ رَبِّهِم حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ سِيرُوا في الأَرضِ فَانظُرُوا كَيفَ بَدَأَ الخَلقَ ثُمَّ اللهُ يُنشِئُ النَّشأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ "
لَقَد نَدَبَ اللهُ ـ تَعَالى ـ عِبَادَهُ إِلى السَّيرِ في الأَرضِ وَالتَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ ، وَحَثَّهُم عَلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالاعتِبَارِ ، تَارَةً بِالأَمرِ بِذَلِكَ ، وَتَارَةً بِالتَّنبِيهِ عَلَى فَضلِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهلِهِ ، وَتَارَةً بِتَوَعُّدِ الغَافِلِينَ الَّذِينَ لا يَتَفَكَّرُونَ وَلا يُعمِلُونَ عُقُولَهُم فِيمَا يَرَونَ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالفُلكِ الَّتي تَجرِي في البَحرِ بما يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَاءٍ فَأَحيَا بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ شَأنُهُ ـ : " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمرِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ . وَمَا ذَرَأَ لَكُم في الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوَانُهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرُونَ . وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجُوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . وَأَلقَى في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم وَأَنهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ . وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدُونَ . أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لَا يَخلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنَا مِنهُ خَضِرًا نُخرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِهَا قِنوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِن أَعنَابٍ وَالزَّيتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشتَبِهًا وَغَيرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ في ذَلِكُم لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَفَلَم يَنظُرُوا إِلى السَّمَاءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ . وَالأَرضَ مَدَدنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ . تَبصِرَةً وَذِكرَى لِكُلِّ عَبدٍ مُنِيبٍ . وَنَزَّلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنبَتنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ . وَالنَّخلَ بَاسِقَاتٍ لها طَلعٌ نَضِيدٌ . رِزقًا لِلعِبَادِ وَأَحيَينَا بِهِ بَلدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت . وَإِلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَت . وَإِلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت . وَإِلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت "
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ رَبَّنَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ يُرشِدُنَا إِلى النَّظَرِ في بَدِيعِ آيَاتِهِ ، وَيَحُثُّنَا عَلَى التَّفَكُّرِ في عَظِيمِ مَخلُوقَاتِهِ ، إِلى العَالَمِ العُلوِيِّ في بِنَاءِ سَمَائِهِ وَالتِئَامِهَا ، وَارتِفَاعِ سَمكِهَا وَكَيفَ سَوَّاهَا ، وَإِلى حُسنِ نُجُومِهَا وَدِقَّةِ سَيرِ كَوَاكِبِهَا وَأَفلاكِهَا ، وَظُلمَةِ لَيلِهَا وَنُورِ نَهَارِهَا ، وَإِلى العَالَمِ السُّفلِيِّ في بَسطِ أَرضِهِ وَمَدِّهَا وَتَذلِيلِهَا ، وَتَثبِيتِهَا بِالجِبَالِ الرَّوَاسِي ، ثم النَّظَرِ في تَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ ، وَإِنزَالِ المَاءِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَإِحيَاءِ الأَرضِ بِهِ بَعدَ مَوتِهَا ، ومَا يَنبُتُ فِيهَا مِن كُلِّ صَنفٍ حَسَنٍ بَهِيجٍ ، مُختَلِفِ الأَشكَالِ وَالأَلوَانِ وَالصِّفَاتِ وَالمَقَادِيرِ ، وَكَيفَ أَنَّه جَعَلَ ذَلِكَ تَبصِرَةً وتَذكِرَةً بما أَخبَرَت بِهِ الرُّسُلُ مِنَ التَّوحِيدِ وَالمَعَادِ ، وَقُدرَةِ اللهِ عَلَى البَعثِ وَالنُّشُورُ . فَالنَّاظِرُ يَتَبَصَّرُ أَوَّلاً ثم يَتَذَكَّرُ ، وَيَتَفَكَّرُ ثم يَعتَبِرُ ، وَيَتَأَمَّلُ ثم يَعمَلُ ، غَيرَ أَنَّ هَذَا لا يَحصُلُ إِلاَّ لِكُلِّ عَبدٍ مُنِيبٍ إِلى اللهِ ، مُتَّجِهٍ بِقَلبِهِ وَعَقلِهِ وَكُلِّ جَوَارِحِهِ إِلى مَولاهُ ، مُتَفَكِّرٍ في رِزقِهِ وَقُوتِهِ وُمَلبَسِهِ وَمَركَبِهِ ، وَمَا حَولَهُ مِن جَنَّاتٍ مُختَلِفَةِ الثَّمَارِ وَحَيَوَانَاتٍ مُتَنَوِّعَةِ الأَجنَاسِ ، عَالِمٍ بِيَقِينٍ أَنَّهُ لا قُدرَةَ لَهُ عَلَى خَلقِهَا وَلا جَلبِهَا ، وَأَنَّ ذَلِكَ للهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، القَائِلِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ أَرَأَيتُم إِن أَصبَحَ مَاؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتِيكُم بِمَاءٍ مَعِينٍ "
وَالقَائِلِ ـ تَعَالى ـ : " قُلِ الحَمدُ للهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطَفَى آللهُ خَيرٌ أَمَّا يُشرِكُونَ . أَمَّن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهجَةٍ مَا كَانَ لَكُم أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلُونَ . أَمَّن جَعَلَ الأَرضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَل أَكثَرُهُم لَا يَعلَمُونَ . أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّن يَهدِيكُم في ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ وَمَن يُرسِلُ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ "
وَقَالَ ـ عَزَّ شَأنُهُ ـ : " إِنَّ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَاختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الأَلبَابِ . الَّذِينَ يَذكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلاً سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُم مِنهُ شَرَابٌ وَمِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ . يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرعَ وَالزَّيتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمرِهِ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ . وَمَا ذَرَأَ لَكُم في الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوَانُهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرُونَ . وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلُوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجُوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبتَغُوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرُونَ . وَأَلقَى في الأَرضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم وَأَنهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدُونَ . وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدُونَ . أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لَا يَخلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . وَإِن تَعُدُّوا نِعمَةَ اللهِ لا تُحصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ "
وَقَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخرَجنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيءٍ فَأَخرَجنَا مِنهُ خَضِرًا نُخرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِهَا قِنوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِن أَعنَابٍ وَالزَّيتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشتَبِهًا وَغَيرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ في ذَلِكُم لآيَاتٍ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ "
