خطبة : ( وهل يستلذ العيش إلا المسامح ؟ )
عبدالله البصري
الخطبة الأولى :
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، الاختِلافُ بَينَ النَّاسِ أَمرٌ طَبِيعِيٌّ ، بَل هُوَ عَلَيهِم قَدَرٌ حَتمِيٌّ " وَلَو شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُختَلِفِينَ . إِلاَّ مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم "
إِنَّهَا سُنَّةٌ إِلَهِيَّةٌ مَاضِيَةٌ ، لا يَستَطِيعُ أَحَدٌ تَغيِيرَهَا وَلا يُطِيقُ لها تَبدِيلاً ، وَلا يُمكِنُ امرَأً الوُقُوفُ أَمَامَهَا أو صَدُّهَا ، وَلَكِنَّ المُستَطَاعَ وَالمَقدُورَ عَلَيهِ حِيَالَهَا ، أَن يُعرَفَ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ لِلخُرُوجِ مِن أَيِّ خِلافٍ دُونَ تَضَادٍّ أَو مُوَاجَهَةٍ ، وَأَن يُجتَنَبَ الخِصَامُ الَّذِي يُورِثُ عَدَاوَةً ظَاهِرَةً أَو يَزرَعُ إِحنَةً بَاطِنَةً .
غَيرَ أَنَّ ثَمَّةَ خِلافَاتٍ قَد لا يُتَوَصَّلُ فِيهَا إِلى رَأيٍ وَسَطٍ ، بَل يَأخُذُ بَالجَانِبَينِ فِيهَا العُسرُ وَالشَّطَطُ ، وَقَد يَحتَدِمُ النِّقَاشُ وَيَرتَفِعُ اللَّغَطُ ، فَيُشَرِّقُ هَذَا وَيُغَرِّبُ ذَاكَ ، وَتَتَّسِعُ الفَجوَةُ وَتَتَّصِلُ الجَفوَةُ ، فَيَحتَاجُ الدَّاءُ إِلى دَوَاءٍ ، وَتَفتَقِرُ المُشكِلَةُ إِلى حَلٍّ .
وَإِنَّهُ لا عِلاجَ في مِثلِ هَذِهِ المَوَاقِفِ أَنجَعُ وَلا أَنجَحُ ، مِن عِلاجٍ تَملِكُهُ نُفُوسٌ آمَنَت بِاللهِ وَابتَغَت مَا عِندَهُ ، وَتَقبَلُهُ قُلُوبٌ امتَلأَت بِمَحَبَّةِ الخَيرِ لِلنَّاسِ ، وَتَتَّسِعُ بِهِ صُدُورُ قَومٍ مُؤمِنِينَ ، إِنَّهُ التَّسَامُحُ ، نَعَم ، إِنَّهُ التَّسَامُحُ وَالعَفوُ ، وَنِسيَانُ مَا تَقَدَّمَ وَمَضَى ، وَالتَّنَازُلُ عَمَّا لِلنَّفسِ مِن حَقٍّ عِندَ الآخَرِينَ ، لا عَن ضَعفٍ أَو خَوَرٍ ، وَلا بِدَافِعٍ مِن خَوفٍ أَو جُبنٍ ، وَلَكِنْ رَغبَةً خَالِصَةً فِيمَا عِندَ اللهِ ، وَإِيثَارًا صَادِقًا لِلآخِرَةِ عَلَى الدُّنيَا ، وَتَفضِيلاً لِمَا يَبقَى وَيَدُومُ عَلَى مَا يَفنى ويَزُولُ .
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، التَّسَامُحُ كَلِمَةٌ حُلوَةٌ عَلَى الأَلسِنَةِ ، مُحَبَّبَةٌ إِلى النُّفُوسِ المُؤمِنَةِ ، وَلَكِنَّهَا كَغَيرِهَا مِن مَعَالي الأُمُورِ وَمَحَاسِنِ الأَخلاقِ ، لا تَأتي في أَوَّلِ الأَمرِ بِسُهُولَةٍ تَامَّةٍ ، وَلا تَنقَادُ لِمَن طَلَبَهَا بِرَاحَةِ بَالٍ ، بَل لا بُدَّ عِندَ الإِقدَامِ عَلَيهَا مِن مُجَاهَدَةٍ لِلنَّفسِ وَتَجَرُّعِ شَيءٍ مِنَ الأَلَمِ ؛ ذَلِكُم أَنَّ في التَّسَامُحِ شَيئًا مِنَ التَّنَازُلِ وَالهَضمِ لِلنَّفسِ ، لَكِنَّهُ في النِّهَايَةِ يُمَثِّلُ قِمَّةَ الشَّجَاعَةِ وَغَايَةَ الإِقدَامِ ، الَّتي لا يُوَفَّقُ إِلَيهَا إِلاَّ ذَوُو العُقُولِ الكَبِيرَةِ ، وَلا يُعَانُ عَلَيهَا إِلاَّ أَهلُ البَصَائِرِ المُستَنِيرَةِ ، وَلا يَعرِفُ قِيمَتَهَا إِلاَّ أَصحَابُ القُلُوبِ النَّدِيَّةِ وَالنُّفُوسِ الرَّضِيَّةِ ، الَّذِينَ يَستَشرِفُونَ أَن يَعِيشُوا حَيَاتَهُم مَعَ مَن حَولَهُم بِارتِيَاحٍ وَطُمَأنِينَةٍ ، دُونَ أَن يَستَبِدَّ بِهِم هَاجِسُ الكَرَاهِيَةِ ، أَو يُقِضَّ مَضَاجِعَهُم قَلَقُ الانتِقَامِ ، أَو تَضَعَ مَكَانَتَهُم نَشوَةُ الانتِصَارِ !!
وَصَدَقَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ حَيثُ قَالَ : " لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مَن سَامَحَ النَّاسَ طَابَ عَيشُهُ وَاتَّسَعَ صَدرُهُ ، وَصفَا قَلبُهُ وَزَكَت نَفسُهُ ، وَاجتَمَعَت عَلَى الخَيرِ هِمَّتُهُ ، وَخَلُصَت لِمَا يَنفَعُهُ قُوَّتُهُ ، وَتَفَرَّغَ لِطَاعَةِ رَبِّهِ وَاستَعَدَّ لآخِرَتِهِ ، وَأَفلَحَ بِوَعدِ رَبِّهِ لَهُ حَيثُ قَالَ : " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ " وَمَنِ اتَّصَفَ بِالشُّحِّ وَاحتَمَلَ الحِقدَ ، تَنَغَّصَت عَلَيهِ حَيَاتُهُ ، وَضَاقَ بَالَهَمِّ صَدرُهُ ، وَتَفَرَّقَت رُوحُهُ شَذَرَ مَذَرَ ، وَلم يَقدِرْ مِنَ الطَّاعَةِ عَلَى شَيءٍ يَنفَعُهُ ، وَلم يَستَلِذَّ بِِطَاعَةٍ وَلم يَجِدْ أَثَرًا لِقُربَةٍ .
إِذَا ضَاقَ صَدرُ المَرءِ لم يَصفُ عَيشُهُ . . . وَمَا يَستَطِيبُ العَيشَ إِلاَّ المُسامِحُ
وَلَو تَتَبَّعَ المَرءُ زَلاَّتِ النَّاسِ وَطَلَبَ هَفَوَاتِهِم ، وَحَاسَبَهُم عَلَى سَقَطَاتِهِم وَلم يُقِلْ عَثَرَاتِهِم ، لَمَا بَقِيَ لَهُ مُصَافٍ وَلا استَقَامَ لَهُ صَاحِبٌ ، فَمَن ذَا الَّذِي لم يُبلَ بِزَلَّةِ أَخٍ أَو خَطَأِ صَدِيقٍ ، أَو تَمَرُّدِ زَوجَةٍ أَو عِصيَانِ وَلَدٍ ، أَو جَفوَةِ صَاحِبٍ أَو هَفوَةٍ زَمِيلٍ ؟!