وَقَالَ ـ تَعَالى ـ : " أَفَلَم يَنظُرُوا إِلى السَّمَاءِ فَوقَهُم كَيفَ بَنَينَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ . وَالأَرضَ مَدَدنَاهَا وَأَلقَينَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوجٍ بَهِيجٍ . تَبصِرَةً وَذِكرَى لِكُلِّ عَبدٍ مُنِيبٍ . وَنَزَّلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنبَتنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ . وَالنَّخلَ بَاسِقَاتٍ لها طَلعٌ نَضِيدٌ . رِزقًا لِلعِبَادِ وَأَحيَينَا بِهِ بَلدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ " وَقَالَ ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيفَ خُلِقَت . وَإِلى السَّمَاءِ كَيفَ رُفِعَت . وَإِلى الجِبَالِ كَيفَ نُصِبَت . وَإِلى الأَرضِ كَيفَ سُطِحَت "
أَجَلْ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ رَبَّنَا ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ يُرشِدُنَا إِلى النَّظَرِ في بَدِيعِ آيَاتِهِ ، وَيَحُثُّنَا عَلَى التَّفَكُّرِ في عَظِيمِ مَخلُوقَاتِهِ ، إِلى العَالَمِ العُلوِيِّ في بِنَاءِ سَمَائِهِ وَالتِئَامِهَا ، وَارتِفَاعِ سَمكِهَا وَكَيفَ سَوَّاهَا ، وَإِلى حُسنِ نُجُومِهَا وَدِقَّةِ سَيرِ كَوَاكِبِهَا وَأَفلاكِهَا ، وَظُلمَةِ لَيلِهَا وَنُورِ نَهَارِهَا ، وَإِلى العَالَمِ السُّفلِيِّ في بَسطِ أَرضِهِ وَمَدِّهَا وَتَذلِيلِهَا ، وَتَثبِيتِهَا بِالجِبَالِ الرَّوَاسِي ، ثم النَّظَرِ في تَصرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ ، وَإِنزَالِ المَاءِ مِنَ السَّمَاءِ ، وَإِحيَاءِ الأَرضِ بِهِ بَعدَ مَوتِهَا ، ومَا يَنبُتُ فِيهَا مِن كُلِّ صَنفٍ حَسَنٍ بَهِيجٍ ، مُختَلِفِ الأَشكَالِ وَالأَلوَانِ وَالصِّفَاتِ وَالمَقَادِيرِ ، وَكَيفَ أَنَّه جَعَلَ ذَلِكَ تَبصِرَةً وتَذكِرَةً بما أَخبَرَت بِهِ الرُّسُلُ مِنَ التَّوحِيدِ وَالمَعَادِ ، وَقُدرَةِ اللهِ عَلَى البَعثِ وَالنُّشُورُ . فَالنَّاظِرُ يَتَبَصَّرُ أَوَّلاً ثم يَتَذَكَّرُ ، وَيَتَفَكَّرُ ثم يَعتَبِرُ ، وَيَتَأَمَّلُ ثم يَعمَلُ ، غَيرَ أَنَّ هَذَا لا يَحصُلُ إِلاَّ لِكُلِّ عَبدٍ مُنِيبٍ إِلى اللهِ ، مُتَّجِهٍ بِقَلبِهِ وَعَقلِهِ وَكُلِّ جَوَارِحِهِ إِلى مَولاهُ ، مُتَفَكِّرٍ في رِزقِهِ وَقُوتِهِ وُمَلبَسِهِ وَمَركَبِهِ ، وَمَا حَولَهُ مِن جَنَّاتٍ مُختَلِفَةِ الثَّمَارِ وَحَيَوَانَاتٍ مُتَنَوِّعَةِ الأَجنَاسِ ، عَالِمٍ بِيَقِينٍ أَنَّهُ لا قُدرَةَ لَهُ عَلَى خَلقِهَا وَلا جَلبِهَا ، وَأَنَّ ذَلِكَ للهِ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، القَائِلِ ـ سُبحَانَهُ ـ : " قُلْ أَرَأَيتُم إِن أَصبَحَ مَاؤُكُم غَورًا فَمَن يَأتِيكُم بِمَاءٍ مَعِينٍ "
وَالقَائِلِ ـ تَعَالى ـ : " قُلِ الحَمدُ للهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصطَفَى آللهُ خَيرٌ أَمَّا يُشرِكُونَ . أَمَّن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهجَةٍ مَا كَانَ لَكُم أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَل هُم قَومٌ يَعدِلُونَ . أَمَّن جَعَلَ الأَرضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَينَ البَحرَينِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَل أَكثَرُهُم لَا يَعلَمُونَ . أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاءَ الأَرضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّن يَهدِيكُم في ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالبَحرِ وَمَن يُرسِلُ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشرِكُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ للهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ في الكَونِ مَخلُوقَاتٍ بَدِيعَةً ، وَآيَاتٍ مَشهُودَةً وَأُخرَى مَسمُوعَةً ، سَمَاءٌ ذَاتُ أَبرَاجٍ ، وَأَرَضٌ ذَاتُ فِجَاجٌ ، وَلَيلٌ دَاجٍ وَنَهَارٌ مُنبَاجٌ ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَموَاجٍ ، وَمَطَرٌ وَنَبَاتٌ وَأَرزَاقٌ وَأَقوَاتٌ ، وَأَعظَمُ مِن ذَلِكَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ ، لَو أُنزِلَت عَلَى جَبَلٍ لَرُئِيَ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا ، وَكُلُّ هَذِهِ المَخلُوقَاتِ وَالآيَاتِ البَيِّنَاتِ ، دَالَّةٌ عَلَى وُجُودِ اللهِ وَمُحِيطِ عِلمِهِ وَتَامِّ قُدرَتِهِ ، وَنَافِذِ مَشِيئَتِهِ وَبَالِغِ حِكمَتِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " سَنُرِيهِم آيَاتِنَا في الآفَاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَفَكَّرُوا في مَخلُوقَاتِهِ وَآيَاتِهِ ، وَتَأَمَّلُوا دَلائِلَ عَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ ، وَشَوَاهِدَ وَحدَانِيَّتِهِ وَقُدرَتِهِ ، وَلا تَكُونُوا مِنَ الغَافِلِينَ " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعلَمُونَ . إِنَّ في اختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَّقُونَ . إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَاطمَأَنُّوا بها وَالَّذِينَ هُم عَن آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأوَاهُمُ النَّارُ بما كَانُوا يَكسِبُونَ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ يَهدِيهِم رَبُّهُم بِإِيمَانِهِم تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . دَعوَاهُم فِيهَا سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعوَاهُم أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ "
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَتَفَكَّرُوا في مَخلُوقَاتِهِ وَآيَاتِهِ ، وَتَأَمَّلُوا دَلائِلَ عَظَمَتِهِ وَقُدرَتِهِ ، وَشَوَاهِدَ وَحدَانِيَّتِهِ وَقُدرَتِهِ ، وَلا تَكُونُوا مِنَ الغَافِلِينَ " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعلَمُونَ . إِنَّ في اختِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَّقُونَ . إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالحَيَاةِ الدُّنيَا وَاطمَأَنُّوا بها وَالَّذِينَ هُم عَن آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُولَئِكَ مَأوَاهُمُ النَّارُ بما كَانُوا يَكسِبُونَ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحَاتِ يَهدِيهِم رَبُّهُم بِإِيمَانِهِم تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ . دَعوَاهُم فِيهَا سُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُم فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعوَاهُم أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ "
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ وَأَطِيعُوهُ وَاشكُرُوهُ ، وَتُوبُوا إِلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ " وَللهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ وَلَقَد وَصَّينَا الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَإِيَّاكُم أَنِ اتَّقُوا اللهَ وَإِن تَكفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الأَرضِ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا "
أَيُّهَا السَّائِرُ في الأَرضِ وَالمَاشِي في مَنَاكِبِهَا ، إِذَا أَعجَبَكَ حُسنُ الرَّبِيعِ وَنُضرَتُهُ ، وَاستَهوَاكَ نَبَاتُهُ وَشَدَّتكَ خُضرَتُهُ ، وَشَمِمتَ نَفحَ أَزهَارِهِ وَنَشِقتَ شَذَاهَا ، فَفَكِّرْ فِيهِ بَعدَ شُهُورٍ كَيفَ يَصِيرُ ؟!
وَتَأَمَّلْ كَيفَ يَضمَحِلُّ بَعدَ قَلِيلٍ وَيَتَلاشَى ، وَيَتَحَوَّلُ إِلى هَشِيمٍ تَذرُوهُ الرِّيَاحُ ؟!
بَل إِذَا مَرَرتَ في مَسِيرِكَ بِحَائِطٍ فِيهِ أَعجَازُ نَخلٍ خَاوِيَةٍ ، وَبِئرٌ مُعَطَّلَةٌ وَقَصرٌ مَشِيدٌ ، فَتَذَكَّرْ مَن عَاشُوا هُنَالِكَ في خَالي الأَيَّامِ وَمَاضِي السِّنِينَ ، وَتَأَمَّلْ كَم بَذَلُوا في غَرسِ حَوَائِطِهِم وَالاعتِنَاءِ بها !
كَم سَقَوهَا وَرَوَّوهَا وَتَعِبُوا في حِفظِهَا !
كَم تَحَدَّثُوا عَنهَا مَسرُورِينَ وَفَاخَرُوا بها مُكَاثِرِينَ !