وَمَن لا يُغَمِّضْ عَينَهُ عَن صَدِيقِهِ . . . وَعَن بَعضِ مَا فِيهِ يَمُتْ وَهوَ عَاتِبُ
وَمَن يَتَتَبَّعْ جَاهِدًا كُلَّ عَثرَةٍ . . . يَجِدْهَا وَلا يَسلَمْ لَهُ الدَّهرَ صَاحِبُ
وَشَرُّ النَّاسِ مَن لا يُقِيلُ عَثرَةً وَلا يَقبَلُ عُذرًا , وَلا يَغفِرُ ذَنبًا وَلا يَستُرُ عَيبًا ، وَشَرٌّ مِنهُ مَن لا يُرجَى خَيرُهُ وَلا يُؤمَنُ شَرُّهُ .
وَأَشَدُّ مِنهُ شَرًّا مَن يُبغِضُ النَّاسَ وَيُبغِضُونَهُ ، وَفي الحَدِيثِ : " المُؤمِنُ يَألَفُ وَيُؤلَفُ ، وَلا خَيرَ فِيمَن لا يَألَفُ وَلا يُؤلَفُ ، وَخَيرُ النَّاسِ أَنفَعُهُم لِلنَّاسِ "
وَأَمَّا شَرُّ النَّاسِ في هَذَا الشَّأنِ ، فَمَن لم يَجِدْ أَخُوهُ في جَانِبِهِ سَعَةً فَيَستَسمِحَهُ ، وَلا مِنهُ إِقبَالاً فَيَستَقِيلَهُ عَثرَتَهُ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِندَ اللهِ مَنزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ " وَفي رِوَايَةٍ : " اتِّقَاءَ فُحشِهِ "
أَلا فَمَا أَجمَلَهُ بِالمَرءِ أَن يَكُونَ كَبِيرًا في عَقلِهِ ، سَيِّدًا في مُجتَمَعِهِ ، يَحتَمِلُ الأَذَى وَيَصبِرُ عَلَى البَوَادِرِ !!
مَا أَحرَاهُ بِغَضِّ الطَّرفِ عَمَّا يَستَطِيعُ وَالإِعرَاضِ عَمَّا يَقدِرُ عَلَى الإِعرَاضِ عَنهُ !
فَإِنَّهُ مَا هَوَّنَ أَحَدٌ أَمرًا إِلاَّ هَانَ ، وَلا شَدَّ امرُؤٌ حَبلاً إِلاَّ انقَطَعَ .
هَوِّنِ الأَمرَ تَعِشْ في رَاحَةٍ . . . قَلَّمَا هَوَّنتَ إِلاَّ سَيَهُونْ
مَا يَكُونُ العَيشُ حُلوًا كُلُّهُ . . . إِنَّمَا العَيشُ سُهُولٌ وَحُزُونْ
وَمَن طَلَبَ الكَرَامَةَ وَنَزَعَت نَفسُهُ إِلى الرِّئَاسَةِ ، وَطَمِعَ أَن يَكُونَ سَيِّدًا في عَشِيرَتِهِ وَأَن يُحِبَّهُ الآخَرُونَ ، فَيَستَفِيدَ مِنهُم وَيُفِيدَهُم ، فَلا يَحمِلَنَّ عَلَيهِم حِقدًا ، وَلا يَجِدَنَّ في نَفسِهِ لَهُم غِلاًّ ، وَلْيَكُنْ بهم رَؤُوفًا رَحِيمًا ، فَإِنَّ مَن حَسُنَ خُلُقُهُ لم يَضِقْ بِعَدُوِّهِ صَدرُهُ ، وَمَن خَبُثَت نَفسُهُ لم يَحتَمِل أَقرَبَ النَّاسِ إِلَيهِ ، وَمَن لم يَسَعِ النَّاسَ بِبَسطِ وَجهِهِ وَحُسنِ خُلُقِهِ ، لم يَسَعْهُم بِمَالِهِ أَو مَنصِبِهِ ، وَ" الرِّفقَ لا يَكُونُ في شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلاَّ شَانَهُ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّهُ لا يَستَطِيعُ أَحَدٌ أَن يُزِيلَ الشَّرَّ مِن قُلُوبِ النَّاسِ إِلاَّ إِذَا اقتَلَعَ مِن قَلبِهِ جُذُورَهُ ، وَأَمَاتَ في نَفسِهِ بُذُورَهُ ، ثُمَّ مَلأَ قَلبَهُ بِالرَّحمَةِ لِلآخَرِينَ ، وَوَسَّعَهُ بِمَحَبَّةِ الخَيرِ لَهُم كَمَا يُحِبُّهُ لِنَفسِهِ ، وَصَدَقَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " لا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ "
وَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَن يَعرِفَ قِيمَةَ التَّسَامُحِ وَأَثَرَ العَفوِ وَالصَّفحِ ، فَلْيَتَذَكَّرْ أَخطَاءً وَقَعَت مِنهُ تُجَاهَ الآخَرِينَ ، وَلْيَستَحضِرْ زَلاَّتٍ بَدَرَت مِنهُ عَلَى غَيرِهِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَن يَعتَذِرَ فَمَا وَجَدَ عُذرًا ، فَمَا شُعُورُهُ ثَمَّةَ وَأَيُّ أَلَمٍ اعتَصَرَ قَلبَهُ ؟!