ثم هِيَ الآنَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، أَعجَازٌ لا رُؤُوسَ لَهَا وَلا خُضرَةَ وَلا ثَمَرَ ، وَأَطلالٌ دَارِسَاتٌ وَدِيَارٌ مُوحِشَاتٌ ، وَآبَارٌ غَائِرَاتٌ وَمَنَازِلُ مُقفِرَاتٌ ، كَأَن لم يَكُن بها أَنِيسٌ ولا جَلِيسٌ ، تَصَرَّمَت وَانتَهَت ، وَمَضَت وَانقَضَت ، وَهَكَذَا هِيَ حَيَاتُكَ الَّتي رُبَّمَا اغتَرَرتَ بها وَأُعجِبتَ فِيهَا بِقُوَّةٍ أَو فتوَّةٍ ، أَو رَفَعتَ رَأسَكَ مُتَكَبِّرًا ، أَو تَجَاوَزتَ فِيهَا الحُدُودَ مَزهُوًّا ، وَكَأَنَّكَ لم تَعلَمْ أَنَّهَا مَوسِمُ رَبِيعٍ قَلِيلٌ مُكثُهُ سَرِيعٌ جَفَافُهُ ! وَكَأَنَّكَ لم تَقرَأْ قَولَ رَبِّكَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلاً أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لم تَغنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ "
وَقَولَه ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاضرِبْ لَهُم مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ فَأَصبَحَ هَشِيمًا تَذرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُقتَدِرًا "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنيَا تُبهِجُ وَتُسَرُّ وَقَد تَغُرُّ ، لَكِنَّ العَاقِلَ يَعرِفُ أَنَّهُ لا مُنتَهَى لأَمَلٍ دُونَ الجَنَّةُ ، وَلا خُلُودَ إِلاَّ بِجِوَارِ الرَّحمَنِ فِيهَا ، فَيَزهَدُ في الدُّنيَا وَإِن تَزَيَّنَت ، وَيَجعَلُهَا وَرَاءَ ظَهرِهِ وَإِن تَجَمَّلَت ، أَو يَتَّخِذُهَا مَطِيَّةً إِلى آخِرَتِهِ وَبَلاغًا في سَفَرِهِ ، وَأَمَّا المَغرُورُ المَخمُورُ ، فَإِنَّهُ يَلعَبُ وَيَلهُو وَيَرتَعُ وَيَتَمَتَّعُ ، فَلا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد يَبِسَ عُودُهُ وَجَفَّ جَسَدُهُ ، وَذَهَبَ صَفَاؤُهُ وَزَالَ بَهَاؤُهُ ، فَيَندَمُ حِينَ لا يَنفَعُ النَّدَمُ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أيها المُؤمِنُونَ ـ وَاعمَلُوا لِدَارِ الخُلُودِ وَالبَقَاءِ ، وَلا تَغُرَّنَّكُم دَارُ الغُرُورِ وَالفَنَاءِ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلَّا مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
وَتَأَمَّلْ كَيفَ يَضمَحِلُّ بَعدَ قَلِيلٍ وَيَتَلاشَى ، وَيَتَحَوَّلُ إِلى هَشِيمٍ تَذرُوهُ الرِّيَاحُ ؟!
بَل إِذَا مَرَرتَ في مَسِيرِكَ بِحَائِطٍ فِيهِ أَعجَازُ نَخلٍ خَاوِيَةٍ ، وَبِئرٌ مُعَطَّلَةٌ وَقَصرٌ مَشِيدٌ ، فَتَذَكَّرْ مَن عَاشُوا هُنَالِكَ في خَالي الأَيَّامِ وَمَاضِي السِّنِينَ ، وَتَأَمَّلْ كَم بَذَلُوا في غَرسِ حَوَائِطِهِم وَالاعتِنَاءِ بها !
كَم سَقَوهَا وَرَوَّوهَا وَتَعِبُوا في حِفظِهَا !
كَم تَحَدَّثُوا عَنهَا مَسرُورِينَ وَفَاخَرُوا بها مُكَاثِرِينَ !
ثم هِيَ الآنَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ، أَعجَازٌ لا رُؤُوسَ لَهَا وَلا خُضرَةَ وَلا ثَمَرَ ، وَأَطلالٌ دَارِسَاتٌ وَدِيَارٌ مُوحِشَاتٌ ، وَآبَارٌ غَائِرَاتٌ وَمَنَازِلُ مُقفِرَاتٌ ، كَأَن لم يَكُن بها أَنِيسٌ ولا جَلِيسٌ ، تَصَرَّمَت وَانتَهَت ، وَمَضَت وَانقَضَت ، وَهَكَذَا هِيَ حَيَاتُكَ الَّتي رُبَّمَا اغتَرَرتَ بها وَأُعجِبتَ فِيهَا بِقُوَّةٍ أَو فتوَّةٍ ، أَو رَفَعتَ رَأسَكَ مُتَكَبِّرًا ، أَو تَجَاوَزتَ فِيهَا الحُدُودَ مَزهُوًّا ، وَكَأَنَّكَ لم تَعلَمْ أَنَّهَا مَوسِمُ رَبِيعٍ قَلِيلٌ مُكثُهُ سَرِيعٌ جَفَافُهُ ! وَكَأَنَّكَ لم تَقرَأْ قَولَ رَبِّكَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ مِمَّا يَأكُلُ النَّاسُ وَالأَنعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرضُ زُخرُفَهَا وَازَّيَّنَت وَظَنَّ أَهلُهَا أَنَّهُم قَادِرُونَ عَلَيهَا أَتَاهَا أَمرُنَا لَيلاً أَو نَهَارًا فَجَعَلنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لم تَغنَ بِالأَمسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ "
وَقَولَه ـ جَلَّ وَعَلا ـ : " وَاضرِبْ لَهُم مَثَلَ الحَيَاةِ الدُّنيَا كَمَاءٍ أَنزَلنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرضِ فَأَصبَحَ هَشِيمًا تَذرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ مُقتَدِرًا "
نَعَم ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنيَا تُبهِجُ وَتُسَرُّ وَقَد تَغُرُّ ، لَكِنَّ العَاقِلَ يَعرِفُ أَنَّهُ لا مُنتَهَى لأَمَلٍ دُونَ الجَنَّةُ ، وَلا خُلُودَ إِلاَّ بِجِوَارِ الرَّحمَنِ فِيهَا ، فَيَزهَدُ في الدُّنيَا وَإِن تَزَيَّنَت ، وَيَجعَلُهَا وَرَاءَ ظَهرِهِ وَإِن تَجَمَّلَت ، أَو يَتَّخِذُهَا مَطِيَّةً إِلى آخِرَتِهِ وَبَلاغًا في سَفَرِهِ ، وَأَمَّا المَغرُورُ المَخمُورُ ، فَإِنَّهُ يَلعَبُ وَيَلهُو وَيَرتَعُ وَيَتَمَتَّعُ ، فَلا يَشعُرُ إِلاَّ وَقَد يَبِسَ عُودُهُ وَجَفَّ جَسَدُهُ ، وَذَهَبَ صَفَاؤُهُ وَزَالَ بَهَاؤُهُ ، فَيَندَمُ حِينَ لا يَنفَعُ النَّدَمُ ، أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أيها المُؤمِنُونَ ـ وَاعمَلُوا لِدَارِ الخُلُودِ وَالبَقَاءِ ، وَلا تَغُرَّنَّكُم دَارُ الغُرُورِ وَالفَنَاءِ " يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ . مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجزَى إِلَّا مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدخُلُونَ الجَنَّةَ يُرزَقُونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ "
المشاهدات 4346 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله كل خير
عبدالله البصري
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/ويتفكرون%20في%20خلق%20السماوات%20والأرض.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/ويتفكرون%20في%20خلق%20السماوات%20والأرض.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/ويتفكرون%20في%20خلق%20السماوات%20والأرض.pdf
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/5/0/ويتفكرون%20في%20خلق%20السماوات%20والأرض.pdf
تعديل التعليق