أَلا فَلْيَعلَمْ كُلٌّ مِنَّا أَنَّ النَّاسَ مِثلُهُ ، يَرتَاحُونَ أَن يَجِدُوا مُتَسَامِحًا ، ويُقلِقُهُم أَن يُغلَقَ بَابُ الرَّجعَةِ في وُجُوهِهِم ، أَلا فَمَن أَرَادَ أَن يَتَجَاوَزَ اللهُ عَنهُ فَلْيَتَجَاوَزْ عَن إِخوَانِهِ ، وَمَن أَرَادَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَهُ فَليَعفُ وَليَصفَحْ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَلْيَعفُوا وَلْيَصفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم " بارك الله لي ولكم في القرآن ...
الخطبة الثانية :
أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ ـ تَعَالى ـ حَقَّ التَّقوَى ، وَخَافُوهُ في السِّرِّ وَالنَّجوَى " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ الإِيمَانَ بِاللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَالاستِقَامَةَ عَلَى صِرَاطِهِ ، لَيسَت في شَعَائِرَ تُؤَدَّى في المَسَاجِدِ لِدَقَائِقَ مَعدُودَةٍ ، ثُمَّ يَنطَلِقَ المَرءُ بَعدَهَا في دُنيَاهُ لِيَفعَلَ مَا يَشَاءُ ، وَلَيسَت قِرَاءَةَ حُرُوفٍ مِنَ القُرآنِ سُرعَانَ مَا يُنسَى أَثَرُهَا وَلا يُطَبَّقُ مَا تَدعُو إِلَيهِ ، لا وَاللهِ ، وَمَن ظَنَّ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الاستِقَامَةُ فَقَد أَبعَدَ النُّجعَةَ وَمَالَ عَن سَبِيلِ المُرسَلِينَ ، إِنَّ الإِيمَانَ قَولٌ وَنِيَّةٌ وَعَمَلٌ ، إِنَّهُ صَلاحُ ظَاهِرٍ وَصِدقُ بَاطِنٍ ، إِنَّهُ دِينٌ وَدُنيَا ، إِنَّهُ تَعَامُلٌ مَعَ اللهِ بِالتَّقوَى ، وَمَعَ عِبَادِهِ بِحُسنِ الخُلُقِ ، وَإِتبَاعٌ لِلسَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " اتَّقِ اللهُ حَيثُمَا كُنتَ ، وَأَتبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ "
أَمَّا إِذَا كَانَ الإِنسَانُ أَخَفَّ مِنَ الرِّيشَةِ في مَهَبِّ الرِّيحِ ، تُقِيمُهُ كَلِمَةٌ ثُمَّ لا يَقعُدُ ، وَتُغضِبُهُ زَلَّةٌ ثُمَّ لا يَعفُو ، وَتَصُدُّ بِهِ هَفوَةٌ ثُمَّ لا يَعُودُ ، وَيُطلَبُ مِنهُ العَفوُ ثُمَّ يَستَنكِفُ وَيَستَكبِرُ ، وَتَتَمَادَى بِهِ الوَسَاوِسُ حَتَّىَ لا يَعُودَ لِعَفوِهِ طَعمٌ وَلا لتَسَامُحِهِ أَثَرٌ ، أَو يَظَلُّ يَنتَهِزُ الفُرصَ لِلرَّدِّ عَلَى صَاحِبِهِ بِمِثلِ مَا عَمِلَ أَو أَشَدَّ ، فَمَا أَحرَاهُ حِينَئِذٍ أَن يَطُولَ هَمُّهُ وَيُثقِلَهُ غَمُّهُ ، وَيَتَنَغَّصَ عَيشُهُ وَيَضِيقَ بَالُهُ .
وَإِذَا كَانَ الصَّبرُ المَحمُودُ هُوَ مَا كَانَ عِندَ الصَّدمَةِ الأُولى ، فَإِنَّ خَيرَ التَّسَامُحِ مَا كَانَ بَعدَ الخَطَأِ مُبَاشَرَةً ، لأَنَّ فِيهِ تَجرُّعًا لِلغَيظِ ، وَاحتِمَالاً لِبَلاءٍ عَظِيمٍ يَرِدُ عَلَى النَّفسِ في تِلكَ الحَالِ كَالجِبَالِ ، فَإِذَا استَصغَرَهُ المَرءُ في وَقتِهِ تَعظِيمًا للهِ وَإِيثَارًا لِمَا عِندَهُ ، كَانَ أَجرُهُ عِندَهُ عَظِيمًا وَثَوَابُهُ جَزِيلاً ، قَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " مَا مِن جَرعَةٍ أَعظَمُ عِندَ اللهِ أَجرًا مِن جَرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ اللهِ "
المشاهدات 4727 | التعليقات 5
أشكرك جزيلاً على مسامحتك إياي ، وأسأل الله أن يعظم أجرك ويرفع قدرك .
وتعليقًا على قولك : (في الغالب) أقول :
أنت مسامح ، نعم ، أنت مسامح من كل قلبي ؛ لأني لا أذكر أني أوردت في أي خطبة من خطبي ما أَجمعُوا على تضعيفه ولم يحصل هذا مني أبدًا ، والفضل في ذلك لله وحده أولاً ، ثم لأئمة الحديث الذين خدموا السنة وميزوا صحيحها من سقميها ، وبينوا للناس ما يعتمد عليه وتبنى عليه الأحكام وفضائل الأعمال ، وما ليس كذلك .
فثق ـ أخي الحبيب ـ وليثق الإخوة الذين يتفضلون بالاستفادة من هذه الخطب أني لا يمكن أن أورد حديثًا إلا أن يكون في الصحيحين أو أحدهما أو أجد من صححه من المتقدمين أو المتأخرين .
صحيح أني قد أورد حديثًا اختلف في تصحيحه ، وهذا لا أظن أحدًا يلام عليه ، فمسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية ، ولتعدد الرأي فيها مساحة ، خاصة إذا كان من صَحَّحَ الحديث من الأئمة الموثوق في علمهم وديانتهم .
وإنما أترك الإشارة إلى من صحح الحديث أو من خرجه لأمور من أهمها :
- طلب الاختصار ، فالسامع غالبًا لا يهتم بمثل هذه الأمور ، والتي قد تقطع عليه حبل أفكاره .
- أني أخذت على نفسي ألا أذكر من الأحاديث إلا ما في الصحيحين أو أحدهما ، أو ما صححه إمام متخصص .
- أن بإمكان إخواني الخطباء البحث بضغطة زر عن أي حديث ليعرفوا درجته ومن خرجه ، إما في المواقع المتخصصة في الشبكة كمثل كموقع (الدرر السنية) ، أو بالاستفادة من المكتبة الشاملة ، والتي لا أظن جهازَ أيٍّ من الإخوة يخلو منها .
وهل يستلذ العيش إلا المسامح ؟
صحيح صحيح ... لا يستلذ العيش إلا المتسامح
اللهم فأعنا على التسامح
ووفقنا للعفو والتجاوز
الحقيقة المرة التي مررت عيشنا أننا لا نقدر في أحيان كثيرة على التسامح
أول ما يفكر الواحد منا ويضرب ويقسم ويذهب يمينا وشمالا من أجله هو الانتقام ولهذا تراه بعد ذلك يحاول أن ينسى ما حدث من أخيه ولكن يفاجأ بدوافع داخلية تؤزه إلى الشر أزا لأنه هو الذي أشعل فتيلها ولو أنه سارع إلى التسامح مباشرة ما وصل إلى أن تتعقد الأمور وتلتهم حرائق الغضب والانتقام أواصر المحبة بينه وبين إخوانه ...
ولا ننسى أن المجتمع في بعض الأحيان لا يساعد على التسامح ولا تجد في الناس من يرغب فيه إلا القليل وكثير من الناس يذكر أحد المتخاصمين عيوب صاحبه وينبهه إلى ثغراته ليؤذيه ولدى الآخر تجد أناسا يدفعونه إلى الانتقام من صاحبه وتذهب الأيام ويكثر الخصام وتتقطع الأواصر ...
ليتنا نسارع بعد أي جدال أو خصام فنصب ماء التسامح البارد على حرارة الغضب الشيطانية لنخمد نار العداوة .
متى ينام الواحد منا وليس في قلبه على أحد من المسلمين غل ولا حقد ولا حسد ولا نية انتقام ؟؟
اللهم ارزقنا التسامح اللهم ارزقنا التسامح اللهم ارزقنا التسامح
أول ما يفكر الواحد منا ويضرب ويقسم ويذهب يمينا وشمالا من أجله هو الانتقام ولهذا تراه بعد ذلك يحاول أن ينسى ما حدث من أخيه ولكن يفاجأ بدوافع داخلية تؤزه إلى الشر أزا لأنه هو الذي أشعل فتيلها ولو أنه سارع إلى التسامح مباشرة ما وصل إلى أن تتعقد الأمور وتلتهم حرائق الغضب والانتقام أواصر المحبة بينه وبين إخوانه ...
ولا ننسى أن المجتمع في بعض الأحيان لا يساعد على التسامح ولا تجد في الناس من يرغب فيه إلا القليل وكثير من الناس يذكر أحد المتخاصمين عيوب صاحبه وينبهه إلى ثغراته ليؤذيه ولدى الآخر تجد أناسا يدفعونه إلى الانتقام من صاحبه وتذهب الأيام ويكثر الخصام وتتقطع الأواصر ...
ليتنا نسارع بعد أي جدال أو خصام فنصب ماء التسامح البارد على حرارة الغضب الشيطانية لنخمد نار العداوة .
متى ينام الواحد منا وليس في قلبه على أحد من المسلمين غل ولا حقد ولا حسد ولا نية انتقام ؟؟
اللهم ارزقنا التسامح اللهم ارزقنا التسامح اللهم ارزقنا التسامح
قضية الموانع من التسامح سواء منها الشخصية الداخلية أو ما كان منها ناتجًا عن مؤثرات خارجية تحتاج خطبة خاصة ، فعسى الله أن ييسر كتابتها ؛ فالموضوع مهم لكثرة ما نراه في مجتمعنا من خلافات حتى بين الأحباب ، والتي بدلاً من أن تكون من باب التنوع وتعدد الرأي صارت خلافات تضاد وتشاحن وقطيعة وتهاجر .
فنعوذ بالله من اتباع الهوى والشياطين .
قد استفدنا من ملحوظات الإخوة وإضافاتهم على هذا الموضوع في خطبة مكملة بعنوان : (لماذا لا نتسامح ؟) على هذا الرابط :
https://khutabaa.com/forums/موضوع/136197
فجزاهم الله خيرًا وأكثر من أمثالهم .
أبو البراء
أشكرك فهذه من روائع خطبك جزاك الله خير الجزاء وأوفره
وأسامحك على عدم تخريج الأحاديث ولو بإشارة إلى صحّتها
ومن خلال تتبعي لخطبك أجدها صحيحة في الغالب
تعديل التعليق